كتب - جعفر الديري:
إن أبعدتنا الأيام عنهم، فلا شك أن مسافات القلوب قصيرة بيننا وبينهم، وإن حمل الموت أجسادهم بعيدا عن نواظرنا، فمؤكد أن صورهم ورسومهم شاخصة في أذهاننا، وإن كانت ساعات السعادة التي قضيناها وإياهم، بخيلة ومعدودة، فإن لها من الأثر في حياتنا، ما يحسدهم عليها الأحياء، وليس بالأمر الغريب أن يترك إنسان بسيط في نفسك، أثرا كبيرا، فيبسط تقاطيع وجهه، وجمال ابتسامته على ذاكرتك.
وجدتي الحاجة زهره أم عبدالله شخصية قل أن أجد لها مثيلا بين من عرفت، كانت كجميع جدّاتنا طاهرات الثوب، نقيات السريرة، محتشمات، شديدات الورع والتقوى، لكنها كانت تتميز عنهن بالبصيرة، بالقلب الذكي، رغم فقدانها حاسّة البصر.
لم أعرف جدتي إلا وهي كفيفة البصر، كيف حدث ذلك؟ لا أعلم، في ذلك الزمان كثيرات كن يقعن فريسة الدجالين، يتسبّبون لهن بالضرر الشديد. ما يؤلمني أنها كانت قارئة حسنة الصوت، تمتلك حافظة مدهشة، كانت ذات شخصية محببة للقلوب، كريمة النفس مترفعة عن الصغائر، أدركت منذ صغرها أن اهتمامها ببيتها وزوجها، أسهل طريق لرضا الله تعالى، فكانت نعم الزوجة والأم، الصابرة المحتسبة، لقد فجعت في سني زواجها الأولى بموت فلذة كبدها، ورغم الحزن والألم وحرارة الفقد، سرعان ما استعادت رباطة جأشها، راضية بقضاء الله وقدره مسلمة أمرها الى الله تعالى.
أتذكرها وهي تستقبلني في غرفتها، طفلا في المرحلة الابتدائية، وصبيا في المرحلة الإعدادية، هاشة باشة، سؤالها الأول دائما عن أمي وأبي. أجلس بقربها، أحدثها وتحدثني، فأشعر كم أنني محظوظ بالحنان الذي يطوق قلبي. برد وسلام وطمأنينة غريبة كنت أشعر بها وأنا في حضرة جدتي، كانت تقرأ القرآن عن ظهر قلبها، وتردد الأوراد والأدعية، في صوت خفيض، فكأنها تسبح في ملكوت الله.
لقد أسلمت وجهها لبارئها، بهدوء وسكينة، مشرقة الوجه، بهيه الطلة، كأنّما يحوط رأسها قوس من نور، ولا أشك أنها شاهدت منزلتها في جنة الله تعالى.
إن أبعدتنا الأيام عنهم، فلا شك أن مسافات القلوب قصيرة بيننا وبينهم، وإن حمل الموت أجسادهم بعيدا عن نواظرنا، فمؤكد أن صورهم ورسومهم شاخصة في أذهاننا، وإن كانت ساعات السعادة التي قضيناها وإياهم، بخيلة ومعدودة، فإن لها من الأثر في حياتنا، ما يحسدهم عليها الأحياء، وليس بالأمر الغريب أن يترك إنسان بسيط في نفسك، أثرا كبيرا، فيبسط تقاطيع وجهه، وجمال ابتسامته على ذاكرتك.
وجدتي الحاجة زهره أم عبدالله شخصية قل أن أجد لها مثيلا بين من عرفت، كانت كجميع جدّاتنا طاهرات الثوب، نقيات السريرة، محتشمات، شديدات الورع والتقوى، لكنها كانت تتميز عنهن بالبصيرة، بالقلب الذكي، رغم فقدانها حاسّة البصر.
لم أعرف جدتي إلا وهي كفيفة البصر، كيف حدث ذلك؟ لا أعلم، في ذلك الزمان كثيرات كن يقعن فريسة الدجالين، يتسبّبون لهن بالضرر الشديد. ما يؤلمني أنها كانت قارئة حسنة الصوت، تمتلك حافظة مدهشة، كانت ذات شخصية محببة للقلوب، كريمة النفس مترفعة عن الصغائر، أدركت منذ صغرها أن اهتمامها ببيتها وزوجها، أسهل طريق لرضا الله تعالى، فكانت نعم الزوجة والأم، الصابرة المحتسبة، لقد فجعت في سني زواجها الأولى بموت فلذة كبدها، ورغم الحزن والألم وحرارة الفقد، سرعان ما استعادت رباطة جأشها، راضية بقضاء الله وقدره مسلمة أمرها الى الله تعالى.
أتذكرها وهي تستقبلني في غرفتها، طفلا في المرحلة الابتدائية، وصبيا في المرحلة الإعدادية، هاشة باشة، سؤالها الأول دائما عن أمي وأبي. أجلس بقربها، أحدثها وتحدثني، فأشعر كم أنني محظوظ بالحنان الذي يطوق قلبي. برد وسلام وطمأنينة غريبة كنت أشعر بها وأنا في حضرة جدتي، كانت تقرأ القرآن عن ظهر قلبها، وتردد الأوراد والأدعية، في صوت خفيض، فكأنها تسبح في ملكوت الله.
لقد أسلمت وجهها لبارئها، بهدوء وسكينة، مشرقة الوجه، بهيه الطلة، كأنّما يحوط رأسها قوس من نور، ولا أشك أنها شاهدت منزلتها في جنة الله تعالى.