ليسَ مجرّدَ ريحٍ عابرة
يقولُ العابرُ بينَ الجُرحِ،
هناك، على ضفّةِ الوادي،
في وطنٍ
صار طيرًا في قفصٍ
وأيادٍ مثقلة
بروائح الخوفِ
ولافتات الريح ؛
يا ابن الرمل المنسيّ
احمل خيبتَكَ الأخيرةَ
كما يحملُ الغيمُ أسرارَه
واغسل وجعَك،
بأسماءٍ تغفو في الريحِ
***
لا وقتَ لديكَ للوقوفِ هنا...
في بلادٍ تُغيِّبُها المقاصل،
وجرحُ القصائد،
صُدَفُ الموتِ،
الموزّعُ على قارعةِ النشيد،
وطُغاةٍ تُعنكبُهم عروشُهم الهالكة،
يخشَونَ الضوءَ المتسلّلَ
من فراشاتِ الظلّ،
ومن شقوقِ النهار
على جدرانِ سمبل[1].
وأغنياتِ الإنتصار
***
هناكَ في بلادي البعيدة؛
تستوطنُ الروحُ
ولا تجدُ فيها سكنًا؛
والصاعدون إلى حتفهم
يحفرون بالحصى
ذاكرةَ أبجديّاتهم التليدة؛
عدّ أبيتو[2] تغمره،
ظلمة الأقبية الباردة
وصدى الخطوات التي لا تعود،
و الحزنُ في بلادي،
يسير في الطرقاتِ، مغمضَ العينين
يسأل عن أسماءِ النجوم،
وعن أنين الريح...
التي تمشي على حوافِ القصائد
وأوجاع
تتوسّدُ ذاكرةُ أرواحِنا،
المحاصرةُ هناك، منذ الأزل،
مثل نورسٍ
يائسٍ في الحقولِ
أثكلهُ الحزنُ،
وحنينٌ
يهطلُ من غمامٍ أزرق،
كسُرادِقِ الشوكِ،
يغرسُ في قلوبِنا
سهامًا
***
والريحُ في صحارى دهلك[3]
تحملُ نصالًا حادةً،
يهربُ منها الضوء
نحو الأفق،
يتمدّدُ في صدرِ القصيدة...
ووصايا الشهداء
كأنّنا عصافير
ترسمُ بأجنحتِها
وجوهَ من رحلوا،
ومن ماتوا،
ومن ابتلعتهم ذاكرةُ التغييب
وعناكب الاعتقالاتِ المشؤومة
ونحن الموعودين برمادِ الفصول،
بينَ عفنِ الطاولاتِ السريةِ،
وحُرّاسِ الأسفلتِ
المترنّح نحو سقوطٍ آخر
***
يا وجعي عليكِ، يا بلادي..
نحن من نغني أمجادك،
كما لا أحد
نعلو فوقَ موتِنا الاستثنائي،
واضحين،
كما لا أحد
نحمل جرحُ القصائد
وشمسَ الصباحِ المُكدّسةِ،
على حاوياتِ[4] الانتظارِ،
كما لا أحد…
فرادى وجماعات
حشودًا هاربة من غرفِ السردين
فالموتُ هنا يُثكِلُنا،
وأحلامُنا تعيدُ رسمَ مآسيها.
والحزنُ، في بلادي
تجري ندوبَهُ
في دموعِ الأمهات،
ينبتُ أسرارَهُ الصغيرةَ
في غرفِ التحقيقِ المعتمة…
كارشيلي[5]، وذاكرةٌ
تجهلُ أسماءَ ولادتها الأولى،
وتغفو وحيدةً
على قلبِ البلادِ الخرائط
***
وما تبقّى...
أحلامٌ يسكنُها عسسُ الليل،
تتركُ فصول محنتها المنسيّةَ
على كلِّ وجهٍ،
تعيدُ رسمَ خرائبِها
في مكانٍ ما،
بعيدًا عن الشمسِ،
كما الريح
تحملُ صمتَنا المدويَّ،
يتصدّعُ، شاهقًا،
بأحزانِنا المنسيّةِ في ساوا[6]،
وتُقبرُ الأقدارُ
في ترابِ السخّرة
تُشعلُ جمرَ السكوتِ.
على نوافذ الصباح..
وفي الأفقِ البعيد
تمتدُّ أطيافُ الصمتِ
في انتظارٍ مكسورٍ
يرسم شظاياه
مثلَ
شرخٍ
لا
ينتهي
***
آه...يا بلادي..
هل أتاكِ صدى النشيجِ المُرِّ؟
وموتنا المنسيّ هناك
يزهرُ كعشبٍ مالحٍ فوق القبور!
تتعدّدُ شروخُهُ
بينَ شهيدٍ وآخر
وكيف تلوذُ الريحُ بأغصانِها؟
تُضيءُ وجوهَ المدنِ الغائبةِ
مثلَ جُرحٍ قديم
أحجار
تتكدّسُ فوق ركام أحلامِنا المقصوصة…
تقتفي أثر عزلتها القسريّة
بظلٍّ عارٍ
يركض نحونا
ولا أحدٌ ينجو…
لا أحدٌ
ينجو
هناكَ
في
بلادي
– هوامش:
[1] سمبل: من أكبر وأقدم السجون في إرتريا.
[2] عدّ أبيتو: سجن يبعد عن العاصمة الإرترية أسمرا 15 كلم.
[3] دهلك: مجموعة جزر (أرخبيل) تقع في البحر الأحمر بالقرب من مصوع.
[4] حاويات: المفردة حاوية، حاويات شحن معدنية، تستخدم كمراكز اعتقالات معزولة في الصحراء.
[5] كارشيلي: من سجون الاختفاء القسري والاعتقالات سيئة الصيت.
[6] ساوا: مدينة تقع على بعد 315 كلم من العاصمة الإرترية أسمرا، ومعقلًا لمعسكر الخدمة العسكرية الإجبارية في إرتريا.
12 إكتوبر 2024
منى محمد صالح
يقولُ العابرُ بينَ الجُرحِ،
هناك، على ضفّةِ الوادي،
في وطنٍ
صار طيرًا في قفصٍ
وأيادٍ مثقلة
بروائح الخوفِ
ولافتات الريح ؛
يا ابن الرمل المنسيّ
احمل خيبتَكَ الأخيرةَ
كما يحملُ الغيمُ أسرارَه
واغسل وجعَك،
بأسماءٍ تغفو في الريحِ
***
لا وقتَ لديكَ للوقوفِ هنا...
في بلادٍ تُغيِّبُها المقاصل،
وجرحُ القصائد،
صُدَفُ الموتِ،
الموزّعُ على قارعةِ النشيد،
وطُغاةٍ تُعنكبُهم عروشُهم الهالكة،
يخشَونَ الضوءَ المتسلّلَ
من فراشاتِ الظلّ،
ومن شقوقِ النهار
على جدرانِ سمبل[1].
وأغنياتِ الإنتصار
***
هناكَ في بلادي البعيدة؛
تستوطنُ الروحُ
ولا تجدُ فيها سكنًا؛
والصاعدون إلى حتفهم
يحفرون بالحصى
ذاكرةَ أبجديّاتهم التليدة؛
عدّ أبيتو[2] تغمره،
ظلمة الأقبية الباردة
وصدى الخطوات التي لا تعود،
و الحزنُ في بلادي،
يسير في الطرقاتِ، مغمضَ العينين
يسأل عن أسماءِ النجوم،
وعن أنين الريح...
التي تمشي على حوافِ القصائد
وأوجاع
تتوسّدُ ذاكرةُ أرواحِنا،
المحاصرةُ هناك، منذ الأزل،
مثل نورسٍ
يائسٍ في الحقولِ
أثكلهُ الحزنُ،
وحنينٌ
يهطلُ من غمامٍ أزرق،
كسُرادِقِ الشوكِ،
يغرسُ في قلوبِنا
سهامًا
***
والريحُ في صحارى دهلك[3]
تحملُ نصالًا حادةً،
يهربُ منها الضوء
نحو الأفق،
يتمدّدُ في صدرِ القصيدة...
ووصايا الشهداء
كأنّنا عصافير
ترسمُ بأجنحتِها
وجوهَ من رحلوا،
ومن ماتوا،
ومن ابتلعتهم ذاكرةُ التغييب
وعناكب الاعتقالاتِ المشؤومة
ونحن الموعودين برمادِ الفصول،
بينَ عفنِ الطاولاتِ السريةِ،
وحُرّاسِ الأسفلتِ
المترنّح نحو سقوطٍ آخر
***
يا وجعي عليكِ، يا بلادي..
نحن من نغني أمجادك،
كما لا أحد
نعلو فوقَ موتِنا الاستثنائي،
واضحين،
كما لا أحد
نحمل جرحُ القصائد
وشمسَ الصباحِ المُكدّسةِ،
على حاوياتِ[4] الانتظارِ،
كما لا أحد…
فرادى وجماعات
حشودًا هاربة من غرفِ السردين
فالموتُ هنا يُثكِلُنا،
وأحلامُنا تعيدُ رسمَ مآسيها.
والحزنُ، في بلادي
تجري ندوبَهُ
في دموعِ الأمهات،
ينبتُ أسرارَهُ الصغيرةَ
في غرفِ التحقيقِ المعتمة…
كارشيلي[5]، وذاكرةٌ
تجهلُ أسماءَ ولادتها الأولى،
وتغفو وحيدةً
على قلبِ البلادِ الخرائط
***
وما تبقّى...
أحلامٌ يسكنُها عسسُ الليل،
تتركُ فصول محنتها المنسيّةَ
على كلِّ وجهٍ،
تعيدُ رسمَ خرائبِها
في مكانٍ ما،
بعيدًا عن الشمسِ،
كما الريح
تحملُ صمتَنا المدويَّ،
يتصدّعُ، شاهقًا،
بأحزانِنا المنسيّةِ في ساوا[6]،
وتُقبرُ الأقدارُ
في ترابِ السخّرة
تُشعلُ جمرَ السكوتِ.
على نوافذ الصباح..
وفي الأفقِ البعيد
تمتدُّ أطيافُ الصمتِ
في انتظارٍ مكسورٍ
يرسم شظاياه
مثلَ
شرخٍ
لا
ينتهي
***
آه...يا بلادي..
هل أتاكِ صدى النشيجِ المُرِّ؟
وموتنا المنسيّ هناك
يزهرُ كعشبٍ مالحٍ فوق القبور!
تتعدّدُ شروخُهُ
بينَ شهيدٍ وآخر
وكيف تلوذُ الريحُ بأغصانِها؟
تُضيءُ وجوهَ المدنِ الغائبةِ
مثلَ جُرحٍ قديم
أحجار
تتكدّسُ فوق ركام أحلامِنا المقصوصة…
تقتفي أثر عزلتها القسريّة
بظلٍّ عارٍ
يركض نحونا
ولا أحدٌ ينجو…
لا أحدٌ
ينجو
هناكَ
في
بلادي
– هوامش:
[1] سمبل: من أكبر وأقدم السجون في إرتريا.
[2] عدّ أبيتو: سجن يبعد عن العاصمة الإرترية أسمرا 15 كلم.
[3] دهلك: مجموعة جزر (أرخبيل) تقع في البحر الأحمر بالقرب من مصوع.
[4] حاويات: المفردة حاوية، حاويات شحن معدنية، تستخدم كمراكز اعتقالات معزولة في الصحراء.
[5] كارشيلي: من سجون الاختفاء القسري والاعتقالات سيئة الصيت.
[6] ساوا: مدينة تقع على بعد 315 كلم من العاصمة الإرترية أسمرا، ومعقلًا لمعسكر الخدمة العسكرية الإجبارية في إرتريا.
12 إكتوبر 2024
منى محمد صالح