السي حاميد اليوسفي - الشجرة المباركة...

توقفت زيتونة بجانب شجرة نارانج تلتقط أنفاسها. وضعت يدها على الجذع حتى تحافظ على توازنها. مسحت العرق الذي تصبب من جبينها. أحست بنسيم خفيف ينبعث من الأغصان الخضراء يُلطّف حرارة جسمها الذابل.
فجأة رأت شجرة أفوكادو تمر، وهي تقود سيارة فارهة، وترتدي قبعة أمريكية. تُخرج يدها من النافذة، وتدندن بصوت عال مع شريط الغناء. كادت تضحك عندما تخيلتها طفلة بدينة تتعلم في مدرسة خصوصية. لا تلعب الرياضة، ولا تمشي راجلة حتى تحرق الدهون. غير أنه انتابها شيء من الحسد أو الغيرة. هذه اللعينة منذ أن قدمت إلى البلد والماء في نقصان. واستغربت كيف أنها لا تهتم لحال البسطاء من الناس في الداخل. بل ترفع سعرها إلى ثلاثة أضعاف أو أكثر عن سعرها في أسواق الخارج. تزين موائد الأثرياء. إنها مثل المومس تلهث خلف زبون يملك الكثير من المال. ليست بنت البلد، قدمت من بعيد، تكشف دائما عن مفاتنها، وتغري البطون المنتفخة حتى تُغدق عليها الماء بلا حساب طيلة الموسم. ترتوي وتشبع، وتتربع على عرش الأسواق الخارجية. لا تؤدي ضرائب، تتحايل على المال، وتُهرّبه إلى الأبناك الأجنبية.
قالت لنفسها والحسرة تسيطر على مشاعرها:
كنتُ في هذا الوقت من السنة الماضية محط عناية من طرف الفلاح الفقير والغني. الجميع ينظر إلي بحب، ويتطلع إلى محصول وافر، يحقق أرباحا مهمة يستثمرها في تربية الماعز والأغنام. مدحتني كل الكتب المقدسة. منذ آلاف السنين وأنا أدخل الفرح إلى البيوت. سنة أعطي بسخاء، وسنة أعطي بحساب، لكن في كل الأحوال أعطي. أدخل أغلب البيوت. أطعم وأشفي. أتربع على مائدة الفطور. أتبادل تحية الصباح مع أهل البيت، وأتمنى لهم يوما سعيدا.
هذا العام سيء الطالع. قلّت الأمطار، وعمّ العطش الأرض، ويبست الأغصان. لم يخرج نوار في عز الربيع، وماتت البذور في العروق. أصحاب القرار ليست في قلوبهم رحمة. لا يريدون أن أبق محبوبة البسطاء. يتغابون وكأنهم لا يفهمون بأن الشجر هو من يأتي بالمطر، والمطر يأتي بالخير العميم. والخير العميم يجب أن يستفيد منه الجميع. قتلهم الجشع. يريدون أن يأكلوا وحدهم.
لا ليس عدلا. لا بد أن يحتج البسطاء. هم أولى بالماء. لا يمكن أن يموت الناس والزيتون عطشا ليرتوي شجر الأفوكادو، ويعبث بالماء كما شاء، ثم يُهرّب ثماره إلى الخارج.

مراكش 05 شتنبر 2024

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى