خمسة.. أربعة.. ثلاثة.. اثنان.. واحد..
مبروك.. لقد ولدت من جديد.
يرتعش جسدي.. تتسارع أنفاسي ونبضي.. ألمس وجهي.. تدمع عيناي بلا سبب.. لا زلت عاجزاً عن البكاء.. ولا صرخة على وشك البداية..
لا ظل لأمي هنا.. فولادتي الثانية كانت بمفردي.. تألمت وحدي حتى خرجت من شرنقتي.. فالألم رحمٌ أوسع واسمٌ من أسماء الأمومة التي لا يسجلها البشر في شهادات ميلادهم..
رسى زورقي فوق سريري.. وأبحرت من أرقي إلى خشبة مسرح.. امتطيت صهوة خوفي.. وسافرت معه عبر شقوق ذاكرتي إلى بقايا انسانيتي.. حادثتها متخفياً تحت جنح الظلام.. طلبتها من هاتفٍ عمومي.. انتظرت طويلاً.. حتى سمعت بكاء طفلٍ من حياتي الأولى.. فوضعت السماعة مذعوراً.. وطلبت منزلي الذي كبرت بين جدرانه.. ليجيبني بكاءُ طفلٍ آخر.. وضعت السماعة وطلبت الرقم الوحيد الذي أعرفه.. اهتز شيءٌ ما.. وضعت يدي في جيبي.. وجدت رقماً غريباً.. أجبت من حياتي الجديدة نداء حياتي الأولى فسمعت الكثير من الأطفال يبكون.. لا أدري لماذا بكيت وبكيت.. حتى سبحت داخل دموعي وخرجت من رحلتي مبتلاً وفي يدي سماعةٌ مبتورة الذيل.. ثيابي تتمدد على حبالٍ من الوهم.. تنتظر شمساً تضمها إلى صدرها وتحلم برسامٍ يراقصها بريشته ويطير بها إلى جنةٍ ملونة..
المرايا شقيقاتٌ للنوافذ.. لكلٍ منهما أعينُ في اتجاهٍ يعاكس الآخر.. وحكاياتٌ بلا لسانٍ أو قلم.. تفيض منها النظرات.. كتلك المعلقة على جدران المصورين.. ترقد بسلامٍ في الوجدان.. كصناديقٍ يكسوها الغبار في عليةٍ مهجورة.. تشبه الرغبات المحتضرة في صدور أصحابها.. البذور التي أبت فراق تربتها.. وطعم المرارة في قلب كل وحيد.. شاهدةٌ صامتة.. لا تبوح بسرها لأحد.. لا تشتاق لأحد.. ولم تعانق يوماً سوى الساعات.. وهي من رأى الخناجر في كل ظهر.. وشهد على الخيانات واحدةً تلو الأخرى.. بين وجوهٍ تختبأ خلف وجوهٍ لا تسميها أقنعةً.. ونصوصٍ مكتوبة (تسميها) أدواراً.. تصارع حرمانها باصطياد ومضاتٍ من الأمس.. تؤكد به حياةً لا تعرف إن عاشتها.. لكنها مرت بها.. من خلالها.. وغادرتها دون أن تودعها.. فباغتتها بولادةٍ جديدة.. عرفت معها الندم كما لم تعرفه من قبل..
تلك الجدران التي حالت بيننا وبين أحلامنا.. هرمت كما هرمنا.. لكنها استطاعت أن تبكي، أن تنبض، أن تذوب كلما امتدت يد الليل إليها.. تتحسس ملامحها.. تجاعيدها.. ندباتها التي باتت جزءًا منها تماماً كغربتها.. وكوطننا الذي نراه مصلوباً بمسامير من الصمت.. الجمهور يتفرج.. خشبة المسرح تنزف.. وأنا أجتهد في التحليق بلا أجنحة.. أحاول أن أهرب به إلى عالمٍ آمن ٍ لا يصل إليه أحد.. الإنسان في غيبوبة.. أوراق الصحف تتطاير.. الحقيقة متجذرة رغم افتعال الضباب.. الشوارع تكتسي بشعرٍ سقط من أصحابه في لحظة هلع.. حلقات النار تطوق الأمل.. الطفولة تحتضر في أعينٍ مقهورة.. والقصائد لم تعد تواسي حتى من كتبها.. وبين عالمين.. هناك جدار.. وفي الجدار ثقوبٌ كثيرة.. ينظر منها الكل إلى الكل.. يتوجس خيفةً من الآخر.. يبحث عن نورٍ يتسلل إليه.. عن صوتٍ يطمأنه.. لقد انتهى الكابوس..
#خالد_جهاد
مبروك.. لقد ولدت من جديد.
يرتعش جسدي.. تتسارع أنفاسي ونبضي.. ألمس وجهي.. تدمع عيناي بلا سبب.. لا زلت عاجزاً عن البكاء.. ولا صرخة على وشك البداية..
لا ظل لأمي هنا.. فولادتي الثانية كانت بمفردي.. تألمت وحدي حتى خرجت من شرنقتي.. فالألم رحمٌ أوسع واسمٌ من أسماء الأمومة التي لا يسجلها البشر في شهادات ميلادهم..
رسى زورقي فوق سريري.. وأبحرت من أرقي إلى خشبة مسرح.. امتطيت صهوة خوفي.. وسافرت معه عبر شقوق ذاكرتي إلى بقايا انسانيتي.. حادثتها متخفياً تحت جنح الظلام.. طلبتها من هاتفٍ عمومي.. انتظرت طويلاً.. حتى سمعت بكاء طفلٍ من حياتي الأولى.. فوضعت السماعة مذعوراً.. وطلبت منزلي الذي كبرت بين جدرانه.. ليجيبني بكاءُ طفلٍ آخر.. وضعت السماعة وطلبت الرقم الوحيد الذي أعرفه.. اهتز شيءٌ ما.. وضعت يدي في جيبي.. وجدت رقماً غريباً.. أجبت من حياتي الجديدة نداء حياتي الأولى فسمعت الكثير من الأطفال يبكون.. لا أدري لماذا بكيت وبكيت.. حتى سبحت داخل دموعي وخرجت من رحلتي مبتلاً وفي يدي سماعةٌ مبتورة الذيل.. ثيابي تتمدد على حبالٍ من الوهم.. تنتظر شمساً تضمها إلى صدرها وتحلم برسامٍ يراقصها بريشته ويطير بها إلى جنةٍ ملونة..
المرايا شقيقاتٌ للنوافذ.. لكلٍ منهما أعينُ في اتجاهٍ يعاكس الآخر.. وحكاياتٌ بلا لسانٍ أو قلم.. تفيض منها النظرات.. كتلك المعلقة على جدران المصورين.. ترقد بسلامٍ في الوجدان.. كصناديقٍ يكسوها الغبار في عليةٍ مهجورة.. تشبه الرغبات المحتضرة في صدور أصحابها.. البذور التي أبت فراق تربتها.. وطعم المرارة في قلب كل وحيد.. شاهدةٌ صامتة.. لا تبوح بسرها لأحد.. لا تشتاق لأحد.. ولم تعانق يوماً سوى الساعات.. وهي من رأى الخناجر في كل ظهر.. وشهد على الخيانات واحدةً تلو الأخرى.. بين وجوهٍ تختبأ خلف وجوهٍ لا تسميها أقنعةً.. ونصوصٍ مكتوبة (تسميها) أدواراً.. تصارع حرمانها باصطياد ومضاتٍ من الأمس.. تؤكد به حياةً لا تعرف إن عاشتها.. لكنها مرت بها.. من خلالها.. وغادرتها دون أن تودعها.. فباغتتها بولادةٍ جديدة.. عرفت معها الندم كما لم تعرفه من قبل..
تلك الجدران التي حالت بيننا وبين أحلامنا.. هرمت كما هرمنا.. لكنها استطاعت أن تبكي، أن تنبض، أن تذوب كلما امتدت يد الليل إليها.. تتحسس ملامحها.. تجاعيدها.. ندباتها التي باتت جزءًا منها تماماً كغربتها.. وكوطننا الذي نراه مصلوباً بمسامير من الصمت.. الجمهور يتفرج.. خشبة المسرح تنزف.. وأنا أجتهد في التحليق بلا أجنحة.. أحاول أن أهرب به إلى عالمٍ آمن ٍ لا يصل إليه أحد.. الإنسان في غيبوبة.. أوراق الصحف تتطاير.. الحقيقة متجذرة رغم افتعال الضباب.. الشوارع تكتسي بشعرٍ سقط من أصحابه في لحظة هلع.. حلقات النار تطوق الأمل.. الطفولة تحتضر في أعينٍ مقهورة.. والقصائد لم تعد تواسي حتى من كتبها.. وبين عالمين.. هناك جدار.. وفي الجدار ثقوبٌ كثيرة.. ينظر منها الكل إلى الكل.. يتوجس خيفةً من الآخر.. يبحث عن نورٍ يتسلل إليه.. عن صوتٍ يطمأنه.. لقد انتهى الكابوس..
#خالد_جهاد