عبدالله قاسم دامي - متى أعود؟!...

إنها السماء تمطر كالعادة ولكن في هذه البلاد لا تمطر ماء بل تقذف ثلوجاً، تظنُّ وكأنها اللعنات اختارت تلك البقعة بعناية. عجوزٌ بغيضة تمعنني بنظراتها الشريرة، هنا الهدوء في كل شيء حتى في الكراهية، طفلة تداعب كلبها وأنا أخشى الكلاب والشرطة، بضع أفارقة يتونسون هناك يعتقد الجميع أنهم رجال مخدرات ولكنهم ليسوا سوى لاجئين.

هنا الكلّ صامتون تظنهم أصنام قريش إلا أنني بدأت أشتاق إلى الصياح، إلى ضوضاء المقاهي والعربات حيث كان الجميع متكيفين. أشتاق إلى صديقي الذي كان يوزع الصحف كل صباح، سألته يوماً عن مستواه الدراسي فأخبرني بأنه أمِّيٌ، كان إنساناً طيباً، على الأقل لم يكن مخبراً كبقية موزّعي الصحف. توحشني بائعات البنّ وكنبات العصريات، أتذكر جنبات العاطلين تجد فيها الدكتور والمنجم يتجادلان عمّا إذا كان الروس سيستخدمون النووي على الأوكرانيين أم لا فتتدخل الخالة بتول مستدلّة بخبرتها "أنا ما أظن الحرب ذي تنتهي لحد ما القيامة تقوم".

يا لشوقي إلى ليال الضياع، لا مسؤولية لا غربة لا ضرائب، لا عنصرية لا كراهية لا عُقد، تنتظر الموت بلا اكتراث كما تتمنى لو تصبح رئيساً للبلاد لتأخذ الكلّ نحو سجنٍ يسع للجميع.

يقتلني الهدوء يا سادة وأمقت القوانين فقد كنتُ في صغري أبّالاً أرتحل إلى حيث تهوي النواق، رعد المطر كان الذي يرسم حدودي وليس السايكس-بيكو، السماء ظلت الوحيدة فوق رأسي لم يحطني سقف ولم أنس ثأراً، لولا السياسة لما اصبحت شريدا متهورا تطارده الخيبات. إنها الحياة لم تكن عادلة يوماً.

فمتى أعود إلى الديار وإلى الضوضاء، متى أرى شرطيا يقمع ببندقيته جمعاً من الغفير، متى أرتدي بدلتي وربطة العنق في حرّ الصيف أحمل بيدي صحيفة وليست معي قريشات الشاي ... متى أعود.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى