تصاعد الأهتمام لدى النقاد العرب في العقود الأخيرة بنقد الموروث النثري،والمتمثل خاصة بالمقامات والحكايات الشعبية في ضوء مناهج النقد الحديث.
ويحتل الناقد المغربي الكبير عبد الفتاح كيليطو مكانة خاصة في هذا المجال في النقد المغربي والعربي على السواء. واذا ما أشبع النقاد المغاربة دراسة كيليطو نقدياً، فأن النقد العربي لم يكن بعيداً عن ابداء مثل هذا الاهتمام. وها هو الناقد والاكاديمي العراقي الدكتور عبد الستار جبر يقدم للمكتبة النقدية محاولة جديدة في هذا الميدان من خلال كتابه النقدي الموسوم « كيف نحلل الحكاية؟ التراث والتأويل في النقد العربي الحديث: عبد الفتاح كليطو إنموذجاً» . وكتاب الدكتور عبد الستار جبر يقع ، كما هو واضح، تحت مظلة نقد النقد بوصفه كما يقول رولان بارت، لغة على لغة،
ومعروف عن الناقد الكبير عبد الفتاح كيليطو إنصرافه شبه الكلي لقراءة وتحليل وتأويل النصوص والحكايات والمقامات التي يحفل بها موروثنا الكلاسيكي النثري ، على وفق منهجية خاصة به تزاوج بين معطيات المناهج النقدية الحداثية كالبنيوية الشكلانية لدى رولان بارت والبنيوية التكوينية، التي طورها الناقد لوسيان غولدمان، فضلاً عن إفادته من نظرية الناقد الروسي يوري لوتمان ومدرسة تارتو في النقد السيميائي وتنظيرات الناقد روبرت شولر.
وقد عمد الناقد د. عبد الستار جبر في البداية الى تأطير تجربة الناقد عبد الفتاح كيليطو داخل منظومة النقد المغاربي بشكل خاص والنقد العربي بشكل عام ، ثم تناول المجسات الاستراتيجية النقدية التي يوظفها الناقد عبد الفتاح كيليطو في تحليله للنصوص التراثية الحكائية، وتوقف عند المفاصل الاساسية لحركة النقد المغاربي وتحولاته في العقود الأخيرة عبر محاور مهمة مثل « من الثنائية المزدوجة الى المركزية الذاتية « و « الاحتفاء بالبنيوية التكوينية « و « سؤال المنهج والمشروع» و « جدلية الحضور والغياب» وغيرها من المحاور المهمة التي تقود الى التعرف الى منهجية الناقد عبد الفتاح كيليطو في تحليل النصوص التراثية، واستقرأ الباحث مراحل تطور النقد المغربي الجديد منذ ، ووضع تجربة الناقد كيليطو صمن مرحلة انتشار الإتجاهات السيميولوجية ونظريات القراءة والتلقي. ويستشهد الباحث برأي المفكر المغربي الكبير عبد الكبير الخطيبي الذي أشّر إهتمام كليطو بالتناص أسلوباً في التحليل والمقارنة، مع أنه لم يستخدم مصطلح التناص في كتاباته، كما يستشهد الباحث برأي الناقدين محمد عزيز الحبابي وعبد القادر الفاسي الفهري، اللذين يذهبان الى أن تحليل كيليطو للنصوص يتسم بصفة تأويلية بارزة ، ويصبح النقد لديه تأويلاً على تأويل، الى الحد الذي تخرجه من فعاليته التأويلية من مجال النقد الأدبي الى مجال آخر هو النقد الثقافي أو ما يعرف بالدراسات الثقافية أو التحليل الثقافي. ويشير الباحث الى رأي نقاد آخرين يدرجون كيليطو في قائمة الباحثين السيميائيين العرب المحدثين، ويذهب الناقد عبد السلام بنعبدالعالي الى أن كيليطو لا يتعامل مع النص الذي يدرسه وكأنه معطىً من المفاهيم فقط، فهو شبكة من الصور أيضاً، حيث يحّول كيليطو المفاهيم الى صور، بتفعيلة « الخيال العقلي» لديه. ويرى الناقد محمد بدوي أن تجربة كيليطو تنتمي الى المنحى التفكيكي . ويورد الباحث تحذير كيليطو من مغبة الحكم على نصوص كلاسيكية بمعايير عصرية، إنما يجب دراستها لذاتها، ولذا فقد عكف على دراسة المقامات رغبةً منه في المساهمة في ازالة هذا المنهج القاصر. وتوقف الباحث عند اهتمام كيليطو بقضية التجنيس والانواع الأدبية، وتأكيده على أن الاخلال بالنوع يعد شيئاً مذموماً، لأن الأنواع علامات إسترشاد في سبيل الفهم والاستيعاب بالنسبة للقراء،فكل نوع أدبي يفتح أفق انتظار خاص به، كما يؤكد ذلك كيليطو، وهو يستعيد مصطلحات الناقد الالماني ياوس. ويتخذ كيليطو من المقامات مثالاً لاستراتيجيته النقدية. فهو يرى أن راوي المقامات يقوم بوظيفة تشبه ما كان يقوم به راوية شاعر ما، حين يحفظ أشعاره ويتسقط أخباره ليذيعها بين الناس، وهو ما يفعله عيسى بن هشام مع بطل المقامات أبو الفتح الاسكندري. ويرى الباحث أن كيليطو يتبنى منهج المستشرق الألماني غرونباوم والذي يؤكد فيه على أهمية الخصائص النوعية للنص، ويحذر بشدة من النظرة القاصرة التي تقارن بين السيرة القديمة والسيرة الحديثة، ولا تحاول أن تدرس النصوص القديمة لذاتها.
ولذا ينبه كليطو الى مخاطر التعامل مع النص القديم بالاعتماد على المقارنة الآلية مع النصوص الحديثة، واتخاذ الأخيرة معياراً للتفاضل. ويعمد الباحث الى الكشف عن المنهج التحليلي للحكاية الكلاسيكية الذي يعتمده كيليطو في اعتماده على آليات التحليل البنيوي، وخاصة في إشارته الى أننا في السرد يجب أن نبحث عن القواعد التي يخضع لها. وهو يذهب مع رولان بارت الذي يرى أن الحكاية هي مجموعة من الاحداث أو الأفعال السردية تتوق الى نهاية، تنتظم في إطار سلاسل تكثر أو تقل حسب طول أو قصر الحكاية، كل سلسلة يشدّ أفعالها رباط زمني ومنطقي. ويختار كيليطو مقطعاً من «حكاية الخياط والأحدب اليهودي والنصراني»، من قصص» ألف ليلة وليلة»، ليكون إنموذجاً لاختبار مفهوم الحكاية الذي تبناه، فضلاً عن محاولة الكشف عن القواعد السردية التي خضع لها هذا المقطع.
وفي محاولة مهمة لكيفية تحليل الحكاية، يقترح كيليطو إجراء تسع خطوات أساسية يتمثل أولها في احتمالية وجود إرتباط النص بحكايات أخرى مماثلة، وهو ما يقع تحت باب « التناص»، وثانيهما اللجوء الى تقطيع الحكاية الى وحدات صغرى، وتجنب التلخيص لها ، لأنه يثبت في ذهن القارئ، وهو ليس بالعملية البريئة. أما ثالث هذه القواعد فتؤكد على تجنب التذكير بمحتوى الحكاية المعروفة أو الشهيرة. أما القاعدة الرابعة فتدعو للشروع بتحليل الحكاية الذي يرتكز على تفاصيل وجزئيات دقيقة، ومن ذلك نقل بعض الفقرات وتلخيص أخرى، على الرغم من تحفظه على التلخيص ومساوئه.وتذهب القاعدة الخامسة الى ضرورة فك الابهام والغموض عن طريق طرح أسئلة تسعى الى البحث عن تفسير للمبهم والغامض في الحكاية. وتدعو القاعدة السابعة الى أهمية تفحص صورة البطل ومقارنتها مع عدد من الحكايات الأخرى. وتولي القاعدة الثامنة أهمية لاعتماد التحليل المعجمي لايجاد حقل دلالي لحكاية انموذج (حكاية نمطية) يختارها، لتقارن معها الحكاية الحالية. أما القاعدة التاسعة والأخيرة فتركز على أهمية « مساءلة المنطق السببي للحكاية ، أي علاقة العلة بالمعلول.
ويخلص كيليطو الى أن التأويل هو الآلية التي يلجأ إليها في التعامل مع نص الحكاية، ذلك أن كل قارئ سيتحول رغم أنفه الى مؤول ، وبذا يصبح التأويل حتمية قرائية.
ويعمد الباحث الى إقامة مقارنة ذكية بين منهج كيليطو ومنهج الناقد المعروف روبرت شولز في تحليل الحكاية. إذْ يلخص شولز منهجه التحليلي في ست نقاط هي عزل الشخصية المركزية ولا سيما شخصية البطل، وثانيهما رصد المتغيرات الهائلة للشخصيات لمعرفة موضوعة التحول التي تطال الشخصيات المركزية في الحكاية . وثالث هذه الخطوات تتمثل في ملاحظة الأمور التي تسير ضد حركة القصة، أي بمعنى رصد المعوقات المضادة. أما رابع هذه القواعد فتمثل التفكير في الخطوط المتنوعة للحدث، وكيفية تفاعل الشخصية مع الحدث. كما يركز كيليطو من جانبه، سيراً على خطى شولز، على مسألة البحث عن الثيمة المركزية للحكاية، وهو يرى أن بعض الشخصيات والحوادث الهامشية غالباً ما تكون ذات أهمية ثيمية خاصة. وينوه الباحث الى أن ميله لاجراء هذه المقارنة بين المنهجين يعود الى وجود اشتراك شبه كلي بينهما، مع ملاحظة أن كيليطو يسعى للاحاطة بالقصة بشكل عام، بينما يميل شولز للتركيز على الحبكة وتمظهراتها. وأشار الباحث الى أن تحليل كيليطو للنص يعتمد على عدّ التعدد الدلالي، والتأكيد على أن تعدد الدلالات ينتج من تعدد العلاقات، فالنص يصير غنياً بالمعاني عندما يفلح القارئ في تركيب علاقات خفية بين عناصره، وعناصر نصوص أخرى. ومن المهم الانتباه الى تأثر كيليطو بآراء يوري لوتمان في تعريف النص الذي لا يتحقق الا بتحديد علاقته بالثقافة التي ينتمي اليها. وترى مدرسة تارتو التي يعد لوتمان أبرز ممثليها أن النص هو كل رسالة تؤدي وظيفة نصية في ثقافة معنية ، وبذا تصبح الثقافة مجموع الوظائف التي تؤديها النصوص في الحياة الاجتماعية. ويعلق كيليطو على رأي لوتمان للتفرقة بين النص واللانص بأن العملية تتم اذا إنضاف الى المدلول اللغوي مدلول آخر، مدلول ثقافي يكون ذا قيمة داخل الثقافة المعنية، ويرفع بذلك الى مرتبة النص، ذلك أنه اكتسب قيمة ومعنى ثقافياً خاصاً، في مقابل اللا نص الذي يفتقر لهما. وفي محاولة لتحديد مفهوم النص الأدبي يرى كيليطو أن النص يعد إحالة على عالم اشياء وشخصيات وأحداث خيالية، فضلاً عن التزامه بحدود الوظيفة الشعرية التي حددها ياكوبسن برؤيته للنص الأدبي على أنه رسالة لغوية تنمحي فيها وظائف الكلام الأخرى، تاركة المجال لنظام العلاقات الدقيقة بين عناصر النص.
ويخلص الباحث د. عبد الستار جبر الى أن الناقد عبد الفتاح كيليطو في تركيزه على النص التراثي كان ميالاً الى التحليل والتأويل، وتجنب الاسراف في التنظير والتعقيد الاصطلاحي، أو تبني اتجاه أو تيار أو منهج نقدي بعينه. ويرى الباحث أن الناقد عبد الفتاح كيليطو ، وعبر تسعة مؤلفات وما يفوق على الثلاثين بحثاً وورقة نقاشية إمتلك مشروعاً نقدياً ينهض على أرضية هذا المجهود التأليفي الذي يسعى الى مغادرة البنى التقليدية في التفكير النقدي، والى الاختلاف عن البنى الحديثة المهووسة بخلط المناهج والانخراط في المصطلحات.
كتاب الباحث الاكاديمي د. عبد الستار جبر مساهمة نقدية أكاديمية، في مجال فحص ومساءلة التجارب النقدية العربية المتميزة مما يجعلها تستحق الثناء والتقدير.
فاضل ثامر
2022/09/10
ويحتل الناقد المغربي الكبير عبد الفتاح كيليطو مكانة خاصة في هذا المجال في النقد المغربي والعربي على السواء. واذا ما أشبع النقاد المغاربة دراسة كيليطو نقدياً، فأن النقد العربي لم يكن بعيداً عن ابداء مثل هذا الاهتمام. وها هو الناقد والاكاديمي العراقي الدكتور عبد الستار جبر يقدم للمكتبة النقدية محاولة جديدة في هذا الميدان من خلال كتابه النقدي الموسوم « كيف نحلل الحكاية؟ التراث والتأويل في النقد العربي الحديث: عبد الفتاح كليطو إنموذجاً» . وكتاب الدكتور عبد الستار جبر يقع ، كما هو واضح، تحت مظلة نقد النقد بوصفه كما يقول رولان بارت، لغة على لغة،
ومعروف عن الناقد الكبير عبد الفتاح كيليطو إنصرافه شبه الكلي لقراءة وتحليل وتأويل النصوص والحكايات والمقامات التي يحفل بها موروثنا الكلاسيكي النثري ، على وفق منهجية خاصة به تزاوج بين معطيات المناهج النقدية الحداثية كالبنيوية الشكلانية لدى رولان بارت والبنيوية التكوينية، التي طورها الناقد لوسيان غولدمان، فضلاً عن إفادته من نظرية الناقد الروسي يوري لوتمان ومدرسة تارتو في النقد السيميائي وتنظيرات الناقد روبرت شولر.
وقد عمد الناقد د. عبد الستار جبر في البداية الى تأطير تجربة الناقد عبد الفتاح كيليطو داخل منظومة النقد المغاربي بشكل خاص والنقد العربي بشكل عام ، ثم تناول المجسات الاستراتيجية النقدية التي يوظفها الناقد عبد الفتاح كيليطو في تحليله للنصوص التراثية الحكائية، وتوقف عند المفاصل الاساسية لحركة النقد المغاربي وتحولاته في العقود الأخيرة عبر محاور مهمة مثل « من الثنائية المزدوجة الى المركزية الذاتية « و « الاحتفاء بالبنيوية التكوينية « و « سؤال المنهج والمشروع» و « جدلية الحضور والغياب» وغيرها من المحاور المهمة التي تقود الى التعرف الى منهجية الناقد عبد الفتاح كيليطو في تحليل النصوص التراثية، واستقرأ الباحث مراحل تطور النقد المغربي الجديد منذ ، ووضع تجربة الناقد كيليطو صمن مرحلة انتشار الإتجاهات السيميولوجية ونظريات القراءة والتلقي. ويستشهد الباحث برأي المفكر المغربي الكبير عبد الكبير الخطيبي الذي أشّر إهتمام كليطو بالتناص أسلوباً في التحليل والمقارنة، مع أنه لم يستخدم مصطلح التناص في كتاباته، كما يستشهد الباحث برأي الناقدين محمد عزيز الحبابي وعبد القادر الفاسي الفهري، اللذين يذهبان الى أن تحليل كيليطو للنصوص يتسم بصفة تأويلية بارزة ، ويصبح النقد لديه تأويلاً على تأويل، الى الحد الذي تخرجه من فعاليته التأويلية من مجال النقد الأدبي الى مجال آخر هو النقد الثقافي أو ما يعرف بالدراسات الثقافية أو التحليل الثقافي. ويشير الباحث الى رأي نقاد آخرين يدرجون كيليطو في قائمة الباحثين السيميائيين العرب المحدثين، ويذهب الناقد عبد السلام بنعبدالعالي الى أن كيليطو لا يتعامل مع النص الذي يدرسه وكأنه معطىً من المفاهيم فقط، فهو شبكة من الصور أيضاً، حيث يحّول كيليطو المفاهيم الى صور، بتفعيلة « الخيال العقلي» لديه. ويرى الناقد محمد بدوي أن تجربة كيليطو تنتمي الى المنحى التفكيكي . ويورد الباحث تحذير كيليطو من مغبة الحكم على نصوص كلاسيكية بمعايير عصرية، إنما يجب دراستها لذاتها، ولذا فقد عكف على دراسة المقامات رغبةً منه في المساهمة في ازالة هذا المنهج القاصر. وتوقف الباحث عند اهتمام كيليطو بقضية التجنيس والانواع الأدبية، وتأكيده على أن الاخلال بالنوع يعد شيئاً مذموماً، لأن الأنواع علامات إسترشاد في سبيل الفهم والاستيعاب بالنسبة للقراء،فكل نوع أدبي يفتح أفق انتظار خاص به، كما يؤكد ذلك كيليطو، وهو يستعيد مصطلحات الناقد الالماني ياوس. ويتخذ كيليطو من المقامات مثالاً لاستراتيجيته النقدية. فهو يرى أن راوي المقامات يقوم بوظيفة تشبه ما كان يقوم به راوية شاعر ما، حين يحفظ أشعاره ويتسقط أخباره ليذيعها بين الناس، وهو ما يفعله عيسى بن هشام مع بطل المقامات أبو الفتح الاسكندري. ويرى الباحث أن كيليطو يتبنى منهج المستشرق الألماني غرونباوم والذي يؤكد فيه على أهمية الخصائص النوعية للنص، ويحذر بشدة من النظرة القاصرة التي تقارن بين السيرة القديمة والسيرة الحديثة، ولا تحاول أن تدرس النصوص القديمة لذاتها.
ولذا ينبه كليطو الى مخاطر التعامل مع النص القديم بالاعتماد على المقارنة الآلية مع النصوص الحديثة، واتخاذ الأخيرة معياراً للتفاضل. ويعمد الباحث الى الكشف عن المنهج التحليلي للحكاية الكلاسيكية الذي يعتمده كيليطو في اعتماده على آليات التحليل البنيوي، وخاصة في إشارته الى أننا في السرد يجب أن نبحث عن القواعد التي يخضع لها. وهو يذهب مع رولان بارت الذي يرى أن الحكاية هي مجموعة من الاحداث أو الأفعال السردية تتوق الى نهاية، تنتظم في إطار سلاسل تكثر أو تقل حسب طول أو قصر الحكاية، كل سلسلة يشدّ أفعالها رباط زمني ومنطقي. ويختار كيليطو مقطعاً من «حكاية الخياط والأحدب اليهودي والنصراني»، من قصص» ألف ليلة وليلة»، ليكون إنموذجاً لاختبار مفهوم الحكاية الذي تبناه، فضلاً عن محاولة الكشف عن القواعد السردية التي خضع لها هذا المقطع.
وفي محاولة مهمة لكيفية تحليل الحكاية، يقترح كيليطو إجراء تسع خطوات أساسية يتمثل أولها في احتمالية وجود إرتباط النص بحكايات أخرى مماثلة، وهو ما يقع تحت باب « التناص»، وثانيهما اللجوء الى تقطيع الحكاية الى وحدات صغرى، وتجنب التلخيص لها ، لأنه يثبت في ذهن القارئ، وهو ليس بالعملية البريئة. أما ثالث هذه القواعد فتؤكد على تجنب التذكير بمحتوى الحكاية المعروفة أو الشهيرة. أما القاعدة الرابعة فتدعو للشروع بتحليل الحكاية الذي يرتكز على تفاصيل وجزئيات دقيقة، ومن ذلك نقل بعض الفقرات وتلخيص أخرى، على الرغم من تحفظه على التلخيص ومساوئه.وتذهب القاعدة الخامسة الى ضرورة فك الابهام والغموض عن طريق طرح أسئلة تسعى الى البحث عن تفسير للمبهم والغامض في الحكاية. وتدعو القاعدة السابعة الى أهمية تفحص صورة البطل ومقارنتها مع عدد من الحكايات الأخرى. وتولي القاعدة الثامنة أهمية لاعتماد التحليل المعجمي لايجاد حقل دلالي لحكاية انموذج (حكاية نمطية) يختارها، لتقارن معها الحكاية الحالية. أما القاعدة التاسعة والأخيرة فتركز على أهمية « مساءلة المنطق السببي للحكاية ، أي علاقة العلة بالمعلول.
ويخلص كيليطو الى أن التأويل هو الآلية التي يلجأ إليها في التعامل مع نص الحكاية، ذلك أن كل قارئ سيتحول رغم أنفه الى مؤول ، وبذا يصبح التأويل حتمية قرائية.
ويعمد الباحث الى إقامة مقارنة ذكية بين منهج كيليطو ومنهج الناقد المعروف روبرت شولز في تحليل الحكاية. إذْ يلخص شولز منهجه التحليلي في ست نقاط هي عزل الشخصية المركزية ولا سيما شخصية البطل، وثانيهما رصد المتغيرات الهائلة للشخصيات لمعرفة موضوعة التحول التي تطال الشخصيات المركزية في الحكاية . وثالث هذه الخطوات تتمثل في ملاحظة الأمور التي تسير ضد حركة القصة، أي بمعنى رصد المعوقات المضادة. أما رابع هذه القواعد فتمثل التفكير في الخطوط المتنوعة للحدث، وكيفية تفاعل الشخصية مع الحدث. كما يركز كيليطو من جانبه، سيراً على خطى شولز، على مسألة البحث عن الثيمة المركزية للحكاية، وهو يرى أن بعض الشخصيات والحوادث الهامشية غالباً ما تكون ذات أهمية ثيمية خاصة. وينوه الباحث الى أن ميله لاجراء هذه المقارنة بين المنهجين يعود الى وجود اشتراك شبه كلي بينهما، مع ملاحظة أن كيليطو يسعى للاحاطة بالقصة بشكل عام، بينما يميل شولز للتركيز على الحبكة وتمظهراتها. وأشار الباحث الى أن تحليل كيليطو للنص يعتمد على عدّ التعدد الدلالي، والتأكيد على أن تعدد الدلالات ينتج من تعدد العلاقات، فالنص يصير غنياً بالمعاني عندما يفلح القارئ في تركيب علاقات خفية بين عناصره، وعناصر نصوص أخرى. ومن المهم الانتباه الى تأثر كيليطو بآراء يوري لوتمان في تعريف النص الذي لا يتحقق الا بتحديد علاقته بالثقافة التي ينتمي اليها. وترى مدرسة تارتو التي يعد لوتمان أبرز ممثليها أن النص هو كل رسالة تؤدي وظيفة نصية في ثقافة معنية ، وبذا تصبح الثقافة مجموع الوظائف التي تؤديها النصوص في الحياة الاجتماعية. ويعلق كيليطو على رأي لوتمان للتفرقة بين النص واللانص بأن العملية تتم اذا إنضاف الى المدلول اللغوي مدلول آخر، مدلول ثقافي يكون ذا قيمة داخل الثقافة المعنية، ويرفع بذلك الى مرتبة النص، ذلك أنه اكتسب قيمة ومعنى ثقافياً خاصاً، في مقابل اللا نص الذي يفتقر لهما. وفي محاولة لتحديد مفهوم النص الأدبي يرى كيليطو أن النص يعد إحالة على عالم اشياء وشخصيات وأحداث خيالية، فضلاً عن التزامه بحدود الوظيفة الشعرية التي حددها ياكوبسن برؤيته للنص الأدبي على أنه رسالة لغوية تنمحي فيها وظائف الكلام الأخرى، تاركة المجال لنظام العلاقات الدقيقة بين عناصر النص.
ويخلص الباحث د. عبد الستار جبر الى أن الناقد عبد الفتاح كيليطو في تركيزه على النص التراثي كان ميالاً الى التحليل والتأويل، وتجنب الاسراف في التنظير والتعقيد الاصطلاحي، أو تبني اتجاه أو تيار أو منهج نقدي بعينه. ويرى الباحث أن الناقد عبد الفتاح كيليطو ، وعبر تسعة مؤلفات وما يفوق على الثلاثين بحثاً وورقة نقاشية إمتلك مشروعاً نقدياً ينهض على أرضية هذا المجهود التأليفي الذي يسعى الى مغادرة البنى التقليدية في التفكير النقدي، والى الاختلاف عن البنى الحديثة المهووسة بخلط المناهج والانخراط في المصطلحات.
كتاب الباحث الاكاديمي د. عبد الستار جبر مساهمة نقدية أكاديمية، في مجال فحص ومساءلة التجارب النقدية العربية المتميزة مما يجعلها تستحق الثناء والتقدير.
فاضل ثامر
2022/09/10