وهو في سابع نومة، وقف عليه رسم غريب لجسد فرعوني من العهد البائد، طويل القامة، قمحي البشرة، برأس طائر له منقار طويل، يُمسك بالقلم، ويرسم على الألواح، ويرتدي الزي المصري القديم.
سأل الحالم الرسم:
ـ من أنت يا هذا؟!
لم ينبس الرسم بكلمة. بدا مندهشا من منظر الحالم وشكله وتوسط قامته وبياض بشرته..
عمّ الصمت، وتملّك الحالمَ الخوف، ثم سمع صوتا ضعيفا، يهمس بشكل خافت من غير أن يظهر مصدره:
ـ هذا هو (تحوت) أو (توت) إله الحكمة، وهو من علّم المصريين القدماء الكتابة والحساب..
التفتَ يمينا وشمالا بحثا عن مصدر الصوت. فجأة وجد الرسم قد اختفى، وحلّق طائر معدني بعيدا في السماء. لا يعلم من أوحى بأنه طائر شبح قادم من الغرب ، يُصدر صوتا مرعبا، يُمزق طبلة الأذن.
بعد ذلك ظهر كائن غريب يلبس ثوبا مثل الغربال.. يكاد يشبهنا نحن بشر القرن الواحد والعشرين.
أخرج عينيه الجاحظتين حتى كادتا تتفرقعان، ثم قال من غير حياء أو خوف:
ـ إن الاله (تحوت) نفخ في أذني، واختارني وسيطا بينه وبين يريد أن يُنشد الكتابة أو الحساب!
سار بضع خطوات، ودخل المعبد، وتبعه قوم أقزام بلا وجوه. أطلقوا البخور، وقدموا القرابين من الجواري وفراخ البط والحمام وأقداح الخمر والمالبورو، ثم رددوا الابتهالات طلبا لبركات خادم (تحوت) المزيف..
بُني المعبد بأعواد من قصب جاف، وفُرش بحصير من ريش الطاووس، وسط سوق خلا في المساء من أهله، ولم يبق يتجول في ساحته غير الكلاب.
ظهر رسم (تحوت) من جديد، لكن بصورة فارس يشد رأسه بعمامة زرقاء، تظلل وجها بلحية خفيفة، يمتطي جوادا بريا، ويحمل مشعلا يضيء الكون. فجأة أضرم نيرانا عاصفة، وأوقف الحصان على قائمتيه الخلفيتين، وبقي يتابع النار، وهي تلتهم المعبد ومن فيه.
صاح الفارس، وصهل الحصان حتى أيقظا الحالم، وهو يقفز من الفراش مذعورا، وثيابه مبللة بالعرق.
مراكش 28 أكتوبر 2024
حاميد اليوسفي
سأل الحالم الرسم:
ـ من أنت يا هذا؟!
لم ينبس الرسم بكلمة. بدا مندهشا من منظر الحالم وشكله وتوسط قامته وبياض بشرته..
عمّ الصمت، وتملّك الحالمَ الخوف، ثم سمع صوتا ضعيفا، يهمس بشكل خافت من غير أن يظهر مصدره:
ـ هذا هو (تحوت) أو (توت) إله الحكمة، وهو من علّم المصريين القدماء الكتابة والحساب..
التفتَ يمينا وشمالا بحثا عن مصدر الصوت. فجأة وجد الرسم قد اختفى، وحلّق طائر معدني بعيدا في السماء. لا يعلم من أوحى بأنه طائر شبح قادم من الغرب ، يُصدر صوتا مرعبا، يُمزق طبلة الأذن.
بعد ذلك ظهر كائن غريب يلبس ثوبا مثل الغربال.. يكاد يشبهنا نحن بشر القرن الواحد والعشرين.
أخرج عينيه الجاحظتين حتى كادتا تتفرقعان، ثم قال من غير حياء أو خوف:
ـ إن الاله (تحوت) نفخ في أذني، واختارني وسيطا بينه وبين يريد أن يُنشد الكتابة أو الحساب!
سار بضع خطوات، ودخل المعبد، وتبعه قوم أقزام بلا وجوه. أطلقوا البخور، وقدموا القرابين من الجواري وفراخ البط والحمام وأقداح الخمر والمالبورو، ثم رددوا الابتهالات طلبا لبركات خادم (تحوت) المزيف..
بُني المعبد بأعواد من قصب جاف، وفُرش بحصير من ريش الطاووس، وسط سوق خلا في المساء من أهله، ولم يبق يتجول في ساحته غير الكلاب.
ظهر رسم (تحوت) من جديد، لكن بصورة فارس يشد رأسه بعمامة زرقاء، تظلل وجها بلحية خفيفة، يمتطي جوادا بريا، ويحمل مشعلا يضيء الكون. فجأة أضرم نيرانا عاصفة، وأوقف الحصان على قائمتيه الخلفيتين، وبقي يتابع النار، وهي تلتهم المعبد ومن فيه.
صاح الفارس، وصهل الحصان حتى أيقظا الحالم، وهو يقفز من الفراش مذعورا، وثيابه مبللة بالعرق.
مراكش 28 أكتوبر 2024
حاميد اليوسفي