أمسيت أرقب تنفس المراعي وبعض الخبيث يسكن صدري وفمي.. رفض المطر سلوكي الغبي فأطفأ جذوة سيجارتي برذاذه.. تكاسلت عن التدخين وعن الغناء للشياه.. راق لي منظر الغيوم الغامقة السواد وهي تتشاغب مع بعضها البعض على مساحة واسعة من السماء.. أمسكتْ ببصري لما رأيتها تناور لإغراق الوديان وتكوين السيول، والخراف البيض في المرعى تحتفل برذاذ المطر على طريقتها الخاصة كان معي عصفورٌ خائفٌ يحاول بمنقاره التقاط بعض حطام دبوة مفتتة يابسة، حال بينه وبين الحطام كثر تردده وجسدي المنصوب على ربوة أمامه وجماعة من النمل تجر هيكل يعسوب جميل الجناحين إلى جحورها الضائعة بين الأعشاب الرطبة، ومهرة تسوط بذيلها حشرات تتغذى من روث أخضر صُبِغ به ردفاها..
كنت قبل الغيوم أرسم بصمة حذاء أنثى مطبوعة على لحم صدري ورائحة عطرها تعوج أرنبة أنفي.. وريشتي أكدت لي أنها كانت تمشي على صدري وأنها تمارس الركض على عظامي فالراكضات من الإناث أنصاف ذكور. ولكني أيقنت أنها داست فالألوان وضحت اسم البلد المصنع فيه الحذاء.. حملت لوحتي الممطورة وتركت الخراف والعصفور والمهرة والنمل للمطر.. دخلت غرفتي وألوان اللوحة سائلة على ثوبي ملوثة بأصابعي.. ثبتُّ اللوحة الباكية على الجدار لتكمل عيونها ما بقي من الرسم.. جعلت أقبل بقايا بصمة الحذاء بشفتي حتى ساحت مع أرنبة أنفي المعوج.. تذكرت موعدي في النبع مع الشاعر الذي يعيب كل شيء حتى نفسه، ركبت سيارتي.. ابتدأتُ الطريق إلى النبع بحرق زجاج ساعتي بقداحة سجائري.. انتهيتُ وبحثتُ في أرشيف سيارتي الغني عن مادة تصلح للتصحر الذي أتكون منه. انطلق منها صوت فيروز يفتح جرحي الأسود.. مارستُ العري وأنا أسوق.. البرد يصفع صدري وإفريز الطريق يتلقف ملابسي المبتلة تتعلق على أشجاره.. أوقفتُ سيارتي على حافة النبع، ففر جميع السابحين- هلعين- ما بين عار ومستور إلا صديقي الشاعر ظل كعادته يكتب قصائده على الماء..
اكتشفتُ عند النزول أن نصف الإطارين الأماميين في النبع يغسلهما ببخاره والنصف الآخر باق على الرصيف..
أبخرة ماء النبع تغمر وجهي وتتصاعد في الفضاء متكاثفة.. الماء دافئ يلين العروق، يجتثُّ الكآبة المنزرعة في الصدور المتفائلة، يبدد احتقان الجباه وقتامة الوجوه.. تركتُ الشاعر يكتبُ قصائده وغطستُ في قاع النبع.. وجدتُ شرائح زجاج وساعات يد وخواتم.. فكرتُ وأنا ألعب في القاع كسمكة من أسماك الزينة فيما رواه لي راعي النبع ذات ليلة شتوية: "سقط في ليلة حالكة السواد نيزك من السماء فشق الأرض وتدفق ماء النبع ساخنًا ثم سكنته جنية فيما بعد" قررت أن أغسل تاريخي وجرحي الأسود بالجنية.. كنتُ أعرف أن الجنية تختار قربانًا لها كل عام من السابحين أو السابحات.. شققتُ جلدي بشريحة زجاجية فنزف دمي وفشلتُ في إخراج الجنية..
لاحظت أني لا أعرف كيف أموت.. فتشتُ عن قدمي الشاعر في النبع واصطدتهما وشددتهما بيدي إلى القاع فعجبتُ لاستسلامه ولم أسأله عن السبب، عرفتُ أنه ينتظر الجنية مثلي.. توجهت إليه فحفن لي براحتيه ماءً كتب عليه شعرًا.. شربتُ من كفيه كأسًا من الشعر يرقيني به.. عدتُ إلى قاع النبع وأنا أقاوم شوقي إلى لقاء الجنية.. فتحتُ عيوني لعلي أرى شيئًا من آثارها أو اكتشف الطريق الذي تأتي منه.. وجدت حذاء الأنثى الذي رسمت بصمته وطفقتُ أقبله وأحضنه حتى لفظني قاع النبع إلى السطح.. أقبلتُ على الشاعر فرحًا بالحذاء وألفيته يمسح قصيدة له من على الماء.. فرغ الشاعر من مسح القصيدة وأدار رأسي بيديه إلى مصرف النبع ومدّ إصبعه إلى حيث الحاجز الشبكي الذي تتجمع عنده الطحالب والشبا وخلَق السابحين وصابونهم المزبد.. قطعتُ المسافة الفاصلة بيني وبينه بمهارة سباح عتيق.. عدتُ ويداي تحملان إلى الشاعر جسد أنثى منتفخة البطن زرقاء الجبين مفتوحة العينين..
* منقول عن الرؤية
كنت قبل الغيوم أرسم بصمة حذاء أنثى مطبوعة على لحم صدري ورائحة عطرها تعوج أرنبة أنفي.. وريشتي أكدت لي أنها كانت تمشي على صدري وأنها تمارس الركض على عظامي فالراكضات من الإناث أنصاف ذكور. ولكني أيقنت أنها داست فالألوان وضحت اسم البلد المصنع فيه الحذاء.. حملت لوحتي الممطورة وتركت الخراف والعصفور والمهرة والنمل للمطر.. دخلت غرفتي وألوان اللوحة سائلة على ثوبي ملوثة بأصابعي.. ثبتُّ اللوحة الباكية على الجدار لتكمل عيونها ما بقي من الرسم.. جعلت أقبل بقايا بصمة الحذاء بشفتي حتى ساحت مع أرنبة أنفي المعوج.. تذكرت موعدي في النبع مع الشاعر الذي يعيب كل شيء حتى نفسه، ركبت سيارتي.. ابتدأتُ الطريق إلى النبع بحرق زجاج ساعتي بقداحة سجائري.. انتهيتُ وبحثتُ في أرشيف سيارتي الغني عن مادة تصلح للتصحر الذي أتكون منه. انطلق منها صوت فيروز يفتح جرحي الأسود.. مارستُ العري وأنا أسوق.. البرد يصفع صدري وإفريز الطريق يتلقف ملابسي المبتلة تتعلق على أشجاره.. أوقفتُ سيارتي على حافة النبع، ففر جميع السابحين- هلعين- ما بين عار ومستور إلا صديقي الشاعر ظل كعادته يكتب قصائده على الماء..
اكتشفتُ عند النزول أن نصف الإطارين الأماميين في النبع يغسلهما ببخاره والنصف الآخر باق على الرصيف..
أبخرة ماء النبع تغمر وجهي وتتصاعد في الفضاء متكاثفة.. الماء دافئ يلين العروق، يجتثُّ الكآبة المنزرعة في الصدور المتفائلة، يبدد احتقان الجباه وقتامة الوجوه.. تركتُ الشاعر يكتبُ قصائده وغطستُ في قاع النبع.. وجدتُ شرائح زجاج وساعات يد وخواتم.. فكرتُ وأنا ألعب في القاع كسمكة من أسماك الزينة فيما رواه لي راعي النبع ذات ليلة شتوية: "سقط في ليلة حالكة السواد نيزك من السماء فشق الأرض وتدفق ماء النبع ساخنًا ثم سكنته جنية فيما بعد" قررت أن أغسل تاريخي وجرحي الأسود بالجنية.. كنتُ أعرف أن الجنية تختار قربانًا لها كل عام من السابحين أو السابحات.. شققتُ جلدي بشريحة زجاجية فنزف دمي وفشلتُ في إخراج الجنية..
لاحظت أني لا أعرف كيف أموت.. فتشتُ عن قدمي الشاعر في النبع واصطدتهما وشددتهما بيدي إلى القاع فعجبتُ لاستسلامه ولم أسأله عن السبب، عرفتُ أنه ينتظر الجنية مثلي.. توجهت إليه فحفن لي براحتيه ماءً كتب عليه شعرًا.. شربتُ من كفيه كأسًا من الشعر يرقيني به.. عدتُ إلى قاع النبع وأنا أقاوم شوقي إلى لقاء الجنية.. فتحتُ عيوني لعلي أرى شيئًا من آثارها أو اكتشف الطريق الذي تأتي منه.. وجدت حذاء الأنثى الذي رسمت بصمته وطفقتُ أقبله وأحضنه حتى لفظني قاع النبع إلى السطح.. أقبلتُ على الشاعر فرحًا بالحذاء وألفيته يمسح قصيدة له من على الماء.. فرغ الشاعر من مسح القصيدة وأدار رأسي بيديه إلى مصرف النبع ومدّ إصبعه إلى حيث الحاجز الشبكي الذي تتجمع عنده الطحالب والشبا وخلَق السابحين وصابونهم المزبد.. قطعتُ المسافة الفاصلة بيني وبينه بمهارة سباح عتيق.. عدتُ ويداي تحملان إلى الشاعر جسد أنثى منتفخة البطن زرقاء الجبين مفتوحة العينين..
* منقول عن الرؤية