رسائل الأدباء : ثلات رسائل بين نقولا زيادة و احمد حسن الزيات ودريني خشبة

26 - 06 - 1944


حضرة الفاضل الأستاذ صاحب مجلة (الرسالة)

أستأذنكم والأستاذ دريني خشبة قول كلمة وضيعة في نقد (رسائل التعليقات للرصافي) للأستاذ دريني خشبة في العددين الأخيرين من المجلة

كان موضوع النقد (وحدة الوجود)، وليس في المقالين تعريف (لوحدة الوجود) ولا اقتباس هذا التعريف عن كتاب الرصافي (إن كان الرصافي قد عرفها)

فعبارة (وحدة الوجود) من غير تعريف مبهمة ولا أعلم كم قارئ من قراء الرسالة فهموا المراد منها. وفيما كنت أقرأ المقال الثالث للأستاذ دريني خشبة كنت أؤمل أن أفهم المراد منها فيما سرده من نظريات فلاسفة اليونان من طاليس إلى أروسطو إلى أفلاطون إلى غيرهم؛ فإذا بوحدة الوجود ازدادت غموضاً بل غابت وراء سحب تلك الفلسفات السفسافية التي يعجز القارئ عن أن يحصل منها معنى معقولاً. وهو معلوم الآن أن نظريات الفلاسفة القدماء في الوجود لا تذكر إلا في تاريخ الفلسفة لكي يعلم المتأخرون ماذا كان تفكير المتقدمين فيها. لأن تلك النظريات سلاسل سخافات كنشوء الكون من (الرطوبة)؟ أو من العدد أو من البخار إلى غير ذلك مما لا تهضمه العقول السليمة

واختلاف الفلاسفة القدماء في شأن الوجود دليل قاطع على أنهم تخبطوا فيه على غير هدى. ولو أصابوا كبد الحقيقة لالتقوا كلهم في مركز الحقيقة وهو واحد، كما أن العلماء العصريين كلما اهتدوا إلى حقيقة علمية التقوا كلهم عندها من غير خلاف كالتقائهم جميعاً عند الجوهر الفرد في الكيمياء وعند كروية الأرض في الجغرافيا وعند (تمركز) الشمس في وسط أفلاك السيارات في الفلك، وعند جميع القوانين الطبيعية المحققة

فإذا كان المراد بوحدة الوجود أن الكون كله من ذرات وأجسام وأجرام نشأ من هيولي واحدة، فهو ما أثبته العلم الحديث ولا يد للفلاسفة القدماء فيه. فقد ثبت للعلم العملي الاختباري التجريبي أن جميع الأجسام والأجرام الأرضية والسماوية مؤلفة من عناصر كيمية متماثلة، وأن العناصر مؤلفة من كهارب (ذريرات متماثلة. وإنما تختلف العناصر بعضها عن بعض بعدد ذريراتها وترتيبها وحركاتها فيها. فالهيولي (أصل المادة) ه الذريرات المتماثلة التي تتألف منها جميع أجزاء الوجود

بهذا المعنى وبه فقط، يعتبر الوجود (وحدة) أي أنه مؤلف من هيولي واحدة لا ثاني لها

ولم ترد وحدة الوجود في فلسفات الفلاسفة المتأخرين إلا نادراً حتى تقابل مع (ثنائية الوجود) والمراد من هذه أن للوجود ضلعين: مادة هيولانية وعقلاً متفاعلين. ولهم في (الثنائية) أبحاث عويصة جداً

وعند أهل العلم، العقل هو كالحياة أحد منتجات تفاعل المادة؛ فهو والحياة والاجتماع وأدب النفس، كل هذه ظاهرات للمادة - الهيولي أصل كل شئ

وما وراء الطبيعة الذي زعمه الفلاسفة وتفلسفوا به كالحرية والجبرية والقدرية والعلة والمعلول الخ ما هو الإنتاج عقلي، والعقل كما قلنا نتاج المادة. فإذن ليس وراء الطبيعة شئ. وما نزعمه (وراء الطبيعة) ونتفلسف به إنما هو ضمن نطاق الطبيعة - طبيعة المادة - الهيولي

الهيول أصل كل شئ، ومنها وحدانية الوجود

وأما مسألة نسبة الله إلى الوجود أو نسبة الوجود إلى الله، فمسألة فقهية لاهوتية لا أتعرض لها بتاتاً.

نقولا الحداد



****


17 - 07 - 1944

1 - إلى الأستاذ الفاضل نقولا الحداد

يؤسفني أيها الأستاذ أن تكون فهمت من كلمتي السابقة شيئاً ما أكنه لك من المحبة الصادقة والإجلال الأكيد. . . فأنت أستاذنا الفاضل، وكاتبنا العالم المحبوب، وذلك مذ كنا تلاميذك الصغار المعجبين بك. . . وتشككك في صدق هذا الاعتراف هو موضع أسفي وألمي. أما ما عنيته، بل كتبته صراحة، من أن الذي كتب عن نظرية وحدة الوجود - تلك النظرية المشئومة - قد كتب من وجهة نظر تكاد تكون إسلامية بحتة، فلا يعني أن تكون احتكاراً لأمة دون أخرى ولا يعني منع أحد من الخوض فيها، وإلا كنا متناقضين مع أنفسنا حينما نفينا ما وهمه الأستاذ الرصافي من نسبتها إلى نبينا الكريم، وحينما استعرضنا آراء الفلاسفة اليونانيين فيها. ونحن نزيد المسألة بياناً فنقرر أن نظرية وحدة الوجود ليست من الإسلام في شئ. بل هي الكفر الصريح في رأي كبار الأئمة المسلمين، أما ما فهمه أستاذنا الفاضل المحبوب من مقالنا عن النظرية في الفلسفة اليونانية، وأنه خرج من المقال بأن اليونانيين عنوا بالوجود أصله المادي لا غير، فهذا كان ولا يزال موضع عجبي، فقد أوردت في المقال إزاء من قالوا بالوجود المادي لا غير. ومن قالوا بوجود أي عقل مدبر حكيم وراء هذا الوجود المادي، وآراء من قالوا بعالم المثل. ثم ألمعت إلى رأي أرسطو في الصورة ورأيه في الله. الخ

على أننا نكرر لأستاذنا الفاضل المحبوب شكرنا ونعرب له عن حسن قصدنا

2 - الدفاع عن وحدة الوجود

كال لنا الأستاذ زكريا كيلاً شديداً دون أن يعرض للنظرية بشيء مقنع؛ فهل يتفضل حضرته فيتناولها في صراحة، وليبدي لنا رأيه فيما ذهب إليه العلامة أبن تيمية بصددها في كتابه الفريد (الحجج النقلية والعقلية فيما ينافي الإسلام من الجهمية والصوفية، كالحلول والاتحاد، ووحدة الوجود، ونفى القدر، أو الاحتجاج به على الرضا بالمعاصي. الخ)، وما تناول به ابن عربي من التكفير والزندقة والإزراء بالرسالة

يا أخي. . . اقصد في دفاعك عن ابن عربي، حتى تفرغ من دراسة هذه القضية، وأسأل الله لك السداد.

دريني


****


* رسالة من دريني خشبة

23 - 10 - 1944

إلى الأستاذ نقولا الحداد

عرضت سؤال السيد على مراجع اللغة العربية - لا على مراجع الدين - فوجدت في مادة (لحد) ألحد بمعنى عَدَل وماري وجادل وترك القصد فيما أمر به وأشرك بالله. ووجدت في (الزنديق) أنه أحد الثنوية أو القائل بالنور والظلمة أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان، أو هو معرب زن دين أي دين المرأة ج زنادقة أو زناديق، وقد تزندق والاسم الزندقة، وعندنا نحن المسلمين أن الذي لا يؤمن بأن الله لا إله إلا هو، وأن الله الذي أرسل موسى هو الذي أرسل عيسى وأرسل محمداً وأرسل الرسل أجمعين بعقيدة التوحيد التي لم تتغير فهو ملحد وزنديق - أما أهل واق الواق والأقزام السبعة فلهم دينهم ولنا دين. وكذلك الذين لا يؤمنون إلا بالمادة الذين يقولون بأن الروح والسمع والبصر والفكر إن هي إلا من التفاعلات الكيميائية. ليعتقدوا ما شاءوا. فإن سألوا مراجع اللغة العربية عما تسميهم به. فقد عرفنا بماذا تجيب. أما حرية الفكر فمصونة بحمد الله الذي نؤمن به إلا أن يقدح أحد في ديننا أو يسفه إيماننا أو يكذب قرآننا بحجة تلك الحرية المفتراة التي هي أسفل دركات الفوضى حينئذ

وتقبل يا سيدي الأستاذ الجليل أزكى تحياتي وأوفى احتراماتي

دريني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى