كان بمجمع الحافلات في وسط البلد عندما أوقفه رجل، ربما في الخمسين من عمره. قوي الجسم، جميل الهيئة، مرتب الهندام، كأنه معلم في مدرسة خاصة، أو موظف في مصرف، أو مدير مركز من المراكز التكنلوجية التي انتشرت هذه الأيام. خاطبه بضعف واستكانة بأنه يحتاج إلى نصف دينار لا غير أجرة الباص؛ ليصل إلى قريته في ضواحي العاصمة.
رق له قلبه، وحزن؛ لأنه وقع في هذا الموقف البائس، ولم يتردد إزاء هذا الكلام اللطيف، والمبلغ الخفيف، والسلوك النظيف بأن يخرج له من محفظته دينارًا ويقدمه إليه، وهو يتمنى له الوصول إلى أهله بالسلامة. تناوله الرجل وهو يدعو له بدوره بسعة الرزق، وطول العمر، والسعادة في الدنيا والآخرة، ودخول الجنة مع الأنبياء والصديقين والشهداء.
مضى سعيدًا بما فعل، وكأن جزءًا من دعوات الرجل قد تحقق. عندما صار خارج المجمع تذكر أن ابنته الصغيرة طلبت أن يشترى لها دفتر رسم. رجع إلى المكتبة التي في وسط المجمع، اشترى دفتر رسم، واتجه عائدًا إلى حيث ترك سيارته.
شاهد الرجل الأنيق نفسه يتحدث إلى رجل عجوز. اقترب منهما محاذرًا أن يراه. إنه الحديث نفسه الذي سمعه منه، بأنه محتاج إلى نصف دينار أجرة الباص كي يصل إلى بلده. يا الله! كيف ضحك عليه؟ لماذا لم ينتبه إلى حديثه المعسول وحجته المصنوعة؟ أحيانًا تسبق العاطفة العقل؛ فنضيع في الحياة، وتسلب أموالنا. لن أسمح لهذا المخادع أن يحتال علي. لن أتركه حتى لو كلفني ذلك أن أضربه، وأجمع عليه الناس، وأفضحه.
قاطع حديثهما وخاطبه بسخرية:
- كنت أظنك قد وصلت إلى بيتك، أو في طريقك إليه.
سأل العجوز بدهشة:
- ما القصة؟
أجابه بأن هذا الرجل، قبل قليل سرد علي القصة نفسها، التي سردها عليك، وطلب ما يطلبه منك، وأعطيته دينارًا وليس نصف دينار كما طلب. أظنه جمع اليوم من المال ما يكفي لأجرة طائرة؛ كي يصل إلى لبنان أو مصر، وليس إلى قريته فقط.
غضب العجوز وانتفضت عروقه، واتجه إلى الرجل يوبخه:
- والله يا أخي عيب أن تفعل هذا، والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول:" لأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَهُ على ظهْرِهِ فيأتي بحزمةٍ منَ الحطبِ فيبيعُها فيكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ خيرٌ مِنْ أنْ يسألَ الناسَ أعطوْهُ أوْ منعوهُ"
قال بحدة:
- تريدني أن أذهب إلى الجبل، وأحتطب، وأجيء السوق وأبيع؟
- هل أنت كبير على ذلك؟
- لا. لكن من الأسهل ما أفعله يا شيخ.
– حسبي الله ونعم الوكيل!
تقدم منه وأمسك بطوق قميصه:
- أريد الدينار الذي أخذته مني بالكذب والاحتيال.
حاول أن يبعد يديه عن رقبته:
- لن أعيده.
- لن أتركك حتى تعيده.
– لن أعيده! لقد صار في حساب الشركة.
- أية شركة؟
- الشركة، التي تنظم كل أعمال الشحاذة في البلد. وهي، التي أعمل لصالحها.
– هل صار للشحاذة شركات؟
- علمك قديم يا رجل. اتركني وتوكل على الله.
قال الرجل العجوز:
- اتركه يا أخي حتى لا تتعرض للعنف من شركات الشحاذة.
ضغط على رقبته:
- لن أتركه حتى يعيد ديناري!
أرجع إليه الدينار وهو يقول:
- قطعت رزقي اليوم.
– بل أنت وامثالك من يقطعون رزق الناس بتكديس أموال المجتمع التي كسبتموها بالشحاذة.
- الحمد لله أنك لست من التنمية الاجتماعية!
ابتعد عنهما وهو يقول إن لديه الوقت الكافي ليعوض الخسارة، لديه حتى الغروب.
قال الرجل العجوز بعد ذهابه:
- لم أر شحاذا بمثل هذه الوقاحة!
– إذا اجتمعت الوقاحة والشحاذة اقرأ على البلد السلام.
أيده العجوز:
- الآن أدركت لماذا نحن بلد فقير.
رق له قلبه، وحزن؛ لأنه وقع في هذا الموقف البائس، ولم يتردد إزاء هذا الكلام اللطيف، والمبلغ الخفيف، والسلوك النظيف بأن يخرج له من محفظته دينارًا ويقدمه إليه، وهو يتمنى له الوصول إلى أهله بالسلامة. تناوله الرجل وهو يدعو له بدوره بسعة الرزق، وطول العمر، والسعادة في الدنيا والآخرة، ودخول الجنة مع الأنبياء والصديقين والشهداء.
مضى سعيدًا بما فعل، وكأن جزءًا من دعوات الرجل قد تحقق. عندما صار خارج المجمع تذكر أن ابنته الصغيرة طلبت أن يشترى لها دفتر رسم. رجع إلى المكتبة التي في وسط المجمع، اشترى دفتر رسم، واتجه عائدًا إلى حيث ترك سيارته.
شاهد الرجل الأنيق نفسه يتحدث إلى رجل عجوز. اقترب منهما محاذرًا أن يراه. إنه الحديث نفسه الذي سمعه منه، بأنه محتاج إلى نصف دينار أجرة الباص كي يصل إلى بلده. يا الله! كيف ضحك عليه؟ لماذا لم ينتبه إلى حديثه المعسول وحجته المصنوعة؟ أحيانًا تسبق العاطفة العقل؛ فنضيع في الحياة، وتسلب أموالنا. لن أسمح لهذا المخادع أن يحتال علي. لن أتركه حتى لو كلفني ذلك أن أضربه، وأجمع عليه الناس، وأفضحه.
قاطع حديثهما وخاطبه بسخرية:
- كنت أظنك قد وصلت إلى بيتك، أو في طريقك إليه.
سأل العجوز بدهشة:
- ما القصة؟
أجابه بأن هذا الرجل، قبل قليل سرد علي القصة نفسها، التي سردها عليك، وطلب ما يطلبه منك، وأعطيته دينارًا وليس نصف دينار كما طلب. أظنه جمع اليوم من المال ما يكفي لأجرة طائرة؛ كي يصل إلى لبنان أو مصر، وليس إلى قريته فقط.
غضب العجوز وانتفضت عروقه، واتجه إلى الرجل يوبخه:
- والله يا أخي عيب أن تفعل هذا، والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول:" لأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَهُ على ظهْرِهِ فيأتي بحزمةٍ منَ الحطبِ فيبيعُها فيكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ خيرٌ مِنْ أنْ يسألَ الناسَ أعطوْهُ أوْ منعوهُ"
قال بحدة:
- تريدني أن أذهب إلى الجبل، وأحتطب، وأجيء السوق وأبيع؟
- هل أنت كبير على ذلك؟
- لا. لكن من الأسهل ما أفعله يا شيخ.
– حسبي الله ونعم الوكيل!
تقدم منه وأمسك بطوق قميصه:
- أريد الدينار الذي أخذته مني بالكذب والاحتيال.
حاول أن يبعد يديه عن رقبته:
- لن أعيده.
- لن أتركك حتى تعيده.
– لن أعيده! لقد صار في حساب الشركة.
- أية شركة؟
- الشركة، التي تنظم كل أعمال الشحاذة في البلد. وهي، التي أعمل لصالحها.
– هل صار للشحاذة شركات؟
- علمك قديم يا رجل. اتركني وتوكل على الله.
قال الرجل العجوز:
- اتركه يا أخي حتى لا تتعرض للعنف من شركات الشحاذة.
ضغط على رقبته:
- لن أتركه حتى يعيد ديناري!
أرجع إليه الدينار وهو يقول:
- قطعت رزقي اليوم.
– بل أنت وامثالك من يقطعون رزق الناس بتكديس أموال المجتمع التي كسبتموها بالشحاذة.
- الحمد لله أنك لست من التنمية الاجتماعية!
ابتعد عنهما وهو يقول إن لديه الوقت الكافي ليعوض الخسارة، لديه حتى الغروب.
قال الرجل العجوز بعد ذهابه:
- لم أر شحاذا بمثل هذه الوقاحة!
– إذا اجتمعت الوقاحة والشحاذة اقرأ على البلد السلام.
أيده العجوز:
- الآن أدركت لماذا نحن بلد فقير.