أ. د. لطفي منصُور - عِنْدَما أَبْرَقَ الْوَرِقُ في كَفِّهِ!...

اِسْمَعْ نَحْنُ مُسافِرانِ إلَى الْقاهِرَةِ بَعْدَ أُسْبُوعٍ هَلْ تُحِبُّ مُرافَقَتَنا؟
كانَ يَحْلُمُ أَنْ يُسافِرَ إلَى مِصْرَ فَجاءَ هَذا الْعَرْضُ مُفاجِئًا لَهُ، قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى كُلِّ اهْتِماماتِهِ وَما خَطَّطَ لَهُ، كانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ بَرْنامَجَهُ التَّعْليمِيَّ، وَلَمْ يَبْقَ إلّا أُسْبُوعانِ لِافْتِتاحِ السَّنَةِ الدِّراسِيَّةِ
عَهْدٌ جَدِيدٌ يَنْتَظِرُهُ، وَقَدْ خَرَجَ إلَى التَّقاعُدِ الْمُبَكِّرِ مِنْ إدارَةِ مَدْرَسَةٍ لِيَعْمَلَ في الْأَكّاديمْيا، وَعِنْدَهُ عِدَّةُ عُرُوضٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتارَ أَقْرَبَها إلَى قَلْبِهِ.
- هَلْ هِيَ رِحْلَةٌ سِياحِيَّةٌ؟
- تِجارِيَّةٌ في النَّهارِ وَسِياحِيَّةٌ في اللَّيْلِ .
- هَلْ تُتاجِرانِ بِالْجَواهِرِ وَالتُّحَفِ
إنْ كانَ كَذَلِكَ فَاذْهَبا إلَى الْجِهْبِذِ الَّذِي يُفَرِّقُ بَيْنَ التِّبْرِ وَالصُّفْرِ.
- اِخْتَرْناكَ جِهْبِذًا لِشِيْءٍ آَخَرَ لا يَتَقَدَّمُ عَلَيْكَ فِيهِ أَحَدٌ.
اِحْتارَ أَحْمَدُ فِي هَذا الشَّيْءِ الَّذي يَتَقَدَّمُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ. لَمْ يَدْرُسْ فِي كُلِّيَّةِ التِّجارَةِ فِي الْجامِعَةِ، وَلا هُوَ مُدَقِّقُ حِساباتٍ، وَلَيْسَ لَهُ فَهْمٌ فِي الصَّفَقاتِ التَِجارِيَّةِ حَتَّى يَكُونَ مُسْتَشارًا لِهَذَيْنِ التّاجِرَيْنِ .
- لِماذا اخْتَرْتُماني رَفِيقًا، لَسْتُ مِنَ الظُّرَفاءِ الَّذِينَ يُجِيدُونَ الطَّرائِفَ، وَالنُّكاتِ وَالْقَفْشاتِ حَتَّى أُعَلِّلَكُما، وَأُسَرِيَ عَنْ قَلَبَيْكُما ضَجَّةَ الْأَسْواقِ ، وَالْمَلَلَ مِنَ الْبَيْعِ والشِّراءِ، وَلا أَعْمَلُ دَلّالًا فَإنِّي أَبَحُّ الصَّوْتِ يَمَلُّهُ مَنْ يَسْمَعُني أَفْصِحا ما تُريدانِ .
- أَعِرْنا سَمْعَك وَبَصَرَكَ نُريدُكَ أَنْ تَنْتَقِيَ لَنا كُتُبًا مِنَ التُّراثِ الْأَدَبِيِّ وَاللُّغَوِيِّ وَالنَّحْوِيِّ وَالْمَعاجِمِ وَدَواوينِ الشُّعَراءِ. كُتُبًا وَمُوَسَّعاتٍ لا يَعْرِفُها إلّا أَنْتَ.
- أَجَلْ. فَإنِّي وُلِدْتُ مِنَ الْمُعَلَّقاتِ، وَرِضِعْتُ مِنَ الْأَصْمَعِيّاتِ، وَلَعَقْتُ مِنَ الْمُفَضَلِيّاتِ، وَتَغَذَيْتُِ بِجَمْهَرَةِ أشْعارِ الْعَرَبِ. وكانَتْ رُوحي راوِيَةً لِامْرِئِ الْقيسِ، وَلِزُهَيْر، وَنَشَأَ الغُلامُ طَرَفَةُ فِي حِجْرِي، وَحَدَوْتُ بِأَتانِ الْحُطَيْئَةِ، وَقَرَأَ عَلَيَّ الْمُبَرُّدُ شَرْحَ السِّيرافي لكِتابِ سِيبَوَيْهِ.
- هَلْ تُرِيدُونَ أَكْثَرَ اِطِّلاعًا مِنْ هذا؟
- لَمْ تَذْكُرْ لَنا صاحِبَكَ الْمُتَنَبِّي أَيْنَ أَنْتَ مِنْهُ؟
- اِسْأَلُوا الْبَرْقُوقي وَأبا الْعَلاءِ والْعُكْبَرِيَّ يُخْبِرُوكُمْ أَنَّنِي كُنْتُ الْمُنَبِّلَ عَلَيْهِ في مَعْرَكَةِ الُحَدَثِ الَّتِي يَقُولُ فِيها:
هَلِ الْحَدَثُ الْحَمْراءُ تَعْرِفُ لَوْنَها
وَتَعْرِفُ أَيُّ السّاقِيَيْنِ الْغَمائِمُ
سَقَتْها الْغَمامُ الْغُرُّ قَبْلَ نُزُولِهِ
فَلَمّا دَنا مِنْها سَقَتْها الْجَماجِمُ
- اللهَ اللهَ وَأَخَذَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُما كَأْسًا وَسَكَبَها في جَوْفِهِ وَقالَ أَحَدُهُما: وَماذا أَبْقَيْتَ لِأَبي الْعَلاءِ نُريدُ كُتُبَهُ.
- نُعامِلُهُ بِبَيْتِهِ الْمَشْهُورِ:
وَإنِّي وَإنْ كُنْتُ الْأَخِيرَ زَمانُهُ
لَآتٍ بِما لَمْ يَسْتَطِعْهُ الْأَوائِلُ
- اِفْتحْ كَفَّيْكَ، وَأَغْمَضْ عَيْنَيْكَ. أَحَسَّ أَحْمَدُ بِشيْءٍ ناعِمٍ يَمْلَأُ كَفَّيْهِ، فَتَحَ عَيْنَيْه فَإذا الدُّولاراتُ تَمْلَأُ كَفَّيْهِ.
- ما هَذا؟ سَأَلَ بِغَضَبٍ.
- هَذِهِ مُقَدِّمَةٌ سَنَزِيدُكَ.
نَثَرَ أَحْمَدُ ما بِيَدَيْهِ بِوَجْهَيْ التّاجِرَيْنِ وَقالَ: عِلْمِي لا يُباعُ وَلا يُشْتَرَى. وَلا أَنا مِمَّنْ يَأْخُذُونَ مالًا عَلَى الْعِلْمِ. أَكْتَفي بِوَظيفَتي. إنَّها خِدْمَةٌ لِلُغَتِنا وَأَدَبِنا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى