مصطفى الحاج حسين - تاريخ السّفالة....

لا أحبّ (أبو أحمد)، ولا أطيق مجالسته، لكنّ بيت (سعيد) يكاد لا يفرغ من أقربائه، فأقاربه كثر، وهكذا هي عاداتهم.. وكان على (سعيد) أن يتحمّل، رغم أنّه لا يحبّ معظمهم، كما أنّه يريد أن يدرس، و يمارس هواية الرّسم، أو أن يستمع إلى الموسيقا، أو يقرأ الكتب والمجلات.
و(أبو أحمد)، هذا إنسان مجرم، وحقير، لا أخلاق عنده، ولا شرف أو ضمير.. نعم.. هو حدّثنا بنفسه، عن فعلته، تلك، وكان يفتخر بما فعل، دون خوف أو خجل، أو حياء.. قال:
- عندما كنت أخدم، ضمن (قوّات الرّدع العربيّة) في (بيروت).. أقمنا في بناية، تقع في منطقة راقية وفخمة.. أنا وبعض رفاقي العناصر.. مع ضابطين.. نقيب، وملازم، غير متطّوع، يؤدّي الخدمة الإلزاميّة.. وكانت أمام بنايتنا، التي نحن نقيم فيها، عمارة تقيم فيها، عائلة (لبنانية) مسيحيّة، أب، وأمَّ، وابنة وحيدة، صبيّة في غاية الجمال، ذات ستة عشر سنة تقريباً.. تقف معظم وقتها، على (البلكون)، وكنت أراقبها ليلاً نهاراً، إنّها آسرة، فاتنة، دائماً تبرز صدرها، بنهدين يصرخان بالحيوّية ، وعنق جذاب، وزندين عاريين، لهما لمعان قاتل.. لا أستطيع وصفهما لكم، هذه الفتاة تحتاج، إلى شاعر عظيم، مثل (نزار قباني)، أو إلى رسام موهوب، مثل ابن خالتي (سعيد).. وبعد أن كفّ عن الضّحك، الكريه، تابع كلامه.. يا شباب، والله.. لم أتركها تغيب، عن عيني دقيقة.. دائماً كان نظري منصبّ على (بلكونها)، أراقب تحركاتها، ونظراتها، وابتساماتها، وأستمع لكلماتها، وصوتها النّاعم والرّقيق.. وكنت إن ظهرت، أو خرجت من بنايتها، لتذهب لعند البقال أو الفرن، أو المدرسة، أو (الكنيسة)، القريبة من بيتها، أو لتقوم بالتّنزه.. سرعان ما أمشي خلفها، وأتابعها، واتملّا بالنظر إلى ساقيها الرائعتين، والسّاحرتين، وفخذيها، الذين هما فوق الوصف، والشّعر، والرّسم، والموسيقى أيضاً.
وذات مساء، وأنا أراقب شرفتها، انتبهت إلى أنّ والدها المسنّ، وأمّها المتوسّطة بالعمر، خرجا معاً من بيتهما، واتّجها لسيارتهما، دون اصطحاب ابنتهما، فقد كانت تقف على (البلكون)، تلوّح لهما بيدها الغضّة، علامة الوداع.
خفق قلبي بشدّة، لحظة أن خطر في بالي، أن أذهب لعندها.. فوالداها حتماً سيتأخران، لا بدّ أنّهما دعيا إلى سهرة، أو مناسبة هامة.
وضعت (مسدّسي) على خاصرتي، وحملت بيدي بندقيّتي، وأخذت أراقبها وهي تتأمّل، وتراقب الشّارع.. هي لا تنظر إليّ أبداً، فكم حاولتُ، وبذلت جهوداً، لألفت انتباهها، وأرسلتُ لها إشاراتي، وقبلاتي، وغمزاتي، وتصفير فمي، ولكن عبثاً.. كانت تتظاهر، وكأنّها لا تراني، ولا تسمعني، ولا تحسّ بوجودي
، وهذا ما كان يغضبني، ويغيظني، ويجعلني أحقد عليها، وعلى كلّ فتاة جميلة، تتكبّر عليّ، ولا تأبه، لنظراتي، وملاحقاتي لها.
أنا أقيم في الطّابق الأرضي، لذلك خرجت، ووقفت في ما يشبه الظّلام، عند بوّابةَ بنايتنا.. أفكّر بطريقة، أو خطّة، تجعلني أتمكّن، من فتح باب شقّتها، فهي إن صرخت، ستجمع عليّ كلّ من يقيم، في هذا الشّارع الهادئ، و النْاس المارة، وأصحاب المحلات، وزملائي العساكر، إلى جانب النّّقيب، والملازم، المسؤولين عنّي.
كنت أدخّن بنهم، وشغف، وقلق، واضطراب، وأنا كلّي يرتعش، بل يرتجف، كأنّي تعرّضت لموجةِ برد، شرسة، ومباغتة.. ماذا عليّ أن أفعل
؟!..كيف سأجعلها تفتح الباب؟.. هي ستنظر إليّ من المنظار، وتبصرني، حينها لن تفتح.. فلابدّ لي من حيلة، ذكيّة، ولكن كيف؟.. وما هي هذه الحيلة؟.. هل أقوم برفس الباب، برجلي وأكسره؟.. ولكنّ الصّوت سيفضحني، وصراخها من الدّاخل أيضاً، سينبعث عالياً.
وعلى.. غير انتظار منّي، وجدتني وأنا غارق، في التّفكير، تبرز لي من باب عمارتها، مسرعة، وتّتجه إلى البقّال، يبدو أنّها تريد شراء شيء ما.. وعلى الفور، وثبت، واقتربت من مدخل عمارتها، وصعدّت درج الطّابق الثّاني، ووقفت هناك على الدّرج، في العتمة، أنتظر عودتها، بخوف، وقلق، ولكن بإصرار مجنون.
ها هي وقع خطواتها.. خطوات تشبه الرّفيف، بانخفاض صوتها، انقبض قلبي، وحبسٰتُ أنفاسي، ووضعت أصبعي على زناد البندقيّة، التي تمّ تلقيمها، قبل أن أصعد.. وها هي تقترب، تحمل كيساً، وبيدها الأخرى، كان المفتاح، يلتمع.
وضعت مفتاحها في ثقب الباب، وضعتُ أنا روحي في كفّي، فتحت، فانفتحت نيران جهنّمُ في شراييني، دخلتْ، وقبل ان تغلق الباب، كنتُ كالثّور الهائجِ، أهجم، وبكلِّ قوّة، وعنف، وشراسة، أدفعها، وأدخل، وأغلق خلفي الباب، كانت قد سقطت على الأرض، مثل زجاجة عطر، وقعت، وقبل أن تأخذ نفَسَها، لتصرخ، كانت يدي الكبيرة، تغلق فمها، وتمنعها من إصدار أيّ صوت، بعد أن ارتميت فوقها، وثبّتها فوق بلاط شقّتها.
استطعت أن أتمكّن من السّيطرة عليها تماماً.. كانت مذعورة، خائفة، مندهشة.. المفاجأة أذهلتها، جمّدتها، صعقتها.. شلّت حركتها.. الرّعب الذي كان يقفز، من عينيها، كان فظيعاً ومريعاً.. انحنيت فوقها، بكلّ ثقلي، وهمست، بصوت مهدّج، يرتجف:
- إيّاكِ والكلام.. اخرسي.. لا تتحرّكي، أو تفعلي أيّ شيء أحمق.. حينها سأقتلك،
سأحرمك من العيش.. هل فهمت؟.. أجيبي، هزّي لي برأسك، إن كنت فهمت
؟.. قبل أن أذبحك.
واقتلعت حربتي من رأس البندقيّة، التي كانت على الأرض، إلى جانبي.. وعاودت السّؤال، بصوت مخيف:
- هل فهمت؟.. وهل ستنفذين لي كلّ ما أطلبه منك؟.. بلا نقاش، أو تأخر؟.
هزّت برأسها، ففرحتُ، وسعدتُ، وأرخيتُ يدي عن فمها.. وحين وجدتها لا تقاوم، أو تصرخ.. بل تذعن لأوامري، نهضتُ من فوقها، وأمرتها أن تدخل معي.. فانبعث صوتها باكية:
- أرجوك.. ماذا تريد منّي؟!.
قلت، وأنا أدفع بها لداخل شقّتها، نحو الغرفة:
- تعالي.. لا تخافي.. لن أؤذيك..إن أطعتني، وسمعت كلامي.
كنّا قد وصلنا إلى أوّلَ غرفة، كان فيها سرير، وأنا أبحث عن هذا السّرير.. فدفعتها نحوه، ارتمت فوقه.. وارتميتُ فوقها..وأخذت أقبّلها بحرارة، وعجلة، وشغف، وجنون.. ولمّا أرادت أن تقاوم، امتدّتْ يدي إلى عنقَها، لتضغط عليه، وتقطع أنفاسها.. وهي تحرّك رأسها،يمنة ويسرى، بعنف لتحمي وجهها وشفتيها من حمم قبلاتي، وحين انتفضت، عضضت عنقَها، فصاحت، وزادت من بكائها.. قلت مهدّداً:
- أقسم بالله أقتلك.. إهدئي.. ودعيني استمتع بك.. لقد أحرقت دمي، وأنا أراقبك، وأنت تقفين على (البلكون) وفي الشّارع أيضاً.
قالت، وهي ترتجف:
- ماذا تريد منّي؟!.
صحت:
- ألم تفهمي بعد؟!.. هيّا اخلعي ثيابَك.. أريدك عارية تماماً.
توسّلتْ، ترجّت، تضرّعت، ابتهلت، انتحبت، تأوّهت، قاومت، امتنعت، حاولت، جاهدت، وكانت تدفعُني من صدري، وتنتفض، وتصيح:
- أرجوك.. أبوس يدك.. أقبّل رجليك.. أنا دخيلة عليك.. كرمى (لليسوع)، وإلى (مريم) العذراء.
فضحكت، وقلت لها:
- يا غبيّة.. أنا لست مسيحيّاً.
قالت طيّب:
أتوسل لك كرمى لرئيسك.
ضحكت أكثر، وردّدت:
- لعنة الله عليك وعليّه.. هل تظنّين أنّني أحبه؟!.
مزّقت ثيابها، الدّاخليّة والخارجيّة..
وراحتْ ترجوني، أن أحافظ على عذريّتها، وأترك لها غشاء بكارتها، دون أن أثقبه.. ولكنّي لم أتركها، إلّا بعد أن سال الدْم، من بين فخذيها.

مصطفى الحاج حسين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى