عندما وقع كفها الرقيق بين أحضان كفي، شعرت بانتشاء أخذني إلى عالم لا وعي فيه، ضغطت على يدها كأنما أضغط على شعور بداخلي كي يهدأ ويستكين، تعرّق جبيني وتلعثم الكلام على شفتيّ، لم أجد للكلام معنى وإنما أردت السكوت؛ فالصمت في حرم وجودها عبادة، وأنا ناسك مبتدئ لا يعرف كيف الصلاة.
جلسنا على طاولة بمقعدين متواجهين، كنت أتأملها كطفل يرى ملامح أمه للمرة الاولى، عيناها اللوزيتان كانتا تذرفان لآلئا من الدموع، تمنيت لو أرتشفها كي لا تقع على وجنتيها الورديتين فتجرحهما.
ما زالت تلجأ إلي كلما تكالبت عليها الخطوب و أثقلتها المِحَن.
في صغرها كانت تهرع إلينا كلما أقدمت والدتها على عقابها، تسرع أمي إليها تحميها، تحول بينها وبين أمها فتعود الأخرى إلى بيتها فاقدة الأمل في عقاب ابنتها، نستضيفها بعض الوقت حتى تهدأ أمها، تقضي معظمه في حجرتي بين كتبي ودفاتري، تحاول أن تقرأ أشعاري التي أدونها في دفتري الخاص، تضحك وتقول بصوتها المشاكس "أنت بتكتب كلام ملخبط" أضحك من كلماتها، تقرّب كرسيا صغيرا اشترته أمي من أجل ابن اختي التي عاشت في بيتنا أكثر مما عاشت في بيت زوجها، تقف بجواري عليه بركبتيها، تعبث بأقلامي وأوراقي، ترسم خطوطا ودوائرا... لم اعلم حينها لماذا احتفظت بها إلى اليوم، لكنني كنت أتصفحها من حين لآخر وأبتسم.
عندما تملُّ تمسك بأناملها الصغيرة الشعرات المتناثرة حول ذقني وتشدها بعنف، أتألم ألما لذيذا، أقبض بيدي الكبيرتين على أناملها الصغيرة... أقول لها "يا شريرة" تقول بغيظ " ازاي تبقى كبير كده ومش بتغسل وشك" أضحك بملئ فيّ وقبل أن أجيبها تهرول إلى الخارج لتشاكس أمي.
كنت أتأملها وهي تبكي وتتكلم بحرقة وذكرياتها الحلوة تتوالى على قلبي فترسم لي مستقبلا جميلا معها، لم أسمع كثيرا مما قالت ورغم ذلك وعدتها أنني سأتصرف، ابتسمتْ أخيرا، تراقصت الفرحة في عينيها فغمرتني بضوئها ، قالت بسعادة " كنت عارفة انك انت الوحيد اللي هتساعدني" تلفتت حولها ثم أكملت بخجل" لولا الناس بتبص علينا كنت حضنتك" دارت الدنيا برأسي وغبت عن العالم للحظات من وقع كلماتها، لم يمض وقت طويل وأنا مستمتع بانتشائي، انتبهت على يدين تربت على كتفي، كانت تنظر نحوه بعينين تنتظرانه، قبل أن ألتفت كان النادل يضع أمامها كوبا من عصير الليمون ويضع أمامي فنجانا من القهوة، انعكست صورتي على سطح الصينية اللامع في يده، رأيت خصلاتي البيضاء المشعثة ونظارتي السميكة، التفت للآخر الذي سحب كرسي كان أمام طاولة مجاورة وجلس بدون استئذان، تطلعت إلى وجهه الباسم المقبل على الحياة، سمعتها تقول" قلت لك يا رامي أن عمو محمود هو اللي هيحلها"
راحا يتبادلان أحاديثهما المرحة واتفاقاتهما التي لم أكن أعلم عنها شيئا من قبل، سمعتهما يتفقان على موعد الخطوبة التي اختارتني أنا لأقنع أباها بها، بردت مشاعري كفنجان القهوة الذي قبع أمامي دون أن يُمسّ، بعد لحظات لم ادر هلطالت ام قصرت لملمت سراب الماضي من بين أحلامهما المتناثرة هنا وهناك وانسحبت دون أن ينتبها إلي، ضحكاتهما المرحة صفعتني دون رحمة، خرجت مهزوما من معركة لم أبدأها، ورغم ذلك... ابتسمت.
نسيت أن أخبركم أن رامي هو ابن اختي الذي كان يشاركها العبث في دفاتري... عندما كانا صغيرين.
#أمل
جلسنا على طاولة بمقعدين متواجهين، كنت أتأملها كطفل يرى ملامح أمه للمرة الاولى، عيناها اللوزيتان كانتا تذرفان لآلئا من الدموع، تمنيت لو أرتشفها كي لا تقع على وجنتيها الورديتين فتجرحهما.
ما زالت تلجأ إلي كلما تكالبت عليها الخطوب و أثقلتها المِحَن.
في صغرها كانت تهرع إلينا كلما أقدمت والدتها على عقابها، تسرع أمي إليها تحميها، تحول بينها وبين أمها فتعود الأخرى إلى بيتها فاقدة الأمل في عقاب ابنتها، نستضيفها بعض الوقت حتى تهدأ أمها، تقضي معظمه في حجرتي بين كتبي ودفاتري، تحاول أن تقرأ أشعاري التي أدونها في دفتري الخاص، تضحك وتقول بصوتها المشاكس "أنت بتكتب كلام ملخبط" أضحك من كلماتها، تقرّب كرسيا صغيرا اشترته أمي من أجل ابن اختي التي عاشت في بيتنا أكثر مما عاشت في بيت زوجها، تقف بجواري عليه بركبتيها، تعبث بأقلامي وأوراقي، ترسم خطوطا ودوائرا... لم اعلم حينها لماذا احتفظت بها إلى اليوم، لكنني كنت أتصفحها من حين لآخر وأبتسم.
عندما تملُّ تمسك بأناملها الصغيرة الشعرات المتناثرة حول ذقني وتشدها بعنف، أتألم ألما لذيذا، أقبض بيدي الكبيرتين على أناملها الصغيرة... أقول لها "يا شريرة" تقول بغيظ " ازاي تبقى كبير كده ومش بتغسل وشك" أضحك بملئ فيّ وقبل أن أجيبها تهرول إلى الخارج لتشاكس أمي.
كنت أتأملها وهي تبكي وتتكلم بحرقة وذكرياتها الحلوة تتوالى على قلبي فترسم لي مستقبلا جميلا معها، لم أسمع كثيرا مما قالت ورغم ذلك وعدتها أنني سأتصرف، ابتسمتْ أخيرا، تراقصت الفرحة في عينيها فغمرتني بضوئها ، قالت بسعادة " كنت عارفة انك انت الوحيد اللي هتساعدني" تلفتت حولها ثم أكملت بخجل" لولا الناس بتبص علينا كنت حضنتك" دارت الدنيا برأسي وغبت عن العالم للحظات من وقع كلماتها، لم يمض وقت طويل وأنا مستمتع بانتشائي، انتبهت على يدين تربت على كتفي، كانت تنظر نحوه بعينين تنتظرانه، قبل أن ألتفت كان النادل يضع أمامها كوبا من عصير الليمون ويضع أمامي فنجانا من القهوة، انعكست صورتي على سطح الصينية اللامع في يده، رأيت خصلاتي البيضاء المشعثة ونظارتي السميكة، التفت للآخر الذي سحب كرسي كان أمام طاولة مجاورة وجلس بدون استئذان، تطلعت إلى وجهه الباسم المقبل على الحياة، سمعتها تقول" قلت لك يا رامي أن عمو محمود هو اللي هيحلها"
راحا يتبادلان أحاديثهما المرحة واتفاقاتهما التي لم أكن أعلم عنها شيئا من قبل، سمعتهما يتفقان على موعد الخطوبة التي اختارتني أنا لأقنع أباها بها، بردت مشاعري كفنجان القهوة الذي قبع أمامي دون أن يُمسّ، بعد لحظات لم ادر هلطالت ام قصرت لملمت سراب الماضي من بين أحلامهما المتناثرة هنا وهناك وانسحبت دون أن ينتبها إلي، ضحكاتهما المرحة صفعتني دون رحمة، خرجت مهزوما من معركة لم أبدأها، ورغم ذلك... ابتسمت.
نسيت أن أخبركم أن رامي هو ابن اختي الذي كان يشاركها العبث في دفاتري... عندما كانا صغيرين.
#أمل