د. نور الدين السد - الحداثة حداثات...

الحداثة الغربية في منظور مفكريها منظومة منسجمة مع ذاتها، ومع شروطها التاريخية، ومتناغمة مع التحولات الحادثة فيها على الصعيدين النظري والتطبيقي، والداخلي والخارج، أما في منظورنا فإنها حداثة على ما فيها من علوم ومعارف وصنائع وعمران ومؤسسات وقوانين وتطور بنيوي ووظيفي وآداب وفنون وسوى ذلك من الإنجازات، وعلى ما فيها من إيجابيات وفؤائد عادت بالخير والنفع على الإنسان في الغرب والشرق، فإنها تبقى حداثة مارقة، ولا أخلاقية في بعض جوانبها، رغم ادعائها الأخلاق والمثل النبيلة، والدفاع عن حقوق الإنسان، فإنها حداثة قائمة كذلك على النفاق المهيمن على منظومتها القيمية، يتبدى في كيلها بمكيالين عند الاقتضاء، وتغليب مصالحها فوق كل اعتبار، وهي كولونيالية ميكافيلية في ممارساتها فالغاية عندها تبرر الوسيلة، وهذا يؤكد عدم نزاهة الدول المنتجة لأدوات الحداثة بكل متجلياتها، والدليل على ذلك احتلال الغرب الحداثي أقطارا في آسيا وأفريقيا، لقرون وبعضها لعقود، وممارسة الغرب الحداثي كل أنواع الاستبداد والقهر والظلم والقتل والاعتقال والتهجير والنفي وسلب مقدرات الشعوب، والهيمنة بشكل مباشر وغير مباشر على مستعمراتها القديمة، والتآمر عليها لإبقائها تحت السيطرة، بما تفرضه من أمالي أو تحالفات مع الأنظمة المستضعفة، وحكامها التبع الخانعين، بل تابعنا ونتابع بوعي وإدراك على أرض الواقع، كيف كان احتلالها المباشر لدول في الشرق الأوسط، واختلاقها الفتن والنزاعات فيها، وهيمنتها عليها تحت ادعاءات وشعارات متباينة ومتاقضة، وتبرير احتلالها باتهام أنظمتها بالفساد والطغيان والديكتاتورية وامتلاك الأسلحة النووية وسوى ذلك... وكيلها بمكيالين في المؤسسات والمحافل الدولية التي تهيمن عليها بامتلاكها حق الفيتو والوصاية، ووقوفها ضد الشعوب واختياراتها في التحرر، بكل صلافة وعدوان واختراق للأعراف والنواميس والقوانين والمواثيق و القرارات الدولية، أوليست هذه بعض صنائع الحداثة وروادها، وهي من المآخذ التي تسجل عليها وتدينها، ولهذا تظل الحداثة مشروعا غير مكتمل، وتبقى أمامها تحديات لا بد من كسبها، ولعل أولاها العودة إلى رشدها، والاعتراف بحق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها، واحترام حقوقها في الحرية والكرامة والتمكين لحقوق الإنسان، من أجل العيش في أمن وسلام في كوكب الأرض الذي هو كوكبنا جميعا، وهو فضاء عيشنا المشترك، ونحن مطالبون بالتعاون من أجل أن تعيش جميع شعوب الأرض في أمن وسلام؛ في إطار من الاحترام المتبادل للخصوصيات، والاعتراف بأن الحداثة حداثات، وهي لبعضها إغناء وإثراء، كما أن منجزاتها وسائل وليست غايات في ذاتها، فغاية الغايات هو الإنسان، والدفاع عن حقوقه المشروعة في الحياة والحرية والعيش الكريم...

د/ نورالدين السد

تعليقات

نعم إن غاية الغايات هو الإنسان و الدفاع عن حقوقه المشروعة، و لكن السؤال : بعض المؤسسات السياسية و حتى الإعلامية - و لا نقول جميعها - تستغني عن الإنسان الذي أخلص في عمله و كان صادقا في خدمة الصالح العام خاصة داخل أحزابنا و ركنته في زاوية النسيان
علجية عيش مناضلة في حزب جبهة التحرير الوطني و منتخبة سابقا في المجلس الشعبي الولائي قسنطينة
 
أعلى