مارا أحمد - المتفردة...

أحبت ولم تكتمل قصة حبها؛ باءت بالفشل؛ فلم تكن قصة لها من الصدق ما يجعلها تجابه كل العراقيل فتجتازها وتمر إلى المرحلة الأهم وهي الزواج، لذا لم تأخذ منها وقتا لتجتاز آلام الفراق، لتنتقل إلى خطوة هي الفاصلة في حياة أية فتاة ألا وهي الزواج.
هنا قررت أن تنصاع لفكر الأم والأسرة وتقبل الزواج الصالوني وهو زواج قائم على حسابات تقاس بنسب الأسر وقدراتها الاقتصادية والتكافؤ الاجتماعي، غالبا ما تكون حسابات عقلانية محضة يتم قياس كل شيء ووزنه، وغالبا أيضا ما تكون ناجحة، كما تذهب إلى محل لشراء رداء فلا بد أن تراعي المقاس الذي يناسب جسدك ولون بشرتك ومستواك الاجتماعي وموروثك الثقافي؛ هكذا نرتدي ما يليق بالثقافة الموروثة والمحيطة والمناسبة.
رضخت للموروث الثقافي؛ فالزواج بالنسبة لها ما هو إلا مرحلة يجب أن تجتازها لتنتقل إلى مرحلة أرقى، تزوجت بمعايير العقل، وأنجبت وليدها الأول وكان ذكرا، صارت الأمور كما خططت لها.
إلى أن استيقظت ذات نهار لتنظر إلى الصورة المنعكسة في مرآة خزانتها وتسترجع أحلامها وقيمتها وإلى ما صارت عليه، لقد تقاعست عن اجتياز تلك المرحلة إلى أخرى؛ فما هي إلا زوجة وأم كما مثيلاتها وكما باقي الكائنات الثديية.
أم وزوجة ذات شعر غير مهندم وجسد اكتسب جرامات لا تعد من الشحم وصوت
كصدى خبطات أواني المطبخ؛ مزعج، تنفض رأسها في اهتزازات متتالية وكأنها تحاول أن تفيق من كابوس طال؛ يخنقها، قررت أن ترفض استسلامها، خرجت لتمارس واحدة من هوايات عديدة تتقنها؛ هي فن التجميل، ليلمع اسمها وتكتسب اسما وشهرة.
بعد انتهاء يوم مشحون بالزبائن والعمل جلست تلتقط أنفاسها وتنظر إلى صورتها المنعكسة في المرآة لترى سيدة ذات شعر أشقر وبشرة غامقة، ودار بين خصلات شعرها ولون بشرتها شجار انتهى بعدم التفاهم ورفض كلاهما للآخر، ورفضها هي نفسها لتلك الشخصية التي سكنتها لفترة، تنفض رأسها لتصحو من ذاك الحلم السخيف؛ فهي رفضت أن تسير في ركب المجاميع، إنها تبحث عن نفسها.
تغير وجهتها لتعمل في الأزياء وتبرع في مجالها؛ فلقد اعتادت ألا تمارس مجالا إلا بعد دراسة، أتقنت فن تصميم الأزياء وبرعت فيه لتصير نجمة تلازم النجمات والمشاهير، واكتسبت موهبة أخرى؛ إنها القدرة على خلق الجمال من الأسمال البالية، أعادت تدوير القماش والبشر لتنتج منهم قطعا فنية غبطها عليهم الكثيرون.
لينتهي الأمر بصرخة داخلية ورفض لتلك الشخصية: "لست أنا".
ذات شتاء بعد انتهاء المطر ليبزغ في السماء قوس قزح بألوانه السبعة المتدرجة في انتظام وفن وأناقة، تنظر تتأمل فيه، ما أروع هذا المنظر! إنه الكمال. لم تنظر إليه تلك النظرة الحصرية التي جعلته مرادفا للمثلية الجنسية، نظرتها إليه كانت انبهارا بالنظام والتعدد والجمال.
وجدت نفسها كما وكأنها هي قوس قزح ذلك المخترق صراع المطر والشمس ليعلن عن وجوده وكأنه ابنا للتزاوج بينهما، نظرت إلى أعلى وظلت معلقة برأسها حيث يسكن قوس قزح وأحلامها.
أنا تلك السيدة التي جمعت في تاريخها الحب والزواج والأمومة والعقل وفن التجميل والأزياء، أنا أبحث طوال تاريخي عن شيء غاب عني ولم أتوصل إليه إلا الآن، أنا أفتش عن "التفرد" لا أسعى إلى التماثل والانخراط في القطيع، أريد أن أتربع على عرش الفضاء، أكون أنا.
تعود لتمسك باللابتوب لتبحث وتتعلم فنا آخر سيصعد بها إلى تفردها، لتجتاز كل العوائق، لتصل إلى ذلك المكان بالوزارة، ومنها للتخطيط لأن تتربع على الكرسي.
حين سألتها ساخرة إحدى الحاسدات: كيف ستصلين إلى هذا الكرسي في مجتمع يتعامل معك على أنك نصف إنسان بنصف عقل ونصف حق؟
أجابت: أصل حين أنبذ كل ما يضعفني ويكبل ذراعي وقدمي، وأنا تمكنت من التخلي عن ضعفي وتصنيفي العنصري كامرأة، أنا مخلوق محايد تنقل بين أطراف الحياة ونجح في كل مضمار تسابق به، ولا بد أني أستحق التفرد... لن يحول بيني وبين أحلامي لا ثقافة ولا عنصرية، ولن يحول بيني وبين حلمي قانون "العيب" الذي صار عيبا.

مارا أحمد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى