حاميد اليوسفي - حول تدوينة زياش...

أولا ماذا جاء في هذه التدوينة؟
في الحقيقة الأمر يتعلق بتدوينة من جزأين تمت ترجمتهما على الشكل التالي:

1727200381948.png

الجزء الأول:
(اللعنة على إسرائيل وعلى كل الدول التي تدعم العدوان الإسرائيلي).
الجزء الثاني: وهو توضيح أو إضافة للجزء الأول.
(ما يحدث في فلسطين من إبادة جماعية عار على حكومة بلدي وعلى الدول التي تشجع على ذلك ..
كفى ثم كفى، ورسالتي لإخوتي وأخواتي في المغرب وفي كل العالم ارفعوا أصواتكم عاليا. الحرية لفلسطين)..
بعد ذلك قيل بأنه مسح التدوينة..
اختلف الناس في المغرب حول موقف زياش من نصرة الشعب الفلسطيني، وقطع العلاقات مع اسرائيل. فريق لاذ بالصمت، وفريق ناصره وأيده وامتدحه، وفريق خالفه الرأي وانتقده. وفريق رابع قال بأن حسابه تعرض للقرصنة.
نبدأ بالفريق الرابع.. إذا كان حساب زياش قد تعرض للقرصنة، فهو أولى من يصرح بذلك. وزياش لم يصدر عنه أي نفي لما ورد في التدوينة.

1727200518914.png


الجزء الأول من التدوينة:
يبدو أن الجزء الأول من التدوينة عادي بالنسبة لأغلب الناس عندنا في المغرب، لأنه يعبر عن موقف عام ينتقد الدول التي تساند إسرائيل في حربها على غزة.
وقد سبق لزياش في تركيا أن وضع ستوري في صفحته على الانستغرام يحمل فيه علم فلسطين، وهو يدخل أو يخرج من مستودع ملابس فريقه غلطة سراي التركي.. ويبدو أن اللقطة كانت مرتبة مع مكتب الفريق وممثلي الجمهور. وقد نالت إعجاب العديد من عشاق الكرة والسياسة خاصة في العالم العربي، بعد المضايقات التي تعرض لها لاعبون من شمال افريقيا ينشطون في البطولات الأوروبية بفعل إعلانهم التضامن مع شعب فلسطين وصلت حد طرد بعضهم..
ومن المؤكد أن موقف زياش لن يُعجب إسرائيل، ومن يُناصر إسرائيل في المغرب أو خارجه.
التدوينة الثانية تثير مجموعة من الملاحظات:
ـ تستنكر (عار) تشجيع حكومة المغرب وباقي الدول إبادة إسرائيل للشعب الفلسطيني.
ـ الدعوة إلى إيقاف هذا التشجيع أو الدعم (كفى)
ـ دعوة الإخوة والأخوات في المغرب وفي كل العالم إلى التضامن مع الشعب الفلسطيني (رفع الصوت عاليا) والمطالبة بحريته.
الجزء الثاني ورد فيه عبارة تنتقد تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني، ولكن بتعبير مشوش.. العبارة ورد فيها مصطلحين سياسيين مختلفين [حكومة] المغرب وباقي [الدول]..
معلوم أن الحكومات تأتي وتذهب، ولكن الدول تبقى.. ثم إن قرار عودة العلاقات بين إسرائيل والمغرب جاءت في سياق معاهدة ابراهام الثلاثية، وبقرار من أعلى هرم في الدولة، وربما بتشاور مع قادة أهم الأحزاب المغربية. وقد وقّعت عليه حكومة العثماني لأن البروتوكول يفرض ذلك.. وقد أثار هذا التوقيع بالنسبة للحزب الذي كان يسير الحكومة الكثير من اللغط.
المعاهدة بررتها الدولة المغربية بعوامل منها:
ـ العامل الأول: تلكؤ دول الاتحاد الأوروبي في الاعتراف بمغربية الصحراء. وابتزازها للمغرب. فمنذ 1975 ظلت هذه الدول تضع رجلا مع الجزائر ورجلا مع المغرب، حتى جاء الخطاب الملكي (20 غشت 2022) الذي حسم في هذا الموضوع.. إما مع دعم المغرب في وحدته الترابية أو ضد المغرب.
ـ العامل الثاني: هو أنها كانت مشروطة باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وما لهذا الاعتراف من تأثير كبير في مجلس الأمن والساحة الدولية.
ـ العامل الثالث يرتبط بالدور الذي لعبه اليهود المغاربة في توسطهم لدى أمريكا..
وقد اتخذت المعاهدة في البداية عودة لما كانت عليه العلاقات قبل 2002 أي إعادة فتح مكتب الاتصال الذي أغلق منذ هذا التاريخ..
وتطور العلاقات إلى تبادل السفارات كان يحتاج وقتها إلى إجراء مفاوضات حول تفاصيل هذه المعاهدة.. والتفاصيل في السياسة دائما يسكنها الشياطين..
قد تتحمل الحكومة المغربية (حكومة أخنوش) جزء من المسؤولية في هذا التطبيع، ولكنها ليست سوى مؤسسة من بين مؤسسات الدولة التي لا تملك قرار الحسم في الموضوع..
الجميع في المغرب وخارجه يعرف ويعلم بأن الحكومة لا تملك السلطة التي تؤهلها للتراجع عن قرار التطبيع.

1727200681622.png


السؤال الذي يطرح هنا: ما هو موقع زياش في هذه المعادلة؟
زياش مواطن مغربي ازداد في هولاندا، ويحمل جنسيتها، ولاعب كرة ونجم وعميد المنتخب المغربي..
أظن أنه لا خلاف مع زياش المواطن.. من حق أي مواطن أن ينتقد سياسة بلاده الخارجية.. من حق أي لاعب كرة عادي فعل نفس الشيء في دولة تحترم الحد الأدنى من حقوق الإنسان.. وهنا لابد من الانتباه إلى الدول التي نضرب بها المثل في الديمقراطية وحقوق الإنسان كيف تتعامل مع هذه القضية في المجال الرياضي وغيره خاصة في أوروبا.
المشكل مطروح بالنسبة للفريق الوطني.. الفريق الوطني لكرة القدم هو مؤسسة رياضية تنتمي للمغرب الرسمي. تسهر وتشرف عليه مؤسسة رسمية هي الجامعة التي تخضع بدورها لوزارة الشبيبة والرياضة.. نحن هنا أمام 3 مؤسسات رسمية من مؤسسات الدولة في المجال الرياضي..
السؤال الذي يتخوف البعض من طرحه! هل تسمح الدولة لمؤسساتها الرسمية بالتمرد على قراراتها؟
المشكل الثاني أن زياش ليس لاعبا عاديا في المنتخب فهو نجمه عند البعض وعميده..
نترك النجم لأن فيه نقاش، ونعود إلى العميد.. العمادة في الكرة تقتضي مواصفات معينة تسمح لمن يتحمل مسؤوليتها أن يكون خير مساعد للفريق والمدرب، وقادر على خلق الانسجام والود والثقة بين اللاعبين لأنه يمثلهم داخل الملعب وعند المدرب والطاقم التقني..
السؤال المطروح ما هو انعكاس موقف زياش باعتباره نجم الفريق وعميده على بقية اللاعبين، وعلى جزء كبير من جمهور الكرة أيضا؟
يعتقد البعض بأن جهة مسؤولة اتصلت بزياش في الخفاء ونبهته وفسرت ووضحت له الخطوط الحمراء التي تسمح بحرية التعبير عن المواقف ذات الطابع السياسي داخل المنتخب.. وربما في هذا السياق يأتي محو زياش لتدوينته..
زياش لاعب يعرف كيف يغازل الكرة، وليس رجل سياسة.. قد يكون رقيق العاطفة ومرهف الإحساس، آلمه ما يتعرض له شعب أعزل من قتل وتشريد وتنكيل.. لكن التعبير عن المواقف الصعبة في السياسة من داخل مؤسسة رسمية يحتاج إلى التلميح، أكثر من التصريح..
لن نسبق الأحداث. سنرى كيف ستتعامل الجامعة مع هذه الواقعة، وهي لم تُدل بأي رد أو تصريح، لأن مثل هذه الوقائع المعقدة تُـحل في الكواليس، وليس في منصات التواصل الاجتماعي..
هل ستعاقب الجامعة زياش، وتعفيه من العودة إلى المنتخب؟
هل ستكتفي بسحب العمادة منه، وتتخذ موقفا لينا، بفتح عين وإغماض عين حتى تهدأ العاصفة؟
لم أنتقد زياش، ولم أمدحه.. ولم أدافع عن خصومه.. حاولت قراءة الحدث بكل موضوعية، فوقفت في منزلة بين المنزلتين..
في الثقافة وفي السياسة يمكن القول مع غسان كنفاني بأن الإنسان في الأخير قضية، لكن في كرة القدم، وفي المؤسسات الرسمية للدولة يبدو الأمر صعبا نوعا ما، ويحتاج إلى تضحيات جسام.
وغسان كنفاني يميز بين قضية تقوم على القتل والتهجير والاغتصاب والظلم والعدوان ومحو الآخر، وقضية تسعى للتحرير وطرد المحتل وتحقيق العدالة والحياة الكريمة وإعادة الحق لأصحابه..
ولإغلاق النافذة على أصحاب النوايا السيئة فموقفي من القضية الفلسطينية واضح.. أنا مواطن مغربي عادي اشتغلت مدرسا لسنوات طويلة. واحتفظت لنفسي بمواقفي السياسية خارج الفصل الدراسي.. وعندما يتطلب درس ما الحديث عن قضية سياسية فقد كنت أقدمها بشكل تربوي وأعرضها من كل الجوانب، وأترك للتلاميذ حرية الاختيار أو الميل للآراء التي تناسب ثقافتهم وسنهم ومواقفهم الإنسانية..
منذ حوالي خمسين سنة، كنت ولازلت مع الحرية للشعب الفلسطيني، وضد الجرائم الهمجية التي تدافع بها إسرائيل عن حقها في الوجود..

مراكش 23 شتنبر 2024

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى