فوز حمزة - زوجي الجميل... وذلك السر

لا أدري إن كنتُ صائبة فيما أخفيتهُ عن زوجي المثقف، شديد العمقِ والملاحظة، من سرّ !.
في العاشرة مساءً وبينما هو يقرأ في كتاب ما، وقد اعتلتْ عينيهِ نظارتهُ الطبية اللندنية، أوجّستُ خيفةً لئلا يلحظ اضطرابي، أوشرودي فيسألني إن كان هناك ما يشغلني؟.
كنتُ على حافة الوقوع في إخباره بعد رؤيتي لتلك الابتسامة التي عبّرت عن خاطر كبير لاحتوائي !.
هكذا هو دائمًا، عطوف،حنون، شغوف وكأني به بأديبٍ أو مفكرٍ !.
شعرتُ أني قد أرتكبُ حماقة إن أخبرته، لكن، يا إلهي لو سكتُ، فذلك لعله أيضًا يعد حماقة، بل وقد تكون خيانة بمعنى آخر !.
رغبة جامحة تعتريني لإخباره، على الأقل لتخليص ذمتي، فأنا سيدة تعاني بشدة عند اضطرارها إخفاء شيء ما مهما بدأ بسيطًا عن مثل هذا السيد الوقور زوجي !.
برقتْ في ذهني فكرة قد تبدو مضحكة لكم، أو حتى غبية، لكني كثيرًا ما أستخدمها، سأضع من عطري الذي يعشقه، أعلم أن ذلك يساعده على الهدوء، هو عادة هادئ وذلك ما يجلدني أحيانًا، لكن إن غضب، فكأن دارنا قد تعرضتْ لزلزال.
تناقضٌ عجيبٌ يجتمعُ بهذا الرجل الذي اسمه زوجي !.
ترى لِمَ لا أذكر لكم اسمه؟.
محتالة ولئيمة أنا مع إنه يراني امرأته التي هطلتْ عليه من بين السّموات، بعض الشّعيرات البيض تعطيه جمالًا آخر. وأنا مقبلة نحوه كأني برؤية أحمد مظهر وأنا قريبة منه كأني أمام كمال الشناوي، لكن وأنا مدبرة عنه كأن عادل أدهم من خلفي، أرأيتم أيّ رجل زوجي؟!.
فكيف إذن أُخفي عنه ذلك الأمر الذي باتَ يرهقني ويشاركني الوسادة كل ليلة ؟!.
يبدو أنه بحالٍ حسن، هي فرصتي إذن، لكنه ينزعج من مقاطعته حين يقرأ، هيا تشجعي يا بثينة وأخبريه ..
من قال اسمي؟.
أيعقل أني ذكرته دون وعي مني؟!.
ها أنتم قد عرفتم اسمي، لعل هذا يجعلكم في تطلع لسقوط اسم زوجي في لحظة توهان مني؟.
آواه، زوجي مرة أخرى !.
لكن لِمَ أحملُ هذا الثقلَ الجاثم فوق صدري لوحدي؟!.
هو يود المشاركة ويهوى الاطلاع على أفكار الآخرين ويرغب أن يحمل معهم أوجاعهم وهمومهم، أعلم هذا جيداً عنه، فما بالكم أنا ؟!.
في فترة الخطوبة، كان أبي مترددًا في إعلان الموافقة لولا تدخل أمي لكان زوجي الآن من نصيب امرأة أخرى، لكن ليست من سواي تستحقه ويستحقها.
سألملمُ شجاعتي وأخبره هكذا دفعة واحدة في مرة واحدة وليكن بعدها ما يكون، فلن يكون أقسى عليّ مما أنا فيه !.
سأخبره بأن لي أبناء عم غير متحضرين، يحملون في رؤوسهم أطنانًا من التخلف والجهل ، رؤوسهم مربعة وأجسامهم مضحكة لشدة البدانة بأذرع قصيرة ومؤخرات عارية، وهم شديدو الحركة، أفعالهم متباينة متضاربة كأنهم في عرض سيرك !.
أخذ يحشو غليونه الأنيق..
ترى هل حقًا يمكنني إخباره بكل هذا وأنهم بالمختصر من فصيلة القردة؟!.
وإذا به ينظر صوبي كأنه سمع صوتي من داخل رأسي ثم ابتسم لي وقد همس:
- أحبكِ !.
تبلدتُ في مكاني، وأحسستُ بدمي يدبُ كالقشعريرة داخل شراييني، رجة مدوية فعلتها كلمته السّحرية هذه.. وفي لحظة خاطفة، جمعت كل شيء ومرتْ بخيالي كفيلم وثائقي، شعرتْ بها يعرف كل شيء، لكن دماثة خلقه منعته من إحراجي..
نظر نحو الطّاولة الصغيرة التي إلى جواره، ومباشرة هرولت لحمل قدح ماء له. أطبق الكتاب ووضعه جانبًا بعد رفعه نظارته التي كثيرًا ما أحبها، وبحركة دبتْ الرعشة في أطرافي، طوقني في حنانٍ لا ينفع وصفه إلّا بقصيدةٍ، وقد بدا كمن يود إخباري بشيء هام، لكن التردد أخذ حيزًا كبيرًا منه.
همس بلطف:
- اقتربي مني، أكثر من ذلك، نعم أكثر، التصقي بيّ !.
التصقتُ به، وكأني طفلة تلوذ بأمها لحظة إيجادها بعد ساعة فقدْ وسط زحام مخيف !.
- لن أهجركِ، كما أعلم أنكِ لن تهجريني !.
- ما الذي دعاكَ لمثل هذا القول المخيف؟.
- شيء في صدري، أريد إزاحته بإخباركِ عنه.
- أخبرني يا رجلي الأوحد، ليكن ما يكون فأنا امرأتك المحبة، المعجبة!.
خفتُ كثيرًا، لا أظن أنه قد خانني.. ماذا سأفعل لحظتها لو صدق ظني؟. ما ستكون ردة فعلي؟. هل أغضب أم التزم الصمت الحكيم كما تعلمت منه؟.
أسئلة كثيرة مرتْ كالبرق في ذهني في أصعب لحظة عشتها مع هذا الرجل العجيب !.
وأخيرًا، وبعد بلع ريقة الذي صار جافًا لعدة مرات، نطق قائلًا برزانةٍ وبطءٍ:
- اسمعيني جيدًا، أحيانًا حينما نخفي أمرًا عن شركائنا، لا يعني ذلك استخفافًا بهم، بل لنجنبهم الوقوع في الهمِ والحَزنِ، أليس كذلك عزيزتي؟.
بعد سماعي لحديثه، استكان نبضي وهدأ بالرغم من عدم إيماني بما قال !.
- بالفعل يا زوجي الحبيب، وكأنك لم تقرأ أفكاري فحسب، بل ترجمتها و...
- لا تقاطعيني .. فذلك يُربكني ويصعّب الأمر عليّ !.
توترَ بعض الشيء ثم نهض ليقفَ جوار الشباك، وبعد أن استدار نحوي لأكثر من مرة، عاد ليجلس، وكعادته الجميلة البهية وضع ساقًا فوق الأخرى.
تصاعد قلبي بخفقات الخوف، ابتسمتُ كمحاولة لتشجيعه وقطع تردده الذي جعلني أشفق عليه، لكني أعلم أنه سيقرأ ابتسامتي.
- سأخبركِ.
- نعم، اخبرني ولا تبالِ.
- لم أخبركِ أن لي أبناء خال غير متحضرين !.
دقائق مرتْ لم نتبادل فيها كلمة واحدة، كانت مشاعري موزعة بين الدهشة والفرح، كنتُ على وشكِ أن أسأله كيف أخفى الأمر عني كل هذا الوقت، تراجعتُ لسبب تعرفونه. سألته بهدوءٍ:
- ماذا تعني غير متحضرين؟!.
- قال محاولًا الهربَ بنظراته عني:
- أعني بذلك أن لهم رؤوسًا مربعة وأجسامًا استثنائية وأرجلاً ضخمة ومؤخرات عارية غزيرة الشعر و...
صمت ثواني عديدة ثم قال بسرعة وكأنه يحاول التخلص من ثقل كبير:
- إنهم من فصيلة القردة !.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى