أمام المحطة يقف بائع الحلوى الضرير اليوم باكمله يمد صندوقاً من الحلوى للسابلة، ادخل شخص يده فى جيبه، واخرج نقودا وضعها فى كف الضرير دون ان يأخذ الحلوى،ركض البائع خلفه، وهو يتحسس فراغاً وهمياً، تناثرت محتويات الصندوق،دهستها السيارات المارة سريعاً، اندفع البائع مهرولاً، تواصلت ابواق العربات وهديرها المرعب، تدحرج البائع الضرير تحت عجلاتها، نطفة فعلقة، فمضغة، والساعة تضج بعويل قاس، يرتفع، ثم ينزرع الصمت على الابعاد اللامحدودة من الطريق، استلقى الجسد الطازج والدم، الهادر يلون الاسفلت..مات
والمدينة ، التنين الاسمنتى الهائل تعيش حياتها الاعتيادية، يخرج العمال والموظفون فى تمام السابعة صباحاً، حركة المرور سالكة، الحوانيت تفتح ابوابها للريح، والزبائن، وتلاميذ المدارس، السواح المبكرون يلتقطون الصور و(سلمان البدوى) يرى عالمه اكثر عمقا، واتساعاً، يبصره بكلتا عينيه بوضوح مشرق منذ بدء التكوين حتى لحظة اكتمال الخليقة، واستراحة الرب فى يوم مقداره خمسون الف سنة، يتسع فضاء (البدوى)، ويستوعب بعداً ميتافيزيقياً لا حد له، يحلق كنورس بحرى، بوصلة للبحارة والصعاليك، ليشكل عوالمه من الناس، والمحطة ممثل يدمر الحيطان الزائدة على رؤس الاشهاد، ويعيد البناء يمارس عادته المتجزرة فى تجريد الخلق، وتشريحهم، يحاورهم حواراً داخليا مضنيا، ويكشف ازماتهم دون ان يخاطبهم، يسافر ، تكثر مشاهداته، رغم إنه لم يفارق المكان
الوقت الساعة السابعة صباحاً،وموظف يسرع الخطى، تفتح ابوابها للريح والزبائن وتلاميذ المدارس، والنيل لا يغطب الا نادراً، كالـ..وتماماً يجىء النيل سكراناً مترعة كئوسه بالخمر والاسى، لم تمر الفتاة التى تبتسم له احياناً، توارى الاولاد خلف كتبهم المدرسية.
يأتى(الباص) الذى يستقله، ولأنه رأى وبكل تأكيد شئياً غريباً فى هذا اليوم، لم يدرك(الباص)(نخلة راحت للنبى محمد، وشكت العباد الذين حاولوا اقتلاعها لانها تعوق مسيرتهم، مسح النبى عليها بيده فاستقامت، وصارت مزاراً)
حتى النخيل يعرف كيف يطرح احزانه هزى اليك بجذع النخلة تساقط افراحاً، واشواقاه الى افراحى التى لما تأتى بعد، وأنا (سليمان البدوى)،والواقف هنا من زمن لم تشر اليه الساعة المعلقة فى كل مكان وغير المسئول عن تناقضات هذا العالم، والمسئول عنها فى نفس الوقت، لا لانى انتظر(الباص)، بل لانى أشارك آخرين فى انتظاره،وأنا بهذا كله لم أخسر أى شىء، لأنى لم اكتسب شيئاً بالفعل، لكنى رأيت أمراً عجبا، فهل أواصل مسيرتى العرجاء، أم انتظر (الباص) الذى قد لا يأتى مطلقاً؟
أهاجر الى جذوع الأشجار، وزرقة النهر، اصفر الى اسراب العصافير، اعانق القباب، والاضرحة، ارحل الى واد غير ذى زرع، الصباحات البهيجة، وممالك العهد القادم، رسومات الاطفال، فوضى الأشياء الجميلة، اتخطى تواريخ اللاهوت، الأزمنة السحيقة الغارقة فى الطوفان الدموى، المتجرعة لانخاب الحزن الانسانى منذ العصر النيوليثى، الساكنة فى جوف الحوت الالهى، والمدينة السديمية غير المخططة جغرافياً، إذ جعل عاليها اسفلها، واسفلها عاليها، وحق عليها العذاب، ودمرت تدميراً، ترتفع فيها البنايات، والنخيل والابنوس ، والسدر، لاشجارها رؤس اطفال مقطعة، ولحواريها رائحة اللحم البشرى المشوى، تنتحر فيها العصافير انتحاراً جماعيا وسط طبول الموت ويتلاشى الصوت الى الأبد، والحنطة تلعن الشمس والورود يقتلها الظمأ فى صناديق مغلقة عليها(خطر)، مرسومة عليها جمجمة بعظمين متناحرين، اين يذهب البدوى والساعة، الإيقاع ينبض فى شراييت التوجس، والحرائق تلتهم الشرف الجديدة، والملابس المنشورة على حبل الغسيل، وتحط فراشة جناحيها المتعبين على كم قميص ابيض،فتشتعل الفراشة، والقميص، وتسرى النيران، تتدافع الجموع، يصطف صفوفا تلتهب حناجرهم، تنتفض لحاهم، وتسمع الصراخ، العنف يكتب اسمه على الجدران، ولوحات المدارس، تحترق الصحف الصفراء ويصمت المذياع.
تعوى كلاب الحارة العجفاء، الذعر يسكن الحيطان، الاطفال والنساء والشيوخ يركضون، يسقط طفل على لحية شيخ، وشيخ ثمل على تدى عجوز، وشجرة صلبة، وعاتية ضاربة جذورها فى الارض، وفروعها فى السماء.
قادتنى قدماى الى اسراء فى الارض، ومعراج فى صباح يوم أكثر اخضراراً، الى ان بلغت سدرة المنتهى، اعد الخطو، امتلك العالم والاشياء، اكلم الطير، اضاحك النمل، تنكشف الرؤية، أتوحد،أبصر اطفالاً يأتون بكتبهم المدرسية، ويرتدون ثيابا بهية، ويأتى الرجال بنضارتهم، وبشارتهم، سقطوا على الارض، وتشبثوا بذراتها المتناهية، كانت الاجساد تشتعل، والقلوب تشع لمعانا، و(البدوى) داخل الزمان، والمكان يرفع ساقه اليسرى ليركب(الباص)القادم لتوه
والمدينة ، التنين الاسمنتى الهائل تعيش حياتها الاعتيادية، يخرج العمال والموظفون فى تمام السابعة صباحاً، حركة المرور سالكة، الحوانيت تفتح ابوابها للريح، والزبائن، وتلاميذ المدارس، السواح المبكرون يلتقطون الصور و(سلمان البدوى) يرى عالمه اكثر عمقا، واتساعاً، يبصره بكلتا عينيه بوضوح مشرق منذ بدء التكوين حتى لحظة اكتمال الخليقة، واستراحة الرب فى يوم مقداره خمسون الف سنة، يتسع فضاء (البدوى)، ويستوعب بعداً ميتافيزيقياً لا حد له، يحلق كنورس بحرى، بوصلة للبحارة والصعاليك، ليشكل عوالمه من الناس، والمحطة ممثل يدمر الحيطان الزائدة على رؤس الاشهاد، ويعيد البناء يمارس عادته المتجزرة فى تجريد الخلق، وتشريحهم، يحاورهم حواراً داخليا مضنيا، ويكشف ازماتهم دون ان يخاطبهم، يسافر ، تكثر مشاهداته، رغم إنه لم يفارق المكان
الوقت الساعة السابعة صباحاً،وموظف يسرع الخطى، تفتح ابوابها للريح والزبائن وتلاميذ المدارس، والنيل لا يغطب الا نادراً، كالـ..وتماماً يجىء النيل سكراناً مترعة كئوسه بالخمر والاسى، لم تمر الفتاة التى تبتسم له احياناً، توارى الاولاد خلف كتبهم المدرسية.
يأتى(الباص) الذى يستقله، ولأنه رأى وبكل تأكيد شئياً غريباً فى هذا اليوم، لم يدرك(الباص)(نخلة راحت للنبى محمد، وشكت العباد الذين حاولوا اقتلاعها لانها تعوق مسيرتهم، مسح النبى عليها بيده فاستقامت، وصارت مزاراً)
حتى النخيل يعرف كيف يطرح احزانه هزى اليك بجذع النخلة تساقط افراحاً، واشواقاه الى افراحى التى لما تأتى بعد، وأنا (سليمان البدوى)،والواقف هنا من زمن لم تشر اليه الساعة المعلقة فى كل مكان وغير المسئول عن تناقضات هذا العالم، والمسئول عنها فى نفس الوقت، لا لانى انتظر(الباص)، بل لانى أشارك آخرين فى انتظاره،وأنا بهذا كله لم أخسر أى شىء، لأنى لم اكتسب شيئاً بالفعل، لكنى رأيت أمراً عجبا، فهل أواصل مسيرتى العرجاء، أم انتظر (الباص) الذى قد لا يأتى مطلقاً؟
أهاجر الى جذوع الأشجار، وزرقة النهر، اصفر الى اسراب العصافير، اعانق القباب، والاضرحة، ارحل الى واد غير ذى زرع، الصباحات البهيجة، وممالك العهد القادم، رسومات الاطفال، فوضى الأشياء الجميلة، اتخطى تواريخ اللاهوت، الأزمنة السحيقة الغارقة فى الطوفان الدموى، المتجرعة لانخاب الحزن الانسانى منذ العصر النيوليثى، الساكنة فى جوف الحوت الالهى، والمدينة السديمية غير المخططة جغرافياً، إذ جعل عاليها اسفلها، واسفلها عاليها، وحق عليها العذاب، ودمرت تدميراً، ترتفع فيها البنايات، والنخيل والابنوس ، والسدر، لاشجارها رؤس اطفال مقطعة، ولحواريها رائحة اللحم البشرى المشوى، تنتحر فيها العصافير انتحاراً جماعيا وسط طبول الموت ويتلاشى الصوت الى الأبد، والحنطة تلعن الشمس والورود يقتلها الظمأ فى صناديق مغلقة عليها(خطر)، مرسومة عليها جمجمة بعظمين متناحرين، اين يذهب البدوى والساعة، الإيقاع ينبض فى شراييت التوجس، والحرائق تلتهم الشرف الجديدة، والملابس المنشورة على حبل الغسيل، وتحط فراشة جناحيها المتعبين على كم قميص ابيض،فتشتعل الفراشة، والقميص، وتسرى النيران، تتدافع الجموع، يصطف صفوفا تلتهب حناجرهم، تنتفض لحاهم، وتسمع الصراخ، العنف يكتب اسمه على الجدران، ولوحات المدارس، تحترق الصحف الصفراء ويصمت المذياع.
تعوى كلاب الحارة العجفاء، الذعر يسكن الحيطان، الاطفال والنساء والشيوخ يركضون، يسقط طفل على لحية شيخ، وشيخ ثمل على تدى عجوز، وشجرة صلبة، وعاتية ضاربة جذورها فى الارض، وفروعها فى السماء.
قادتنى قدماى الى اسراء فى الارض، ومعراج فى صباح يوم أكثر اخضراراً، الى ان بلغت سدرة المنتهى، اعد الخطو، امتلك العالم والاشياء، اكلم الطير، اضاحك النمل، تنكشف الرؤية، أتوحد،أبصر اطفالاً يأتون بكتبهم المدرسية، ويرتدون ثيابا بهية، ويأتى الرجال بنضارتهم، وبشارتهم، سقطوا على الارض، وتشبثوا بذراتها المتناهية، كانت الاجساد تشتعل، والقلوب تشع لمعانا، و(البدوى) داخل الزمان، والمكان يرفع ساقه اليسرى ليركب(الباص)القادم لتوه