اعتدال رافع - تأديب.. قصة قصيرة

ما عاد الديك الفصيح من البيضة يصيح‏

ديك دجاجتنا ما أن نقر البيضة وأطل برأسه وهم بالصياح. حتى أشهر أبوه الديك الكبير السمين والوقور منقاره ونقره من حنجرته.‏

لم يمت الديك الصغير كما أنه لم يخرس كليا، من حنجرته المنقورة صار يخرج لهاثه صفيرا عذبا يشبه غناء العصافير. لذلك صادقته العصافير، كانت تتقافز حوله وما إن تلمح الديك الكبير حتى تطير هلعة الى الاغصان ومن هناك كانت تطلق لحنا محرضا تدعو الديك الصغير اليها. يفرد الديك الصغير جناحيه ويصفق بهما، ما إن يرتفع قليلا عن الأرض، حتى يهبط اليها ثانية، كرر المحاولة أكثر من مرة ، دب الخدر في جناحيه وأجهدته محاولة الطيران.‏

أمه الدجاجة كانت تراقبه بحزن، وينفرط قلبها ألما على ديكها الصغير المنقور الحنجرة، الذي يغني كالعصافير ولكنه لا يستطيع أن يطير مثلها. رجته أن يقتنع بأنه ديك وإن كان ينتسب الى عالم الطيور وهو محكوم بجيناته الدجاجية الأرضية التي تمنعه من الطيران، ونصحته أن يكف عن تقليد العصافير. لم يقتنع الديك الصغير بكلام أمه لأن الكبار يخشون الطيران لذلك ينصحون الديكة الصغار أن يقتنعوا بأنهم ديكة وليسوا عصافير . كان ينتظر نوم أمه وأبيه وذويه الذين كانوا يؤون الى الخن في غروب الشمس، لينطلق الى البستان القريب المكتظة أشجاره بأعشاش العصافير النائمة وكان يصغي السمع الى الصوصنة الهامسة التي كانت تتسرب منها بين حين وآخر تطربه وتدغدغ جناحيه فيفردهما ويصفق مبتهجا ولكنهما يخذلانه كما في المرات السابقة.. ولم ييأس الديك الصغير ولم تخطر على باله أبدا فكرة أنه لا يستطيع الطيران، بل كان متأكدا أن محاولته في الطيران ستنجح في يوم ما. وفي بكور أحد الأيام وقبل شروق الشمس نهضت الديكة وبدأت بالصياح ..أطل الصباح بأهدابه الرطبة التي غطت جسد العصفور الصغير الساكن النائم تحت شجرة وارفة العصافير .كان منقاره مفتوحا على حشرجة شدو مديد الطيران.



1715260345631.png
============
عتدال رافع، أديبة وقاصة وصحفية سورية. ولدت في عام 1937 في عالية في لبنان، وتوفيت عام 2018.

أولعت بقراءة الكتب منذ الصغر وكانت تتخذها وسيلة لمواجهة جو الخصام العائلي.
تزوجت عندما بلغت الثامنة عشرة من الفنان الكوميدي أنور البابا وهو من أسرة محافظة، ولم تكن تكثر الخروج من المنزل، فكانت تقضي وقتها في القراءة. نصحها بعض الأقرباء بالتقدم لامتحان الشهادة الثانوية العامة، فحصلت عليها وبعد ذلك حصلت على الإجازة في التاريخ من جامعة دمشق.

عملت في حقل التعليم، ثم في مديرية الآثار والمتاحف. كتبت في صحيفة البعث زاوية "حديث الصباح" (1982-1990)، وفي صحيفة تشرين زاوية "آفاق ثقافية". كما عملت في مجلة "الأزمنة العربية" (1989- 1991) وفي صحيفة "صوت الكويت" (1990-1991). وانتسبت إلى اتحاد الكتاب العرب بدمشق (جمعية القصة والرواية).

كانت تكتب في مقهى أبو شفيق الواقع في منطقة ربوة دمشق، وهو المقهى الذي كان يكتب فيه الشاعر محمد الماغوط والقاص زكريا تامر. قال عنها محمد الماغوط:

أمضت آخر حياتها في دار السعادة للمسنين في دمشق، وتوفيت فيها، وكانت تعمل على روايتها الأخيرة "صديقي السرطان" التي تكتب فيها عن تجربتها مع مرض السرطان الذي أُصيبت به عام 1990

، لكنها ماتت قبل أن تكملها.
نتاجها الأدبي

مدينة الإسكندر (مجموعة قصصية) وزارة الثقافة - دمشق 1980
امرأة من برج الحمل (مجموعة قصصية) وزارة الثقافة - دمشق 1986
الصفر (مجموعة قصصية) دار إيبلا - دمشق 1988
بيروت كل المدن: شهرزاد كل النساء (مقالات) دار الزاوية 1989
يوم هربت زينب (مجموعة قصصية) وزارة الثقافة - دمشق 1996
رحيل البجع (مجموعة قصصية) وزارة الثقافة - دمشق 1998
أبجدية الذاكرة (مجموعة قصصية) وزارة الثقافة - دمشق 2000
بوح من زمن آخر (مجموعة قصصية) وزارة الثقافة - دمشق 2006
كلمات مسافرة (مجموعة شعرية) وزارة الثقافة - دمشق 2009
أهداب مالحة (مجموعة قصصية) وزارة الثقافة - دمشق 2013
حالات (شعر) وزارة الثقافة - دمشق 2014

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى