طلعت قديح - تنازلت، وصار هناك حمّام...

منذ خروجنا من مدرسة عكا (مكان إيواء) الملاصقة لمستشفى ناصر، عبر ما يسمّى (الحلّابات) بين دبابتين، ووصولنا إلى مكان التشرد (المواصي)، لم أستسغ إقامة حمّام لقضاء الحاجة، ليس لمعارضة الفكرة بشكلها التنفيذي فهي ضرورة للحاجة الإنسانية، لكني أحسست بأن الحمّام يوافق نزعة شعورية (مفتاح العودة) وأخذتني أفكار متعددة:
كيف أقيم حمّاما وهذا يعني استسلاما ونزولا للعدو بعدم رجوعنا لبيوتنا؟
كانت الأخبار في كل يوم تُرحل الأمل بهدنة من أسبوع لأسبوع حتى فاقت الشهرين، بدت غيمة سوداء في الأفق تدل على إطالة أمد الحرب، والسبب الوحيد هو كسب الوقت لنت ي اهو قبل دخول السجن في قضايا الفساد، والكل مقتنع أن أي رئيس وزراء آخر للكيان المسخ كان سينهي الحرب في مدة أقصاها 3أشهر، إلا أن الحظ العاثر التأم مع مصلحة المجرم.
كان الهروب من بناء حمّام التشرد بين هذا وذاك، والركون في الأزمات إلى حمّام مصغر (دلو) حتى زاد الحد عن التحمل، فكان الاستسلام للأمر، وأقمت الحمّام في يومين، وأما الإول فكان للحفر والثاني لـ (خلطة أرضية) بسيطة، فكان حمّام من خشب وقماش.
وفي لجة المعاناة أتساءل:
هل من اتخذ قرار المغامرة الغبية وتداعياتها يعاني مانعاني من ويلات الحرب؟ هل لديه حمّام؟ هل ينهد ظهره من تعبئة المياه المالحة لمسافات طويلة ناهيك عن المياه التي يقال أنها حلوة وفي حقيقة الأمر هي مياه مخلوطة من آبار؟
هل يقف مثلنا في الدور؟ وقد رأينا أنفاقا تفوق بذاختها بيوت الشعب؟
هل تغسل نساء القادة الساعين لهدنة الغسيل بأيديهن للحد الذي باتت أشبه بأيدي العجائز من الكيماويات؟
إذا كان الوطن الذي يُحارب من أجله، فلماذا خرج قادة حم ا سوعائلاتهم بالكامل خارج غزة! هل هو نوع من التكافل الاجتماعي ولم الشمل!
لقد وصل الحال بسكان غزة إلى لملمة تكاليف الهجرة بعد انتهاء الحرب بعدد من السنين لتركوا غزة لح ما س وإس رائ يل لإكمال دق الطرنيب فينا بينهم.
من الأغلى التراب أم اللحم، التراب أم أنا؟
الحمّام وصمة عار فيمن جعلني أستسلم للفكرة والتنفيذ، هو أشبه بالتنازل عن مفتاح العودة، لذا أقمته دون قفل أو مفتاح، فقط مسمار يواري من بداخله، مسمار يعني الكثير...
في كتاب فلسطيني بلا هوية للقائد "صلاح خلف" أبو إياد، أحد قادة حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية قال: ( غير أن شعبنا سيلد ثورة جديدة وينجب حركة أعظم بأسا من حركتنا وقادة أكثر دراية وتجريبا وأشد خطرا ........).
فقد تحقق قسم من النبوءة، وقسم لم يحدث، وقد يكون القصد بالحركة هو الأسلوب لا التوجه، فأما الثورة فكانت انتفاضة الحجر الشعبية وهذا ما حدث، وأما الحركة فإنني -كشاهد عيان- لاأعتقد أن حركة تمثل الهم الفلسطيني الحقيقي كما حركة فتح.
والسؤال الذي لن نجد إجابة له: لماذا علينا أن نعاني وغيرنا لا !!!!!



26-3-2024

غزة المحتلة
طلعت قديح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى