كمن تحركه رياح الزوابع، دُفع للسفر دفعا، جاءه التيار من ثلاثة جوانب، هُمْ، وهُوَ، وهيَّ... وأشياء أخرى، فَهُمْ، يبحثون فيه عن عنوان لإدارة عجلة من عجلات دواليب الصمود، وهو حبٌ وأملٌ ورضا، وهيَّ سيدة قلبه التي تعودت جوارجه أن لا تعصي لها قولا، ولا ترد لها رؤيا، حمل حقيبته الكبيرة وإلتقف يد إبنه الصغير، ويمم شطر البلد الآخر ظهرا، وكلُّ ما يمشي أمامه أمل، يتلفت إلى فلذة كبده، فيلمح الفرح في عينيه يسير أمامه، فيشتد العزم فيه، ويصبح اكثر تصميما على استكمال الصورة إلى نهايتها، يروي عينية بشيء من الابتسام، فيتابعان السير معا، حتى المآرب، وصلا، وصعدا السيارة، إمتلات، فانطلقت، وكان مجتمعها في غالبيتهم من الجيل الشاب الواعد والباحث عن فرصة نجاح، خاصة في التجارة، وكسب المال...
وصلا ظهرا، ترجلا، ودخلا القاعة، وبعد أن دفع ضريبة العبور، وصل الشباك الأول... شعر بالراحة وهو يصعد الحافلة التي تحركت من فورها للجانب الاخر،كانت الرمال من حول الحافلة التي تصعد وتهبط تتناغم مع صور عايشها في ايام الشباب،هذه الصور،رغم انطباعها الحاد في حياته ألقاسية، إلا أن لمرورها أمامه اليوم طعم آخر...
ترجل من ألحافلة ودخل قاعة " أبناء العم"،حتى سنح له الوقت الوصول لذلك الشباك الذي تجلس خلفه موظفة عجوز قاربت الستين، قدم جواز سفره، فضربت بأناملها على جهاز الحاسوب، وحدقت مليا، وقالت له :-
إجلس وانتظر...
خفق قلبه، وبلع ريقه،وبدأت ألحسابات طفله المتعجل فرحا في الوصول للعالم الذي لم يره بعد سأل والدة
لماذا لا نتحرك كباقي المسافرين ؟
رد الولد :- لقد تم توقيفنا يا بنيّ...
عاد الطفل بالسؤال :- لماذا ؟
اجاب الوالد :- لا تقلق... لن يطول الوقت إن شاء الله
ساعة، ساعتين، ثلاث ساعات،والوالد في بحر متلاطم من الهواجس والتفكير القلق،ترى ماذا يريدون مني؟
فأخذ يتمشى حينا، ويقف مع أقرنه من المحتجزين مثله حينا آخر، لقد برد قلبه قليلا عندما أدرك انه ليس هو الوحيد في ذلك التوقيف، هناك أكثر من ثلاثين شخصا يشاركونه القلق والانتظار...
حلت الساعة الرابعة مساء، خرج من داخل المكاتب الداخلية رجل طويل القامة، عريض المنكبين، بنيّ البشرة، يسير معه شابان مفتوليّ العضلات، فنادى اسمه... ادرك انه رجل مخابرات...
سار رجل المخابرات ومن معه إلى نهاية الصالة، وأمره باللحاق به، وهناك استل الضابط ورقة وقلما وشرع باستجوابه لمدة زادت عن العشر دقائق...
شعر الرجل في البداية بالخوف على ولده بعد أن ظن انه اعتقال، وبعد الانتهاء من الاستجواب والسؤال، طلب منه ان يعود ويجلس في الانتظار، فتبدد نصف القلق، وبعد نصف ساعة بدأت جوازات السفر المحجوزة تخرج وتسلم لأصحابها، فيمرون واحدا تلو الاخر، حتى جاء دوره... فتنفس الصعداء بعد أن عايش التوتر والقلق والتحسب لأكثر من أربع ساعات.
صعد الحافلة ليصل للجانب الاخر من ألجسر، هذه المرة لدى الجانب ألعربي، وما إن مد جواز السفر مرة ثانية، حتى سمع قول الشرطيّ وهو يقول له :-
إنتظر مقابل شباك رقم عشرة...
عرف أنه امام توقيف آخر، فراح يبحث عن زاوية من القاعة لكي يصلي ما فاته، فعلا إتخذ له مكانا، فرشة بقطعة من الكرتون وشرع بجمع الصلاة، وبعد ساعة ونصف، إستدعيّ إلى الشباك المذكور، فسأل عن أسباب الزيارة، فرد ما يحفظ من القول الذي قاله في الجهة السابقة...
عاد وجلس، وبعد دقائق طلب منه المغادرة والمرور، لكن عليه مراجعة مقر المخابرات في العاصمة لاستلام جوازه من هناك، نصف فرح إنتابه مما سمع، أسرع وخرج من القاعة نحو السيارات، استقل سيارة مع راكبين آخرين وقد هبط الظلام المرافق لزخات من المطر، فوصل الفندق مع إبنه، فطلب وجبتي طعام ليطفئ جوعه وجوع إبنه اللذان لم يتناولا أي شيء منذ خرجا من بيتهم.
عندما أفاق صباحا، بدأ يفكر كيف سيقضي يومه الاول، وعند أي من أرحامه وأقربائه سيذهب...، بدا كابوس العودة يقلقه، وهو يتسأل:-
هل سأعتقل عندما أعود؟
حاول تناسي الامر حتى لا يغلث فرحة ابنه،خاصة عندما رآه يتحدث مع امه صباحا ويصف لها مشاعره وهو يشاهد اول عاصمة عربية خارج فلسطين،اصطحبه إلى كل المحطات وبيوت الاقارب،والأماكن العامة،وحديقة الحيوانات،والمواقع الاثرية،حتى جاء اليوم الخامس،والذي قررا فيه العودة إلى أرض الوطن،الطفل أروى حبه وشغفه من الرحلة،اما الوالد فلا زال قلقا مما ينتظره عندما سيقف أمام الشباك مرة أخرى...
المسافة الزمنية في رحلة العودة من العاصمة إلى الشباك طويلة وشاقة نظرا لكثرة العائدين والازدحام الشديد،وما ان وصل إلى امام الشباك عند الساعة التاسعة مساء،حتى طلب منه ان ينتظر مرة أخرى،فعاد ليتمشى ذهابا وإيابا على امتداد القاعة،وعيناه ترقب ذلك الضابط وهو يستوجب بعض الموقوفين،وخاصة تلك الفتاة المحجبة التي كانت أسئلته لها فضة وفيها نوع من القسوة...
ساعة ونصف،وهو يرقب كل حركة لجنديّ او عسكريّ يدخل ويخرج وهو يتحسب أن يكونوا من اللذين سيضعون الاغلال في يديّه،لكن الفرج جاءه بعد الانتظار،نودي على اسمه،وخُتم جواز سفره،وعاد لابنه يقبله من شدة الفرح،فقد تبدد القلق وتلاشى الخوف،وعادا بعد منتصف الليل إلى بيتهم الذي خرجا منه في تلك الرحلة،رحلة الهواجس والقلق.
وصلا ظهرا، ترجلا، ودخلا القاعة، وبعد أن دفع ضريبة العبور، وصل الشباك الأول... شعر بالراحة وهو يصعد الحافلة التي تحركت من فورها للجانب الاخر،كانت الرمال من حول الحافلة التي تصعد وتهبط تتناغم مع صور عايشها في ايام الشباب،هذه الصور،رغم انطباعها الحاد في حياته ألقاسية، إلا أن لمرورها أمامه اليوم طعم آخر...
ترجل من ألحافلة ودخل قاعة " أبناء العم"،حتى سنح له الوقت الوصول لذلك الشباك الذي تجلس خلفه موظفة عجوز قاربت الستين، قدم جواز سفره، فضربت بأناملها على جهاز الحاسوب، وحدقت مليا، وقالت له :-
إجلس وانتظر...
خفق قلبه، وبلع ريقه،وبدأت ألحسابات طفله المتعجل فرحا في الوصول للعالم الذي لم يره بعد سأل والدة
لماذا لا نتحرك كباقي المسافرين ؟
رد الولد :- لقد تم توقيفنا يا بنيّ...
عاد الطفل بالسؤال :- لماذا ؟
اجاب الوالد :- لا تقلق... لن يطول الوقت إن شاء الله
ساعة، ساعتين، ثلاث ساعات،والوالد في بحر متلاطم من الهواجس والتفكير القلق،ترى ماذا يريدون مني؟
فأخذ يتمشى حينا، ويقف مع أقرنه من المحتجزين مثله حينا آخر، لقد برد قلبه قليلا عندما أدرك انه ليس هو الوحيد في ذلك التوقيف، هناك أكثر من ثلاثين شخصا يشاركونه القلق والانتظار...
حلت الساعة الرابعة مساء، خرج من داخل المكاتب الداخلية رجل طويل القامة، عريض المنكبين، بنيّ البشرة، يسير معه شابان مفتوليّ العضلات، فنادى اسمه... ادرك انه رجل مخابرات...
سار رجل المخابرات ومن معه إلى نهاية الصالة، وأمره باللحاق به، وهناك استل الضابط ورقة وقلما وشرع باستجوابه لمدة زادت عن العشر دقائق...
شعر الرجل في البداية بالخوف على ولده بعد أن ظن انه اعتقال، وبعد الانتهاء من الاستجواب والسؤال، طلب منه ان يعود ويجلس في الانتظار، فتبدد نصف القلق، وبعد نصف ساعة بدأت جوازات السفر المحجوزة تخرج وتسلم لأصحابها، فيمرون واحدا تلو الاخر، حتى جاء دوره... فتنفس الصعداء بعد أن عايش التوتر والقلق والتحسب لأكثر من أربع ساعات.
صعد الحافلة ليصل للجانب الاخر من ألجسر، هذه المرة لدى الجانب ألعربي، وما إن مد جواز السفر مرة ثانية، حتى سمع قول الشرطيّ وهو يقول له :-
إنتظر مقابل شباك رقم عشرة...
عرف أنه امام توقيف آخر، فراح يبحث عن زاوية من القاعة لكي يصلي ما فاته، فعلا إتخذ له مكانا، فرشة بقطعة من الكرتون وشرع بجمع الصلاة، وبعد ساعة ونصف، إستدعيّ إلى الشباك المذكور، فسأل عن أسباب الزيارة، فرد ما يحفظ من القول الذي قاله في الجهة السابقة...
عاد وجلس، وبعد دقائق طلب منه المغادرة والمرور، لكن عليه مراجعة مقر المخابرات في العاصمة لاستلام جوازه من هناك، نصف فرح إنتابه مما سمع، أسرع وخرج من القاعة نحو السيارات، استقل سيارة مع راكبين آخرين وقد هبط الظلام المرافق لزخات من المطر، فوصل الفندق مع إبنه، فطلب وجبتي طعام ليطفئ جوعه وجوع إبنه اللذان لم يتناولا أي شيء منذ خرجا من بيتهم.
عندما أفاق صباحا، بدأ يفكر كيف سيقضي يومه الاول، وعند أي من أرحامه وأقربائه سيذهب...، بدا كابوس العودة يقلقه، وهو يتسأل:-
هل سأعتقل عندما أعود؟
حاول تناسي الامر حتى لا يغلث فرحة ابنه،خاصة عندما رآه يتحدث مع امه صباحا ويصف لها مشاعره وهو يشاهد اول عاصمة عربية خارج فلسطين،اصطحبه إلى كل المحطات وبيوت الاقارب،والأماكن العامة،وحديقة الحيوانات،والمواقع الاثرية،حتى جاء اليوم الخامس،والذي قررا فيه العودة إلى أرض الوطن،الطفل أروى حبه وشغفه من الرحلة،اما الوالد فلا زال قلقا مما ينتظره عندما سيقف أمام الشباك مرة أخرى...
المسافة الزمنية في رحلة العودة من العاصمة إلى الشباك طويلة وشاقة نظرا لكثرة العائدين والازدحام الشديد،وما ان وصل إلى امام الشباك عند الساعة التاسعة مساء،حتى طلب منه ان ينتظر مرة أخرى،فعاد ليتمشى ذهابا وإيابا على امتداد القاعة،وعيناه ترقب ذلك الضابط وهو يستوجب بعض الموقوفين،وخاصة تلك الفتاة المحجبة التي كانت أسئلته لها فضة وفيها نوع من القسوة...
ساعة ونصف،وهو يرقب كل حركة لجنديّ او عسكريّ يدخل ويخرج وهو يتحسب أن يكونوا من اللذين سيضعون الاغلال في يديّه،لكن الفرج جاءه بعد الانتظار،نودي على اسمه،وخُتم جواز سفره،وعاد لابنه يقبله من شدة الفرح،فقد تبدد القلق وتلاشى الخوف،وعادا بعد منتصف الليل إلى بيتهم الذي خرجا منه في تلك الرحلة،رحلة الهواجس والقلق.