حسَن الرّحيبي - مَدرسَتنا الأولىٰ باثنين الغربية...

في قسم التّحضيري كدّسُونا في قسم جَديد لا زال موجوداً حتى اليوم ، سقفه من الدّيماتيت الجَاهز préfabriqué ..رَاكمُونا بدَاخله نحن 105 تلميذ صَغير ممّن توَفّقوا في التّحَلق حول مدير فاسي ، بسُحنة أوروبية جَميلة ، وَلباس أنيق جدّاً وسيارة كوكسينة ألمَانية رَمادية اللّون grise (Volkeswagen) يُدعىٰ الغُمَاري سجّلنا في القائمة بخطه الفرنسي والعربي الجَميل .. يأتي كل صَباح من الوَليدية ..قسّمونا نصفين بعد اكتظاظنا وتراكمنا بالجلوس أكثر من 3 بالطاولة الواحدة ، دون معرفتنا بوجود قيمطر لوضع المَحَافظ الهَزيلة:
نصف يشكل فوجاً صَباحياً يضُمّ 53 من القادمين من دوَاوير بعيدة ..زَرݣ والدّهاهجة والطيور والعݣابة والزّرَايب والنواصَر واولاد عزوز واولاد زاير والعيايطة ..يأتون في السّابعة صَباحاً قبل طلوع الشمس لا أعرف كيف كانوا يتبّدرون أمورَهم خاصةً لما تسقط الأمطار الغزيرة ..اولاد الجّعافرة يسرعون كي يلحقوا حَافلة كوبّاطا أو النّحيلي أو اولاد آسفي يتعاطفون معهم ويحملونهم دون شروط لأنهم يقدّرون ظروفهم ..بقوا على هذه الحال لمدة 6 سنوات تقريباً وأصبحوا في النهاية أساتذة ومحامين بل طيارين في الخطوط الجوية الملكية ، والقوّات الجوّية المغربية ..
كان معلمنا من الرّيف لا يقل أناقةً عن المدير ، لكن بالكاد يتدبّر أمره ، بل يسلّك كي يستطيع تعليمنا ..يكمل الحصّة المسائية التي تمتد من الواحدة حتى السادسة ، وتشمل التلاميذ من الدوَاوير الأقرب : البريبرات دوار سي مسعود الصّديݣات الفقرَا اولاد المهدي الݣوايل المناصرَة ..نخرج جماعة ، نسير على تلك الحَال لمدة قصيرة ثم نفترق كل مجموعة تتجه نحو دوّارها ..يكمل تلك الحصّة بنثر الحمّص المݣلي تحت الطاولات ، كي نقضي وقتاً طويلاً لجمعه وأكله ، ثم إنهاض النصَيّص كي يتلو علينا تغريدَة بلاّرج ..ونحن نضحك ..ذات مساء من سنة 1961 خرج تلاميذ Monsieur Pernoud الكبار فرَموا بحَجرة أحدثت صَوتاً مدوّياً مرعباً ، وَثُقباً غَائراً بسقف الدّيماتيت ظلت تتسرّب منه أشعة الشمس ، وقطرات أمطار الشتاء الباردَة ..
في السنة الموالية نجحنا فنقلونا لمدرسة شبيهة بالتي على الصّورة كانت مسكناً لنصرَاني يربي الحلّوف فأخلاها بعد الاستقلال ، وهيّأوها من قسمين تتوسّطهما مطفية كبيرة محاطَة بأزهار جَميلة ، إلى جانب بيت صَغير للحارسة الزّاهية القادمة من اولاد فرَج في عهد القايد بوعلي المختفي . تختزن بها المدَاد والطباشير وشطابة صَفراء عملاقة ، أرقى بكثير من شطاطيبنا العشوائية الهشّة .. المَصنوعة من زرّعيان وحنبازة الحمراء أو الدّوم .. وكذلك تموين المطعم ، بينما الكومير كان يأتي به كارّ ميݣيل Miguel من الجَديدة كل يوم ..كومير قديم يتخلّله الخزّ الأخضَر la moisissure ، بسَبب التقادم ، ورغم ذلك كنّا نتقاتل كي نحصُل على مقعد ، بينما تطل مجموعة أخرىٰ جَائعة تتسوّل بإشَارة من اليدين وَضع شيء من القطاني أو المَاقارُونية المجَعّبَة ، دَاخل الخبز المديني الغريب ..كان لبيت اختي الزّاهية منفذ نحو الخارج ، يبدو كحَانوت يبيع فيه زوجها بللّحسَن البيض ..كان المدرّسون آنذاك سي السّلّومي من واد زمّ ، وسي عبسلام من الفقرَا ، وسي محمون من خريبݣة والشّريف من سيدي بنور وسي العزوي من اللّويجانطي Louis Gentil وسي الهشّومي من الجَديدة .. وعشّاق من اولاد امحمّد ومستحسين من خريبݣة وسي احمد الصّحراوي من طنجة ، وكذلك سُقرَاط المفصُول عن الخدمة لأسبار أخلاقية والذي انتهىٰ بقطاع الكهرباء ثم رئيساً لبلدية ناحية خريبݣة ، ظل يطوف على الخيام من أجل التّوقيع على ملتمس بإعادته لمنصبه دون نتيجة ، ومدام Viviane مرت Pernoud وحِلمي وزَوجته ..كلهك مرّوا من هنا منذ الخَمسينات ..نسمع سي لحبيب (من الصّحرَا) وقد فتح نوافذ (شراجم) دار النصرَاني وهو يحاور تلميذاً نجيباً واحداً بنفس الأسلوب وفي نفس الموضُوع :
بلّعربي ؟
مَاذا تعطينا النّحلة ؟
يكون الجَواب جَاهزاً بالذّكاء الاصطناعي الموحّد standardisé :
النّحلة تعطينا الشّمع والعسَل !
رَحم الله المعلمين وأطال في عمر واحد منهم لا زال يتواصَل معي : سّي محمون من خريݣة ..بينما اختفىٰ التلميذ النّجيب محمد بلعربي ..سمعت مؤخّراً أنه بمكناس ..
ذكريات جَميلة لا زالت تموج بذهني وأذنيّ ..خاصّةً تجمّع الفتيات الأنيقات آنذاك أثناء الاستراحة حول المَطفي وسط الأزهار الزّاهية ، وهن يردّدن أنشودَة :
جَميلة فوݣ الحَجرة مَالها تبكي مَالها تبكي ؟

حسَن الرّحيبي..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى