تركت زوجها في مكتبه. صنعتْ الشاي، وخرجت إلى الحديقة. الجو في بداية أيار كأوراق النعناع، وأزهار الياسمين والورود الجورية تبعث في المكان روائحها بسخاء. رف من العصافير مر من فوقها، وهو يغرد، تبعه غراب أسود وهو ينعق. تساءلت في نفسها إن كان يعبر عن فرح أو حزن. وضعت صينية الشاي التي عليها إبريق صغير وكوبان على الطاولة الحمراء المستديرة التي تتوسط الحديقة، ونادت على زوجها ليتناولا الشاي معًا، كعادتهما كل يوم جمعة.
انتظرت قليلًا. لم يأت. سارت في ممرات الحديقة تتفقد شجيرات الورد والنباتات العطرية. مدت يدها لتقطف وردة حمراء لتهديها إلى زوجها بعد أن يفرغ من اتصالاته مع أصحابه. لم تنتبه إلى أن للورد حراسًا يدافعون عنه. نز الدم من إصبعها. تذكرت دون أن تنفعها الذكرى بأن زوجها يحب الورد على أغصانه، مثل المفكرين والفلاسفة الذين يتركون الورد دون قطف محافظين على جماله. مع أنهم في الحقيقة -كما يتردد في فكرها مرات كثيرة- أنهم يخافون من الشوك، فيظهرون حبهم للجمال على حساب الورد المسكين. تفهم أن الورد وهو في أحضان أمه يذبل ويتساقط على الأرض، ويدوسه الناس، كما أنه يذبل ويزول وهو في أبدي من يقطفونه. كم يؤلمها رؤية الجمال وهو يتلاشى في الحالتين!
نادته مرة أخرى بحنو:
- يا حبيبي، تعال حتى لا يبرد الشاي.
- دقائق حتى أنتهي مما في يدي.
جلست إلى المنضدة التي وسط الحديقة. قالت في نفسها:" ماذا في يده أفضل من الجلسة معي في هذا الوقت؟
راحت تنظر إلى إبريق الشاي تارة، وإلى شجرة الورد الجوري التي في زاوية الحديقة تارة أخرى. تذكرت أيام كان يهديها باقات الورد: أهداها باقة في عيد ميلادها، وياقة في يوم زواجهما، وباقة في عيد الحب. أين الرومانسية الآن؟ ماذا جرى لقلب هذا الرجل؟ انتابها الحزن والقلق. نادته مرة أخرى. "حبيبي تعال حتى لا يبرد الشاي". لم يرد، لم تؤثر فيه كلماتها. لم يعد يحب الهواء الطلق ولا حديثها العذب.
اتجهت إلى غرفته. انتصبت بالباب كشرطي. كان منهمكًا بمكالمة مهمة، كما بدا لها. أشار إليها بأن تخرج. احمر خداها، وارتعش جسمها، وتدفق الدم في عروقها محتجًا على إشارته المنكرة. دخلت المطبخ، أحضرت مقصًا وجاءت إلى شجرة الورد، قصت أغصانها التي تحمل الورود، وغمرت بها صينية الشاي وما عليها، وذهبت إلى غرفتها، تناولت من خزانة الكتب التي بجانب النافذة رواية "حب على قائمة الاحتياط" وراحت تقرأ بشغف. لا تدري لماذا اختارت هذه الرواية من بين تلك الكتب التي في الخزانة. ربما لأن شجرة حمراء تزين غلافها الخارجي، أو لأن مؤلفها مجهول لديها. أو ربما لأنها، كما يظهر من عنوانها، قصة حب مؤجل. لكن، لماذا نؤجل اللقاء بأحبابنا؟ لماذا ينتظر الإنسان من يحب؟ لماذا، ما دام الوصول إليه سهلًا؟
انتبهت إليه، وهو يطرق الباب. سألها بلهجة حانية:
- أين الشاي؟
أجابت دون أن ترفع رأسها:
- في الحديقة؟
- ما أشهى أن نشرب الشاي في الشمس بين الأزهار!
ألقت الكتاب على الطاولة:
– اشربه وحدك!
تلفت حوله بحيرة:
- كيف؟
- من الأفضل أن تعود إلى مكالماتك؟ وأعود إلى روايتي. تبدو رواية جميلة. الروائي يسيطر على أحداث روايته بإحكام.
ابتسم بارتياح:
- مكالمات ضرورية للعمل، ولم تكن مع الأصدقاء. وأعرف أن قراءة الروايات مثل الخمر ضررها أكثر من نفعها. أرجوك لا أحب غضبك، إنه يقتلني.
– لا أدري ما الذي جرى لك اليوم؟ تحب الثرثرة في الهاتف، وتكره الروايات.
- لا شيء غير أني أحبك. تعالي نشرب الشاي في الحديقة، ونترك الأسى والعتاب. سامحيني هذه المرة.
– سامحتك، لكني لا أشرب الشاي باردًا.
انتظرت قليلًا. لم يأت. سارت في ممرات الحديقة تتفقد شجيرات الورد والنباتات العطرية. مدت يدها لتقطف وردة حمراء لتهديها إلى زوجها بعد أن يفرغ من اتصالاته مع أصحابه. لم تنتبه إلى أن للورد حراسًا يدافعون عنه. نز الدم من إصبعها. تذكرت دون أن تنفعها الذكرى بأن زوجها يحب الورد على أغصانه، مثل المفكرين والفلاسفة الذين يتركون الورد دون قطف محافظين على جماله. مع أنهم في الحقيقة -كما يتردد في فكرها مرات كثيرة- أنهم يخافون من الشوك، فيظهرون حبهم للجمال على حساب الورد المسكين. تفهم أن الورد وهو في أحضان أمه يذبل ويتساقط على الأرض، ويدوسه الناس، كما أنه يذبل ويزول وهو في أبدي من يقطفونه. كم يؤلمها رؤية الجمال وهو يتلاشى في الحالتين!
نادته مرة أخرى بحنو:
- يا حبيبي، تعال حتى لا يبرد الشاي.
- دقائق حتى أنتهي مما في يدي.
جلست إلى المنضدة التي وسط الحديقة. قالت في نفسها:" ماذا في يده أفضل من الجلسة معي في هذا الوقت؟
راحت تنظر إلى إبريق الشاي تارة، وإلى شجرة الورد الجوري التي في زاوية الحديقة تارة أخرى. تذكرت أيام كان يهديها باقات الورد: أهداها باقة في عيد ميلادها، وياقة في يوم زواجهما، وباقة في عيد الحب. أين الرومانسية الآن؟ ماذا جرى لقلب هذا الرجل؟ انتابها الحزن والقلق. نادته مرة أخرى. "حبيبي تعال حتى لا يبرد الشاي". لم يرد، لم تؤثر فيه كلماتها. لم يعد يحب الهواء الطلق ولا حديثها العذب.
اتجهت إلى غرفته. انتصبت بالباب كشرطي. كان منهمكًا بمكالمة مهمة، كما بدا لها. أشار إليها بأن تخرج. احمر خداها، وارتعش جسمها، وتدفق الدم في عروقها محتجًا على إشارته المنكرة. دخلت المطبخ، أحضرت مقصًا وجاءت إلى شجرة الورد، قصت أغصانها التي تحمل الورود، وغمرت بها صينية الشاي وما عليها، وذهبت إلى غرفتها، تناولت من خزانة الكتب التي بجانب النافذة رواية "حب على قائمة الاحتياط" وراحت تقرأ بشغف. لا تدري لماذا اختارت هذه الرواية من بين تلك الكتب التي في الخزانة. ربما لأن شجرة حمراء تزين غلافها الخارجي، أو لأن مؤلفها مجهول لديها. أو ربما لأنها، كما يظهر من عنوانها، قصة حب مؤجل. لكن، لماذا نؤجل اللقاء بأحبابنا؟ لماذا ينتظر الإنسان من يحب؟ لماذا، ما دام الوصول إليه سهلًا؟
انتبهت إليه، وهو يطرق الباب. سألها بلهجة حانية:
- أين الشاي؟
أجابت دون أن ترفع رأسها:
- في الحديقة؟
- ما أشهى أن نشرب الشاي في الشمس بين الأزهار!
ألقت الكتاب على الطاولة:
– اشربه وحدك!
تلفت حوله بحيرة:
- كيف؟
- من الأفضل أن تعود إلى مكالماتك؟ وأعود إلى روايتي. تبدو رواية جميلة. الروائي يسيطر على أحداث روايته بإحكام.
ابتسم بارتياح:
- مكالمات ضرورية للعمل، ولم تكن مع الأصدقاء. وأعرف أن قراءة الروايات مثل الخمر ضررها أكثر من نفعها. أرجوك لا أحب غضبك، إنه يقتلني.
– لا أدري ما الذي جرى لك اليوم؟ تحب الثرثرة في الهاتف، وتكره الروايات.
- لا شيء غير أني أحبك. تعالي نشرب الشاي في الحديقة، ونترك الأسى والعتاب. سامحيني هذه المرة.
– سامحتك، لكني لا أشرب الشاي باردًا.