محمد محمود غدية - شرفات الوجع

دأبت على ترك الشرفات والأبواب مشرعة، لينفذ منها النور والمطر، تتأمل القمر وهو يسكب فضته على ظلمة الحياة فيضيئها، قطعت المسافة من بيت أسرتها الى سجن الزوجية، أو كما يسمونه بيت الزوجية مسافة الف يوم
رغم الجوار،
زوجها الأهل بمن لا تحب، ووضعوا فى يديها الأصفاد ولاصق على الشفاه، يمنعها من الكلام،
تكلمت وتمردت دون جدوى، تبتلع الدمع والقمع، وتعيش مثل جميع المسجونات، خلف شرفات الوجع، تشعر بالضيق ورحابة المكان تضيق بها، تحولت الى امرأة عاطلة من الشباب، حين تخلد الى النوم، لا يبقى لها سوى ضوء مصباح مشنوق فى سقف غرفتها، وحلمها الرمادي الذى
لا يذهب، والمرارات التى تشتبك معها كل يوم، وتتجرعها رشفة رشفة،
تأكدت بعد تجربتها الغاطسة فى السواد، أن الزواج يعني النوم مع العدو !
تطل من شرفات الوجع،
لم يعد الصباح طيبا ونبيلا، أصبح باردا وضارب الى صفرة مغبرة يحجب الناس والبيوت، ويسيطر على المدينة المقفرة ،
تقلب فى الذاكرة ماخطه حبيبها، فى كشكول المحاضرات الذى إستعاره منها : فى زحمة الوجوه
لا يغيب وجهك المفعم بالصفاء،
فى زحمة العطور، لا يضيع عطرك الشفيف بالنقاء، يمسك بي سحرك الفواح
فى الأرجاء والأنفاس والأصوات والأشياء،
تحاول جاهدة لملمة تذكاراته التى مازالت تقطن دمها، تحلق معه حيث النجوم البعيدة، وأغاريد المساء الحالمة، لاتريد العودة الى طرقات الخريف، وقناديل الدموع النازفة، تريد ان تغادر وتمضي الى اين لا تدري ؟
تنهدت .. تندت عيناها بغلالة رقيقة من دمع تلمع
ولا تنفرط،
بعد قليل تعاود الإعتيادية والملل، مع زوج لا يهتم فى الحياة الا بمليء معدته التى اصبحت كالبالونة الموشكة على الإنفجار،
لن تكون فى حاجة الى الطعام الليلة، ولديها من الألم ما يكفي لتمضغه .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى