سي حاميد اليوسفي - سوق الخرفان...

قال عباس بأن أسعار الأغنام هذا العام ارتفعت بشكل مُهول، فعلى من سترضى السماء؟ على الكسابة والسماسرة والعين التي لا تنام، ام على من يذهب كل يوم إلى السوق ويعود خائبا مثله.. رغم أن في جيبه ثلاثة آلاف وخمسمائة درهم فإنها أصبحت لا تساوي خروفا في حجم جرو صغير.. لابد أن السوق أصابها مسٌّ من البنك الدولي!
الناس تعقد بأنه قد تهبط الأسعار بشكل مفاجئ في اليوم الأخير. شك عباس في ذلك. عاد إلى السوق ثلاثة أيام قبل العيد. نفس الخرفان بنفس الثمن.
ـ خمسة آلاف درهم، خذه أو اغرب عن وجهي!؟
هكذا خاطبه أحد السماسرة الذي بدا بطنه منتفخا أكثر من اللازم.. بعد العيد سيذهب هذا اللعين إلى مقهى الشيشة أو إلى حانة. وترقص حوله المومسات وتجلس إحداهن في حجره، وتلهف كل ما سرقه من عرق الفقراء. ولن يدخل الجنة، ولو صلى بالليل والنهار.
عباس لم يعد قادرا على التمييز بين السمسار والكساب لأنه رآهما بنفس الملامح، يرددان نفس الجواب:
ـ عام بالكامل ونحن نربي ونسهر، ونصرف على العلف والدواء والعمال.
قال سمسار لمواطن:
ـ الخروف يأكل أكثر من عشرين درهما في اليوم؟!
قال في نفسه:
ـ يبدو أن الخرفان أيضا تجاوزت عتبة الفقر حسب البنك الدولي! أولاد الحرام يكذبون. يضربون الأسعار والمصاريف في أربعة أضعاف. الجميع يكذب ويرفع الأسعار، لا بد أن البنك الدولي له يد في الموضوع.
العين التي لا تنام تتابع المشهد عن كثب.. تبتسم وتُدوّن التقارير، وترفعها إلى العاصمة.. قد تُصيب البنك الدولي نوبة من الضحك، وهو يطّلع على هذه التقارير..
روى له أحد أصدقائه في العمل أنه وهو عائد إلى البيت، توقف عند الجزار. سأل عن ثمن اللحوم الحمراء. فقيل له: ثلاثمائة درهم للكيلو الواحد. عندما سمع الثمن لم يصدق أذنيه. شك في أنه لم يسمع جيدا، فأعاد السؤال. رد الجزار متجهما بنفس الجواب. أصابته دوخة شديدة. لولا أنه اتكأ على سارية بالجوار لسقط أرضا. شتم في نفسه الجزار واللحوم والعيد والزوجة والأولاد والإمام.
اعتقد عباس بأنه محظوظ، فقد حدس منذ ثلاثة أيام قبل العيد، بأنه سيفشل في العثور على خروف يملأ العين بالمبلغ الذي يتوفر عليه، فقرر باتفاق مع زوجته أن يشتري بعض الكيلوغرامات من اللحوم، ويتصدق بنصف المبلغ على أخته. زوجها نصف عاطل. يعمل يوما، ويتعطّل يوما.
ليلة العيد جفا النوم عينيه.. بات يفكر بمرارة:
ـ لماذا لا يضرب الناس عن شراء الخرفان؟
اعتقد بأن السماء لن ترض عن الناس إذا لم يتحولوا إلى نباتيين، وينتقموا من شيوخ الفتنة والكسابة والسماسرة والبنك الدولي والعين التي لا تنام؟!

مراكش 18 يونيو 2024

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى