لا يعرف عنها الا انها تنتمي لعائلة ارتجت اخلاقها وعنه سوى انه حسب اشاعات هجر زوجة وخمسة اطفال ..في زقاق من حي عشوائي كونته الفاقة وضعف القانون اشترت ذلك المنزل الصغير بسعر زهيد شيدوه من الطابوق والحجر الاسمنتي وقطع الصفيح.. والقصب و والمشبكات الصدئة وقطع من بقايا الاثاث القديم جادت به القمامة التي بدات تنتفخ في تلك الايام ..
احتج الجيران لانها ارادت انشاء دكان يتصل بالبيت ويتقدمه الى الشارع .
ــ انه طريق عام
انها حجة فقط ..فالطريق يتسع لمرور اربعة عجلات .. فتصورتهم حاقدين ووصفتهم (ناس كلاب ) .. وانشاته في الهول متصلا بالحمام والتواليت الواقعين خلف خشبة وستارة والظاهرين للزبون .. وقد كدست سلع البيع في كراتين من الورق المقوى على الارض وزبلان وصفائح وقدور المنيوم وصناديق خشب وبلاستيكية وبعض رفوف خشب .. تمتزج كلها مع مقتنيات المنزل .. فالثلاجة مشتركة لسلع المحل والمنزل .. وترى اكياسا نايلون معلقة بخيط يوازي السقف لاحتواء الكركم ونومي البصرة والعلك المر والفلفل الاسود المطحون والباميا المتيبسة .. هناك زاوية صيرت صيدلية فكاهية : علاج لوجع الراس وحبوب منع الحمل والشب وعلاج القولون وحبوب خفض الضغط .. كتبت لافتة بخط عريض (الدين ممنوع )واخرى ( لا يسمح بالجلوس هنا مطلقا ومكانك في القلب ) وفي زاوية اخرى علقت ايات لمنع الحسد وهناك اعلان في ورقة مدرسية : (مستعدون لمعالجة العقم )و ..محل جامع للشرائط ..يتقدمه باب خشبي خلف مشبك علقت سلسلة وقفل ثقيل من منتصفه ...يغلق الدكان بعد التاسعة والنصف ليلا ولا يفتح حتى لرئيس الجمهورية .. فيشرع الزبائن بالطرق المتكرر حتى يصابوا بالياس .. اما صغار الجيران فقد اتقنوا اللعبة (يتناولون حجرا ويطرقون على مجمدة عاطلة حتى يفتح لهم الباب ).مع صياح الديكة تفتح الباب وتبدا ببث وتلقف الاخبارالتي ستنقلها ايضا ..ما يجري في أي منزل لا تبحث عنه بعيدا فهنا اكبر وكالات انباء ..حتى اشد الاسرار تكتما والفضائح الكارثية ستقدم اليك بلا مقابل وقبل ان تسأل .. (طلقت .. عشقت .. خطبت . حصرها قريبها قرب دولاب العتيق ..تلك تسرق زوجها وهذه قاق قيق ..ام السحر .. ام السلفة .. ام الارداف الثخينة .. زوجها لا ينام معها لشدة النتانة ..خالسة ام التكسيات ..تكنّك سرا ..لوطي .. زوجته تخضعه بالنعال وشارباه كبيران .. سارق .. قاتل .. امه قحبه .. بنت خالته كشافة فأل...انفجار في الديوانية .. راتب الارامل ظهر.. الكمية توزع الان )..
حدثت المعركة يوم الخامس والعشرين من شهر محرم .. خمسة عشرا يوما تبقت عن الاربعينية حيث تتوافد الملايين مشيا من اقصى الجنوب الى كربلاء ..لم تتمكن الرياح والصبية العابثون والماعز من تمزيق اللافتات المسودة ..حتى جارتها البيضاء التي تتقن لعبة الجسد مع الغرباء سرا وضعت لافتة سوداء كتب عليها اسماء الائمة بالوان متنوعة وقالت لسميرة ام الدكان (بعد اسبوع نمضي الى النجف ومنها -نتشرد- في كربلاء ...).
كانت سميرة قد عرّفت المدرس ماجد على عائلة تبحث عن مدرس رياضيات لابنها في الصف الاول المتوسط فهي ذات استعداد فطري لاعمال خيرية حتى انها تعطي القديم من الملابس للايتام ..وتقدم النقد الزهيد للشحاذين تحت شعار ( دفع البلاء ).. وقد تتبرع بتوصيل رسائل العشاق.. وتتحول في لحظة الى لبوة هائجة من كلمة تنطقها جارة لها وقد تمزق دينها ولا تنضح درهما من جيبها ..وهي حريصة على مسمار صديء ولا تبالي لو احترق نصف بيتها : (نفسي التي تحمل الاشياء ذاهبة ـ فكيف ابكي على شيء اذا ذهبا ).لكن انوثتها خشبتها طرقات الفواجع ولهذا اخبرت متلذذة باسمة ام تحرير بان صغيرها بن اربعة اعوام ونصف قال لها : (سميرة خلفيتك كبيرة )..
وفي مرة تعاطفت مع عشيقين فقصدت معهما بيتا لاقربائها الناعسين الذين اعماهم وبلّدهم الفقر واخبرتهم بان الشاب من الاقرباء وان الفتاة خطيبته ..وتركتهم في غرفة منفردة اغلقاها فيما كانت مع قريبتها في المطبخ تثرم البصل ..
كانت الام شديدة السمرة ضخمة الجثة مستديرة الوجه .. بعد شهر من التدريس مرت في يوم عيد وقد لمحها المدرس ماجد على بعد في تبرج مبالغ تندفع مثل برميل احمر ,في مزاج خالطه المرح , كان يستقر ضحى على كرسي قرب محل لبيع الخضار, لما اقتربت غمزت له .. كان اتساع عينيها لا يدع مجالا للشك , لم يجر بينهما مزاح طيلة الشهر , فاستغرب ماجد من غمزتها المباغتة .. وحدث روحه <ربما هو المزاج المنعش ما دفعها .. وقد يدفع مثل هذا المزاج لسلوك خارج المألوف .. واقر بانها لا تقصد ونفى ان تكون هناك اشارة منها او دعوة مقصودة ..> انتهى العيد وقصدهم صباح الاحد .. غرفة الاستقبال منخفضة عن مستوى المنزل فينزل الانسان درجتين ليصلها.. وفيما كان منهمكا بحل المعادلات والولد مطرق تمتمت وهمست بصوت غير واضح فالتفت فرآها تخرج لسانها وتحركه كالافعي وهي تبتسم..عندها ادرك المدرس ماجد بانها تنصب شبكة ..وحين ودعهم قال لهم (ساعود غدا قبيل صلاة الغروب ).. قيل عنها حسب مصادر شبه موثوقة بانها تناولت من البقال ثلاث كيلوات من السكر مقابل ان تسبقه لمنزله ..وقالت احداهن <رايت صاحب الكمية البقال الحاج ابو مزهر يقبض عليها بين اكياس الطحين , عابثا باثداء تشبه قدور الطبخ متهدلة حتى صرتها وحين رأتني قالت : ــ المعيشة تتطلب ــ !!> ..تلك الاشاعات اتت لاحقا .. اما المدرس ماجد فقد طرق قبيل الغروب في اليوم الثاني .. وبعد ربع طلب تربة ومصلاة بعد ان توضأ .... في نفس اليوم جلست بعد انتهاء الدرس قربه على القنفة وقالت له (وحق صلاتك وصيامك ..). هكذا تمكن من تمزيق الشبكة قبل نضوجها .كانت بوزن مائة وعشرين كيلو وكان بامكانها ان تنفق زوجها من الاشهر الاولى الا ان زوجها كان اذا احتضن ماجد مرحبا يحس بان ظهره سيتكسر .. بتلك الضمة المنكنة ..
كل ليلة في الساعة الثانية تمر عجلة تئن وتقف جوار الدكان ..لا احد يعلم بالامر فهم يخشون الحسد ولهذا يقود زوج سميرة تلك العربة الصندوق بعد الساعة الحادية عشر فيما يقفر الزقاق الا من الكلاب والقطط.. وشوهد مؤخرا رجل من الاستخبارات يرقب المنزل ..انه بائع الحلوى يضعها في كيس صغير.. في دشداشة وكوفية يصيح بصوت جوهري طول اليوم بين الازقة (حلي يا ولد حلي ) ..
كانت ام سميرة جوزية البشرة ..عينان حادتان .. دائمة التبرم ناقمة على الناس ..يتصدرها ثديان ثقيلان .. قبل الزواج عقلها يتركز بين فخذيها ولسانها ينهش وينقب عن عيوب الناس..تنتقل من عاشق لعاشق ..تصرخ متاوهة طوفانية الاهتزاز في مرافق الصفيح وعلى ظهور المطايا..وفي الباصات الخشبية المعطلة وخلف تلال القمامة .. اخوتها صغار وابوها يعود غروبا من الصيد وامها لا تتمكن من ردعها .. تغادر المنزل لحظة المطر وفي شرر الهاجرة فلا يفوتها عرس او مأتم او مناسبة..وغالبا تغادر بلا لباس داخلي .. بعد سنتين من ولادة سميرة اكتفت بعاشقين وعريفين وعتال..تساومهم على مصوغات بسيطة ونقود وتهديها للعاشقين ولا احد يدري ماذا يفعل في بيتها الصغير مناف ذو الست اعوام ..لقد دربته على الرضاعة وتحريك الاصابع .. اثناءها كانت تمسد شعره نافخة غبار اللذة على حصير من الخوص..في الصف الخامس غشّت سميرة بمادة الاسلامية فطردوها ولم تعد للمدرسة .. ولان امها كانت كابحة وصارمة فقد اكتفت بعبور جدار السطح وقضاء ساعات على السطح مع جارها المراهق .وسرقت بعض النقود من امها ثلاث مرات وتشاجرت سبعين مرة تمسك الاطول منها برجليها وتطيح بها اما الاخريات فالعض والشتم وتمشيع الشعور .. تقرأ اثار تلك الجولات على جسدها ..وقت تجلس امام دكانها تتصيد الشائعات والحكايا وتمارس لعبة الحسد ..غير مدركة بان زوجها يبيع حبوب الكبسلة ويظهر اعضاءه منتشيا للصغار فيما كان بائع الحلوى يترصد منزلهم ثلاث مرات في اليوم .وهو يصدح بصوته المجلجل (حلي يا ولد حلي ).. قبل عاشوراء بايام علقت لوحة من القماش لفارس وقربة (يا ساقي عطاشى كربلاء ).. ورفعت في اعلى المنزل راية سوداء بقصبة (لبيك يا حسين )..وكانت جارتها البيضاء تستقطب المارة وتستعرض اشارات الجسد وقد سودت بالقماش جسمها والمنزل ..
لقد وجدته في قفر يغذ الخطى تائها مخدوعا بالسراب .. فاقدا جواده ورمحه وقربته وروحه .. ويستحيل عليه العودة لخمسة اطفال وزوجة عصرها الفقر وانهكها ..كانت الشمس بجنون لبوة لحظة الافتراس .. تنزف الجمر على الرمال والصبير والقبرات .. وتم الاتفاق بينهما في لحظة .. وكما العشق من اول نظرة يندلع الزواج من اول جملة.. كلاهما ارمل يعوي من الاملاق وصفعات الزمن .. واختصرا الاشهار بان تزوجا في كربلاء .. في فندق متهالك يعج بالعجم..
الناس تستعد لمراسم الاربعينية .. يرفعون الرايات ويتلفعون بالسواد و ويحملون حقائبهم الخفيفة .. ملايين ستغادر من الفاو حتى ارض الطف .. من ساحة سعد حتى الكرمة مسافة كيلوين تمتد مائدة من الدجاج والسمك على طول طريق شارع بغداد باسم <سفرة ام البنين >.. وقد نصبت على الرصيف السرادق المصدرة باسماء المواكب .. كان اغرب اسم هو <موكب مجزرة سبايكر ).. وتصدح مكبرات الصوت على طول الطريق حتى لا تكاد تسمع قول صاحبك ..وقد تعددت مقامات الاداء للمرثيات الحسينية واتسعت رئة الشعر فيها (قومن بنات النبي ، خيطن خيمجن عبي
هاي الزلم ما تظل ، باجر وراجن سبي
.....)
الجميع يحلق خياله في تلك الجمال والصحارى وسبايا بنات النبي .. بعد مجزرة الطف ومقتل الامام الحسين واهل بيته واصحابه .. الجميع يتخيل محرقة الخيام وفزع الحرائر وخطبة زينب المدوية في مجلس يزيد ..وسواء كان ايمانه راسخا او هامشيا فهو يرتدي السواد وييشقق الظهر بالزنجيل ويحضر المجالس الحسينية .. الجميع يحفظ قصيدة يزيد بن معاوية ويرددها بغضب <لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل ).. الجميع يتمنى ان تعود الطف ليساند امامه الحسين ولن يتكرر تخاذل اهل الكوفة ..لكن جارة سميرة البيضاء قالت كلمتها (سنمضي مشاية ونديح هناك ) وهي تبتسم كأنها ملتذة بنعمة الحرية والتحرر ..متخيلة ذلك الزاد المنوع وهو يوزع مجانا ويكفي لاشباع الملايين .. انه ما تشتهي الانفس وتلذ العيون وربما تطلب حاجة < مرادا > من امامها فتتحق .. ولا ندري هل ستطلب خلاصا من زوج او اخضاعا له .. او موت شامتة اوهمزة لمزة ..او تطلب المغفرة لكل الاعمال الوسخة التي صحبتها من عمر مبكر ..او ثروة تدعم بها في طريق مهجور ..لكن سميرة لن تمضي معها فقد حدث الشجار ظهر يوم الخامس والعشرين من شهر عاشوراء ..اول ما سمع اصوات اوان تتكسر وتبادل شتم وسب وكلمات قبح تراما بها .. لقد اعوجت الاواني وتطشر الفلفل الاسود وسال الكاري متطايرا من الاكياس المعلقة .. وامتزجت سلع الصيدلة بسلع السحر والعلب الجاهزة ... كانت الاصوات تصل متنوعة .. رنة القدور وصفعات الاجساد المتبادلة .. صوت ارتطام الشاشة بالارض ثم بدات الاشياء ترمى خارج المنزل فطفح الشارع بعلب السجائر واقلام الرصاص والمشبكات الصدئة والمثلجات والوان القناني وتخلت السلع عن اماكنها فتحولت يسارا من اليمين وتخلف المتصدر منها وولت الفئران فزعة وتسارعت الى الشارع ...وطرق باب الجار واذا هي بدشداشة سوداء فزعة العيون محمرة الوجه من الغضب ولم تتمكن من ترتيب حجابها فظهر شيب مصبوغ في خصلات لم يروضها مشط ولا حناء ..(ام تحرير اريد عباءة )
ــ ادخلي وصلي على محمد
وادخلتها واغلقت الباب وهي تعوي سبا وحنقا .. وكانت قد ضخمت قاموس الشتم (ابن القحبة لو رجال انت امسك اخواتك ).. فتناول حجرا ثقيلا واجهز على برميل الماء فاغرق الشارع وتجمهر الجيران.. وواصل تحطيم ما يسمى اثاثا ..حتى صندوق التوفير قطعه نصفين وتطايرت خمسة الاف ورقية منه وحملتها الريح بعيدا وكسر المبايلات .. كان يسحقها بقدمه بعد ان رمى بها الارض كانه يمنع التواصل مع العالم وهو في وجه شاحب ..وجلست مقابل الباب المغلق تقابل جارتها التي تعاطفت معها وتحاول تهدئتها .. خلف الباب تتواصل معركة التكسير والتحطيم وكلما سمعت صوتا اجابته (اعوضها وانت ابحث لك عن جحر يأويك ) (لو رجل لما اريت اعضاءك للصغار )(اذهب وابحث عن اخواتك باي تكسي <يعملنها> ) .. وبعد ان بردت الحرب تواصلت المناوشات الكلامية وتبادل السب واستعراض العار والعيوب .. وجلس يقابل الباب قرب المزبلة على بعد امتار.. كلمة لكلمة وتهمة لتهمة .. (خلصت عمري اكدح لتأكل ) ويجيبها <بسواي تاكلك الكلاب )
ــ ترى نفسك رجال
ــ انظري لخلقتك الزفرة في المرآة ..
ــ كل يوم يجمهر علينا الناس
ـــ كل يوم لها طبلة وعرس لم تحمد الله وتشكره
ــ بعد قليل ستصلك الشرطة
ــ فقط من الله اخاف ... روحي .. انا ادليك مكان المركز .. استأجر لك تكسي لتاتي بهم ..
قليلا قليلا اختصرت الكلمات فانهمرت منها الدموع .. وبدأ هو يكتب على التراب كلمة (وتاليها ) بشظية خشبة..كانت جارتها قد اطرقت غريقا بحزن حقيقي .. انهما تتقابلان :
ــ يا اختي تتعوض الامور لا احد لك غيره وليس له احد
ـــ لم اقل له شيئا .. قلت له لا تغسل الستوتة اليوم وبعد خمسة ايام .. مرة واحدة تكفي لان التراب يخربها .. وانت تريد ان تصل بها لكربلاء في الاربعينية .. هل في كلامي خطأ ؟.. كان يسمع كل كلمة فاجابها بصوت خفيض كمن ذل : ( وما يدعوك لمنعي انه ماء )
ــ قلت لك الشارع يفيض
ــ الشارع تنشفه الشمس
خفت حدة اللهجة .. وبدءا يفكران بمخرج وطريقة اسرع للصلح ..فتحول الهجوم الى عتب .
ــ ادري انت طيبة ولم تقصدي لكنه الالحاح
ـــ وما بك لا تتحمل كلمة مني
وكلما لامست الاعصاب برودة اشد اختصر احدهما و وفاض الاخر ..
ـــ انت تدري الناس تتصيد عيوب .. تبحث عن زلات .. سيقولون اغرق الشارع .. وهي ليست عروس وكل يوم حمام .. انا ما قلت شيئا , لاجلك منعتك .. اهكذا احسن .. ناس تتجمع لتتفرج ..متى تعقل يا رجل ظهر شيب بلحيتك وما زلت تراك صغيرا .. لا واحدة غيري تتحملك ..تتحمل بطالتك .. انا اكدح من الصبح للتاسعة ليلا . وانت مشغول بالتفاهات ... للبيت لا.. ولهم تعمل بكل اندفاع حقا من قالوا < بيت النجار خراب ).. ثم خاطبت جارتها التي ما تزال تقابلها جالسة وتصغي كانها في محاضرة مقدسة
ــ خية صح هو طيب لكن العصبية ..
ــ صلي على محمد واذكروا الله .. كل شيء يعوض
ــ وحقك اعوض أي شيء , هو لا يقدر..
لكنه تركها تفرغ احشاءها تماما .. فقال (تعاي تغدي ).كان وجهه يعكس الحزن ونشوة اقتراب ابرام الصلح ..يعرفان بعضهما تماما ... سورة الغضب لا تطول .. ما عادت لهما طاقة على الحروب الطويلة لقد تمكن منهما التعب بمرور الايام ..
وشوهدا بعد ساعة يتناولان الغداء ويتبادلان القهقهات .. وحين اتت جارتهم التي تقابل منزلهم لتشتري .. خاطبتها
ــ انت شامتة .. تقولين له فيضت الشارع وانت تبتسمين
..
لم تشهد جارتها البيضاء تلك المعركة والا لحدث احتكاك فسميرة عدائية بطبعها وفي موجة الغضب تحرف وتصحف الكلمات ..
بعد خمسة ايام وقد سبقها زوجها .. بدات المسير من النجف الى كربلاء ومعها جارتها البيضاء التي تدفع طفلتها بعربة صغيرة ..وكل واحدة متشحة بالسواد وترفع راية حسينية ..
احتج الجيران لانها ارادت انشاء دكان يتصل بالبيت ويتقدمه الى الشارع .
ــ انه طريق عام
انها حجة فقط ..فالطريق يتسع لمرور اربعة عجلات .. فتصورتهم حاقدين ووصفتهم (ناس كلاب ) .. وانشاته في الهول متصلا بالحمام والتواليت الواقعين خلف خشبة وستارة والظاهرين للزبون .. وقد كدست سلع البيع في كراتين من الورق المقوى على الارض وزبلان وصفائح وقدور المنيوم وصناديق خشب وبلاستيكية وبعض رفوف خشب .. تمتزج كلها مع مقتنيات المنزل .. فالثلاجة مشتركة لسلع المحل والمنزل .. وترى اكياسا نايلون معلقة بخيط يوازي السقف لاحتواء الكركم ونومي البصرة والعلك المر والفلفل الاسود المطحون والباميا المتيبسة .. هناك زاوية صيرت صيدلية فكاهية : علاج لوجع الراس وحبوب منع الحمل والشب وعلاج القولون وحبوب خفض الضغط .. كتبت لافتة بخط عريض (الدين ممنوع )واخرى ( لا يسمح بالجلوس هنا مطلقا ومكانك في القلب ) وفي زاوية اخرى علقت ايات لمنع الحسد وهناك اعلان في ورقة مدرسية : (مستعدون لمعالجة العقم )و ..محل جامع للشرائط ..يتقدمه باب خشبي خلف مشبك علقت سلسلة وقفل ثقيل من منتصفه ...يغلق الدكان بعد التاسعة والنصف ليلا ولا يفتح حتى لرئيس الجمهورية .. فيشرع الزبائن بالطرق المتكرر حتى يصابوا بالياس .. اما صغار الجيران فقد اتقنوا اللعبة (يتناولون حجرا ويطرقون على مجمدة عاطلة حتى يفتح لهم الباب ).مع صياح الديكة تفتح الباب وتبدا ببث وتلقف الاخبارالتي ستنقلها ايضا ..ما يجري في أي منزل لا تبحث عنه بعيدا فهنا اكبر وكالات انباء ..حتى اشد الاسرار تكتما والفضائح الكارثية ستقدم اليك بلا مقابل وقبل ان تسأل .. (طلقت .. عشقت .. خطبت . حصرها قريبها قرب دولاب العتيق ..تلك تسرق زوجها وهذه قاق قيق ..ام السحر .. ام السلفة .. ام الارداف الثخينة .. زوجها لا ينام معها لشدة النتانة ..خالسة ام التكسيات ..تكنّك سرا ..لوطي .. زوجته تخضعه بالنعال وشارباه كبيران .. سارق .. قاتل .. امه قحبه .. بنت خالته كشافة فأل...انفجار في الديوانية .. راتب الارامل ظهر.. الكمية توزع الان )..
حدثت المعركة يوم الخامس والعشرين من شهر محرم .. خمسة عشرا يوما تبقت عن الاربعينية حيث تتوافد الملايين مشيا من اقصى الجنوب الى كربلاء ..لم تتمكن الرياح والصبية العابثون والماعز من تمزيق اللافتات المسودة ..حتى جارتها البيضاء التي تتقن لعبة الجسد مع الغرباء سرا وضعت لافتة سوداء كتب عليها اسماء الائمة بالوان متنوعة وقالت لسميرة ام الدكان (بعد اسبوع نمضي الى النجف ومنها -نتشرد- في كربلاء ...).
كانت سميرة قد عرّفت المدرس ماجد على عائلة تبحث عن مدرس رياضيات لابنها في الصف الاول المتوسط فهي ذات استعداد فطري لاعمال خيرية حتى انها تعطي القديم من الملابس للايتام ..وتقدم النقد الزهيد للشحاذين تحت شعار ( دفع البلاء ).. وقد تتبرع بتوصيل رسائل العشاق.. وتتحول في لحظة الى لبوة هائجة من كلمة تنطقها جارة لها وقد تمزق دينها ولا تنضح درهما من جيبها ..وهي حريصة على مسمار صديء ولا تبالي لو احترق نصف بيتها : (نفسي التي تحمل الاشياء ذاهبة ـ فكيف ابكي على شيء اذا ذهبا ).لكن انوثتها خشبتها طرقات الفواجع ولهذا اخبرت متلذذة باسمة ام تحرير بان صغيرها بن اربعة اعوام ونصف قال لها : (سميرة خلفيتك كبيرة )..
وفي مرة تعاطفت مع عشيقين فقصدت معهما بيتا لاقربائها الناعسين الذين اعماهم وبلّدهم الفقر واخبرتهم بان الشاب من الاقرباء وان الفتاة خطيبته ..وتركتهم في غرفة منفردة اغلقاها فيما كانت مع قريبتها في المطبخ تثرم البصل ..
كانت الام شديدة السمرة ضخمة الجثة مستديرة الوجه .. بعد شهر من التدريس مرت في يوم عيد وقد لمحها المدرس ماجد على بعد في تبرج مبالغ تندفع مثل برميل احمر ,في مزاج خالطه المرح , كان يستقر ضحى على كرسي قرب محل لبيع الخضار, لما اقتربت غمزت له .. كان اتساع عينيها لا يدع مجالا للشك , لم يجر بينهما مزاح طيلة الشهر , فاستغرب ماجد من غمزتها المباغتة .. وحدث روحه <ربما هو المزاج المنعش ما دفعها .. وقد يدفع مثل هذا المزاج لسلوك خارج المألوف .. واقر بانها لا تقصد ونفى ان تكون هناك اشارة منها او دعوة مقصودة ..> انتهى العيد وقصدهم صباح الاحد .. غرفة الاستقبال منخفضة عن مستوى المنزل فينزل الانسان درجتين ليصلها.. وفيما كان منهمكا بحل المعادلات والولد مطرق تمتمت وهمست بصوت غير واضح فالتفت فرآها تخرج لسانها وتحركه كالافعي وهي تبتسم..عندها ادرك المدرس ماجد بانها تنصب شبكة ..وحين ودعهم قال لهم (ساعود غدا قبيل صلاة الغروب ).. قيل عنها حسب مصادر شبه موثوقة بانها تناولت من البقال ثلاث كيلوات من السكر مقابل ان تسبقه لمنزله ..وقالت احداهن <رايت صاحب الكمية البقال الحاج ابو مزهر يقبض عليها بين اكياس الطحين , عابثا باثداء تشبه قدور الطبخ متهدلة حتى صرتها وحين رأتني قالت : ــ المعيشة تتطلب ــ !!> ..تلك الاشاعات اتت لاحقا .. اما المدرس ماجد فقد طرق قبيل الغروب في اليوم الثاني .. وبعد ربع طلب تربة ومصلاة بعد ان توضأ .... في نفس اليوم جلست بعد انتهاء الدرس قربه على القنفة وقالت له (وحق صلاتك وصيامك ..). هكذا تمكن من تمزيق الشبكة قبل نضوجها .كانت بوزن مائة وعشرين كيلو وكان بامكانها ان تنفق زوجها من الاشهر الاولى الا ان زوجها كان اذا احتضن ماجد مرحبا يحس بان ظهره سيتكسر .. بتلك الضمة المنكنة ..
كل ليلة في الساعة الثانية تمر عجلة تئن وتقف جوار الدكان ..لا احد يعلم بالامر فهم يخشون الحسد ولهذا يقود زوج سميرة تلك العربة الصندوق بعد الساعة الحادية عشر فيما يقفر الزقاق الا من الكلاب والقطط.. وشوهد مؤخرا رجل من الاستخبارات يرقب المنزل ..انه بائع الحلوى يضعها في كيس صغير.. في دشداشة وكوفية يصيح بصوت جوهري طول اليوم بين الازقة (حلي يا ولد حلي ) ..
كانت ام سميرة جوزية البشرة ..عينان حادتان .. دائمة التبرم ناقمة على الناس ..يتصدرها ثديان ثقيلان .. قبل الزواج عقلها يتركز بين فخذيها ولسانها ينهش وينقب عن عيوب الناس..تنتقل من عاشق لعاشق ..تصرخ متاوهة طوفانية الاهتزاز في مرافق الصفيح وعلى ظهور المطايا..وفي الباصات الخشبية المعطلة وخلف تلال القمامة .. اخوتها صغار وابوها يعود غروبا من الصيد وامها لا تتمكن من ردعها .. تغادر المنزل لحظة المطر وفي شرر الهاجرة فلا يفوتها عرس او مأتم او مناسبة..وغالبا تغادر بلا لباس داخلي .. بعد سنتين من ولادة سميرة اكتفت بعاشقين وعريفين وعتال..تساومهم على مصوغات بسيطة ونقود وتهديها للعاشقين ولا احد يدري ماذا يفعل في بيتها الصغير مناف ذو الست اعوام ..لقد دربته على الرضاعة وتحريك الاصابع .. اثناءها كانت تمسد شعره نافخة غبار اللذة على حصير من الخوص..في الصف الخامس غشّت سميرة بمادة الاسلامية فطردوها ولم تعد للمدرسة .. ولان امها كانت كابحة وصارمة فقد اكتفت بعبور جدار السطح وقضاء ساعات على السطح مع جارها المراهق .وسرقت بعض النقود من امها ثلاث مرات وتشاجرت سبعين مرة تمسك الاطول منها برجليها وتطيح بها اما الاخريات فالعض والشتم وتمشيع الشعور .. تقرأ اثار تلك الجولات على جسدها ..وقت تجلس امام دكانها تتصيد الشائعات والحكايا وتمارس لعبة الحسد ..غير مدركة بان زوجها يبيع حبوب الكبسلة ويظهر اعضاءه منتشيا للصغار فيما كان بائع الحلوى يترصد منزلهم ثلاث مرات في اليوم .وهو يصدح بصوته المجلجل (حلي يا ولد حلي ).. قبل عاشوراء بايام علقت لوحة من القماش لفارس وقربة (يا ساقي عطاشى كربلاء ).. ورفعت في اعلى المنزل راية سوداء بقصبة (لبيك يا حسين )..وكانت جارتها البيضاء تستقطب المارة وتستعرض اشارات الجسد وقد سودت بالقماش جسمها والمنزل ..
لقد وجدته في قفر يغذ الخطى تائها مخدوعا بالسراب .. فاقدا جواده ورمحه وقربته وروحه .. ويستحيل عليه العودة لخمسة اطفال وزوجة عصرها الفقر وانهكها ..كانت الشمس بجنون لبوة لحظة الافتراس .. تنزف الجمر على الرمال والصبير والقبرات .. وتم الاتفاق بينهما في لحظة .. وكما العشق من اول نظرة يندلع الزواج من اول جملة.. كلاهما ارمل يعوي من الاملاق وصفعات الزمن .. واختصرا الاشهار بان تزوجا في كربلاء .. في فندق متهالك يعج بالعجم..
الناس تستعد لمراسم الاربعينية .. يرفعون الرايات ويتلفعون بالسواد و ويحملون حقائبهم الخفيفة .. ملايين ستغادر من الفاو حتى ارض الطف .. من ساحة سعد حتى الكرمة مسافة كيلوين تمتد مائدة من الدجاج والسمك على طول طريق شارع بغداد باسم <سفرة ام البنين >.. وقد نصبت على الرصيف السرادق المصدرة باسماء المواكب .. كان اغرب اسم هو <موكب مجزرة سبايكر ).. وتصدح مكبرات الصوت على طول الطريق حتى لا تكاد تسمع قول صاحبك ..وقد تعددت مقامات الاداء للمرثيات الحسينية واتسعت رئة الشعر فيها (قومن بنات النبي ، خيطن خيمجن عبي
هاي الزلم ما تظل ، باجر وراجن سبي
.....)
الجميع يحلق خياله في تلك الجمال والصحارى وسبايا بنات النبي .. بعد مجزرة الطف ومقتل الامام الحسين واهل بيته واصحابه .. الجميع يتخيل محرقة الخيام وفزع الحرائر وخطبة زينب المدوية في مجلس يزيد ..وسواء كان ايمانه راسخا او هامشيا فهو يرتدي السواد وييشقق الظهر بالزنجيل ويحضر المجالس الحسينية .. الجميع يحفظ قصيدة يزيد بن معاوية ويرددها بغضب <لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل ).. الجميع يتمنى ان تعود الطف ليساند امامه الحسين ولن يتكرر تخاذل اهل الكوفة ..لكن جارة سميرة البيضاء قالت كلمتها (سنمضي مشاية ونديح هناك ) وهي تبتسم كأنها ملتذة بنعمة الحرية والتحرر ..متخيلة ذلك الزاد المنوع وهو يوزع مجانا ويكفي لاشباع الملايين .. انه ما تشتهي الانفس وتلذ العيون وربما تطلب حاجة < مرادا > من امامها فتتحق .. ولا ندري هل ستطلب خلاصا من زوج او اخضاعا له .. او موت شامتة اوهمزة لمزة ..او تطلب المغفرة لكل الاعمال الوسخة التي صحبتها من عمر مبكر ..او ثروة تدعم بها في طريق مهجور ..لكن سميرة لن تمضي معها فقد حدث الشجار ظهر يوم الخامس والعشرين من شهر عاشوراء ..اول ما سمع اصوات اوان تتكسر وتبادل شتم وسب وكلمات قبح تراما بها .. لقد اعوجت الاواني وتطشر الفلفل الاسود وسال الكاري متطايرا من الاكياس المعلقة .. وامتزجت سلع الصيدلة بسلع السحر والعلب الجاهزة ... كانت الاصوات تصل متنوعة .. رنة القدور وصفعات الاجساد المتبادلة .. صوت ارتطام الشاشة بالارض ثم بدات الاشياء ترمى خارج المنزل فطفح الشارع بعلب السجائر واقلام الرصاص والمشبكات الصدئة والمثلجات والوان القناني وتخلت السلع عن اماكنها فتحولت يسارا من اليمين وتخلف المتصدر منها وولت الفئران فزعة وتسارعت الى الشارع ...وطرق باب الجار واذا هي بدشداشة سوداء فزعة العيون محمرة الوجه من الغضب ولم تتمكن من ترتيب حجابها فظهر شيب مصبوغ في خصلات لم يروضها مشط ولا حناء ..(ام تحرير اريد عباءة )
ــ ادخلي وصلي على محمد
وادخلتها واغلقت الباب وهي تعوي سبا وحنقا .. وكانت قد ضخمت قاموس الشتم (ابن القحبة لو رجال انت امسك اخواتك ).. فتناول حجرا ثقيلا واجهز على برميل الماء فاغرق الشارع وتجمهر الجيران.. وواصل تحطيم ما يسمى اثاثا ..حتى صندوق التوفير قطعه نصفين وتطايرت خمسة الاف ورقية منه وحملتها الريح بعيدا وكسر المبايلات .. كان يسحقها بقدمه بعد ان رمى بها الارض كانه يمنع التواصل مع العالم وهو في وجه شاحب ..وجلست مقابل الباب المغلق تقابل جارتها التي تعاطفت معها وتحاول تهدئتها .. خلف الباب تتواصل معركة التكسير والتحطيم وكلما سمعت صوتا اجابته (اعوضها وانت ابحث لك عن جحر يأويك ) (لو رجل لما اريت اعضاءك للصغار )(اذهب وابحث عن اخواتك باي تكسي <يعملنها> ) .. وبعد ان بردت الحرب تواصلت المناوشات الكلامية وتبادل السب واستعراض العار والعيوب .. وجلس يقابل الباب قرب المزبلة على بعد امتار.. كلمة لكلمة وتهمة لتهمة .. (خلصت عمري اكدح لتأكل ) ويجيبها <بسواي تاكلك الكلاب )
ــ ترى نفسك رجال
ــ انظري لخلقتك الزفرة في المرآة ..
ــ كل يوم يجمهر علينا الناس
ـــ كل يوم لها طبلة وعرس لم تحمد الله وتشكره
ــ بعد قليل ستصلك الشرطة
ــ فقط من الله اخاف ... روحي .. انا ادليك مكان المركز .. استأجر لك تكسي لتاتي بهم ..
قليلا قليلا اختصرت الكلمات فانهمرت منها الدموع .. وبدأ هو يكتب على التراب كلمة (وتاليها ) بشظية خشبة..كانت جارتها قد اطرقت غريقا بحزن حقيقي .. انهما تتقابلان :
ــ يا اختي تتعوض الامور لا احد لك غيره وليس له احد
ـــ لم اقل له شيئا .. قلت له لا تغسل الستوتة اليوم وبعد خمسة ايام .. مرة واحدة تكفي لان التراب يخربها .. وانت تريد ان تصل بها لكربلاء في الاربعينية .. هل في كلامي خطأ ؟.. كان يسمع كل كلمة فاجابها بصوت خفيض كمن ذل : ( وما يدعوك لمنعي انه ماء )
ــ قلت لك الشارع يفيض
ــ الشارع تنشفه الشمس
خفت حدة اللهجة .. وبدءا يفكران بمخرج وطريقة اسرع للصلح ..فتحول الهجوم الى عتب .
ــ ادري انت طيبة ولم تقصدي لكنه الالحاح
ـــ وما بك لا تتحمل كلمة مني
وكلما لامست الاعصاب برودة اشد اختصر احدهما و وفاض الاخر ..
ـــ انت تدري الناس تتصيد عيوب .. تبحث عن زلات .. سيقولون اغرق الشارع .. وهي ليست عروس وكل يوم حمام .. انا ما قلت شيئا , لاجلك منعتك .. اهكذا احسن .. ناس تتجمع لتتفرج ..متى تعقل يا رجل ظهر شيب بلحيتك وما زلت تراك صغيرا .. لا واحدة غيري تتحملك ..تتحمل بطالتك .. انا اكدح من الصبح للتاسعة ليلا . وانت مشغول بالتفاهات ... للبيت لا.. ولهم تعمل بكل اندفاع حقا من قالوا < بيت النجار خراب ).. ثم خاطبت جارتها التي ما تزال تقابلها جالسة وتصغي كانها في محاضرة مقدسة
ــ خية صح هو طيب لكن العصبية ..
ــ صلي على محمد واذكروا الله .. كل شيء يعوض
ــ وحقك اعوض أي شيء , هو لا يقدر..
لكنه تركها تفرغ احشاءها تماما .. فقال (تعاي تغدي ).كان وجهه يعكس الحزن ونشوة اقتراب ابرام الصلح ..يعرفان بعضهما تماما ... سورة الغضب لا تطول .. ما عادت لهما طاقة على الحروب الطويلة لقد تمكن منهما التعب بمرور الايام ..
وشوهدا بعد ساعة يتناولان الغداء ويتبادلان القهقهات .. وحين اتت جارتهم التي تقابل منزلهم لتشتري .. خاطبتها
ــ انت شامتة .. تقولين له فيضت الشارع وانت تبتسمين
..
لم تشهد جارتها البيضاء تلك المعركة والا لحدث احتكاك فسميرة عدائية بطبعها وفي موجة الغضب تحرف وتصحف الكلمات ..
بعد خمسة ايام وقد سبقها زوجها .. بدات المسير من النجف الى كربلاء ومعها جارتها البيضاء التي تدفع طفلتها بعربة صغيرة ..وكل واحدة متشحة بالسواد وترفع راية حسينية ..