عبدالواحد السويّح - أشوي مجازَكَ وأشربُ نخبك يا ربّ...

أجمعُ سنواتِ عمري الّتي مضتْ وألقي بها على المشوَى
وأشربُ
نخبك يا ربّ
لقد جعلتَ حياتي قصيدةً وبالغتَ في شحنِها بالاستعاراتِ والتّشابيهِ البعيدةِ:
اعتبرتَني رجلاً عاديًّا يأكلُ يشربُ يعملُ يضاجعُ وينامُ
دفعتَ بي إلى المؤسّسةِ وجعلتَني أحدَ أفرادِها
زوّجتَني بإحداهنَّ كما تُزوِّجُ أيَّ رجلٍ يبحثُ عن زوجةٍ
جعلتَ لي أصدقاءً في كلّ مكانٍ يعتبرون صداقتي أمراً عاديًّا بل قد لا يعيرونها أيَّ اهتمامٍ
أنتَ مدهشٌ يا ربّ
لقد استطعتَ أن تُحوّلَني إلى العاديِّ بقدرتِكَ الرّهيبةِ وأحكمتَ إغلاقَ نوافذِ الحقيقةِ من حولي.
لقد نجحتَ يا ربّ
كلُّ من يعرفُني يعتبرني عاديًّا
إخوتي يشيحون عنّي بوجوههِم
زوجتي تشتمني يوميّاً
أولادي يرونَني بنكهم الصّغيرَ الّذي يحوي طعامَهم ومصروفَهم اليوميّ
زملائي في العملِ لا يغفرون لي الزّلاتِ
ومؤسّسات الدّولةِ التّونسيّةِ تجهلُ حتّى اسمي
لماذا أخفيتَ عنهم الحقيقةَ يا ربّ؟
جناحاي قصصتَهما بإحكامٍ وريشي نتفتَهُ ريشةً ريشةً
عيناي ردمتَهما بأطنانٍ من العمَى البشريِّ
روحي بالغت في دق المسامير على أطرافها
قلبي جعلتَه فزّاعةً للطّيورِ
لماذا لم تخبرهم أنّي نبيُّ الفراشاتِ وأنّي أكتبُ للشّجرةِ وأنّي حارسُ أعشاشِ الطّيورِ المذعورةِ؟
لماذا لم تخبرهم أنّي محيطٌ من الحقِّ والجمالِ
وأنّي معصومٌ من الأنبياء والمرائيين والدّجّالين؟
أين خبّأتَ دهشتي وكيف وزّعتَ حبري على الشّعراءِ؟
أيَّ مجازٍ عاقبتَني به يا ربّ؟
تنتزعُ منّي الضّوءَ وتعيره للبرقِ
وتستولي على مائي وتقدّمه للسّماءِ
نخبك يا ربّ
قصيدتُك الّتي هي سنوات عمري على المشوَى يتقاطرُ مجازُها وتربكُ الكونَ


_______________________
إشاراتان:
* القصيدة من قصائدي الجديدة التي ستصدر في كتابي الحادي عشر وسأعلن عن تفاصيل الكتاب وحيثياته في القريب العاجل إن شاء الله.
* الصورة الآن بمقهى طاسكو.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى