جعفر الديري - فنَّانون: لابدَّ من تعاون الجهات الرسمية للنهوض بالأغنية البحرينية

متابعة – جعفر الديري:​

فتحت الندوة الأخيرة التي عقدتها أسرة الأدباء والكتاب مساء الاثنين 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004 ، والتي كانت بعنوان «الأغنية البحرينية - الواقع والآفاق» -والتي أدلى فيها المنتدون وهم الفنان ابراهيم راشد الدوسري، الفنان سلمان زيمان والشاعر راشد نجم برؤيتهم لما يمكن عمله للتغلب على الأوضاع الصعبة التي تعانيها الأغنية البحرينية- الباب على مصراعيه لهموم وأوجاع انصبت على الحديث عن واجب الجهات الرسمية بهذا الخصوص والتعاون الذي لابد منه بين الفنانين للنهوض بها.

التعاون بين الفنانين

ورأى الفنان إبراهيم الدوسري في ورقته أن المشكلة تكمن في انقطاع تلك العلاقة الوشيجة بين الفنانين والتي تخولهم الوقوف صفا واحدا يؤكد حضورهم ومطالبهم، ومما قاله بهذا الشأن "بحكم تجربتي مع جمعية البحرين وصلتي بالفنون الشعبية أجد أن الساحة الغنائية لا يوجد بها تعاون بين الفنانين أنفسهم، فالحديث كثير بهذا الشأن ولكنه في النهاية ينصب على الاعلام وما يتطلبه الوضع من تدخل، مع أننا نقول إن هذه الجمعية جمعية لجميع الفنانين وتمثلنا جميعا عند مطالبتنا وزارة الاعلام. والغريب أن وزارة الإعلام تدرك هذا الوضع والفنانين أنفسهم يدركون أن تفرقهم وتشرذمهم ليس وراءه أي طائل، وعلينا أن نكون متحدين في الجمعية لكي نحقق الأهداف التي نصبو اليها".

وتابع القول "بالنسبة الى الاجتهادات الفردية كفنانين مبدعين فهي متاحة، فخالد الشيخ وسلمان زيمان وغيرهما يعملون أيضا لكن تظل هناك مواهب ضائعة. ففي الوقت الذي نجد فيه سواء في الكويت أو الامارات أوالسعودية للفنانين كيانات خاصة فهم محترفون لا يشغلهم شيء آخر يظل الفنان هنا يعاني فهو حتى لو حاول تسجيل شيء من أغنياته فليس أمامه غير الاقتراض وأقل أغنية الآن تكلف سبعمئة دينار".

تحفة في العراء

أما الفنان سلمان زيمان فحملت ورقته استعراضا للساحة الغنائية في البحرين قديما وحديثا مع الكثير من الملاحظات المهمة التي يجدها ساهمت بشكل مباشر في تراجع الاهتمام بالأغنية البحرينية حين قال "لم يكن للأغنية البحرينية في يوم ما زخم غير عادي ولم يكن لها سوى بضعة مستمعين خارج الخليج العربي وخصوصا أن بث اذاعة البحرين طوال تلك الأعوام لم يكن يتجاوز رقعتها الجغرافية قبل دخولها عصر الاتصالات. والموسيقى والأغنية البحرينية لم تنالا الاهتمام الرسمي الذي يليق بهما منذ عقود بل وأحيانا جرت محاربتهما في البحرين فالبعض من مسئولي الموسيقى والأغنية هم بالأساس متطفلون على الفن أو تداركوا وتطفلوا عليه لاحقا وهم ليسوا على مستوى القدرة والكفاءة للمحافظة على تراثنا الموسيقي ورعايته، ناهيك عن الاشراف على تطوره وتقدمه. فهم متطفلون تشبثوا بمواقعهم لأعوام عدة على رغم كل الفنانين الممتهنين للفن الغنائي، ولم يكن بالمستطاع اقتحام مواقعهم ولا التأثير من خارجها فيما يطرحون ويوجهون فأصبح الجسد الفني تحفة عارية في العراء تحفر عليها التواريس ما تحفر ويدوس عليها الجاهل بجهله من دون اكتراث، وقد يطمح أحدهم لبيعها في السوق الشعبية لمن يدفع أقل".

وتساءل زيمان عن دور أدوات الاعلام والصحافة في خدمة الأغنية البحرينية بقوله "في الصحافة المحلية يجوز لمسئول الصفحة الفنية ما لا يجوز لغيره، فهو بقدرة قادر يجلس على الكرسي يحط من قدر هذا ويحلق بذاك. كما أنه يمتلك قدرة الفطاحل على نظم الفصيح والمريح ولا ينسى استعراض ما يرده من رسائل المعجبين والمعجبات وفرد المساحة الكافية من صفحته لكيل المديح والاطراء لذاته. فلو بحثت عن لمحة لفنان بحريني مستعينا بتلسكوب «هابل» فلن تجد فهو فنان بحريني لا يستحق ملء بوصة مربعة من مساحة مملكتها الخاصة. أما الاذاعة والتلفزيون فعليك التخمين ان كانت اذاعة وتلفزيون مصري أم كانت كويتية أم لبنانية أم غيرها. فأنت لن تتيقن من كونها تبث من اذاعة البحرين الا حين تشاهد نشرة الأخبار! مع أن كل مؤسسات الاذاعة والتلفزيون في أي مكان في العالم تستنفر وتتنافس وتقدم الاغراءات للفوز بحق ملكية تصوير وبث حفلات أعمال الفنانين المحليين الموسيقية والفنية، أما هنا في البحرين فالفنان يستجدي المسئولين للموافقة على تصوير حفلاته ونشاطاته دون طلب مقابل مادي ولا حتى أدبي في بعض الأحيان، وان هم أصدروا موافقتهم الكريمة فعلى الفنان رد هذا التكرم بأحسن منه واصدار الشكر والامتنان لهذه الالتفاته غير المسبوقة".

والى ذلك وموضحا غياب الاستثمار في مجال الموسيقى قال زيمان «لم تعرف البحرين الاستثمار التجاري والاقتصادي في مجال الفنون بشكل عام وفي الموسيقى والغناء بشكل خاص الا بقدر محدود جدا وتراجع هذا المؤشر خطوات الى الوراء بعد وفاة المنتج أحمد جمال وذلك لفاعلية دوره وريادته في هذه الساحة. وفقدت الأغنية البحرينية بالذات أية قدرة على التطور في هذه الساحة والمنافسة جنبا الى جنب مع نظيراتها في المنطقة لعدم توافر قانون حماية الملكية الفكرية والأدبية لعقود طويلة من عمر الأغنية القصير فضاعت حقوق الفنانين، وتم التلاعب المادي بهم جهارا نهارا من قبل تجار الكاسيت الذين توزعوا الأدوار بين تاجر للجملة ينسخ ويوزع من دون وجه حق، وتاجر المفرد الذي يقتني نسخة بدينار واحد ويعيد نسخها".

لا وجود للأغنية البحريينة

وفي الوقت الذي أبدى فيه الشاعر كريم رضي تساؤله عن دور الموسيقيين أنفسهم وما يستطيعون عمله أمام المطالبة بدور فاعل ومؤثر للدولة اذ ان القصة - بحسب ما رأى رضي - لا تتعلق فقط بالجانب الرسمي فقط، طرح الفنان عبدالله يوسف نظرة مغايرة حين قال "إنه لا يوجد شيء اسمه الأغنية البحرينية، أو الكويتية والخ، وهذه مأساة الأغنية في الخليج، فيمكن أن نقول مثلا: الأغنية المصرية أو الأغنية اللبنانية على اعتبار كونها مشتملة على خصائصها كاملة لكن أعتقد أن الأغنية في الخليج هي أغنية واحدة. فاجتهاد الفنان ومقدرته على تطوير هذا الغناء في تجارب متفرقة لو تعاضدت لحققت أغنية متميزة، فأزمة الأغنية تكمن في هذا التقسيم الجائر".

وكان لمدير الندوة الشاعر راشد نجم رأي أثار حفيظة الناقد المسرحي يوسف الحمدان حين قال "ان الأغنية حالها كحال أي صناعة أخرى لها أولوياتها فلها منتجها ومتلقوها ومسوقها وعلى الفنانين والمهتمين الالتفات الى كل ذلك في هذه المرحلة، فمرحلة السبعينات انتهت ولن تعود، ونحن الآن في قرن آخر له معطياته المختلفة ومتلقوه المختلفون وهو جيل متكون من الشباب أساسا الذي هو في منافسة شرسة. فمعطيات السوق أصبحت مختلفة والمنتج يريد أن يربح، فمتى ما أقرينا بأن الأغنية صناعة يجب علينا الايمان بهذا الجانب وتطوير آلياتنا وأدواتنا بحيث تتشكل مع كل هذه المتغيرات، فمن سيقف في المرحلة والمحطة السابقة سيبقى فيها، لكن من استطاع أن يتجاوزها فعليه أن يتغير بمتغيرات السوق. فالمنتج يريد سلعة ينتجها، فاذا كانت غير موجودة فكيف يستطيع انتاجها".

ليرد الناقد المسرحي يوسف الحمدان "الفنان ليس سلعة وعلينا احترامه كمبدع، وأنا ضد هذا المنطق التسويقي، فالفنان هم ومشاعر ومعاناة، وعلينا ألا نضع الفنانين في سلة واحدة، ونحن نريد للفنانين كرامتهم فهم ليسوا سلعا وانما فنانون مبدعون وانسانيون".

وكان للفنان سلمان زيمان رأيه أيضا الذي اختلف مع راشد نجم حين تساءل نجم عن المدى الذي استطاع أن يصل اليه الفنان البحريني في تطوير أدواته منوها بالتجربة المتجددة للفنان خالد الشيخ، فكان رد زيمان بأنه ليس محتاجا الى تطوير أدواته فمع كل الاحترام لوجهات النظر المختلفة الا أن هناك موسيقى مقبولة وموسيقى مرفوضة. وتساءل هل المقصود من تطوير الأدوات أن تكون الأجهزة متطورة أم ماذا؟ مؤكدا أن لكل فنان خصوصية معينة وخصوصية تنأى به أن يحول نفسه بحسب ما يراه السوق.

الوسط: العدد 823 - الإثنين 06 ديسمبر 2004.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى