أعادت قولها :
هيا اركب !!
بعينيها الخضراوتين، بشفتيها الممتلئتين،بشعرها الذهبي المنسدل خلف ظهرها كجدائل الذهب...
بكل خلجة من خلجات نفسها كانت تدعوه لركوب سيارتها ، مكشوفة الغطاء،سألته :
ألن تأتي معي؟!
سؤالها هذا لابد له من إجابة، وبناء صيغة السؤال تبدو في نظره دائما أسهل من مجرد التفكير في أي إجابة.
إن التردد خصلة متأصلة في نفسه، منذ نعومة أظافره، فما من لمحة أو ومضة، أو حتى خطوة يخطوها إلا بعد أن يوسعها تفكيرا طويلا.. طويلا
هو يعرف جيدا أن كل كلمة تخرج من فمه لن تعود إليه ثانية.
***
بغتة صاح مصطفى جاره، وصديقه، وهما جالسان معا في المقهى الكائن مباشرة أمام بيته. :
انظر... انظر إلى تلك السيارة وهذه الفتاة بداخلها إنها رائعة الجمال، قبل أن يزجره، اصطدمت نظرات عينيه بها!!
لم يصدق نفسه!!
تساءل:
معقول، أتكون هي ... بعد مرور كل هذه السنوات؟!
همس مصطفى في انبهار : هذه فتاة غير عادية. ... ممدوح... لماذا لا تتكلم؟!
إلا أن ممدوح غادره متجها إليها.
جعل مصطفى يراقب الموقف في دهشة بالغة، وهو يراها تحادث صديقه.
قال ممدوح وعيناه تشعان ببريق الحياة : صوفيا .... كيف عرفت عنوان بيتي؟!
خرجت من السيارة، صاحت به : أنا أعلم كل شئ عنك.
صدمته جرأتها، تراجع خطوة للوراء.
قالت : كنت قد أخبرتك أنني سأسافر مع أمي وأبي، ولن أعود إلى مصر ثانية، خاصة وأن مهام عمله التي كلف بها في مصر قد انتهت.
قال : لم أتخيل أني لن أراك ثانية، ولم يخطر على بالي قط أنك ستضعين مني في متاهات أروبا.
قالت في فخر : أية متاهات... إنها إنجلترا... بريطانيا العظمى موطن أبي.
قال في مرارة شديدة وقد اكتست ملامحه كلها بحزن بالغ : أبوك.
همست :بعد كل هذه السنوات ولم تنس!!
قال :
لا يمكن أن أنسى مقابلته لي، وكلماته القاسية،الساخرة :
كيف لك، وابنتي أن تجتمعان، حتى ولو في علاقة صداقة عابرة ؟!
هناك فارق كبير بينكما!!
ولما سألته : تقصد الفارق المادي؟!
صدمتني إجابته:
ليست مسألة مادة فقط، إن بينكما فجوة ، ثقافية كبري.
قالت :
لقد توفي أبي، ورجعت أمي إلى مصر ،
أنت تعرف طيبتها وسذاجتها، فهي تفضل العيش في القاهرة ، على الحياة في لندن، بحجة أنها بلدها وبلد أجدادها.
كانت رائحة برفانها النفاذة تقتحم خياشيمه وتتغلغل في كل خلية من خلايا جسده المتعب.
قال في حرارة : إنت وحشتيني جدا.
قالت في برود : لازالت رومانسيا.
جعلت تعبث بأصابعها الدقيقة في حقيبتها الصغيرة ثم أخرجت علبة سجائر فاخرة، و أشعلت إحدى لفائفها، ثم طفقت تنفث دخانها في تلذذ غريبص، صاح ممدوح في دهشة : ماذا تفعلين؟!
نظرت صوفيا إليه في دهشة لا تخلو من ازدراء ، ثم قالت في ضيق :
أنت كما أنت، لم يتغير بك أي شئ.
همس في تعجب : زمان، كنت فتى أحلامك!!
قالت : كنت مجرد طفلة صغيرة، وكل شئ في هذا العالم يتغير.
قال في أسى : تقصدين أنني لابد أن أتغير.
قالت في حزم : على الأقل طريقة تفكيرك....
أنتم هنا تفكرون بطريقة متخلفة.
قال في تعجب : أنتم!! ....... ألست أنت أيضا واحدة منا... من هذا البلد، بلد أمك ؟!
قالت في جدية : دعك من هذه التفاهات.
قال في ضيق : كلامك صعب .. هذا هو الوطن.
قالت : لماذا تتمسك بهذا التفكير القديم؟!
قال في حزن : قديم!!
هل هذا هو نفس موقفك تجاه انجلترا؟!
قالت في قوة :الأمر مختلف تماما، هناك وطن رائع يمنح مواطنيه كل شئ، من رعاية و صحة، وتعليم،ورفاهية، ويكفي احترامه لإنسانية المواطن، أما هنا فأنت في بلد غارقة، في الديون والفساد، بلد لن تلقي بها سوي المعاناة، والفقر،والمرض.
كيف يكون وطن وهو يأخذ منك كل شئ، يسلبك حتى آدميتك ، ويمنحك حياة كلها تعب وشقاء،؟!
أتدري ماذا قد حققت أنا لنفسي، هناك ، وفي سنوات قليلة!؟
أنت إذن ماذا قد حققت؟!
للأسف لا شئ.
ألم أقل لك أنني أعلم عنك كل شئ؟
قال : ولكن هذا وطني بكل ما فيه من حسنات وعيوب.
قالت في حدة : البلد الذي يسحقك ولا يمنحك أقل حقوقك الآدمية، لا يمكن أن يكون وطنا، إنهم هنا يستعبدونكم بتلك الشعارات الفارغة، ويمتصون سنوات عمركم كلها، كي يعيشوا هم في رفاهية، ورخاء...
يسيطرون عليكم تارة بتعاليم الدين وتارة أخرى بشعارات الوطنية، وتلك الأشياء البالية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.... وهم في الحقيقة يستعبدونكم، لتحقيق غاياتهم، و أهدافهم.
قال في ضيق : من هم هؤلاء الذين يتحكمون في مصائرنا؟!
وبأي منطق تتحدثين؟!
ضحكت ضحكة ساخرة، ولم تجبه، أردف:
هو منطق الأنانية إذن؟!
قالت : قل المصلحة.... العقل.... هيا اركب السيارة.
تجمد ممدوح في مكانه...جعل يتفرس في ملامحها، فبدت له بمكياجها الصارخ وكأنها ترتدي قناعا تخفي به وجهها الحقيقي.
عاد ممدوح ببصره إلى وجه صديقه مصطفى،الجالس على المقهى مع جموع الناس
وسط وجوه شاحبة متعبة،
كانوا جميعا يتابعون في شغف، كل ما دار بينهما من حوار.
التقت نظرات عيني ممدوح بنظرات عيني مصطفى وبدا، وكأن بينهما تفاهم أو ألفة غامضة.
أعادت صوفيا قولها:
هيا اركب ، لن تأتي معي؟! .
سؤالها هذا لابد له من إجابة، وبناء صيغة السؤال تبدو في نظره دائما أسهل من مجرد التفكير في أي إجابة.
إن التردد خصلة متأصلة في نفسه، منذ نعومة أظافره، فما من لمحة أو ومضة، أو حتى خطوة يخطوها إلا بعد أن يوسعها تفكيرا طويلا.. طويلا.
هو يعرف جيدا أن كل كلمة تخرج من فمه لن تعود إليه ثانية.
طريقتها في الحديث... ثقتها البالغة في نفسها،كلماتها الصادمة، نظرة عينيها، جرأتها....
كان بها شئ، غريب عجيب لم يعتده منها من قبل.
كررت صوفيا طلبها في استياء بعد أن أشعلت سيجارتها الثانية.
أحس ممدوح بالدماء الساخنة تتصاعد إلى رأسه، بينما صوفيا تنفث دخانها في وجهه، فدفع بالسيجارة من يدها بقوةودون أن ينبس بكلمة ، غادرها مهرولا صوب صديقه مصطفى ، حيث المقهى و تلك الوجوه المتعبة الشاحبة، الشاخصة إليه في حيرة، وترقب.
ظلت صوفيا متجمدة في مكانها لبرهة، إلا أنها سرعان ما ركبت سيارتها، و ضغطت على دواسة البنزين بقوة.
هيا اركب !!
بعينيها الخضراوتين، بشفتيها الممتلئتين،بشعرها الذهبي المنسدل خلف ظهرها كجدائل الذهب...
بكل خلجة من خلجات نفسها كانت تدعوه لركوب سيارتها ، مكشوفة الغطاء،سألته :
ألن تأتي معي؟!
سؤالها هذا لابد له من إجابة، وبناء صيغة السؤال تبدو في نظره دائما أسهل من مجرد التفكير في أي إجابة.
إن التردد خصلة متأصلة في نفسه، منذ نعومة أظافره، فما من لمحة أو ومضة، أو حتى خطوة يخطوها إلا بعد أن يوسعها تفكيرا طويلا.. طويلا
هو يعرف جيدا أن كل كلمة تخرج من فمه لن تعود إليه ثانية.
***
بغتة صاح مصطفى جاره، وصديقه، وهما جالسان معا في المقهى الكائن مباشرة أمام بيته. :
انظر... انظر إلى تلك السيارة وهذه الفتاة بداخلها إنها رائعة الجمال، قبل أن يزجره، اصطدمت نظرات عينيه بها!!
لم يصدق نفسه!!
تساءل:
معقول، أتكون هي ... بعد مرور كل هذه السنوات؟!
همس مصطفى في انبهار : هذه فتاة غير عادية. ... ممدوح... لماذا لا تتكلم؟!
إلا أن ممدوح غادره متجها إليها.
جعل مصطفى يراقب الموقف في دهشة بالغة، وهو يراها تحادث صديقه.
قال ممدوح وعيناه تشعان ببريق الحياة : صوفيا .... كيف عرفت عنوان بيتي؟!
خرجت من السيارة، صاحت به : أنا أعلم كل شئ عنك.
صدمته جرأتها، تراجع خطوة للوراء.
قالت : كنت قد أخبرتك أنني سأسافر مع أمي وأبي، ولن أعود إلى مصر ثانية، خاصة وأن مهام عمله التي كلف بها في مصر قد انتهت.
قال : لم أتخيل أني لن أراك ثانية، ولم يخطر على بالي قط أنك ستضعين مني في متاهات أروبا.
قالت في فخر : أية متاهات... إنها إنجلترا... بريطانيا العظمى موطن أبي.
قال في مرارة شديدة وقد اكتست ملامحه كلها بحزن بالغ : أبوك.
همست :بعد كل هذه السنوات ولم تنس!!
قال :
لا يمكن أن أنسى مقابلته لي، وكلماته القاسية،الساخرة :
كيف لك، وابنتي أن تجتمعان، حتى ولو في علاقة صداقة عابرة ؟!
هناك فارق كبير بينكما!!
ولما سألته : تقصد الفارق المادي؟!
صدمتني إجابته:
ليست مسألة مادة فقط، إن بينكما فجوة ، ثقافية كبري.
قالت :
لقد توفي أبي، ورجعت أمي إلى مصر ،
أنت تعرف طيبتها وسذاجتها، فهي تفضل العيش في القاهرة ، على الحياة في لندن، بحجة أنها بلدها وبلد أجدادها.
كانت رائحة برفانها النفاذة تقتحم خياشيمه وتتغلغل في كل خلية من خلايا جسده المتعب.
قال في حرارة : إنت وحشتيني جدا.
قالت في برود : لازالت رومانسيا.
جعلت تعبث بأصابعها الدقيقة في حقيبتها الصغيرة ثم أخرجت علبة سجائر فاخرة، و أشعلت إحدى لفائفها، ثم طفقت تنفث دخانها في تلذذ غريبص، صاح ممدوح في دهشة : ماذا تفعلين؟!
نظرت صوفيا إليه في دهشة لا تخلو من ازدراء ، ثم قالت في ضيق :
أنت كما أنت، لم يتغير بك أي شئ.
همس في تعجب : زمان، كنت فتى أحلامك!!
قالت : كنت مجرد طفلة صغيرة، وكل شئ في هذا العالم يتغير.
قال في أسى : تقصدين أنني لابد أن أتغير.
قالت في حزم : على الأقل طريقة تفكيرك....
أنتم هنا تفكرون بطريقة متخلفة.
قال في تعجب : أنتم!! ....... ألست أنت أيضا واحدة منا... من هذا البلد، بلد أمك ؟!
قالت في جدية : دعك من هذه التفاهات.
قال في ضيق : كلامك صعب .. هذا هو الوطن.
قالت : لماذا تتمسك بهذا التفكير القديم؟!
قال في حزن : قديم!!
هل هذا هو نفس موقفك تجاه انجلترا؟!
قالت في قوة :الأمر مختلف تماما، هناك وطن رائع يمنح مواطنيه كل شئ، من رعاية و صحة، وتعليم،ورفاهية، ويكفي احترامه لإنسانية المواطن، أما هنا فأنت في بلد غارقة، في الديون والفساد، بلد لن تلقي بها سوي المعاناة، والفقر،والمرض.
كيف يكون وطن وهو يأخذ منك كل شئ، يسلبك حتى آدميتك ، ويمنحك حياة كلها تعب وشقاء،؟!
أتدري ماذا قد حققت أنا لنفسي، هناك ، وفي سنوات قليلة!؟
أنت إذن ماذا قد حققت؟!
للأسف لا شئ.
ألم أقل لك أنني أعلم عنك كل شئ؟
قال : ولكن هذا وطني بكل ما فيه من حسنات وعيوب.
قالت في حدة : البلد الذي يسحقك ولا يمنحك أقل حقوقك الآدمية، لا يمكن أن يكون وطنا، إنهم هنا يستعبدونكم بتلك الشعارات الفارغة، ويمتصون سنوات عمركم كلها، كي يعيشوا هم في رفاهية، ورخاء...
يسيطرون عليكم تارة بتعاليم الدين وتارة أخرى بشعارات الوطنية، وتلك الأشياء البالية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.... وهم في الحقيقة يستعبدونكم، لتحقيق غاياتهم، و أهدافهم.
قال في ضيق : من هم هؤلاء الذين يتحكمون في مصائرنا؟!
وبأي منطق تتحدثين؟!
ضحكت ضحكة ساخرة، ولم تجبه، أردف:
هو منطق الأنانية إذن؟!
قالت : قل المصلحة.... العقل.... هيا اركب السيارة.
تجمد ممدوح في مكانه...جعل يتفرس في ملامحها، فبدت له بمكياجها الصارخ وكأنها ترتدي قناعا تخفي به وجهها الحقيقي.
عاد ممدوح ببصره إلى وجه صديقه مصطفى،الجالس على المقهى مع جموع الناس
وسط وجوه شاحبة متعبة،
كانوا جميعا يتابعون في شغف، كل ما دار بينهما من حوار.
التقت نظرات عيني ممدوح بنظرات عيني مصطفى وبدا، وكأن بينهما تفاهم أو ألفة غامضة.
أعادت صوفيا قولها:
هيا اركب ، لن تأتي معي؟! .
سؤالها هذا لابد له من إجابة، وبناء صيغة السؤال تبدو في نظره دائما أسهل من مجرد التفكير في أي إجابة.
إن التردد خصلة متأصلة في نفسه، منذ نعومة أظافره، فما من لمحة أو ومضة، أو حتى خطوة يخطوها إلا بعد أن يوسعها تفكيرا طويلا.. طويلا.
هو يعرف جيدا أن كل كلمة تخرج من فمه لن تعود إليه ثانية.
طريقتها في الحديث... ثقتها البالغة في نفسها،كلماتها الصادمة، نظرة عينيها، جرأتها....
كان بها شئ، غريب عجيب لم يعتده منها من قبل.
كررت صوفيا طلبها في استياء بعد أن أشعلت سيجارتها الثانية.
أحس ممدوح بالدماء الساخنة تتصاعد إلى رأسه، بينما صوفيا تنفث دخانها في وجهه، فدفع بالسيجارة من يدها بقوةودون أن ينبس بكلمة ، غادرها مهرولا صوب صديقه مصطفى ، حيث المقهى و تلك الوجوه المتعبة الشاحبة، الشاخصة إليه في حيرة، وترقب.
ظلت صوفيا متجمدة في مكانها لبرهة، إلا أنها سرعان ما ركبت سيارتها، و ضغطت على دواسة البنزين بقوة.