محمد محمود غدية - شموع وغربال وملح

رائحة ضفائرها موغلة بذاكرته، لم تستطع الجدران الصماء، وصرير الأبواب الموصدة، حجب وجهها الذي كان فى لون سنابل القمح، وابتسامتها التي كانت أشهى من ثمر التوت والبرتقال، تشرق منه وتغرب فيه، واسعة العينين يتعانق فيهما الجنون بالثقة، تذيب الصخر وتشيع الدفء، ثمانية عشر عاما على رحيلها، ومازالت تأتيه عابثة مراوغة، تغازله حينا، وتختفى وراء باب حجرتها، تستفيق روحه المجهدة على السنوات الست الأولى، وتباطىء الحمل الطبيعي،
فى تساقط الأجنة قبل إكتمال النمو، ويتوه الزوجان
فى زحام الكون الكبير،
وتشجيع أم الزوجة القلقة،
بين الأطباء والدجالين
وسحر العرافات، فى ليل الرماد الطويل،
لا خيارات أمام الزوج سوى الإستسلام لدموع الزوجة وحلمها بالأمومة، دارت بهما الدنيا فى دروب معتمة،
لا أمل فيها ولا رجاء،
الزوج لم يدخر وسعا
فى التخفيف عن آلام الزوجة بالترفيه، فى رحلات يرتادا فيها المسارح والحفلات والسينما والمصايف،
حتى كان يوما ..
جلس وزوجته على سلم إحدى البنايات الخالية من السكان، بعيدا عن شاطيء البحر،
ظهر أمامهما رجل بسيط الحال، يكسو لحمه العظم، يسير بخطى وئيدة، لضمور فى الساقين والذراعين،
فتح الزوج حقيبة طعامهما، وطلب من الزوجة أن تعطيه طعاما، ربما تأتيها دعوة طيبة منه، وكانت الدهشة فى رفضه للطعام، مشيرا الى بطنه، التى يبدو أنها ممتلئة بالطعام، مقبلا باطن وظهر كفه، متطلعا للسماء شاكرا لله، روعهما انه أيضا فاقد للنطق، لايجيد سوى الإبتسام، ماهذا الرضى رغم كل مافيه، بكت الزوجة التى شعرت بالضآلة أمام نفسها وماشاهدته، وقالت : يارب ..
بعدها كانت الحلوى والشموع والغربال والملح، فى إستقبال مولدهما الأول .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى