محمد الدولتلي - طال عمرك...

تلامس الجدار القديم مع رأسه الذي يملك عمرا اكبر من حجارته وقد برزت عظامه وعروقه الضعيفة أسفل جلد وجهه المهترئ ، توجه بعينيه الزائغتين الي السماء ناظرة دون رؤية الي ما يعترك في نفسه مما جعل فراغها يضيق به كاتما أنفاسه البطيئة التي لا تتلاحق منذ زمن لم يعد يحسبه إلا لتجعله باقيا علي قيد الحياة دونما إنفعال من حزن أو فرح أو حتي خوف يكسر انتظام دخولها إلي صدره الذي يتمني لفظها ولو مرة واحدة دون رجعة .
حتي التنهد الذي كان يصحب زيارة ذكريات الراحلين لخياله قد فارقه منذ أمد لم يعد يعرف إن كان قريبا أم بعيدا ، لقد توقفت عقارب ساعة معصمه مع رحيل آخر من كان له ذكريات عنده فتشابهت الأيام التي يقضيها في غربةٍ مع من لا يذكرون عنه سوي جسد يتحرك ببذل جهد ولا يربطه بهم إلا بعض الرحمة في قلوب بعضهم وذكر إسمه إذا ما طلب منهم ذكر أسمائهم الرباعية علي الأقل .
تحركت يده مناولة فمه قطعة خبز أخرجها من جيبه ليلوكها بحركات لا تحكمها سوي غريزة البقاء التي لم تعد لها قيمة عنده بل أنها باتت ذات حمل ثقيل عليه فلا شهوة لطعام تذكره ولا جوع أمعاء يحدثه ، الطعام والماء والهواء هم القيود التي تقيده ليبقي أسيرا في أيامه الفارغة داخل جسده الذي تنوء أقدامهم الضعيفة بحمله ، يسير فيها كطيف لا تراه أعين ولو كانت أعين الموت أوالمرض .
ألم تكتفي بعد يا عبد الحق .
قالتها نفسه لشاهد القبر الذي يحمله الجدار الذي يرتكن رأسه عليه عندما أدار بصره تجاهه ، إنه عبد الحق جاره القديم الذي مات كمدا عندما ضم قطعة أرضه الوحيدة التي يمتلكها لأملاكه غير مبال بنار القهر التي خرجت من صدره حتي أحرقته ، فلم يستطع أن يفعل شيئا أمام شوكته القوية آن ذاك سوي أن يرفع أقسي دعوة يرفعها المظلوم علي من تجبر عليه .
أطال الله عمرك .

محمد الدولتلي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى