مبارك وساط: الشعر لا يعترف بالهويات والجغرافيات الضيقة

استهوته السوريالية لأنها تجمع بين التمرد وتحرير الخيال

أجرى الحوار: حسين بن حمزة
لـ"المجلة":



منذ بداياته كشف مبارك وسّاط عن وعي شعري واضح في نصوصه التي اهتدى فيها إلى نبرة شعرية تمزج بين افتتانه بالسوريالية ومتطلبات المعنى الواضح وسياقاته الملموسة. سوريالية يمكن أن نسميها "السوريالية الوادعة"، كبح الشاعر المغربي جموحها وتطرفها العبثي، وصارت صفة أساسية في قصيدته من دون أن ترغمه على خوض اشتباكات لغوية مفتعلة معها. ما نقرأه في دواوين الشاعر يكاد يشبه أي قصيدة جيدة مما يسمى بالشعر اليومي أو قصيدة التفاصيل، ولكن الجرعة السوريالية المخلوطة بلغة متينة واستعارات مدهشة كفيلة بأن تأخذ هذه القصيدة دوما إلى مستوى آخر.

مع توالي صدور مجموعاته الشعرية، تصفت قصيدة مبارك وساط أكثر. ظلت لغته جوانية وحلمية، طالعة من مخيلة متحررة من القيود، لكن من دون أن تعمي القارئ عن مقاصدها.

إلى جوار قراءاته بالفرنسية، وإعجابه بالسوريالية وبأندره بروتون خصوصا، شغف وساط بالأدب العربي القديم. أنجز ترجمات عديدة عن الفرنسية، ونال جائزة سركون بولص سنة 2018. هنا حوار معه.

البدايات هي مرحلة أساسية في تجربة أي كاتب أو شاعر... ما الذي ميز بداياتك، ولماذا الشعر وليس شيئا آخر؟

لماذا الشعر أولا؟ لقد أحببت قراءة الشعر والأدب على العموم، في سن مبكرة. بل كتبت نصوصا عمودية المظهر وأنا في نحو الرابعة عشرة. أقول: عمودية المظهر، بمعنى أني كنت أراعي فيها القافية دون الوزن، علما أن عنصر الإيقاع لم يكن غائبا عنها... أتذكر أيضا أنه كانت لدي بضعة كتب وأنا في نحو العاشرة، من بينها كتاب بدون غلاف، تنقصه بضع أوراق، ويتضمن مختارات شعرية جيدة من الشعر القديم، مع شروح للكلمات الصعبة. كنت أقرأ فيه كثيرا، حد أني أتذكر حتى الآن مقطوعات كثيرة مما ورد فيه وأسماء أصحابها من الشعراء، ومن بينهم صالح بن عبد القدوس، وعمارة اليمني، وكشاجم، والقاضي الفاضل. ثم حلت مرحلة قراءة ما كنت أستطيع الحصول عليه من كتب شعرية أو روايات بالعربية أو بالفرنسية.

في البداية، توثق ارتباطي بالشعر العربي القديم. ولا أزال إلى الآن أقرأ لشعرائنا القدامى. وفي المقابل، يندر أن أقرأ لشعراء ما يسمى "عصر النهضة" عندنا، ولا شك أن هذا يعود إلى قناعة لديّ بأن كتابة الشعر اليوم يجب ألا تخضع لمعايير زمن مضى... وإذ كنت أدرس بالفرنسية أساسا وأقرأ بها شعرا ونثرا، فقد جاءت مرحلة تالية قرأت خلالها لشعراء دادائيين وسورياليين ومنتمين وغير منتمين إلى اتجاهات أدبية أخرى، وشدني إلى كتابات عدد منهم انتماؤها الجذري لعالمنا المعاصر، وروح التمرد فيها وانتصارها للكتابة الخلاقة. ثم اكتشفت شعراء عربا من زماننا، كان كل منهم يسعى إلى كتابة قصيدة ذات سمات شخصية لا تنبع من قوالب عامة أو من إرث مستتب. وقد شكلت عوامل من هذا القبيل تحفيزا قويا لي على الكتابة الشعرية. من هذه المنطلقات، كان الخيار الذي فرض نفسه علي هو أن أكتب "القصيدة الحرة" (ما ينعت عندنا بـ"قصيدة النثر"). وأشير إلى أني اكتشفت الشعراء العرب المعاصرين الذين أشرت إليهم من خلال مجلات مثل "مواقف" و"الثقافة الجديدة" (المغربية) و"الموقف الأدبي"، وبعض الملاحق الثقافية... وربما يفسر هذا حرصي في تلك المرحلة على النشر في "الثقافة الجديدة" و"مواقف" إلى جانب مجلات غيرهما وملاحق ثقافية.

الشق الثاني من سؤالك هو: "لماذا الشعر وليس شيئا آخر؟". في الواقع، كتبت القصة القصيرة أيضا بالتوازي مع الشعر. لكني كنت أجد في الشعر سحرا خاصا يتجلى في الكثافة التعبيرية وفي الطابع الخلاق لغويا وتخييليا، فحتى القصص القصيرة أو الروايات، لا أنجذب إليها إن لم تكن متونها حافلة بزخم شعري فعلي.


إقلال

نشرت ديوانك الأول "على درج المياه العميقة" سنة 1990، ثم أصدرته مجددا مع ديوانين آخرين بعد عشر سنوات. لماذا تأخرت في نشر الديوانين الآخرين، ولماذا أرفقت الديوان الأول بهما؟ وهل التأخر دليل إقلال ضروري في الكتابة وتأن ضروري أيضا في النشر؟

لم تخضع مسألة نشر الدواوين المذكورة لبرمجة مسبقة من طرفي. فقد حدث أن اقترحت عليّ "دار توبقال" ذات يوم نشر ديوان لي على جناح السرعة ليكون من ضمن معروضات الدار في معرض للكتاب بالدار البيضاء كان أوان انعقاده قد أزف، وجمعت من قصائدي ما لم يكلفني العثور عليه بحثا طويلا، وتم الطبع سريعا، فلم أر مجموعتي تلك منذ أن أرسلتها أوراقا مكتوبة بخط يدي إلا بعد أن أصبحت كتابا مطبوعا، فلم يكن هنالك بريد إلكتروني في ذلك الوقت... لذا، فحين كنت سأنشر الديوانين التاليين، أرفقتهما بالأول، مطبوعا تحت إشرافي هذه المرة، إذ كنت أحضر إلى "دار عكاظ" وأراجع "البروفات"... وأنا مقل ولا شك، إذ لم تسيطر عليّ رغبة قوية في الكتابة، اكتفيت بالقراءة ومشاغل الحياة اليومية.

ضمن مصطلح جيل الثمانينات الذي تنتمي إليه زمنيا، أو خارجه أيضا.. أين تجد تجربتك الشعرية داخل الشعر المغربي؟

إنها تجربة من ضمن تجارب أخرى، طبعا. وما دمت قد أشرت إلى جيل الثمانينات، فأنا أقرأ – بلا انتظام أو تتبع فعلي جاد – لكثير من شعراء ذلك الجيل. وإذا كنت تريد أسماء، فقد حدث أن قرأت بإعجاب نصوصا شعرية لكل من أحمد بركات، ومحمد عزيز الحصيني، ومحمد الصابر ومحمد بودويك وإدريس عيسى والزهرة المنصوري (التي يبدو أنها لم تنشر شعرا منذ سنوات طويلة)، إضافة إلى بعض الشعراء الآخرين... هنالك بالطبع من شعراء الأجيال الأخرى أسماء مضيئة أيضا أقرأ لها بإعجاب... في ما عدا هذا، لا أسعى إلى مقارنة تجربتي الشعرية بتجارب شعراء آخرين، سواء نسبوا إلى جيل الثمانينات أو غيره، فهذا يستوجب قراءات نظرية مقارنة، والنقد هو الذي يضطلع بمثل تلك القراءات.


آفاق

استطرادا للسؤال السابق، ومع تطور وسائل الاتصال والترجمة والقراءة بلغات أخرى أيضا، هل لا يزال الانتماء المسبق إلى جغرافيا محدّدة معيارا صالحا لتحديد الانتماء الشعري والهوية الشعرية الشخصية أيضا. أقصد هل تشعر اليوم مثلا أنك شاعر مغربي فقط؟

طبعا لا، فكوني مغربيا لا يمنعني من الانتماء إلى آفاق أرحب، لذا أشعر بكوني مغاربيا وعربيا وأفريقيا وإنسانا في بداية المطاف ونهايته. هذا بصفة عامة، طبعا. وما دمت أقرأ لشعراء من العالم، بالفرنسية والإنكليزية أساسا، وأقرأ شعرا عربيا ومترجما وأترجم أحيانا قصائد لمن يستهويني شعرهم من شعراء أوروبيين أو غيرهم، فهذا يؤدي إلى نتيجة منطقية ومعيشة بالنسبة إليّ: قد أقرأ لشاعر من البرتغال مثلا شعرا أقرب إليّ مما يكتبه شخص أعرفه وألتقيه في مقهى بين حين وآخر. خلاصة القول، فأنا أقرأ لمغاربة وغير مغاربة، بالعربية وبغيرها، كما أحب بالتأكيد أن يبقى ما أكتبه ذا قيمة أدبية حتى حين يترجم إلى لغات أخرى. فالشعر لا يعترف بالهويات وحدود الجغرافيا الضيقة.

ضمن المتابعات النقدية لشعرك، يتكرر القول إن شعرك يحتوي على سوريالية حديثة، وإنه يستثمر السرد والحكاية أحيانا. من أين تأتي هذه التوصيفات؟ وكيف ترى أنت شعرك؟

لا شك أن في قصائدي حضورا لأجواء حلمية أحيانا وصورا ناجمة عن خيال ذي طابع سوريالي، لكن تلك الأجواء والصور ليست اعتباطية تماما، بل هي ذات ارتباط، من قريب أو من بعيد، بشكل غائم أو مبهم أو شفاف قليلا، بشخصي وبحياتي وعالمي الداخلي... لنأخذ، على سبيل المثل، هذا المقطع، وهو من قصيدة بعنوان "خلف نافذتي..." تتضمنها مجموعتي الأولى، "على درج المياه العميقة": أتنصت لأشجان موجة يتيمة/ بعد قليل أخرج للتجوال/ سيكون لركبتي شكل شعلة/ أنا لا يرعبني لعاب الفوانيس/ ولا سعال الذئاب/ خلف الواجهات الأنيقة". أكيد أن الصور التالية سوريالية الطابع: أشجان موجة يتيمة، لركبتي شكل شعلة، لعاب الفوانيس... لكن هذا المقطع يقدم لنا تعريفا أوليا بشخص معين، هو أولا شاعر، كما أنه غير "مستكين" ولا "مذعن"... هذا مقطع ثان من قصيدة في المجموعة نفسها، تحمل عنوان "خيمة الغبار": "من جديد، بدأت القوارب الكاسرة تخيط بمسلاتها الذهبية أفواه الأنهار، بينما الخريف ينسج علامات استفهام على وجوه العابرين! نبوءات وخيمة أستشفها في عيني يمامة تحتضر، وأخبار غامضة تبثها إذاعة الزبد عن مصيري الأكثر غموضا..."، في هذا المقطع، هنالك بالتأكيد صور شعرية ذات طابع سوريالي (قوارب لها مسلات ذهبية تخيط بها أفواه الأنهار، نبوءات وخيمة تستشف في عيني يمامة...)، لكن له أيضا خلفية رهيبة نوعا ما، أو مأسوية -إذا شئنا التبسيط والتوصيف العاطفي- تشهد على خصوصيات تجربة كاتبه في مرحلة معينة، بل وخصوصيات المجتمع الذي عاش فيه خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي.

وفي ما يخص استثمار السرد والحكاية في بعض الأحيان، فهذا يبدو لي إيجابيا، إذا تم بذكاء ورهافة. وإذا عدنا إلى الشعر العربي القديم، فسنجد قصصا تتخلل الكثير من قصائد الجاهليين وشعراء العصرين الأموي والعباسي... علينا ألا ننسى، من جهة ثانية، أن كتابا غربيين عديدين دعوا إلى كتابة لا تقيم وزنا للفروق بين الأجناس الأدبية. في ما يخصني، أترك لنفسي في بعض الأحيان حرية "استثمار" السرد والحكاية في الكتابة الشعرية، لكن إن تعلق الأمر بقصة فسأكتبها كقصة لا كقصيدة، هذا بديهي.

في ما يخص رؤيتي الشخصية لشعري، سأكتفي بجواب عام: أعتقد بأن شعري وثيق العلاقة بشخصي وبتجربتي الفردية والاجتماعية في الحياة، كما أن لثقافتي الشعرية الشخصية أثرها القوي في تشكيل ملامحه، ومسعاي يتمثل في كتابة شعر متجدد، مستكشف لأساليب مختلفة في الكتابة.


فردية

في أول قصيدة من مجموعة "فراشة من هيدروجين" نقرأ: "كنت على وشك الغرق في البحر البسيط/ حين أنقذني بحارة عروضيون/ ..../ لقد حكم علي بالتسكع/ فبيتي الشعري/ قد جرفته الأمواج/ وعلي بمساعدة نموري/ أن أبنيه/ ثانية". هل هذه الصورة هي خلاصة ما لعملك داخل ورشتك الشعرية؟

هذه قصيدة مرحة، أولا وقبل كل شيء. وهي تنطلق من تجربة معيشة، تعود إلى سنتي العاشرة، إذ كدت أغرق فعلا في البحر، لكني أفلحت في النجاة. وقد تخيلت أن ذلك البحر الذي كدت أودع فيه الدنيا اسمه "البحر البسيط"، وبالتالي، فالسباحون المنقذون فيه لا بد أن يكونوا عروضيين إضافة إلى كونهم بحارة. وما دام ذلك البحر قد فشل في القضاء عليّ، فقد جرف بيتي، ولذا، فعلي أن أعيد بناء مسكني، الذي يجب أن يكون بيتا شعريا، تناغما مع باقي عناصر القصيدة. ولأن الأنا مؤسطرة كما ترى، فإن لها نمورا تساعدها في إعادة البناء. يمكن القول إن النمور ههنا تمثل قوى الخيال، وإن القصيدة التي تكتمل تستحث على البحث عن غيرها. ما يكتب يكون قد اكتمل وانتهى، وبالتالي يصبح كأنه استقل عن الذات، فيجب إنشاء مسكن جديد، أي قصيدة جديدة، وهكذا دواليك.

في مجموعة "فراشة من هيدروجين"، وكذلك في "رجل يبتسم للعصافير"، بدا أنك تبدأ أو توسع مساحة ما للذات، وتبتعد في الوقت نفسه بمسافة ما عن المجموعات الثلاث الأولى. كيف ترى ذلك، وهل يمكن العثور على الشاعر أو أجزاء من سيرته في شعره، كما هو الحال لدى الروائيين مثلا أم أن الشعر يحجبها داخل لعبة المجازات؟

في مجموعتي "فراشة من هيدروجين" و"رجل يبتسم للعصافير"، وحتى في آخر مجموعاتي حتى الآن، "عيون طالما سافرت"، هنالك بالفعل حضور أكبر للذات. هذا الحضور كان موجودا إلى حد ما في المجموعات الثلاث الأولى، لكن بشكل أخفت.

أحيانا، يمكن العثور على أجزاء من سيرة الشاعر في بعض قصائده، لكن صياغتها لا تكون مباشرة، فكأنما ينظر إلى المشاهد السيرية عبر موشورات تسبغ عليها أشكالا عجائبية غير متوقعة، فإذا أضفنا إلى هذا كون أحلام المرء تدخل أيضا في سيرته، فلا شك أن تلك السيرة تصبح منبعا مهما للكتابة الشعرية، لكن العناصر لا تعرض في حالتها الخام. لم يكن قصدي طبعا أن أكتب سيرة ذاتية توثيقية من خلال شعري، ومع ذلك فكتاباتي مرتبطة بي وبتجاربي، صغيرها وكبيرها.

مسألة السيرة الذاتية في الكتابة الشعرية تطرح نفسها بشكل أقوى في ما يخص مجموعتي المعنونة: "رجل يبتسم للعصافير". هذه المجموعة تشكل بالنسبة إليّ سيرة ذاتية واقعية ومتوهمة (في نطاق شعري وبصورة واعية)، وهي سيرة يتآلف فيها المتخيل والملموس والغرائبي والحلمي والكتابة الشعرية هي التي تمنحها قوامها وتماسكها.


تحولات

ضمن التقسيم الافتراضي ذاته، بين أول ثلاث مجموعات، والمجموعات الثلاث اللاحقة، ما التحولات التي طرأت على شعرك؟ عن ماذا تخليت وما الذي احتفظت به وطورته؟

لم أتخلّ عن شيء يذكر، في ما عدا بعض النفحات الغنائية التي قد تجدها في واحدة من قصائد مجموعتي الأولى. ما أصبحت أكثر تشددا في خصوصه هو أن تكون كل قصيدة مغامرة استكشافية جديدة قد لا أعرف في المنطلق ما الذي ستفضي إليه، وما ترسخ أيضا هو ارتباط أكثر لقصائدي مع معيشي أو تجاربي الواقعية والجوانية وحتى الواقعية-الحلمية. في هذا الصدد، وقفت من قبل بشكل خاص عند مجموعة "رجل يبتسم للعصافير".

أنت تقرأ بالفرنسية وكتبت بها قليلا وتترجم منها إلى العربية. ماذا أعطتك الترجمة؟

حين أترجم لشاعر ما أحب شعره، أشعر أنني حللت ضيفا لديه شاهدا على انبثاق إشراقات ذهنه التي تفضي إلى انبناء نصه. أكثر من هذا، فإني أعيش تجربته من خلال لغتي. وفي هذا إغناء أكيد لذائقتي وثقافتي الشعريتين.

هنالك أمر مهم يمكن أن أقول إني استفدته من الترجمة، وهو جرأة على اجتراح أساليب جديدة في الكتابة. فالنقاد الذين لا يزالون يحبذون "الوضوح" على "الغموض" في المجال الشعري، حتى لو كان "الوضوح" هو ما يتجلى في اجترار نصوص سابقة في حلل مختلفة ظاهريا، لم يعودوا يقنعون إلا قراء مبتدئين أو محدودي الثقافة جدا. على سبيل المثل: حين نقرأ لهنري ميشو (وقد ترجمت له نصوصا) أو لماكس جاكوب، فنحن لا نعود نتردد في كتابة ما يمكن تسميته بالسرديات الشعرية... هذا مثل واحد فحسب.

ضمن ترجماتك هناك على ما يبدو إعجاب خاص منك كقارئ لأندره بروتون. ترجمت له مختارات شعرية، وكتابه النثري "نادجا". ما هي ديون بروتون خصوصا والسوريالية عموما عليك؟

أحببت كتابات بروتون والسورياليين منذ بدايات شبابي. في السادسة عشرة كانت لدي ميول يسارية (ولم أتنكر لها يوما)، وكنت أحب الشعر والأدب وأدرس الرياضيات والفيزياء خاصة. لدى بروتون، استهواني، وقتها، الجمع بين التمرد وتحرير الخيال على مستوى الكتابة الشعرية بشكل أقوى بكثير مما كان عليه من قبل.

أخيرا صدرت لك رواية "وديعة خفاف". لماذا الرواية؟ ماذا كانت حاجتك كشاعر إلى السرد؟

صدرت لي "وديعة خفاف" بعد عدد من المجموعات الشعرية، لكن هذا لا يعني أن رغبتي في كتابة الرواية هي أمر مستجد بالنسبة إليّ. فالواقع أني قرأت الكثير من الروايات والقصص، بل وأعجبت بروايات مثل "الصخب والعنف" لفوكنر أكثر بكثير مما أثارني شعر لامارتين أو ألفرد دو موسيه... فالرواية تتيح إمكان خلق عالم شبه واقعي، وتبقي الباب مفتوحا أمام الأحلام والتخييل وأمام الشعر نفسه. هنالك بالفعل روايات مشحونة بالشعر أكثر من العديد من الدواوين. أفكر الآن في "الحلزون العنيد" لرشيد بوجدرة مثلا، التي تتجاوز شعره شعرية. مثل آخر: إذا كان الإنتاج الشعري المحض لجبرا إبراهيم جبرا محل أخذ ورد، ففي "الغرف الأخرى"، التي هي من رواياته، صفحات عالية الشحنة الشعرية... أضيف مسألة بسيطة: في "وديعة خفاف" نواة واقعية تتضمن نوعا من الشهادة على تجربة تلاميذ وطلبة يساريين مغاربة في سبعينات القرن الماضي وما بعدها، والكتابة الواقعية عن مثل هذه الموضوعات تتقبلها الرواية بصدر رحب. الشعر والرواية مجالان للإبداع، يمكن الاستغناء بواحد منهما عن الآخر، ويمكن أيضا الجمع بينهما... لم لا؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى