إنَّ آثار النعمة ظاهِرة في البيت، كُلَّ ركن فيه يشيء بالحَياة المُرفَّهة، الحياة التي تمنّاها بحق، حتَّى جلوسه الآن على هذه الأريكة الثمينة، في هذا الطقس المنعش، دليل آخر على مبلغ ما هو فيه من نعمة.
رغم ذلك، يشعر بالضيق والكدر، ويحاول التسلَّي بكلِّ شيء دون فائدة، وكأنّ القدر نفس عليه أن يجمع المال وراحة البال، وإلاَّ فما معنى هذه الهواجس التي ترفض أن تفارق رأسه؟ وحتَّى متى يظلُ رهينا لأبناء كالجرب المثقوبة؟ إن أراد الحق فهم جميعا فاشلون، لم يفلح أحد منهم، لا في دراسة ولا عمل، بالكاد استطاعوا إتمام الثانوية العامة، وكم تمنَّى صَادقا لو كاشفه أحدهم برغبته في إكمال دراسته، لأنفق عليه كلّ ما يملك.
يدرك ذلك جيدا، ويدرك مقدار ما أخدوه من أخوالهم، أكبرهم حاول قتل نفسه حين رفضته الفتاة التي أحب، وأوسطهم كاد أن يهوي لحفرة الإدمان لولا ستر الله ورحمته، وأصغرهم، مجنون سيارات أصلي، يتصرّف كالأطفال، رغم بلوغه العشرين.
لماذا يا ربي؟ إنّ أبناء الفقراء، الذين يعملون في مؤسسته، أشدُّ منهم ذكاء وأكثر رغبة في طلب العلم، وسيصبحون عن قريب أطباء ومدرسين، ومحامين، وسيظل أبناؤه في الدرك الأسفل من الحمق والجهل.
انفتح الباب دون استئذان، ودخل نسيبه، وجلس حيث يجلس، ومدّ يده لعلبة سيجاره، وراح يدخّن ويتأمّل في حركة الدخان، فابتسم رغما عنه، وأخذ في تأمّله، وهو يُهزّ رأسه..
- حقّا، شرّ البلية ما يضحك.
قال الخال بصوت مرتفع:
- أقلت شيئا؟
ردَّ وقد استجاب لرغبة طبيعية في الضَّحك:
- أبداً.. ما أغباك وما أضيق عقلك.
تحرَّك قائماً، لولا أن أمسك نسيبه بيده ممانعاً:
- انتظر.
- ماذا تريد؟
- ولدك أمين.
- استعاذ بالله من شرِّ مُصيبة جديدة..
- ما بِه؟
- اصطدم بسيَّارة.
قال بذهول:
- هل أصَابه مكروه؟
- لم يصبه شيء، لكن الشاب الآخر، نقل للمستشفى على عجل.
صَاح بصوت كالرعد:
- اللعنه عليك.. اللعنة عليكم جميعا.
ثمّ أمسك نسيبه بيديه القويتين، وجعل يهزّه بعنف:
- أنت وأشقاؤك سبب عذابي، لقد نقلتم لأبنائي كل أمراضكم، اللعنة عليكم.. اللعنة عليكم.
ثمّ هبَّ واقفاً وأخذ بالتحرُّك في المكان، وهو يهزّ رأسه، عاجزاً عن فعل شيء.
ضرب جبهته بالحائط، ثمّ استدار، فوجد الخال البليد، يحاول أن يأخذ سيجارة أخرى، فنزع نعاله من قدمه وألقاه عليه بقسوة، صائحا:
- أخرج.. خرجت روحك من بدنك.
وتوارى نسيبه من المكان، فألقى بنفسه على الكنبة، نادباً حظَّه التعس.
تمت
رغم ذلك، يشعر بالضيق والكدر، ويحاول التسلَّي بكلِّ شيء دون فائدة، وكأنّ القدر نفس عليه أن يجمع المال وراحة البال، وإلاَّ فما معنى هذه الهواجس التي ترفض أن تفارق رأسه؟ وحتَّى متى يظلُ رهينا لأبناء كالجرب المثقوبة؟ إن أراد الحق فهم جميعا فاشلون، لم يفلح أحد منهم، لا في دراسة ولا عمل، بالكاد استطاعوا إتمام الثانوية العامة، وكم تمنَّى صَادقا لو كاشفه أحدهم برغبته في إكمال دراسته، لأنفق عليه كلّ ما يملك.
يدرك ذلك جيدا، ويدرك مقدار ما أخدوه من أخوالهم، أكبرهم حاول قتل نفسه حين رفضته الفتاة التي أحب، وأوسطهم كاد أن يهوي لحفرة الإدمان لولا ستر الله ورحمته، وأصغرهم، مجنون سيارات أصلي، يتصرّف كالأطفال، رغم بلوغه العشرين.
لماذا يا ربي؟ إنّ أبناء الفقراء، الذين يعملون في مؤسسته، أشدُّ منهم ذكاء وأكثر رغبة في طلب العلم، وسيصبحون عن قريب أطباء ومدرسين، ومحامين، وسيظل أبناؤه في الدرك الأسفل من الحمق والجهل.
انفتح الباب دون استئذان، ودخل نسيبه، وجلس حيث يجلس، ومدّ يده لعلبة سيجاره، وراح يدخّن ويتأمّل في حركة الدخان، فابتسم رغما عنه، وأخذ في تأمّله، وهو يُهزّ رأسه..
- حقّا، شرّ البلية ما يضحك.
قال الخال بصوت مرتفع:
- أقلت شيئا؟
ردَّ وقد استجاب لرغبة طبيعية في الضَّحك:
- أبداً.. ما أغباك وما أضيق عقلك.
تحرَّك قائماً، لولا أن أمسك نسيبه بيده ممانعاً:
- انتظر.
- ماذا تريد؟
- ولدك أمين.
- استعاذ بالله من شرِّ مُصيبة جديدة..
- ما بِه؟
- اصطدم بسيَّارة.
قال بذهول:
- هل أصَابه مكروه؟
- لم يصبه شيء، لكن الشاب الآخر، نقل للمستشفى على عجل.
صَاح بصوت كالرعد:
- اللعنه عليك.. اللعنة عليكم جميعا.
ثمّ أمسك نسيبه بيديه القويتين، وجعل يهزّه بعنف:
- أنت وأشقاؤك سبب عذابي، لقد نقلتم لأبنائي كل أمراضكم، اللعنة عليكم.. اللعنة عليكم.
ثمّ هبَّ واقفاً وأخذ بالتحرُّك في المكان، وهو يهزّ رأسه، عاجزاً عن فعل شيء.
ضرب جبهته بالحائط، ثمّ استدار، فوجد الخال البليد، يحاول أن يأخذ سيجارة أخرى، فنزع نعاله من قدمه وألقاه عليه بقسوة، صائحا:
- أخرج.. خرجت روحك من بدنك.
وتوارى نسيبه من المكان، فألقى بنفسه على الكنبة، نادباً حظَّه التعس.
تمت