محمد مزيد - بيجاما حريرية في الشارع...

نهض زوجي من نومه في الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، أحسست به، على الرغم من انه حاول الا يثير جلبة، لا يدري أنني أتابعه، كان قد أرتدى بيجامته القطنية، ثم خرج الى الصالة ، لم يلحظني، دخل الى المطبخ ، شرب قدحا من الماء، ثم خرج من باب الشقة، لم يغلقه خلفه كعادته، تابعته وهو ينزل السلم الى الطابق السابع، نحن نسكن في الطابق الثامن، احيطكم علما أن زوجي يحمل كتابا دائما حتى وهو يمشي في الليل نائما ، اخشى عليه ان يسير في الشارع بالبيجاما القطنية فتصدمه سيارة مسرعة، لكنه اليوم على غير عادته لم يحمل كتابا، يقرأ زوجي في الصحو كثيرا وهو يتناول طعام الغداء او العشاء او حتى وهو يقضي حاجته في الحمام ، لا يفارق الكتاب ، رجل في الخمسين من العمر ، يهمهم كثيرا، يتحدث كثيرا مع نفسه ، لا يقول اشياء مفهومة، على سبيل المثال كان يردد " يجب الا ندخل الى ايران لنسترد مخفر هيله " او " كان يجب الا ندخل الى الكويت لنسترد العشرين دينارا التي رماها الشيخ الكويتي على العاهرة العراقية" او " ، كان يجب الا يُنجَب قائدنا المرعب من قبل امرأة مشبوهة " ، هذه العبارات وغيرها هي التي يرددها زوجي في منامه ، اخذته ذات يوم الى طبيب نفسي وسيم شعره أشقر يعمل مقدما لبرامج نفسية بعد منتصف الليل ، وقبيل خروجنا همس لي زوجي أن هذا الطبيب هو الذي بحاجة الى تحليل نفسي ولست انا، لانه صغير السن وينظر اليك بشهوة ، قال لي الطبيب" ان لديه ذهان شبقي يصور له اشياء لم تحدث ولن تحدث ".
تتبعت زوجي وهو ينزل الى الطابق السادس ، في هذا الطابق ثمة امرأة جميلة تلاطفه حين تلتقي به في باب العمارة ، او عندما يصعد الى شقتنا ، لانها دائمة الوقوف بباب شقتها، كان قد هرب زوجها منها وبقيت لوحدها تعالج تعاستها بالوقوف عند الباب، فوقف زوجي عند باب شقة المرأة هذه الليلة ، ثم ضغط على الجرس ، لم تخرج المراة ، لم يفتح له الباب ، راقبته بحذر وخوف، وهو يتلفت يمينا ويسارا، ولما تأكد أن لا احد يراقبه ، دخل مثل الشبح الى الشقة من دون ان يفتح له الباب ، أصبت بالذهول والحيرة ، هل هذا الذي رأيته هو زوجي أم أنه خياله أو أن أحدا يشبهه ، صعدت بسرعة الى شقتي لاتأكد من عدم وجوده ، أحيطكم علما أن زوجي يتحدث في منامه عن " اعوام الكراهية " لا أعرف ما يعني بذلك ، لكنني أفهم إنه يلمح الى تلك الحروب التي شارك فيها ، ايران ، الكويت ، حرب الطوائف ، تذكرت احاديثه وهو يدخل الى شقة المرأة الوحيدة ، اعرف انها امرأة كارهة للحياة، كارهة لكل شيء بعد هروب زوجها، بقيت انتظره جالسة على السرير ولا اعرف متى سياتي!! ولكي اسلي نفسي فتحت جهاز التلفاز ، كان الطبيب النفسي الوسيم الاشقر يقدم برنامجه اليومي، أخذت أنظر إليه واقارن وجهه بوجه زوجي ، شعره أشقر ووجه أحمر وشفتاه ورديتان ، تمنيت ان يخرج من التلفاز لنتحاور أنا وهو على السرير ، نتحاور في مشاكل زوجي المستعصية ، لماذا يخرج وهو نائم وكيف يدخل الشقق من دون أن تفتح له الابواب، ويتحدث في النهار عن أمور لا أفهمها، أغلبها عن الحروب التي مرت بنا ، لكن أمنيتي لم تتحقق، فلم يخرج الطبيب من شاشة التلفاز ، ثم تنبهت الى نفسي، أنني استغرقت وقتا كافيا في مشاهدة الطبيب، هرعت فورا الى شقة المرأة الجميلة الكارهة للحياة، ضغطت على الجرس ، ففتح زوجي الباب مرتديا منامة حريرية، شعره اشعث، يلهث ، قلت له " ماذا تفعل هنا ؟ " فأغلق الباب بوجهي مبتسما ، خرجت من العمارة وقد صعدت سوائل الغيرة الى يافوخي ، كنت أرغب أن تصدمني سيارة مسرعة لتقضي على حياتي المعلقة بين حروب زوجي ومرضه الدائم في السير نائما باتجاه شقق النساء التعيسات ، الشارع فارغ ، ثمة أغنية تنبعث من النافذة التي تسكنها المرأة ، اصغيت لها ، " ياولي على حبي .. يا ويلي على حبي " هذه هي الأغنية نفسها التي يحبها زوجي، كنا نتراقص على إيقاعها رقصة الحياة الرشيقة ، نظرت الى النافذة المضاءة بمصباح أحمر ، ثمة غموض لا أفهمه ، ما الذي يفعله زوجي في شقة هذه المرأة ، لماذا يسير نائما ولايخطئ ابدا في العودة الى منزلنا ؟، عدت الى الشقة بعد أن يأست من إيجاد الحلول ، وفوجئت أنني وجدته نائما بالبيجاما الحريرية التي رأيته يرتديها عند باب شقة المرأة ، نمت بجانبه وأنا مستيقظة ، لارى الى أين سيذهب بعد قليل وهو نائم ؟
( نشرت قبل سبعة اعوام وذكرت بها اليوم )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى