ملاحظة لا بد منها:
(جرت احداث هذه القصة في عهد النظام السابق، وكانت خاتمتها في نهاية ذلك العهد البغيض).
مّر السيد عبد الحليم سعيد النواد بمقهى (العروبة) وهو في طريقه الى دائرته الحكومية القابعة في طرف المدينة، كان يرتدي قميصاً ابيض وبنطلوناً اسود، سلّم على جلاس المقهى، ردوا عليه التحية، واختفى في المنعطف.
قال سالم حميد:- (السيد عبد الحليم… ياله من رجل وقور، لا يلبس الا قميصاً ابيض… فالابيض نقي ووقور مثل قلبه الطيب).
رد عليه خيون سليم:- (ليست مسالة وقار ولا هم يحزنون… انها مسالة خوف من الالوان).
استغرب محمد هاشم الجالس بقربه وتساءل:
– (وهل تخيف الالوان ؟).
اجاب خيون سليم بإصرار:- (نعم… تخيف السيد عبد الحليم).
سأله محمد هاشم مرة اخرى.
– (وهل الالوان افاعي في هذه الايام ؟).
اجابه خيون سليم:- (الالوان اكثر رعبا من الافاعي).
سأله محمد هاشم مستغرباً:- (كيف ذلك ؟).
قال خيون سليم:- (الافعى تلدغ الانسان، ويِِِمصّ سمّها فينجو الانسان من الموت.. اما الالوان فانها تودي بالانسان الى الاعدام).
سأله سالم حميد:- (الا يستطيع ان يلبس السيد عبد الحليم قميصاً احمر ؟).
اجاب خيون سليم بحسم:- (قطعاً لا يستطيع ان يلبس قميصا احمر…
فاللون الاحمر ينتمي لليساريين).
قال سالم حميد متراجعاً:- (اذن يلبس قميصاً اخضر).
اجابه خيون سليم برفض:- (ولا يستطيع ان يلبس قميصاً اخضر… لان اللون الاخضر ينتمي لليمينيين).
قال سالم حميد بنفاد صبر:- (يستطيع ان يلبس قميصاً اسود).
قال خيون سليم:- (وهذا اللون ينتمي لليمينيين ايضا ً، ولا يستطيع ان يلبسه لانه ليس حزيناً على ميت مات له منذ وقت قصير).
قال سالم حميد:- (حّيرتني يا رجل… الا يستطيع ان يلبس قميصاً اصفر ؟).
اجابه خيون سليم:- لا يستطيع ذلك… لان اللون الاصفر، في رأي السيد عبد الحليم، يوحي بالموت وهو يخاف من الموت خوفاً شديداً).
قال سالم حميد بحسم:- (اذن يلبس قميصاً ارجوانياً، فهذا اللون لا ينتمي لاحد).
قال خيون سليم:- (من قال بان اللون الارجواني لا ينتمي لاحد.. انه ينتمي للملوك… والسيد عبد الحليم لا يريد ان يغيظ ملوك الدول المجاورة).
صفـّق سالم حميد بيديه وقال:- (انها حيرة كبيرة… وقع فيها السيد عبد الحليم ولكن اللون البني لون محايد لا ينتمي لاحد). اجاب خيون سليم:- (الالوان المحايدة هي اللون الاسود واللون الابيض فقط… اما اللون البنّي فهو لون فخم ينتمي للتجّار… ولا يريد السيد عبد الحليم ان يغضب التجار عليه).
قال سالم حميد وقد أسقط في يده:- (اذن يمكنه ان يلبس قميصاً رمادياً).
اجاب خيون سليم:- (لا يستطيع ان يلبس قميصاً رمادياً، فهو يوحي بالرماد والرماد رمز البؤس والشقاء.. ولا يريد السيد عبد الحليم ان يعيش بائساً شقيا ً).
قال سالم حميد بنفاد صبر:- (يستطيع ان يلبس قميصا ً ازرق، فهذا اللون لون السماء ولا يخاف السيد عبد الحليم من السماء).
اجابه خيون سليم:- (لا يستطيع ذلك… فاللون الازرق هو لون البحر… والسيد عبد الحليم يخاف من البحر).
قال سالم حميد بانتصار:- (اذن يلبس قميصاً وردياً.. فالورد لا يخيف السيد عبد الحليم).
اجاب خيون سليم:- (لا يستطيع ذلك، فالورد، كما يعرف السيد عبد الحليم بانه يوضع على القبور… وهو يخاف من الموت كما ذكرت سابقاً).
قالم سالم حميد:- (لم يبق الا اللون البنفسجي… فهو لون لاينتمي لاحد ولا يخيف).
اجاب خيون سليم:- (لا يستطيع ان يلبس قميصاً بنفسجيّاً، فاللون البنفسجي يوحي بالغيرة، ولا يريد السيد عبد الحليم ان يشعر بالغيرة من احد).
صمت الجميع ثم نهضوا ودفع سالم حميد الحساب الى صاحب المقهى الذي جلس وكان يصغي لحديثهم فقال صاحب المقهى لسالم حميد:
– (حقاً ان السيد عبد الحليم في ورطة كبيرة فلا يستطيع ان يلبس غير القميص الابيض الا اذا حدثت معجزة).
نظر الجميع الى السماء، وقال سالم حميد:- (ربما يخلق الله سبحانه وتعالى تلك المعجزة… فهو قادر على كل شيء).
ودّعوا صاحب المقهى وتمنّى لهم سلامة الوصول الى بيوتهم.
في اليوم التالي، اجتمع هؤلاء الاصدقاء في المكان نفسه في مقهى (العروبة) وجلسوا يحتسون الشاي… فسمعوا اطلاقات مدفع هاون وراوا دبابات اتت مزمجرة في ذلك الشارع… بعد ذلك تبعها رجال ملثـّمون مسلّحون ببنادق صغيرة.. وعلت هتافات صاخبة في الشارع المجاور… شغّل صاحب المقهى المذياع فسمعوا البيان الاول للثورة نهض الجميع بفرح وكانوا صاخبين وعانق احدهم الاخر وهو يردّد: -(سبحان الله… ارسل الله المعجزة).
مرّ السيد عبد الحليم بالمقهى وكان يرتدي قميصاً احمر وبنطلوناً ارجوانياًً، سلّم عليهم بفرح جلي، فردّوا عليه التحية بصخب، وقال سالم حميد بانتصار:- (الحمد لله رب العالمين… ها نحن نعيش ثورتين !).
(جرت احداث هذه القصة في عهد النظام السابق، وكانت خاتمتها في نهاية ذلك العهد البغيض).
مّر السيد عبد الحليم سعيد النواد بمقهى (العروبة) وهو في طريقه الى دائرته الحكومية القابعة في طرف المدينة، كان يرتدي قميصاً ابيض وبنطلوناً اسود، سلّم على جلاس المقهى، ردوا عليه التحية، واختفى في المنعطف.
قال سالم حميد:- (السيد عبد الحليم… ياله من رجل وقور، لا يلبس الا قميصاً ابيض… فالابيض نقي ووقور مثل قلبه الطيب).
رد عليه خيون سليم:- (ليست مسالة وقار ولا هم يحزنون… انها مسالة خوف من الالوان).
استغرب محمد هاشم الجالس بقربه وتساءل:
– (وهل تخيف الالوان ؟).
اجاب خيون سليم بإصرار:- (نعم… تخيف السيد عبد الحليم).
سأله محمد هاشم مرة اخرى.
– (وهل الالوان افاعي في هذه الايام ؟).
اجابه خيون سليم:- (الالوان اكثر رعبا من الافاعي).
سأله محمد هاشم مستغرباً:- (كيف ذلك ؟).
قال خيون سليم:- (الافعى تلدغ الانسان، ويِِِمصّ سمّها فينجو الانسان من الموت.. اما الالوان فانها تودي بالانسان الى الاعدام).
سأله سالم حميد:- (الا يستطيع ان يلبس السيد عبد الحليم قميصاً احمر ؟).
اجاب خيون سليم بحسم:- (قطعاً لا يستطيع ان يلبس قميصا احمر…
فاللون الاحمر ينتمي لليساريين).
قال سالم حميد متراجعاً:- (اذن يلبس قميصاً اخضر).
اجابه خيون سليم برفض:- (ولا يستطيع ان يلبس قميصاً اخضر… لان اللون الاخضر ينتمي لليمينيين).
قال سالم حميد بنفاد صبر:- (يستطيع ان يلبس قميصاً اسود).
قال خيون سليم:- (وهذا اللون ينتمي لليمينيين ايضا ً، ولا يستطيع ان يلبسه لانه ليس حزيناً على ميت مات له منذ وقت قصير).
قال سالم حميد:- (حّيرتني يا رجل… الا يستطيع ان يلبس قميصاً اصفر ؟).
اجابه خيون سليم:- لا يستطيع ذلك… لان اللون الاصفر، في رأي السيد عبد الحليم، يوحي بالموت وهو يخاف من الموت خوفاً شديداً).
قال سالم حميد بحسم:- (اذن يلبس قميصاً ارجوانياً، فهذا اللون لا ينتمي لاحد).
قال خيون سليم:- (من قال بان اللون الارجواني لا ينتمي لاحد.. انه ينتمي للملوك… والسيد عبد الحليم لا يريد ان يغيظ ملوك الدول المجاورة).
صفـّق سالم حميد بيديه وقال:- (انها حيرة كبيرة… وقع فيها السيد عبد الحليم ولكن اللون البني لون محايد لا ينتمي لاحد). اجاب خيون سليم:- (الالوان المحايدة هي اللون الاسود واللون الابيض فقط… اما اللون البنّي فهو لون فخم ينتمي للتجّار… ولا يريد السيد عبد الحليم ان يغضب التجار عليه).
قال سالم حميد وقد أسقط في يده:- (اذن يمكنه ان يلبس قميصاً رمادياً).
اجاب خيون سليم:- (لا يستطيع ان يلبس قميصاً رمادياً، فهو يوحي بالرماد والرماد رمز البؤس والشقاء.. ولا يريد السيد عبد الحليم ان يعيش بائساً شقيا ً).
قال سالم حميد بنفاد صبر:- (يستطيع ان يلبس قميصا ً ازرق، فهذا اللون لون السماء ولا يخاف السيد عبد الحليم من السماء).
اجابه خيون سليم:- (لا يستطيع ذلك… فاللون الازرق هو لون البحر… والسيد عبد الحليم يخاف من البحر).
قال سالم حميد بانتصار:- (اذن يلبس قميصاً وردياً.. فالورد لا يخيف السيد عبد الحليم).
اجاب خيون سليم:- (لا يستطيع ذلك، فالورد، كما يعرف السيد عبد الحليم بانه يوضع على القبور… وهو يخاف من الموت كما ذكرت سابقاً).
قالم سالم حميد:- (لم يبق الا اللون البنفسجي… فهو لون لاينتمي لاحد ولا يخيف).
اجاب خيون سليم:- (لا يستطيع ان يلبس قميصاً بنفسجيّاً، فاللون البنفسجي يوحي بالغيرة، ولا يريد السيد عبد الحليم ان يشعر بالغيرة من احد).
صمت الجميع ثم نهضوا ودفع سالم حميد الحساب الى صاحب المقهى الذي جلس وكان يصغي لحديثهم فقال صاحب المقهى لسالم حميد:
– (حقاً ان السيد عبد الحليم في ورطة كبيرة فلا يستطيع ان يلبس غير القميص الابيض الا اذا حدثت معجزة).
نظر الجميع الى السماء، وقال سالم حميد:- (ربما يخلق الله سبحانه وتعالى تلك المعجزة… فهو قادر على كل شيء).
ودّعوا صاحب المقهى وتمنّى لهم سلامة الوصول الى بيوتهم.
في اليوم التالي، اجتمع هؤلاء الاصدقاء في المكان نفسه في مقهى (العروبة) وجلسوا يحتسون الشاي… فسمعوا اطلاقات مدفع هاون وراوا دبابات اتت مزمجرة في ذلك الشارع… بعد ذلك تبعها رجال ملثـّمون مسلّحون ببنادق صغيرة.. وعلت هتافات صاخبة في الشارع المجاور… شغّل صاحب المقهى المذياع فسمعوا البيان الاول للثورة نهض الجميع بفرح وكانوا صاخبين وعانق احدهم الاخر وهو يردّد: -(سبحان الله… ارسل الله المعجزة).
مرّ السيد عبد الحليم بالمقهى وكان يرتدي قميصاً احمر وبنطلوناً ارجوانياًً، سلّم عليهم بفرح جلي، فردّوا عليه التحية بصخب، وقال سالم حميد بانتصار:- (الحمد لله رب العالمين… ها نحن نعيش ثورتين !).