ينطلق كتاب الناقدة الفرنسية تيفين ساموايو Tiphaine Samoyault "الترجمة والعنف" Traduction et violence من ملاحظة كون الترجمة تعتبر عادة عملية إيجابية للغاية بما تضمنه من انفتاح على الآخر ومد الجسور معه، وكونها تتلقى تشجيع أعلى الهيئات السياسية (المفوضية الأوروبية، منظمة "يونسكو")، وكذا كونها تحتفل بالتنوع، وتسهل التواصل بين الأشخاص من مختلف أنحاء العالم، وتسمح بفهم متبادل في احترام كل طرف للطرف الآخر. في مواجهة هذا الوجه الإيجابي، وهذا التفاؤل الكبير، يركز كتاب ساموايو على تفكيك الافتراض السلمي والإيجابي للترجمة من خلال تذكيرنا بآليات الهيمنة التي تتضمنها: فحيث من المفترض أن توصل وتجمع وتبني، فإن الترجمة قد تكون على الأرجح أداة تفكك وتفرقة وتقويض.
من خلال دراسة مفصلة للعديد من الحالات التاريخية، تسعى الباحثة إلى تسليط الضوء على أشكال العنف التي ينتجها عمل المترجم أو يصاحبها، فكأنها تسعى إلى الكشف من جديد عن الإمكانات السلبية الفعالة للترجمة.
حيّز للصراع
لا تكمن السلبية هنا فقط في الخسارة المفترضة التي تكون نتيجة الانتقال من لغة إلى أخرى، أي ما دأبنا على وصفه بـ"خيانة الأصل". "فباعتبار الترجمة فضاء لقيام العلاقات، فإنها أيضا حيّز للصراع الذي يجب تنظيمه للحفاظ على شكل من أشكال التعددية". لقد سبق للتفكير في الترجمة أن عرف هذا الطابع السلبي، وذلك تحت جوانب عديدة: أولا في العمليات التاريخية، حيث لعبت اللغة غالبا دورا رئيسا في منطق الهيمنة، وفي العلاقات التي تعتقد أنها تؤسسها، والتي غالبا ما تنحصر في سوء التفاهم، ولكن أيضا في فعل الترجمة نفسه، حيث لا يعود بالإمكان إنكار إمكانات الإقصاء الدلالي، "غير أن إعادة إحياء الوجه السلبي يعني تحويل الصراعات إلى ترجمة للقوى الحيوية، قوى السهر، قوى اليقظة، وقوى سوء الفهم التي تؤدي إلى عدم اعتبار أي شيء مكتسبا بشكل نهائي"، كما تقول.
تبدأ الكاتبة بحثها في تناقضات الترجمة من خلال استعراض تاريخ الإمبرياليات السياسية، مذكرة، على خطى إدوارد سعيد في كتابه "الثقافة والإمبريالية"، بأن التنافس بين المستعمِرين والمستعمَرين يظهر أيضا في المجال اللغوي. تستعرض المؤلفة حالات عديدة مأخوذة من أميركا الجنوبية والمغرب العربي حيث أدى فرض لغة المحتل الأوروبي إلى تدمير الثقافة الأصلية. وقد لعبت الترجمة دورا كبيرا في حالات العنف التاريخي، مما يجعلها دائما عرضة لخطر إخضاع الأجنبي لثقل اللغة المهيمنة، وبالتالي "المساهمة في بسط الهيمنة، والقمع والرقابة". تعرض الباحثة بشكل مستفيض الحكايات التي تذكر العواقب السياسية، والتي قد تكون أحيانا مذهلة، لتشويه اللغة الأصلية، أو تدهورها وامتصاصها.
إلا أن صاحبة "الترجمة والعنف" ترى أن هذا العنف، قائم حتى قبل فعل الترجمة ذاته "فهو كامن أولا في اللغة التي تفصل قبل أن توحد. فتعدد المعاني هو مصدر صراع قبل أن يكون حظا سعيدا وثراء".
تناقضات داخلية
إلى جانب هذه الأشكال الخارجية للعنف، تقدّم الترجمة أيضا تناقضات داخلية يكون فيها "فضاء الصراع هو الترجمة نفسها"، من خلال فصل "الترجمات الجيدة" عن "الترجمات الرديئة"، وتقديس النص الأصل الذي يجعل العديد من الترجمات تعتبر غير صالحة، استنادا إلى نص أصلي يفترض أن لا سبيل إلى نقله.
تنتقد ساموايو بشدة مثل هذه "الصوفية غير القابلة للترجمة" التي تقيم فروقا معيارية بين النص المصدر والنص الهدف، مذكّرة بالطبيعة غير الكاملة والمستبعدة بالضرورة لأي ترجمة. وهكذا، فإن الترجمة تمارس عنفا مزدوجا: ذاك الذي يغذي عمليات الاستيلاء الثقافي، والآخر الذي يتسلل حتما إلى كل فعل من أفعال الترجمة، وكلاهما دائما ما يهدد بمحو الفروقات.
رغم هذا كله، فإن الترجمة، وبالضبط بفعل خياناتها، والفجوات التي تحدثها، والابتعاد الذي ترسمه عن الأصل، يمكن أن تغدو أداة مقاومة. وهكذا فإنها قد تجد، بطريقة ما، علاجا في عيوبها الخاصة؟ بهذا المعنى، يكون عنوان كتاب ساموايو عنوانا مضللا: إذ إن مرماها ليس فقط إبراز العنف الكامن في كل فعل ترجمة، بل أيضا وبشكل أساس، في وضع أسس لسياسة الترجمة، "لكي يكون ما يفرق هو أيضا ما يصلح" أو كما تقول هي: " Pour que ce qui sépare soit aussi ce qui répare" .
إذا كانت كل ترجمة تتسم بعدم الكمال وتحتوي دائما على "بقايا غير عادلة"، فذلك لأنها تحتفظ أيضا بسوء التفاهم الذي يظل كامنا في كل علاقة مع الآخر. يوضع المرور من لغة إلى أخرى هنا تحت نظام المفاجأة. فينظر إلى الترجمة على أنها تجربة حدية قادرة على التطوير الذي لا يني لإمكانات جديدة، "مقابل عدد من عمليات التخلص مما نملك"، كما يقول دريدا.
هذه الدعوة إلى الإنصات تختم كتاب ساموايو، الذي يبدأ بنقد الإيجابية الزائفة للترجمة التي تروج لها خطابات رسمية متمركزة حول العرقية، ليقدم في النهاية فكرة عن ترجمة قادرة على تحويل الاختلاف إلى أخلاقية لليقظة والإنصات. الترجمة تتعامل أيضا مع هذا العنف، "لاسترجاع الموتى وكل ما قُمع". وهي تبعث الحياة في لغات ميتة، وتجعل النصوص تحيا من جديد كما كان يقول فالتر بنيامين. إنها تقوم "ضد الرماد"، ضد عنف الدمار، ضد الاختفاء الحتمي. بمواجهة الصراع المتأصل في كل لقاء مباشر، فهي تتولى أيضا هذا العنف في العالم والحياة المشتركة.
بما أن الترجمة عملية عابرة أساسية، موجهة نحو الآخر، فهي تشكل، بلا شك، حاجزا ضد اللامبالاة، وضد الصمت، أو لنقل "ضد الرماد"، حسب تعبير الشاعر والمترجم مارتان رويف Martin Rueff الذي تكن له ساموايو كبير الحب والتقدير:
أترجم للبقاء وجها لوجه
في صمت
في مرآة اللغة
أترجم لأبلغ نفسي وأتواصل معها
حيث لم أعد موجودا
حيث لم يعد بإمكانهم أن يكونوا.
أترجم كي أعود إلى وطني
مقطعا مقطعا
كلمة كلمة
جملة جملة.
أترجم كما نغلق الجفون
- نقاط الرتق.
أترجم ضد الرماد
أترجم ضد الرماد
أترجم ضد الرماد
من خلال دراسة مفصلة للعديد من الحالات التاريخية، تسعى الباحثة إلى تسليط الضوء على أشكال العنف التي ينتجها عمل المترجم أو يصاحبها، فكأنها تسعى إلى الكشف من جديد عن الإمكانات السلبية الفعالة للترجمة.
حيّز للصراع
لا تكمن السلبية هنا فقط في الخسارة المفترضة التي تكون نتيجة الانتقال من لغة إلى أخرى، أي ما دأبنا على وصفه بـ"خيانة الأصل". "فباعتبار الترجمة فضاء لقيام العلاقات، فإنها أيضا حيّز للصراع الذي يجب تنظيمه للحفاظ على شكل من أشكال التعددية". لقد سبق للتفكير في الترجمة أن عرف هذا الطابع السلبي، وذلك تحت جوانب عديدة: أولا في العمليات التاريخية، حيث لعبت اللغة غالبا دورا رئيسا في منطق الهيمنة، وفي العلاقات التي تعتقد أنها تؤسسها، والتي غالبا ما تنحصر في سوء التفاهم، ولكن أيضا في فعل الترجمة نفسه، حيث لا يعود بالإمكان إنكار إمكانات الإقصاء الدلالي، "غير أن إعادة إحياء الوجه السلبي يعني تحويل الصراعات إلى ترجمة للقوى الحيوية، قوى السهر، قوى اليقظة، وقوى سوء الفهم التي تؤدي إلى عدم اعتبار أي شيء مكتسبا بشكل نهائي"، كما تقول.
تبدأ الكاتبة بحثها في تناقضات الترجمة من خلال استعراض تاريخ الإمبرياليات السياسية، مذكرة، على خطى إدوارد سعيد في كتابه "الثقافة والإمبريالية"، بأن التنافس بين المستعمِرين والمستعمَرين يظهر أيضا في المجال اللغوي. تستعرض المؤلفة حالات عديدة مأخوذة من أميركا الجنوبية والمغرب العربي حيث أدى فرض لغة المحتل الأوروبي إلى تدمير الثقافة الأصلية. وقد لعبت الترجمة دورا كبيرا في حالات العنف التاريخي، مما يجعلها دائما عرضة لخطر إخضاع الأجنبي لثقل اللغة المهيمنة، وبالتالي "المساهمة في بسط الهيمنة، والقمع والرقابة". تعرض الباحثة بشكل مستفيض الحكايات التي تذكر العواقب السياسية، والتي قد تكون أحيانا مذهلة، لتشويه اللغة الأصلية، أو تدهورها وامتصاصها.
إلا أن صاحبة "الترجمة والعنف" ترى أن هذا العنف، قائم حتى قبل فعل الترجمة ذاته "فهو كامن أولا في اللغة التي تفصل قبل أن توحد. فتعدد المعاني هو مصدر صراع قبل أن يكون حظا سعيدا وثراء".
تناقضات داخلية
إلى جانب هذه الأشكال الخارجية للعنف، تقدّم الترجمة أيضا تناقضات داخلية يكون فيها "فضاء الصراع هو الترجمة نفسها"، من خلال فصل "الترجمات الجيدة" عن "الترجمات الرديئة"، وتقديس النص الأصل الذي يجعل العديد من الترجمات تعتبر غير صالحة، استنادا إلى نص أصلي يفترض أن لا سبيل إلى نقله.
تنتقد ساموايو بشدة مثل هذه "الصوفية غير القابلة للترجمة" التي تقيم فروقا معيارية بين النص المصدر والنص الهدف، مذكّرة بالطبيعة غير الكاملة والمستبعدة بالضرورة لأي ترجمة. وهكذا، فإن الترجمة تمارس عنفا مزدوجا: ذاك الذي يغذي عمليات الاستيلاء الثقافي، والآخر الذي يتسلل حتما إلى كل فعل من أفعال الترجمة، وكلاهما دائما ما يهدد بمحو الفروقات.
رغم هذا كله، فإن الترجمة، وبالضبط بفعل خياناتها، والفجوات التي تحدثها، والابتعاد الذي ترسمه عن الأصل، يمكن أن تغدو أداة مقاومة. وهكذا فإنها قد تجد، بطريقة ما، علاجا في عيوبها الخاصة؟ بهذا المعنى، يكون عنوان كتاب ساموايو عنوانا مضللا: إذ إن مرماها ليس فقط إبراز العنف الكامن في كل فعل ترجمة، بل أيضا وبشكل أساس، في وضع أسس لسياسة الترجمة، "لكي يكون ما يفرق هو أيضا ما يصلح" أو كما تقول هي: " Pour que ce qui sépare soit aussi ce qui répare" .
إذا كانت كل ترجمة تتسم بعدم الكمال وتحتوي دائما على "بقايا غير عادلة"، فذلك لأنها تحتفظ أيضا بسوء التفاهم الذي يظل كامنا في كل علاقة مع الآخر. يوضع المرور من لغة إلى أخرى هنا تحت نظام المفاجأة. فينظر إلى الترجمة على أنها تجربة حدية قادرة على التطوير الذي لا يني لإمكانات جديدة، "مقابل عدد من عمليات التخلص مما نملك"، كما يقول دريدا.
هذه الدعوة إلى الإنصات تختم كتاب ساموايو، الذي يبدأ بنقد الإيجابية الزائفة للترجمة التي تروج لها خطابات رسمية متمركزة حول العرقية، ليقدم في النهاية فكرة عن ترجمة قادرة على تحويل الاختلاف إلى أخلاقية لليقظة والإنصات. الترجمة تتعامل أيضا مع هذا العنف، "لاسترجاع الموتى وكل ما قُمع". وهي تبعث الحياة في لغات ميتة، وتجعل النصوص تحيا من جديد كما كان يقول فالتر بنيامين. إنها تقوم "ضد الرماد"، ضد عنف الدمار، ضد الاختفاء الحتمي. بمواجهة الصراع المتأصل في كل لقاء مباشر، فهي تتولى أيضا هذا العنف في العالم والحياة المشتركة.
بما أن الترجمة عملية عابرة أساسية، موجهة نحو الآخر، فهي تشكل، بلا شك، حاجزا ضد اللامبالاة، وضد الصمت، أو لنقل "ضد الرماد"، حسب تعبير الشاعر والمترجم مارتان رويف Martin Rueff الذي تكن له ساموايو كبير الحب والتقدير:
أترجم للبقاء وجها لوجه
في صمت
في مرآة اللغة
أترجم لأبلغ نفسي وأتواصل معها
حيث لم أعد موجودا
حيث لم يعد بإمكانهم أن يكونوا.
أترجم كي أعود إلى وطني
مقطعا مقطعا
كلمة كلمة
جملة جملة.
أترجم كما نغلق الجفون
- نقاط الرتق.
أترجم ضد الرماد
أترجم ضد الرماد
أترجم ضد الرماد