أحماد بوتالوحت - النَّمْل...

حاول النمل إقْتِلاع ساقِه الفاضِلة من زمَن الفُتُوّة والقَصْف والصَّعْلَكة ، السّاق الغائِبَة إقْتَطعَها من جِسْمه قِطار يَمُرّ مُدَنْدِناً على السِّكّة المُثاخِمَة لِقرْيَته الصَّغيرة
وكان آنذلك في حالَة سُكْر طافِح لَم يَشْعُر خِلالَه بِرِجْلِه وهي تَأْخُد إِسْتِراحَتَها على السِّكَّة لِتُصْبِح سَاقُها مُضْغَة لِدَواليب العَرَبات .
أخْفَق فَريق الغُزُاة فِي إقْتِلَاع الساق السَّليمَة ، لأن عِفْريتاً " نَمْلِيّاً " قد صرخ في القطيع :
-إنْصَرِفوا من حَوْلِه ، لَقَد صَحا من سَكْرَتِه !
إسْتَيْقظ مُنَدّى بِالعَرَق وصَدْرُه يَهْتَزّ بِنَبَضات قَلْبِه المُتَسرِّعَة ، قَهْقَه لمَّا وَعَى أنَّه خَرَج من كَابُوس النمل سالِماً غانِماً وسَخِر من مُحاوَلَة ، الكائِنات المُرْعِبة ، الفاشِلة
. وَما أن خَبَت قَهقهاته حتّى إفْتَقَد العُكّازَيْن اللَّذَيْن أَلِفا الإِضْطِجاع بِجَانِبه ، ولم يَجِدْهُما.
خَزَر إلى المِصْباح الواقِف أعْلى كُنَّة باب الدُّكّان :
ـ لماذا تَرْمُقُني هكذا !؟ ألَسْت مَن خَبّأ العُكّازين في مَكان ما !؟ قُل إنَّها كَامِيرا خَفِيّة وَدَعْني أنْبَسِط وأصَفِّق لِلنُّكْتَة .
المِصْباح الذي إعْتاد على حَماقاتِه ، لم يُعِرْه أي إنْتِباه فَحاوَل الرَّجُل الْوقُوف لِرَشْقِه بِبَصْقَة تُغْشي عَيْنَه ، لَكِنَّه لم يُفْلِح ، زَحَف نَحْو دَعامَة ، إتَّكأ عَلَيْها لَفَظ
البَصْقَة في إتِّجاه الضَّوء ، عاد المَرْسُول لِيَتَبَدّد رَذاذاً على وَجْهِه . واصَل شَتائِمَه وهو يُلَمْلِم لَوازِمَه ، أصِرَها داخِل صُرَّة ، أطلق لِزَحْفِه العِنان مُغادِراً
ظُلَّة المَحَلِّ ومُتَدَحْرِجاً بين دَوالِيب العَرَبات والدَّرّاجات الغاضِبَة والمُتَعَجِّلَة ، بَيْن مَسافَة وَأُخْرى كان يُريح مِقْعَدَتَه أمام المَحَلَّات ويَسْتَجْدي ما يَتَبَلَّغ بِه
خِلَال يَوْمِه وَيَقْضي بِه لَيْلَتَه ، كانَت الشَّمْس تُرْسِل فَوْق رَأْسِه شُوّاظَها زاحِفَة هي الأُخْرى نَحْو مُسْتَقَرّ لَها ، وَمَا إن مالَت إلى الْمَغيب حَتّى فَكَّك التَّعَب أوْصالَه
وَتَشَنّجَت عَضَلاتُه ، أوْقَف دَرّاجَة ثُلَاثِية العَجَلات ، حَمَلَه السّائِق وَأَلَقاه مَصْحوباً بِصُرَّتِه داخِل صُنْدوقِها ، آلَمَه إرْتِطام عِظامِه بِأرْضِيّة الصُّنْدوق الخَشَبِيّة ، أطْلَق
صَرْخَة مُدَوِّيَة ، كَرَّرالصَّرْخَة لمَّا رَمَى به سائِق العَرَبَة مَرَّة أُخْرى في رُكْن أمام الدُّكّان ، الَّذي كان البَقّال قَد غادَرَه، فَكّ صُرَّتَه وَبَعْثَر مُحْتَوياتِها ، كان مُنْهكاً ،
ولَم يَسْمَح له الإنْهَاك لِيُتِم طَعامَه الجاهِز المُحَصَّل مِن السَّعْي ، إزْدَرَد لُقَيْمات على عَجَل ، رَمَى ما تَبَقّى من الطَّعام لِكَلْب ضَالّ حَلّ عَلَيْه ضَيْفاً ولَم يَتَوَجَّس مِنْه
،ثم إنْخَرَط في نَوْم عَميق ، صَخَب شَخيرِه دَفَع الكَلَب المُقْعي بِجانِبِه أن يُغادِر ويَتْرُكُه مَع كَوابيسِه ، كان يَنْتَفِض بين فَيْنَة وَأخْرى مُصارِعاً مَقاريض مُجَنَّحة تَتَعَقَّب
سَاقه الحَيَّة وتُهَدِّد بَإخْصائِها ، لم تَتَوقَّف الكَوابيس عن نَشاطِها ألا في آخِر اللَّيْل ، فَاسْتَمَر نَوْمُه هادِئاً لا تُعَكِّر صَفْوَه عَكارَة إلى أن أيْقَظَتْه رَكَلات قَوِية جَعَلَتْه يَطْفَر
من مَضْجَعِه لِيُباغَث بِالبَقَّال يُلَوِّح بِعُكّازَيْه أَمَام وَجْهِه ثم يُلْقِيهِما أمَامُه ، داعِيّاً إيّاه لِإخْلاء الَمَكان ، كَوَّم أغْراضَه وإحْتَضنَها ، تَأَبَّط العُكّازَيْن ، قَفَز عَليْهِما مُلْقِياً بِنَفْسِه
خارِج السَّقيفَة ولَم يَرْجِع بَعْد ذَلِك لِلْمَبيت تَحْتَها....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحماد بوتالوحت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى