كانت مديرة مدرسة الربيع الجميل الابتدائية المختلطة، التي تقع في أفقر أحياء المدينة تهم بتفقد الصفوف عندما اتصل بها رئيس البلدية، يعلمها بأنه سيمر ومعه رئيس المخفر وشيخ المنطقة ليوزعوا على التلاميذ الهدايا، التي تبرع بها وجوه الخير بمناسبة انتهاء رمضان، ودعاها إلى تحديد يوم قريب قبل عيد الفطر للقيام بهذا العمل.
سألت المديرة عن هذه الهدايا، فأجابها بأنها ستبث الفرح والسعادة في نفوس تلاميذ المدرسة، ولم يبين نوع هذه الهدايا وفوائدها. لم تر غير أن ترحب بهذا العمل الخيّر الذي تتوقع أن يفرح الصغار، ويوفر على ذويهم بعض نفقات العيد.
دعت المديرة إلى اجتماع للمعلمات لبحث هذه الفاعلية الاجتماعية المهمة. واتفقن على أن يكون توزيع الهدايا في ساحة المدرسة، فينتظم التلاميذ في طوابير كما طوابير الصباح. وتقرر أن يقام الاحتفال يوم الخميس قبل العيد بعد الحصة الثالثة، وأن يبلغ رئيس البلدية بذلك.
يوم الخميس كان التلاميذ ينتظرون انتهاء الحصص الثلاث الأولى، ومجيء تلك الهدايا التي سيتباهون بها يوم العيد.
قبل نهاية الحصة الثالثة وصل عامل على كتفه صندوق كبير. وضعه على مكتب المديرة، ثم تبعه رئيس البلدية ورئيس المخفر وشيخ المنطقة. أبدت المديرة خوفها من عدم كفاية الهدايا للتلاميذ جميعهم. وافقها الرئيس على ذلك؛ لأن الهدايا مخصصة للصف الأول، ولم يحسب حساب الصفوف الأخرى.
رأت المديرة أن تُصرف الصفوف كلها من المدرسة، وتُبقي الصف الأول. في أثناء خروج الصفوف رأت رجلًا يحمل كاميرا كبيرة متجهًا نحوها. قال إنه جاء كي يصور الاحتفال بناء على طلب رئيس البلدية. ارتسمت على وجهها ملامح الغضب، لكنها تمالكت نفسها، ومضت إلى الصف الأول لتهيئته لاستقبال ضيوف المدرسة.
بعد قليل دعت المديرة الضيوف الثلاثة إلى الصف الأول. نهض التلاميذ عند دخولهم، وعلا التصفيق، ولم يتوقف إلا حين أشارت المديرة. ثم تقدمت ورحبت بالجميع، وشكرتهم وشكرت الداعمين لهذا العمل الطيب، ومدحت مدرستها بأنها، وإن كانت فقيرة من الناحية المادية، فهي غنية بنجاحها، وتفوق أبنائها.
بعد انتهاء كلمتها دخل العامل بصندوق الهدايا، ووضعه على الطاولة في صدر الغرفة. ثم تقدم رئيس البلدية وألقى كلمة شكر فيها مديرة المدرسة. وقال إنه سعيد في زيارة هذه المدرسة؛ كي يشارك تلاميذها فرحة العيد، ويحثهم على المحبة وطاعة أولي الأمر. وذكر بأن الهدايا لهذه المدرسة ستتضاعف وتتكرر كل عام.
ثم وقف رئيس المخفر وقال إنه يحب الأطفال وهم أصدقاء الشرطة، ولهذا جاء يهنئ تلاميذ هذه المدرسة بعيد الفطر. ثم جاء الشيخ فبدأ بالصلاة على النبي وعلى صحبه وأهله الطيبين، ومضى يعدد فوائد عيد الفطر وواجبات المسلم نحو أهله في العيد، وكرر القول: وليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن خاف يوم الوعيد.
طالت كلمة الشيخ. تسلل الأطفال إلى الصندوق. حاولت المديرة منعهم، وهمست في أذن الشيخ أن ينهي كلمته. لم يتوقف الشيخ، واستطاع الأطفال فتح الصندوق، ثم هرع الأطفال الآخرون وقلبوا الصندوق رأسًا على عقب وخطف كل منهم نصيبه مما فيه.
عندما انتهى الشيخ من خطبته كان كل ما في الصندوق في أيدي الأطفال من بلالين وصافرات وزمامير وطرابيش وأقنعة، ودبت الفوضى في المكان، ولكن المصور كان غارقًا في عمله.
بعد مغادرة التلاميذ إلى بيوتهم كانت المديرة تتميز من الغيظ. اقترب منها رئيس البلدية، وقال:
- أرأيت الفرحة على وجوه الأطفال؟
- فرحة مؤقتة. ما إن يأتي العيد حتى تكون تلك الألعاب في القمامة. كنت أتوقع أن تكون الهدايا ملابس وأشياء مفيدة؛ فالأسر هنا -كما تعرف - فقيرة لا تحتاج إلى ألعاب.
ثم تقدمت من المصور، وطلبت منه أن يسلم الصور كلها إلى إدارة المدرسة، ولا يوزع منها شيئًا إلى الصحف، أو وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
احتج رئيس البلدية:
- كيف يعلم الناس بما نفعله؟
وقال رئيس المخفر:
- ما فائدتنا من هذا النشاط إذا لم يعلم به الناس والحكومة؟
قالت المديرة بحزم:
- لكم ما شئم لكن مدرستي لن تخبر الإعلام بما حدث.
في اليوم التالي، كانت الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي تتلألأ على صفحاتها الثقافية والاجتماعية صور ما حدث أمس في مدرسة الربيع الجميل الابتدائية المختلطة.
سألت المديرة عن هذه الهدايا، فأجابها بأنها ستبث الفرح والسعادة في نفوس تلاميذ المدرسة، ولم يبين نوع هذه الهدايا وفوائدها. لم تر غير أن ترحب بهذا العمل الخيّر الذي تتوقع أن يفرح الصغار، ويوفر على ذويهم بعض نفقات العيد.
دعت المديرة إلى اجتماع للمعلمات لبحث هذه الفاعلية الاجتماعية المهمة. واتفقن على أن يكون توزيع الهدايا في ساحة المدرسة، فينتظم التلاميذ في طوابير كما طوابير الصباح. وتقرر أن يقام الاحتفال يوم الخميس قبل العيد بعد الحصة الثالثة، وأن يبلغ رئيس البلدية بذلك.
يوم الخميس كان التلاميذ ينتظرون انتهاء الحصص الثلاث الأولى، ومجيء تلك الهدايا التي سيتباهون بها يوم العيد.
قبل نهاية الحصة الثالثة وصل عامل على كتفه صندوق كبير. وضعه على مكتب المديرة، ثم تبعه رئيس البلدية ورئيس المخفر وشيخ المنطقة. أبدت المديرة خوفها من عدم كفاية الهدايا للتلاميذ جميعهم. وافقها الرئيس على ذلك؛ لأن الهدايا مخصصة للصف الأول، ولم يحسب حساب الصفوف الأخرى.
رأت المديرة أن تُصرف الصفوف كلها من المدرسة، وتُبقي الصف الأول. في أثناء خروج الصفوف رأت رجلًا يحمل كاميرا كبيرة متجهًا نحوها. قال إنه جاء كي يصور الاحتفال بناء على طلب رئيس البلدية. ارتسمت على وجهها ملامح الغضب، لكنها تمالكت نفسها، ومضت إلى الصف الأول لتهيئته لاستقبال ضيوف المدرسة.
بعد قليل دعت المديرة الضيوف الثلاثة إلى الصف الأول. نهض التلاميذ عند دخولهم، وعلا التصفيق، ولم يتوقف إلا حين أشارت المديرة. ثم تقدمت ورحبت بالجميع، وشكرتهم وشكرت الداعمين لهذا العمل الطيب، ومدحت مدرستها بأنها، وإن كانت فقيرة من الناحية المادية، فهي غنية بنجاحها، وتفوق أبنائها.
بعد انتهاء كلمتها دخل العامل بصندوق الهدايا، ووضعه على الطاولة في صدر الغرفة. ثم تقدم رئيس البلدية وألقى كلمة شكر فيها مديرة المدرسة. وقال إنه سعيد في زيارة هذه المدرسة؛ كي يشارك تلاميذها فرحة العيد، ويحثهم على المحبة وطاعة أولي الأمر. وذكر بأن الهدايا لهذه المدرسة ستتضاعف وتتكرر كل عام.
ثم وقف رئيس المخفر وقال إنه يحب الأطفال وهم أصدقاء الشرطة، ولهذا جاء يهنئ تلاميذ هذه المدرسة بعيد الفطر. ثم جاء الشيخ فبدأ بالصلاة على النبي وعلى صحبه وأهله الطيبين، ومضى يعدد فوائد عيد الفطر وواجبات المسلم نحو أهله في العيد، وكرر القول: وليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن خاف يوم الوعيد.
طالت كلمة الشيخ. تسلل الأطفال إلى الصندوق. حاولت المديرة منعهم، وهمست في أذن الشيخ أن ينهي كلمته. لم يتوقف الشيخ، واستطاع الأطفال فتح الصندوق، ثم هرع الأطفال الآخرون وقلبوا الصندوق رأسًا على عقب وخطف كل منهم نصيبه مما فيه.
عندما انتهى الشيخ من خطبته كان كل ما في الصندوق في أيدي الأطفال من بلالين وصافرات وزمامير وطرابيش وأقنعة، ودبت الفوضى في المكان، ولكن المصور كان غارقًا في عمله.
بعد مغادرة التلاميذ إلى بيوتهم كانت المديرة تتميز من الغيظ. اقترب منها رئيس البلدية، وقال:
- أرأيت الفرحة على وجوه الأطفال؟
- فرحة مؤقتة. ما إن يأتي العيد حتى تكون تلك الألعاب في القمامة. كنت أتوقع أن تكون الهدايا ملابس وأشياء مفيدة؛ فالأسر هنا -كما تعرف - فقيرة لا تحتاج إلى ألعاب.
ثم تقدمت من المصور، وطلبت منه أن يسلم الصور كلها إلى إدارة المدرسة، ولا يوزع منها شيئًا إلى الصحف، أو وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
احتج رئيس البلدية:
- كيف يعلم الناس بما نفعله؟
وقال رئيس المخفر:
- لا ضرورة لنشر الصور كلها، فبعضها صورت الفوضى التي حدثت أثناء التوزيع.
- ما فائدتنا من هذا النشاط إذا لم يعلم به الناس والحكومة؟
قالت المديرة بحزم:
- لكم ما شئم لكن مدرستي لن تخبر الإعلام بما حدث.
في اليوم التالي، كانت الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي تتلألأ على صفحاتها الثقافية والاجتماعية صور ما حدث أمس في مدرسة الربيع الجميل الابتدائية المختلطة.