تتواجد بالقرية ثكنة عسكرية كبيرة.. كثرت الشكاوي التي يتلقاها المسؤولون. السكان محافظون.. في كل مرة يعترض شاب مُجند أو جُندي أعزب سبيل امرأة أو فتاة يغتصبها، أو يحاول اغتصابها.. أخذت السلطات في النهاية قرارا بإنشاء مبغى على هامش القرية بالزقاق المحاذي للوادي.. أغلب الدور غير مكتملة البناء، وكراؤها رخيص..
استحسن العزاب الفكرة، خاصة الموظفين منهم.. كان عليهم من قبل قطع عشرات الكيلومترات للنوم مع مومس..
قال عمر بأن الكبت حيوان مخيف.. صديقه الحاج سليم الذي حصل على شهادة عليا من جامعة بمكة المكرمة، ويُدرّس مادة التربية الإسلامية، ويؤم الناس في صلاة التراويح وصلاة الجمعة والأعياد، لم يسلم من هذا الوحش..
كان عمر ذاهبا إلى متجر المواد الغذائية في منتصف النهار.. مرّ بجانب منزل صديقه سعد. رأى الباب مفتوحا، فدفعه ودخل. تجاوز الحوش، واقتحم الغرفة. من هول ما رأى، وضع يده على رأسه، ورجع إلى الخلف. وهو يُهرول ويولول في الطريق، لم يصدق ما شاهدته عيناه.. رأى الفقيه الذي ينتظر الناس بركته، يركب فوق امرأة ترعى قطيعا من الماعز!. المرأة تبدو فوق الستين، لكنها قوية وفارعة الطول.. ذهب الجمال، وبقيت علاماته ماثلة للعيان. لم يستطع لا الوشم ولا التجاعيد إخفاءها..
الأيام في القرية تمر مملة وبطيئة.. بداية عمل المبغى غيرت حياة الناس في المنطقة.
بعد صلاة المغرب يبدأ الظلام في الانتشار، ينزل بعض الزبائن إلى المبغى، يطوفون على المنازل لانتقاء مومس يمارسون معها الجنس، أو يكتفون بالتغزل وشرب الشاي.. فتيات ونساء قدمن من قرى بعيدة مهمشة بين جبال الأطلس الكبير والمتوسط.. القرى التي وقفت في وجه الاستعمار الفرنسي، وأذاقته المرارة.. سمع عمر حكايات غريبة عن حرية الجنس التي فرضها الفقر في هذه المناطق.. حكايات لا يصدقها العقل رسختها العين التي لا تنام في لاوعي الناس..
في هذه القرية المنسية بين جبال الأطلس، ينزل عمر رفقة أصدقائه إلى الحي المشبوه.. حي له بابان.. باب رئيسي تحرسه أعين تجار القرية وأعيانها، ولا يدخل منه أحد. تعبره فقط النساء والفتيات اللواتي يشتغلن في البغاء عندما يذهبن إلى الحمام، أو يزرن المستشفى مرة في الأسبوع لإجراء فحوص إجبارية. عمر وأصحابه يفرض عليهم الحياء الدخول من الباب الخلفي المجاور للمقبرة.. لم يسأل نفسه هل يُراقب الأموات من يدخل إلى المبغى كما يفعل الأحياء؟.. فوج من الشبان قادم نحوهم.. البعض يهرب، ويختفى في الزقاق المجاور.. رفض عمر أن يفعل مثلهم.. بقي ثابتا في مكانه.. يسير واثق الخطى.. فرّ الشبان على بعد أمتار معدودة، واختفوا خلف جدران بيت في طور البناء..
عندما يشعر عمر بالضجر، ينزل إلى المبغى بعد مغيب الشمس. الليلة نزل مع صديق من أبناء المنطقة، يعرف أكثر منه خبايا حي بائعات الهوى.. طاف به على منازل خاصة لم يكن يعرف من قبل أنها من بيوت الدعارة.. لم يتوقع ما شاهده.. بقي فاغرا فاه.. في كل بيت يرفع صديقه الستار عن باب الغرفة، فيجد أحد الأعيان يشرب الشاي بين ثلاث فتيات.. لم يتصور أن يرى مثلهن في هذا المكان المنسي الذي لا يدخله الناس إلا عندما يحلُّ الظلام.. شبههن بالشمس، وأقسم مرة لأحد أصدقائه بأنهن إذا لبسن ونزلن إلى شوارع (شوفوني)* بالمدن الكبرى لاختفت كل النجوم من السماء..
الوحدة توقظ الحنين إلى الحديث، أو النوم مع امرأة.. يستيقظ عمر أحيانا في منتصف الليل، ويطير النوم من جفنيه. لا يعرف من أدخل إلى رأسه بأن الله سيغضب منه ويعاقبه إذا لم يرتدي جلبابه الأسود، وينزل إلى المبغى.. يدخل إلى هذا البيت أو ذاك، ويطلب براد شاي.. يستمع لعشرات الحكايات من فتيات في سن الزهور، هربن من أزواج في عمر أجدادهن.. فتحت ليلى حقيبة صغيرة تخفيها أسفل الفراش، تحتفظ فيها بصور مع بعض أفراد العائلة..
قالت لعمر:
ـ أنظر! هذا أخي حسين، وهذه أختي فاطمة، لازالا صغيرين .. سأصرف عليهما حتى يُكملا دراستهما، ويعملان موظفين مع الدولة مثلكم.
لم تتمالك نفسها حتى سقطت دمعة من عينها، وأعادت الصورة إلى الحقيبة..
قالت وردة:
ـ زرت أمي خلسة الشهر الماضي. وقدمت لها كل ما وفرته من نقود. عندما دخلت البيت تملكني خوف رهيب من أن يراني أحد الجيران، ويخبر زوجي العجوز.. مرّ الوقت سريعا، قبلت أمي وعانقتها، ووضعت رأسي على صدرها، وبكيت في صمت. مسحت الدمع من عيني، قبل أن أنهض وأعود إلى هذا الجحيم.. الله يعفو عنا..
زبون سكران يركل الباب برجله، ويصرخ بصوت عال.. في ليل المبغى يتحول الرجال إلى وحوش كاسرة..
رأى عمر أن بعض البغايا يحتفظن بشيء من كرامتهن.. لا أحد يستطيع أن يفرض عليهن النوم مع زبون بالقوة إلا إذا هددتهن (الباطرونا) بالطرد، أو خفن من أحد الفتوات.. وحتى في هذه الحالة يعاقبنه، ويجعلنه يشعر وكأنه ينام مع حائط. بعض بائعات الهوى عنصريات أيضا، لا تنمن مع ذوي البشرة السوداء ولو كانوا وزراء..
ويا سعدَ من أحبته باغية، وارتاحت نفسها إليه. ستجعله يُحس وكأنه ينام مع الحور العين في الجنة!
عندما اصطدم عمر ببعض أعيان المنطقة في تلك الليلة، وهم يشربون الشاي في المبغى، وينبسطون بين الفتيات، أقسم حتى يدخل المبغى في منتصف النهار، ومن الباب الذي يُقابل متاجرهم. بعدها رفع شعار: ادخلوا المبغى من بابه الواسع..
المعجم:
ـ شوارع (شوفوني): تعبير من المجاز الشعبي أطلقه أهل مراكش على الشوارع الكبرى التي يخرج إليها الناس في عطل نهاية الأسبوع أو غيرها، ويرتدون أفخر ما عندهم من ثياب لإثارة انتباه الناس..
مراكش 29 يوليوز 2024
استحسن العزاب الفكرة، خاصة الموظفين منهم.. كان عليهم من قبل قطع عشرات الكيلومترات للنوم مع مومس..
قال عمر بأن الكبت حيوان مخيف.. صديقه الحاج سليم الذي حصل على شهادة عليا من جامعة بمكة المكرمة، ويُدرّس مادة التربية الإسلامية، ويؤم الناس في صلاة التراويح وصلاة الجمعة والأعياد، لم يسلم من هذا الوحش..
كان عمر ذاهبا إلى متجر المواد الغذائية في منتصف النهار.. مرّ بجانب منزل صديقه سعد. رأى الباب مفتوحا، فدفعه ودخل. تجاوز الحوش، واقتحم الغرفة. من هول ما رأى، وضع يده على رأسه، ورجع إلى الخلف. وهو يُهرول ويولول في الطريق، لم يصدق ما شاهدته عيناه.. رأى الفقيه الذي ينتظر الناس بركته، يركب فوق امرأة ترعى قطيعا من الماعز!. المرأة تبدو فوق الستين، لكنها قوية وفارعة الطول.. ذهب الجمال، وبقيت علاماته ماثلة للعيان. لم يستطع لا الوشم ولا التجاعيد إخفاءها..
الأيام في القرية تمر مملة وبطيئة.. بداية عمل المبغى غيرت حياة الناس في المنطقة.
بعد صلاة المغرب يبدأ الظلام في الانتشار، ينزل بعض الزبائن إلى المبغى، يطوفون على المنازل لانتقاء مومس يمارسون معها الجنس، أو يكتفون بالتغزل وشرب الشاي.. فتيات ونساء قدمن من قرى بعيدة مهمشة بين جبال الأطلس الكبير والمتوسط.. القرى التي وقفت في وجه الاستعمار الفرنسي، وأذاقته المرارة.. سمع عمر حكايات غريبة عن حرية الجنس التي فرضها الفقر في هذه المناطق.. حكايات لا يصدقها العقل رسختها العين التي لا تنام في لاوعي الناس..
في هذه القرية المنسية بين جبال الأطلس، ينزل عمر رفقة أصدقائه إلى الحي المشبوه.. حي له بابان.. باب رئيسي تحرسه أعين تجار القرية وأعيانها، ولا يدخل منه أحد. تعبره فقط النساء والفتيات اللواتي يشتغلن في البغاء عندما يذهبن إلى الحمام، أو يزرن المستشفى مرة في الأسبوع لإجراء فحوص إجبارية. عمر وأصحابه يفرض عليهم الحياء الدخول من الباب الخلفي المجاور للمقبرة.. لم يسأل نفسه هل يُراقب الأموات من يدخل إلى المبغى كما يفعل الأحياء؟.. فوج من الشبان قادم نحوهم.. البعض يهرب، ويختفى في الزقاق المجاور.. رفض عمر أن يفعل مثلهم.. بقي ثابتا في مكانه.. يسير واثق الخطى.. فرّ الشبان على بعد أمتار معدودة، واختفوا خلف جدران بيت في طور البناء..
عندما يشعر عمر بالضجر، ينزل إلى المبغى بعد مغيب الشمس. الليلة نزل مع صديق من أبناء المنطقة، يعرف أكثر منه خبايا حي بائعات الهوى.. طاف به على منازل خاصة لم يكن يعرف من قبل أنها من بيوت الدعارة.. لم يتوقع ما شاهده.. بقي فاغرا فاه.. في كل بيت يرفع صديقه الستار عن باب الغرفة، فيجد أحد الأعيان يشرب الشاي بين ثلاث فتيات.. لم يتصور أن يرى مثلهن في هذا المكان المنسي الذي لا يدخله الناس إلا عندما يحلُّ الظلام.. شبههن بالشمس، وأقسم مرة لأحد أصدقائه بأنهن إذا لبسن ونزلن إلى شوارع (شوفوني)* بالمدن الكبرى لاختفت كل النجوم من السماء..
الوحدة توقظ الحنين إلى الحديث، أو النوم مع امرأة.. يستيقظ عمر أحيانا في منتصف الليل، ويطير النوم من جفنيه. لا يعرف من أدخل إلى رأسه بأن الله سيغضب منه ويعاقبه إذا لم يرتدي جلبابه الأسود، وينزل إلى المبغى.. يدخل إلى هذا البيت أو ذاك، ويطلب براد شاي.. يستمع لعشرات الحكايات من فتيات في سن الزهور، هربن من أزواج في عمر أجدادهن.. فتحت ليلى حقيبة صغيرة تخفيها أسفل الفراش، تحتفظ فيها بصور مع بعض أفراد العائلة..
قالت لعمر:
ـ أنظر! هذا أخي حسين، وهذه أختي فاطمة، لازالا صغيرين .. سأصرف عليهما حتى يُكملا دراستهما، ويعملان موظفين مع الدولة مثلكم.
لم تتمالك نفسها حتى سقطت دمعة من عينها، وأعادت الصورة إلى الحقيبة..
قالت وردة:
ـ زرت أمي خلسة الشهر الماضي. وقدمت لها كل ما وفرته من نقود. عندما دخلت البيت تملكني خوف رهيب من أن يراني أحد الجيران، ويخبر زوجي العجوز.. مرّ الوقت سريعا، قبلت أمي وعانقتها، ووضعت رأسي على صدرها، وبكيت في صمت. مسحت الدمع من عيني، قبل أن أنهض وأعود إلى هذا الجحيم.. الله يعفو عنا..
زبون سكران يركل الباب برجله، ويصرخ بصوت عال.. في ليل المبغى يتحول الرجال إلى وحوش كاسرة..
رأى عمر أن بعض البغايا يحتفظن بشيء من كرامتهن.. لا أحد يستطيع أن يفرض عليهن النوم مع زبون بالقوة إلا إذا هددتهن (الباطرونا) بالطرد، أو خفن من أحد الفتوات.. وحتى في هذه الحالة يعاقبنه، ويجعلنه يشعر وكأنه ينام مع حائط. بعض بائعات الهوى عنصريات أيضا، لا تنمن مع ذوي البشرة السوداء ولو كانوا وزراء..
ويا سعدَ من أحبته باغية، وارتاحت نفسها إليه. ستجعله يُحس وكأنه ينام مع الحور العين في الجنة!
عندما اصطدم عمر ببعض أعيان المنطقة في تلك الليلة، وهم يشربون الشاي في المبغى، وينبسطون بين الفتيات، أقسم حتى يدخل المبغى في منتصف النهار، ومن الباب الذي يُقابل متاجرهم. بعدها رفع شعار: ادخلوا المبغى من بابه الواسع..
المعجم:
ـ شوارع (شوفوني): تعبير من المجاز الشعبي أطلقه أهل مراكش على الشوارع الكبرى التي يخرج إليها الناس في عطل نهاية الأسبوع أو غيرها، ويرتدون أفخر ما عندهم من ثياب لإثارة انتباه الناس..
مراكش 29 يوليوز 2024