محمد بن لامين - يا حي...

لم يسألني أحد يوما
ماذا تريد أن تصبح:
دكتورا أو محاميا أو حتى حمالا في رحبة السوق
كان ذلك فعلا سؤال غير ممكن
لأن حياة الجميع كانت على الأغلب غير قابلة للحلم
أو على الأقل لا تقبل تصور اللامتوقع
كانت الحياة لا تسمح بخطة مغايرة..
كان من الممكن لك إن أمكن فقط أن تذهب مذهب الناس، أن ترسب أو تنجح كما يحدث لكل أقرانك الذين يحلمون بعلكة أقليمية من دول الجوار وبعض ألواح من الشوكولا المهششة بباسكويت من نخالة القمح الإيطالي!
كان الوقت مثل ضهيرة مستدامة في الذاكرة.. حتى أن الشمس تشتعل في رأسك إلى الهزيع الأخير من الليل لتفيق غريقا فزعا من عرق موهوم!
كنت أعلم أن لا أحد يقسم بهذا البلد
لا أحد سيظن أنني سأسري بروحي من المعطن الأقصى إلى كٍنٍ الأعراف العالية
لا أحد كان ليراني وأنا أزيل العمش عن عيون العصافير المهاجرة كي لا تُضَيْع الطريق..
كان الوقت سيء أغلب الوقت!
كنا نسرق أقمشة خضراء مع أرباع جنيهات من أضرحة الأولياء يتركنهن العانسات تبركا بزواج وشيك ونترك تلك الشموع المسخمة وقد أذابتها الهاجرة في الخوابي المظلمة وقد التصقت بها شذرات البخور الهندي اللزجة..
نرمي القماش ونذهب بأرباع الجنيهات إلى مطعم الوجبات الخفيفة،
رغيف فارينا محتواه مقدر بملعقة من التونة وأخرى من هريسة ملوثة بالزيت...
لم تكن السيرة هذه متوقعة تماما
كان الحال مثل رمل ينهال من عربة معوجة لا تضع بيضها في عش واحد..
لم يكن هذا البلد ودودا لذي أمل أبداً
وما كانت ضريبة الصبر مرخصة!
كنا نتربص بأول نخلة تصرعها الريح لنأكل الجُمٌَار..
لأول كلب لائذ يدفن جسده في حفرة الطابية...
لأول حبات المشماش الناضجة في فناء المدرسة!
للحمار السائب التائه من مالكه في قيلولات الصيف الذي يسقط العصافير من السماء..
ما كان بي من شِعْر ولا جٍنَّة ككل نبي
وما كان عندي شيء من الكلام حينها...
كنت أرى وأضع الصور في جزدان الروح
كنت ألملم أطرافي الأخرى التي سوف أعرفها لاحقا.
كنت ابن وقتي وخليل المعنى
وكشفت لي الملكة عن ساقها
فلم أحسبه لجة..
كانت "الشباحة" تقرأ رغبات الوافدين عليها من عيونهم وتسمعهم ما يرضي قلوبهم
وأنا كنت قد أوقفت قيدي من جامعة الناس
وذهبت مذهب الهلال الذي عمره ثلاث أيام
ثم يستحيل إلى قمر لغزل العاشقين
لذلك مررت سبابتي على جفن نعاسي
وأرقت كأسي على يباس ترابي
وقلت يا حي يا حي يا حي!
وهكذا دواليك...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى