جعفر الديري - أحباؤنا من يتذكّرهم

كتب - جعفر الديري:

لا شك أنني كنت أحلم، وإلا فأين أنا من أبي وجملة من أهلي، أخذهم الموت فيمن أخذ من الأحباب والأصحاب؟!. لقد حلمت البارحة أنني كنت جالسا معهم، سعيدا بأحاديثهم، حين استيقظت في جوف الليل، وقد غمرني شعور قاتل بالوحشة، ملأني حزنا وألما.

والحق أنَّنا كلَّما تقدَّمنا في السن، كلما أحسسنا بالحاجة لمن يبادلنا الحبَّ والمودة. وأحباءنا من كبار السن الذين عشنا معهم طفولتنا وصبانا وشبابنا، كانوا أقدر الناس على إسعادنا. كانوا بلسم الجراح، ودواء النفوس، بطيب قلوبهم وطهارة أرواحهم. كنت تشعر عندما تجلس معهم وكأنُّهم من أهل السماء لا الأرض.

ليس ذلك من المبالغة في شي، فأنت عندما تتذكُّر الأمس، وتأسف عليه، إنما تأسف لفراق أهله الطيبين. فهل وجدت في أهل اليوم صديقا لا ينام الليل إن مسكَّ ضرٌّ أو فاقه؟! هل وجدت من أهلك من يقاسمك زاده وزاد أبنائه؟! أتعرف جارا من جيرانك، يرعاك كما يرعى فلذات كبده؟! كل أولائك كانوا أبناء الأمس. جيل أبي وأبيك وجدِّي وجدك، وليس أبناء جيلي وجيلك، هذا الذي يموت فيه الأخ الشقيق، فلا يعلم عنه إخوته إلا من أفواه الناس!.

الدنيا لا تخلو من الطيبين والطيبات، هذا حق، وإلا لتحوَّلت إلى جهنم أخرى، لكن.. لماذا نتذكُّر كبار السن ونأسف لفراق زمنهم؟! أليس في ذلك دليل على أن إنسانيتهم كانت أكثر ما يميزهم؟! ترى هل يسخو الزمن، فيجود علينا بمن يشبههم؟!.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى