أ. د. عادل الأسطة - الحبيب السايح روائيا "ملف" (1-8)

1- جورج حبش وياسر عرفات و" ما رواه الرئيس " :

تذكرت أمس قصة الدكتور جورج حبش والرئيس ياسر عرفات .
كنت أسير وصديق وأتيت على رواية الكاتب الجزائري الحبيب السايح " ما رواه الرئيس " ( ٢٠٢١) .
يروي الرئيس في الرواية قصص كثيرين ممن كانت له صلة بهم ؛ رجالا ونساء ، ويتحدث عن جشع كثيرين وكيف كونوا ثروتهم . كيف كانوا وكيف صاروا وكيف تصرفوا حتى حققوا ما حققوا وكيف سهل لهم أحيانا كثيرة أمورهم ، فلم يكن مبرئا.
في كتابه " الثوريون لا ينهزمون أبدا " يروي الدكتور جورج حبش أنه في الحرب الأهلية اللبنانية طلب من الرئيس عرفات خمسين ألف دولار ثمن شقة لأسرة رفيق من رفاقه استشهد ، فأعطاه الرئيس مائة ألف دولار ، فأخذ منها الخمسين ألف دولار وأعاد الخمسين ألف الأخرى ، إذ اعتبرها ضربا من الرشوة غالبا ما مارسها عرفات مع كثيرين ليقفوا إلى جانب مواقفه ، وثمة حكايات كثيرة تروى عن لجوء الرئيس إلى هذا السلوك من المقربين منه ، حتى إذا ما احتج الممنوح يوما على موقف للرئيس انتهز الفرصة ليذكره بما أعطاه.
مثلا مرة طلب كاتب مبلغا من الرئيس ليكمل بنايته ، فأعطاه شيكا بمبلغ ستين ألف دينار ، ولم يكن الكاتب يريد أكثر من عشرة آلاف دينار ، فلما رأى المبلغ المرقوم على الشيك أراد أن يعيده ، لأنه استكثر المبلغ ، ثم خجل فأخذه . مرة احتج الكاتب ، في اجتماع مع الرئيس ، على موقف سياسي له ، فما كان من الرئيس إلا أن سأله :
- إلا قل لي : أخبار الفيللا إيه ؟
فصمت الكاتب .
صديقنا القاص أكرم هنية في قصته " وقائع موت المواطنة منى . ل " حور في المثل الشعبي " اطعم الفم تستحي العين " فأورده كالآتي " اطعم الفم تستحي الايديولوجيا " .
من سيكتب رواية الرئيس المرحوم ياسر عرفات وتصرفاته مع المقربين منه ، فما يروى عنه كثير .

صباح الخير

خربشات عادل الاسطة
١٧ شباط ٢٠٢٢

***

2- " ما رواه الرئيس " للحبيب السايح

" ما رواه الرئيس " عنوان رواية للكاتب الجزائري الحبيب السايح صدرت في العام ٢٠٢١ ، والرئيس هنا ليس رئيس الدولة الذي يشار إليه ب " الزعيم " إلا في صفحات الرواية الأخيرة .
ماذا روى الرئيس في جلساته مع الأستاذ الجامعي معين الذي سنعرف في نهاية الرواية أن زوجته فضيلة هي ابنة الرئيس ؟
يروي الرئيس وهو في الثمانين من عمره على الأستاذ معين قصة حياته منذ طفولته فالتحاقه بالمقاومة الجزائرية وسجنه لأنه وقف ضد الانقلاب الذي قام به الرئيس هواري بومدين على الرئيس أحمد بن بللا ، وخروجه من السجن ووقوفه إلى جانب المنقلبين وتسلمه مناصب مهمة في الجيش في الدولة .
الرئيس هو من يرسل إلى الأستاذ معين ، بخلاف ما نقرؤه في رواية الكاتب الفلسطيني أفنان القاسم " أربعون يوما في انتظار الرئيس " حيث أفنان القاسم هو من يسعى لمقابلة الرئيس .
يروي الرئيس صالح الزغيبي على الأستاذ معين كما تروي شهرزاد في " ألف ليلة وليلة " ؛ يروي في جلسات / حصص أشياء طريفة عن الجزائر وحراك شباط ٢٠١٩ .
أتمنى أن يكتب فلسطيني قريب من الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات أو من الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس رواية يسرد لنا فيها نظرته إلى كثيرين من معاونيه والمقربين منه ، فأنا ، وأنا أقرأ رواية الحبيب السايح ، تذكرت حكايات كثيرة رويت عن نظرة ياسر عرفات إلى كثيرين ممن كانوا مقربين منه .
في رواية زياد عبد الفتاح " الرتنو "(٢٠١٨ ) قرأنا صفحات عن الرئيس محمود عباس وطريقة تصرفه مع شخصيات فلسطينية شاركت سابقا في النضال الفلسطيني ثم صارت على الهامش .
بقي أن أشير إلى رواية يحيى يخلف " تلك الليلة الطويلة " عن سقوط طائرة الرئيس السابق ياسر عرفات في الصحراء الليبية وهي رواية توثيقية للحدث .
رواية الحبيب السايح رواية ممتعة قراءتها تستحق .

عادل الاسطة
Al Habib Sayah

صباح الخير

خربشات
١٢ شباط ٢٠٢٢

***

3- أصوات روائية جزائرية وفلسطينية متشابهة في مآل الثورتين ؛ الجزائرية والفلسطينية

قرأت في الأشهر الثلاثة الأخيرة روايتين ؛ جزائرية وفلسطينية ، صورتا واقع الثورتين ؛ الجزائرية والفلسطينية ومآلهما ومآل رموز كثيرين من المشاركين فيهما .
أسفرت الثورة الجزائرية عن تحرير الجزائر من الاستعمار ، وأكثر ما حققته الثورة الفلسطينية حكم شبه ذاتي تحت الاحتلال الإسرائيلي وانسحاب إسرائيلي من قطاع غزة فقط .
الرواية الجزائرية هي " ما رواه الرئيس " للكاتب الحبيب السايح ، والرواية الفلسطينية هي للكاتبة عفاف خلف .
في ٧٠ القرن ٢٠ كنت قرأت للطاهر وطار مجموعة " الشهداء يعودون هذا الأسبوع " القصصية ورواية " الزلزال " ، وفي ٩٠ القرن ٢٠ قرأت " ذاكرة الجسد " لأحلام مستغانمي ، ورواية بشير المفتي " دمية النار "
قسم من الثوار استلموا مناصب وصاروا موظفين وعن انتهازيتهم حدث ولا حرج .
لعلني الأحد القادم أقارب في مقالي لجريدة الأيام الفلسطينية رواية الحبيب السايح " ما رواه الرئيس " . إنها رواية تأتي على أزمنة عديدة ؛ زمن استعمار الجزائر وزمن الاستقلال وزمن الحراك الجزائري ضد الحكم في شباط ٢٠١٩ .
عن سوء استغلال ثروات البلاد والفساد والخراب في الجزائر حدث ولا حرج .
" ارحل " يرفع الجزائريون الشعار مخاطبين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي كان ذا دور فاعل في زمن حكم الرئيس هواري بومدين .

صباح الخير
خربشات
١٤ شباط ٢٠٢٢

***

4- قراءات في روايات عربية: "نزلاء الحراش" : سجون المستعمر ... سجون الوطن

ما إن تنتهي من قراءة رواية الحبيب السايح " نزلاء الحراش "(٢٠٢١) حتى تجد نفسك تكرر أسطر مظفر النواب :
" فهذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر / سجون متلاصقة سجان يمسك سجان "
وقوله:
" خشيت أقول له : قاومت الاستعمار فشردني وطني " ، وستتذكر أيضا قراءاتك أدب السجون في العالم العربي ، وإن كنت قرأت التركي عزيز نيسين فستتذكره أيضا .
في العام ١٩٩١ تقدمت لامتحان الدكتوراه في جامعة ( بامبرغ ) ، واخترت موضوع " أدب السجن " مادة من مواد الامتحان ، وكان علي أن أقرأ كتاب سمر الفيصل " السجن السياسي في الرواية العربية " ورواية منيف " شرق المتوسط " مرجعين أعتمد عليهما ، ولاحظت أن الفيصل كتب قسما عن سحن الاستعمار السياسي وثانيا عن سجن الاستقلال السياسي ، وأما منيف فقد كتب عن سجن النظام العربي في زمن الاستقلال .
ولسوف أتابع موضوع السجن من خلال النصوص أو الدراسات التي أنجزت عنه ، وقد كثرت ، ومن خلال ما تقدمه الفضائيات العربية عن تجارب السجناء يروونها بأنفسهم .
في العام ( ٢٠٠٧ ) قرأت رواية عزيز نيسين " سرنامة : وقائع احتفال رسمي " ( ١٩٧٣ ) فأذهلني ما كتبه فيها عن عالم السجن المرعب متناولا قسم مرتكبي الجنح الأخلاقية وقسم السجناء السياسيين وموضحا الاختلاف بينهما ، ولا أظن أنني قرأت رواية عربية وصفت قسوة السجن وبؤس الحياة فيه كما قرأتها فيها . لقد تذكرتها وأنا أقرأ رواية الحبيب السايح " نزلاء الحراش " ( ٢٠٢١ ) التي فيها كتابة عن سجناء مجرمين وسجناء سياسيين أيضا وما يحدث بينهم من قتل واغتصاب وفتوات واعتداءات وما يجري على ألسنتهم من بذاءات . وليست رواية نيسين الوحيدة التي تذكرتها ، فقد تذكرت رواية أسامة العيسة " المسكوبية " ( ٢٠١٠ ) وقصة أكرم هنية" كان ذلك قبيل موتنا " من مجموعة " دروب جميلة "(٢٠٠٧) ، وما ذكرني بهما هو كتابة السايح عن تاريخ سجن الحراش منذ أسس في زمن الاستعمار وبقائه سجنا في زمن الاستقلال إلى أيامنا " . التأريخ للسجن منذ نشأته نقرأ عنه في رواية العيسة وتغير السجان من سجان غاز إلى سجان وطني نقرأ عنه في قصة هنية ، وإن قدم الأمر على أنه ليس كما يتخيله السجين وإنما هو من باب الحرص عليه ، وفي القصة يستشهدان معا .
سجن الحراش سجن أقامه الفرنسيون " ومر به مناضلون وطنيون أشداء في الأربعينيات والخمسينيات وفي ما بعد الاستقلال وفي التسعينيات وقبل الحراك وخلاله اليوم . ولكني لم أتوقع قط أن يأمر بوضعي فيه من كنت رفيقا له في السلاح "(١٥٤) يقول منصور الشملول المجاهد القديم المعروف بسي الخضر الذي قبع في الزنزانة ٥٤ التي قبع فيها قبل ٨٣ عاما أيقونات حرب التحرير . ويضيف ابنه الحسين الذي ثأر لمقتل أخيه محمود ، فزج به فيه وكاد يغتصب من سجين شاذ ، مخاطبا أخاه الصحفي فيصل :
" ولكني لا أحب لك أن تسمع صراخ السجناء الأقل مقاومة ممن يطالهم الاغتصاب من الذين هم أقوى منهم. إنهم أخطر المجرمين والقتلة ، ولا أن تصلك همهمات المهووسين بالعادة السرية وتحرقاتهم . الليالي في سجن الحراش تتحول إلى حشر قيامة بحلول ساعة النوم . جهنم أرحم . في جحيم إلهنا أنت لا تغتصب ، ولا تجبر تحت التهديد بالقتل على استعمال فمك لتلبية حاجة أحد الشواذ . في السجن الكل يتحول إلى مهووس أو شاذ، بشكل أو بآخر " (١٢٧) .
السجن الذي بناه المستعمر لم يغد متحفا أو مشفى . لقد بقي سجنا .
مكون عنوان الرواية هو مكون شخصي ومكاني معا ، فالنزلاء هم الشخوص الذين زج بهم والحراش هو المكان الذي زجوا به . النزلاء متغيرون في الزمان ، والمكان هو نفسه في الأزمنة المتغيرة ؛ زمن الاستعمار وزمن الاستقلال .
في زمن الاستعمار زج الفرنسيون في السجن بالمقاومين ، وفي زمن الاستقلال زج به بعض من كانوا أمس إخوة ورفاق درب من اختلفوا مع نهجهم ، وفي فترات لاحقة زج به مرتكبو الجنح الأخلاقية ، وفي حراك شباط ٢٠١٩ زج به النشيطون ، ورئيسا وزراء ووزراء ورجال أعمال ومقاولون اتهموا بالفساد والرشوة ونهب المال العام ، وهو ما يقوله عموما عنوان الفصل الثالث " نزلاء بمقام شخصيات فوق العادة " ويفصله الفصل الرابع " ما يشبه باروديا " حيث يزج بصمد بويعلي وعبد الرازق كلال رئيسي وزراء في الحراش كنزيلين فوق العادة ، وبالعودة إلى ما شهدته الجزائر في حراك ٢٠١٩ فقد تم بالفعل الزج برئيسي الوزراء أحمد أويحيى وعبد المالك سلال بالسجن وتمت محاكمتهما بتهمة الفساد .
في صفحة ١٥٨ يرد التساؤل الآتي :
" كيف لم يرمم هذا السجن ، الشاهد على عار استعماري شنيع ارتكب بحق إنسان هذه الأرض ، ولم يحول إلى متحف ذاكرة ومركز تاريخي للحركة الوطنية وحرب التحرير بالمجسمات والصور واللوحات ... ؟"
الكتابة تطول والمساحة محدودة .
ملاحظات إضافية لمقالتي في الأيام :
الشخصيتان المحوريتان في الرواية هما الصحفيان فيصل شملول وزميلته في الجامعة والعمل في صحيفة " البرقية " المعارضة ، وكان لهما دور فاعل في الكشف عن الفساد وتغطية الحراك الذي أدى في النهاية إلى الزج بشخصيات كبيرة منها رئيسا وزراء في السجن .
من نزلاء السجن أيضا قتلة الأساتذة الجامعيين في العشرية السوداء في الجزائر - ١٩٩٠ إلى ٢٠٠٠ - ومنهم مومن شتوري الذي يغتصب من الشواذ في السجن ويسمى " عطوية " فيصبح يتحدث بصوت مخنث وينعت في السجن أنه " نقش " ( ٢٠٠) . لقد سيطر عليه سجين مدعو فيكا تحت التهديد بقتله خنقا إن هو لم يمتثل له ، فاتخذه من يومها حريما ( ٢٠٥ ) ويعترف مومن بأنه لولا ظروف السجن لكان شخصا عاديا .
من رواد سجن الحراش قتلة ومجرمون ومنحرفون ، وهو ما تجسده الفقرة الآتية :
" "هذا له عندي ما يكفي من الفازلين " ، قال الروجي المحكوم عليه للإخلال بالحياء وتعاطي الشذوذ .
" وهذا سأكلفه بمسح حذائي الإيطالي " ، قال الموشوم المحكوم عليه للسرقة الموصوفة واستعمال السلاح .
" أما هذا فأعطيه رضاعتي " ، قال قاتل أمه .
" أنا أعرف هذا شخصيا . اتركوه لي !" ، قال المحكوم عليه للزنى بالمحصنة "(١٦٨) .
سيضاف إلى نزلاء الحراش نزلاء جدد :
" يا سعدنا ! الحراش سيتحول إلى ناد للأثرياء !"(١٧٢)
وهؤلاء هم رئيسا حكومة ووزراء سابقين وجنرال ورئيس الحزب الحاكم ومقاولين وأرباب عمل وأصحاب مصانع تركيب السيارات . وهنا نقرأ كتابة ساخرة جدا عن ثروة هؤلاء :
"- ليس أقل من خمسة ملايير دولار .
- وكلها من الخزينة العمومية !
- ومن ورثه منهم أبوه أو أمه دينارا واحدا .
- هل يمكن استرجاعها ؟
- أذهب أنت واسترجع من بناتهم وأبنائهم واقربائهم وأصدقائهم العقارات التي اشتروها في أوروبا . وأعد إلى الخزينة العمومية أرصدتهم من البنوك التي تسمح بلدانها بإنشاء شركات أو قشور ." (١٨٥) .
وأعتقد أن هناك الكثير مما يمكن كتابته عن هذه الرواية .
الخميس والجمعة والسبت ٢٤ و٢٥ و٢٦ شباط ٢٠٢٢

**

5- "أنا وحاييم": رواية جزائرية عن يهود الجزائر

"أنا وحاييم" رواية للكاتب الجزائري الحبيب السائح وهو من مواليد العام ١٩٥١ ، وقد صدرت في العام ٢٠١٨ .
الكاتب ليس معروفا لقراء فلسطين المحتلة ، خلافا لكتاب جزائريين آخرين التفت إلى أعمالهم قراءة وطباعة مثل الطاهر وطار وأحلام مستغانمي وواسيني الأعرج الذين صارت أسماؤهم جزءا من مشهدنا الثقافي ، وبدرجة أقل منهم الكتاب الجزائريون الذين كتبوا بالفرنسية مثل كاتب ياسين " نجمة " ومحمد ديب " ثلاثية البيت الكبير والحريق والنول " وآخرون كتبوا بالعربية مثل فضيلة الفاروق " اكتشاف الشهوة " وعبد الحميد بن هدوقة " ريح الجنوب " وبعض من رشحوا لجائزة البوكر مثل بشير مفتي " دمية النار ".
بعض الروائيين تعاطفوا مع الفلسطينيين وأبرزوا لهم صورة إيجابية مثل مستغانمي في ثلاثيتها " ذاكرة الجسد وفوضى الحواس وعابر سرير " ، ووطار في " تجربة عن العشق " والأعرج في " سوناتا لأشباح القدس " .
وقسم منهم كتب عن يهود الجزائر مثل وطار في " الزلزال " والأعرج في " سوناتا لأشباح القدس " و" البيت الأندلسي " وأمين الزاوي / ياسمين خضرة في " اليهودي الأخير من تمنطيط " وأعمال أخرى .
لم أقرأ أعمال الحبيب السائح كلها لأعرف إن كان كتب عن الفلسطينيين أو عن اليهود ، وروايته هذه " أنا وحاييم " هي العمل الوحيد الذي قرأته له وقرأت عنه مراجعات عديدة وملخصات كثيرة لأبحاث ستتناول صورة اليهود فيه ، ففي حزيران ٢٠٢١ سيعقد مؤتمر ، أعد له الدكتور الفلسطيني حسين المناصرة ، عنوانه " تمثيلات الشخصية اليهودية في الرواية العربية " وسيشارك فيه أكثر من ثمانين باحثا وباحثة ، حظيت رواية " أنا وحاييم " بنصيب كبير منها ، والرواية وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة الروايةالعربية " بوكر " وحصلت على جائزة كتارا للرواية العربية .
تقع " أنا وحاييم " في ٣٣٣ صفحة ، وأنجزها كاتبها في آذار ٢٠١٨ ، ويعود زمنها الروائي إلى منتصف القرن ٢٠ - ثلاثة عقود منه تنتهي باستقلال الجزائر وانقلاب المرحوم هواري بومدين على الرئيس الأول للجزائر أحمد بن بللا . وترصد علاقة أنا السارد أرسلان بصديق طفولته حاييم بنميمون حتى وفاة الأخير بالسرطان في النصف الثاني من ٦٠ القرن ٢٠ .
كما هو واضح فإن الزمن الكتابي يبتعد حوالي خمسين عاما عن الزمن الروائي ، وإذا كان الكاتب من مواليد ١٩٥١ ، فهذا يعني أنه كان ، وهو طفل ، شاهدا على أحداث الزمن الروائي . لقد كان عمره أيام انقلاب بومدين - اللحظة التي انتهت أحداث الرواية عنده - خمسة عشر عاما ، وبذلك يكون شهد سنوات الاستقلال وسنوات انطلاق الثورة في ١٩٥٤ .
يهدي السائح روايته " إلى وليام سبورتيس William Sportisse مواطني الذي عرفته في " جنان الزيتون Ie camp des Olivier's " " ، ويعرف المرء عن الأخير من مقال نشرته سلمى قويدر في ١٨ /١٢/ ٢٠١٩ تحت عنوان " ويليام سبورتس .. جزائري يهودي مناهض للاستعمار والصهيونية والاستبداد " ( تويتر/ الترا جزائر ) . في مقال سلمى نقرأ عن حياته قراءة تقودنا إلى الإجابة عن أسئلة تتبادر إلى ذهننا ونحن نقرأ رواية يفارق زمنها الكتابي زمنها الروائي .
أول سؤال خطر ببالي وأنا أقرأ الرواية سؤال ينسحب على هذه الرواية وروايات أخرى كثيرة كتبت في العقدين الأخيرين أبرز فيها كتابها صورة إيجابية لليهود ولم يلتفتوا الالتفات نفسه إلى الفلسطيني والفلسطينيين ، وترافق هذا مع بداية موجة تطبيع عربية مع الدولة العبرية ، وغالبا ما كانت مخيلة الفلسطيني تذهب مذاهب شتى تنال من الكتاب .
في التوقف أمام الإهداء والقراءة عن ( سبورتيس ) يعثر المرء على سبب آخر للكتابة المتأخرة ، وهو أن ( سبورتيس ) يهودي وطني جزائري شيوعي من أسرة فقيرة مناضلة ضد النازية ، وأنه كتب رسالة إلى الرئيس هواري بومدين بعد الانقلاب على الرئيس أحمد بن بللا ، وظلت هذه الرسالة حبيسة الأدراج ولم يفرج عنها إلا في العام ٢٠١٢ . ويقرأ المرء عن معاناة (سبورتيس ) وسجنه وتركه الجزائر وعدم هجرته إلى إسرائيل ، بل ومشاركته في حرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي ، وهذا كله أوحى للكاتب بشخصية حاييم في روايته ، فالتطابق بين ( سبوريتس ) وحاييم في المواقف تطابق كبير ، وإن اختلفت التفاصيل الجزئية ، وحاييم أيضا من أسرة فقيرة ، وكان يسهم من خلال صيدليته بمساعدة الثوار الجزائريين ويمدهم بالأدوية ، بل إنه خبأ قسما منهم وعالجه ، معرضا حياته للخطر ، وهو لم يعتبر نفسه يوما فرنسيا ، ومثله والدته التي ظلت مثله لا تشعر بأنها فرنسية " وأنا طفل كنت لا أجد لها شبها يقربها من نساء الأقدام السوداء والأوروبيات.
مات حاييم في العام ١٩٦٧ ولم يقترن بصديقته جولدا الصهيونية التي حثته على الهجرة إلى فلسطين وتخلى عنها ، أما ( سبورتيس ) فقد امتد به العمر وما زال يعيش في فرنسا مع زوجته التي ناضلت معه .
وعموما فإن السائح لا يشيطن اليهود كلهم . إنه يميز بين يهودي شيوعي وآخر صهيوني ، ويقدم شخصية يهودية جزائرية وطنية ناضلت ضد الاستعمار تعرضت في زمن الاستقلال إلى التضييق عليها من التيار الإسلامي الذي رمى إلى أسلمة الجزائر .
ما سبق لا يعني أن اليهود كلهم بدوا في الرواية على شاكلته ، فثمة يهود كانوا يقفون إلى جانب الإدارة الاستعمارية ويؤيدون كل فعل عقابي منها بحق الأهالي عند تسليط الضرائب والغرامات عليهم ، التجار الصغار منهم والحرفيين خاصة .
بقيت نقطة أود لفت النظر إليها .
في أدبيات عصر التنوير في أوروبا أخذ الكتاب يرسمون صورة إيجابية لليهود مغايرة للصورة التقليدية لهم ، ولكن الصورة التقليدية لم تختف من الكتابات الجديدة التي انبثقت من فلسفة عصر التنوير ، وأعتقد أن هذا يبرز أيضا في كتابات الكتاب العرب الذين يبرزون لليهود صورة إيجابية ، فاليهودي التقليدي المرابي والمكار والخبيث ومحب المال يحضر في رواياتهم ، وهو ما يظهر في " أنا وحاييم " فلو تتبعنا ما كتب عن اليهود كمجموع وكأفراد فإننا نقرأ عنهم ما قرأناه في أعمال أدبية شيطنتهم ، من ذلك مثلا الآتي :
- اليهودي المرابي سمير مردوخ ، فهذا اليهودي لا يهمه إلا المال :
" لم يشفع لوالدي عند مردوخ أنه من ملته ودينه لما تجاوز الأجل المحدد لتخليص رهن مجوهرات والدتي من أجل مصاريف تسجيلي في الجامعة !"
ويبلغ الأمر بحاييم أن بلغت به الرغبة في أن يمسك مردوخ من لحيته التي تشبه لحية تيس ويسحبه من فوق النضد ويسقطه أرضا عند قدميه ثم يجره إلى الرصيف ويعود فيأخذ الولاعة ويشعل النار في محتويات المكتب البائس .
- اليهودي المحتكر والمستغل ، فإنتاج القمح كانت سوقه بيد عائلتين يهوديتين قدمتا من إيطاليا واستقرتا في مدينة الجزائر " يلقبان بملكي الجزائر ، كما أخبرني الوالد يوما وهو يحدثني عن تاريخ العائلات اليهودية المهاجرة
- بكري كوهين وبوشناق نفطالي " وهؤلاء اليهود هم من غادروا الجزائر مع الفرنسيين حين تركها الأخيرون مهزومين .
اليهودي المتعالي الذي يحتقر الآخرين وينظر إليهم على أنهم حثالات ، ويتجسد هؤلاء في جولدا رفائيل صديقة حاييم التي كثفت من اتصالاتها بيهود المدينة لدفعهم إلى الهجرة " وكان تعجلها إقناع حاييم بحسم مسألة مغادرته إلى فلسطين قد تحول عندها إلى هوس .
كانت جولدا هذه إحدى أشد خيبات حاييم وأقساها ، وكانت تخاطبه إذ يرفض الانصياع لها بالآتي :
" أنتم معشر التوشافيم الأهالي ما أجبنكم ! أنتم عار اليهود في هذا البلد !"
و
" كيف ليهودي مثلك أن يرهن شرفه ودينه وحياته لهؤلاء الحثالات ، وفوق ذلك أن يتواطأ مع قتلهم من الفلاكة!" - تقصد من المقاومين الجزائريين الذين تعاطف حاييم معهم وساعدهم .
و
" ابق أنت ومن معك من التوشافيم !
وهنا يرد عليها :
"- لأنكم اشكيناز فأنتم تعتقدون أنفسكم مثل الأوروبيين! فقط لأنكم لبستم لباسهم وتعودتم عاداتهم !" .
- المكر والميل إلى الفكاهة :
يتشابه حاييم مع اليهود التقليديين في أمرين هما الميل إلى الفكاهة والمزاح والمكر . إنه على الرغم من الصفات الإيجابية كلها وعلى الرغم من أنه جزائري وطني يقف إلى جانب استقلال الجزائر ويدعو إلى العدالة الاجتماعية ويتبرع للثورة بسخاء ويبدو صديقا حميما ، إلا أنه أحيانا لا يخلو من مكر غالبا ما ينعت المسلمون اليهود به " فطمأني ، بمكره ، على أننا كذلك " .
********************************
يمكن اقتباس الفقرات الآتية من صفحتي ١٨٧و١٨٨ لمعرفة الصفات التي يتمتع بها حاييم :
" حاييم كان يعرف أنه لن يحرجني - وذلك لصداقتنا التي ضرب عليها سور مودة يمنع كل تشويش على حميميتها ... "
" لبرهة تخيلت حاييم في قبضة جلاديه بجسده غير الصلب كيف يكون انكساره مؤلما لأول ضربة يتلقاها . كنت أعرفه أكثر مما كان لأي أحد غيري أن يعرفه ؛ لا سي فراجي ولا الضابط زياد ؛ فهو الآخر سألني عنه ليطمئن علي منه فأجبته بأنه أوثق مما يتصوره " .
" تعرف يا أرسلان ؟ كل يوم ازداد شعورا بأن مكاني يجب أن يكون إلى جانبك . أحمل السلاح مثلك من أجل شعب يستحق الحياة !"
" فهو لم يزايد يوما في شيء .يتحفظ ويزن كلماته وتلك كانت رغبته في أن يكون إلى جانبي في الجبل . قال لي مرة ، مثل حكيم ، إن الكلمة التي لا تشعر بثقلها على لسانك ابتلعها لأنها لا تستحق أن تخرج " .
وهكذا يبدو حاييم انسانا وطنيا وصديقا ومحل ثقة ومضحيا بنفسه من أجل بلده الجزائر ، لا يزايد ولا يقوم إلا بواجبه ، وهذه الصفات الإيجابية نادرا عموما ما كانت تظهر لليهودي في الأدب العربي قديمه وحديثه . إنها عموما الصفات التي عرف بها ( وليم اسبورتيس ) الذي أهديت الرواية إليه ، كما قرأناها في مقال سلمى المذكور .
قبل أشهر اتصل بي اليهودي الفتحاوي الانتماء ( أوري ديفز / ديفيس ) وسألني :
- هل تعرفني ؟
هل تعرفون أوري ديفز / ديفيس عضو المجلس الثوري في حركة فتح الذي نظمه أبوجهاد في العام ١٩٨٤ ؟
إنه يعرف نفسه على أنه يهودي عبري فلسطيني معاد للصهيونية .
وربما يكتب روائي فلسطيني ذات يوم رواية عنوانها " أنا و أوري " . من يدري ؟!
( مقالي ليوم الأحد ٩ أيار ٢٠٢١ لدفاتر الأيام الفلسطينية في جريدة الأيام الفلسطينية متوسعا فيه )
الجمعة والسبت
٧ و ٨ آيار ٢٠٢١


***

6- "ما رواه الرئيس": "هل إن عربت خربت؟"

في العام الأخير، قرأت خمس روايات للحبيب السايح الذي لم أقرأ له من قبل وكتبت عن روايتين منها «أنا وحاييم» و»الموت في وهران».
آخر ما وصلني من رواياته «ما رواه الرئيس» (٢٠٢١) و»نزلاء الحراش» (٢٠٢١)، وفي الأولى يروي الجنرال المتقاعد صالح الزغبي الذي بلغ الثمانين على الأستاذ الجامعي معين العروي - سنعرف في نهاية الرواية أنه زوج ابنة الرئيس الوحيدة فضيلة دون أن يعرف أنها ابنته - يروي عليه قصة حياته منذ كان فتى يافعا؛ يروي عن علاقته غير الطيبة بوالديه وعن التحاقه بالثورة وسجنه في زمن الاستقلال لوقوفه ضد انقلاب هواري بومدين على أحمد بن بللا، وكان يمكن أن ينفق بقية عمره في السجن، بل وكان يمكن أن يعدم لولا صديق له تدخل في القضية وطلب منه التبرؤ من موقفه والوقوف إلى جانب بومدين، فيفعل ويصبح ركنا من أركان النظام الجديد.
يروي الرئيس على الأستاذ ليكتب له مذكراته، فقد وقعا معا عقد شرف مقابل مبلغ من المال. ويغدو الرئيس مثل (شهرزاد) يروي دون خطة محكمة، بل بقدر من التداعيات والانتقال من موضوع إلى آخر فهو «شخص متبدل الأطوار مثل الرئيس المتميز بقدرة عجيبة على التحول السريع من نقطة إلى أخرى، الرئيس الذي يملك طاقة خارقة على جعلك تشعر أنه يتكلم بلسان كأنه لسانك!»، يروي في جلسات - حصص من حصة - قصة حياته وقصة الثورة الجزائرية وما آلت إليه الجزائر منذ استقلالها حتى حراك ٢٠١٩ الذي رفع فيه الجزائريون شعار «العهدة الخامسة لا! ارحل» في وجه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي أراد تجديد عهدته الخامسة وهو في وضع صحي لا يمكنه من الحكم. يروي الرئيس وما يرويه بسبب تأنيب ضميره هو «في جانب منه، شهادة اعتذار لمن أخطأنا بحقهم» (ص ٢٥٣).
ونحن نقرأ الرواية نتوقف أمام دالين «الرئيس» والزعيم» والثاني هو الرجل الأول في الجزائر، وإن نعت في نهاية الرواية بـ»الرئيس» (ص ٢٦٠ و٢٦٢). والحقيقة أنني في القراءة البدئية للعنوان انصرف ذهني إلى أن المقصود بالرئيس رئيس البلاد لا الجنرال، والجنرالات عموما رؤساء ذوو سطوة»، بل أكثر من ذلك فإن الجنرالات الرؤساء هم من يعينون الزعيم/ رئيس البلاد»:
- «الظرف الحالي، كما تقول يا محسن، هو امتداد لأكثر من نصف قرن من اختصاص المؤسسة العسكرية في صناعة كل الرؤساء الذين تداولوا على الحكم» (ص ٢٦٠).
الرئيس الذي يروي يروي الكثير، وهو سليط اللسان بذيئه لديه قدر من السادية والاستعلاء والغطرسة واحتقار الآخرين،
علما بأنه مثقف ثقافة واسعة اكتسبها من تجاربه ومن قراءته، فهو قارئ ممتاز يشعر من يحدثه أنه أكثر ثقافة منه حتى لو كان أستاذا جامعيا متخصصا في الإعلام والاتصال مثل الأستاذ معين نفسه يرى أن كثيرين ممن كانت لهم صلة به «قذرون وأنذال وديوثون ومثليون، من أجل منصب أو إفلات من فضيحة أو طمع في مأرب يرهن الواحد منهم شرفه. أقول لك يا أستاذ، لأني أعرف بعضهم، وبعضهن من عائلات محترمة جدا» (ص ٢٤).
العبارة السابقة عبارة مهمة، إذ تحفل الرواية بشخصيات ثانوية عرفها الرئيس معرفة مباشرة تنطبق على كل واحدة منها صفة من الصفات السابقة، ولقناعته بما قال عن الآخرين وعدم ثقته بهم فقد مر عليه وقت لم يكن يحدث فيه أحد سوى كلبه:
«- كنت لا أجد غير فوكس أبثه شجني مما يسببه لي أولئك الذين يطنون كالذباب حول براز. وكان أشهرهم فريد العكون» (ص ٧٨). وفريد هذا كان القائم على إنشاء صرح الزعيم طرد العمال الذين رفضوا تحويل عشرة بالمائة من أجورهم إلى حسابه الخاص.
مثل فريد هذا الطبيب نذير المحلبي وهو عينة من النخبة. نذير متزوج من ظريفة حرثاني المدعوة كاميليا تعرض نفسها على الرئيس وتراوده عن نفسه بمعرفة زوجها، فلولا الرئيس ما كان لنذير «أن يعين في مستشفى مصطفى باشا» ولا حصلت هي على وظيفتها الحالية. (ص ١٦٠).
ويمكن أن آتي بمثال على كل صفة وردت في عبارة الرئيس لولا أن المساحة المتاحة محدودة.
رواية «ما رواه الرئيس» رواية ممتعة تقرأ بشغف، ولعل ما كتب فيها عن الجزائر ينطبق على دول عربية كثيرة حيث الفساد والرشوة والواسطة والحاكم الوحيد حتى الموت.

***

7- قراءات في روايات عربية
تعريب الجزائر وعبرنة فلسطين "الموت في وهران " و "اخطية"

في الشهرين الأخيرين أنهيت قراءة ثلاث روايات للكاتب الجزائري الحبيب السايح هي " أنا وحاييم " و"تلك المحبة " و " الموت في وهران " ، ولم أكن قرأت له من قبل ، نظرا لأن أعماله لم تتوفر في مكتبات فلسطين ، ونظرا أيضا لأن دور النشر الفلسطينية لم تعد طباعة أعماله ، فقد اقتصرت طباعتها على أعمال الطاهر وطار وأحلام مستغانمي وواسيني الأعرج وفضيلة الفاروق ، وربما أيضا نظرا لعدم قراءة مراجعات لرواياته في صحفنا المحلية ، ولأنه ليس كاتبا جزائريا كلاسيكيا كتب بالفرنسية وترجمت أعماله إلى العربية مثل كاتب ياسين ومالك حداد ومحمد ديب ، والأخيرون عرفناهم من خلال دور نشر عربية ومن خلال تركيز أحلام مستغانمي على تجربتهم في ثلاثيتها " ذاكرة الجسد و فوضى الحواس وعابر سرير " .
أول مراجعة لأحد أعمال الحبيب السايح قرأتها كانت مراجعة واسيني الأعرج لرواية " أنا وحاييم " ، فقد خصها بمقال أتى فيه على كتابة السايح عن يهود الجزائر ومدح صنيعه ، وكان علي أن أقرأ الرواية لاهتمامي بالموضوع .
وأنا أقرأ " الموت في وهران " تذكرت الروايات والقصص الجزائرية التي أتت على حرب التحرير من ١٩٥٤ إلى ١٩٦٢ ، ومنها " الطعنات "و" الشهداء يعودون هذا الأسبوع " و" اللاز " و "الزلزال " لوطار ، و " الدار الكبيرة" و"الحريق" و"النول " لمحمد ديب . إن "الموت في وهران " تستحضر أيضا أجواء حرب التحرير . غير أن ما تذكرته أيضا هو رواية إميل حبيبي " اخطية " .
لا تأتي " اخطية " على تفاصيل حرب ١٩٤٨ ، ولكنها تأتي على تذكر كاتبها مدينة حيفا في زمن العرب وترصد التغيرات التي طرأت على المكان وتهويده من خلال تغيير أسماء شوارع حيفا وتبدل عوالمها ؛ ما كانت عليه وما صارت إليه ، وهذا نلحظه أيضا في رواية الحبيب السايح ، فهو غالبا ما يذكر أسماء الأماكن في زمن الاستقلال ويشير إلى ما كانت عليه في زمن الاستعمار الفرنسي ويأتي على ذكر مواطنين فرنسيين عاشوا في المدينة أيام استعمارها .
عندما كتبت ملاحظة عابرة حول هذا الموضوع عدها الحبيب السايح ملاحظة ظريفة ونبيهة ، وأعتقد أنا أنها قد تشكل مدخلا لكتابة رسالة ماجستير أو دكتوراه في باب التوازي بين التجربتين الجزائرية والفلسطينية والأدبين الجزائري والفلسطيني ، وقد كان هذا موضوعا محببا للفلسطينيين في المناطق المحتلة بعد العام ١٩٦٧ ، وأذكر أنه في العام ١٩٧٧ عقدت في مكتبة بلدية رام الله ندوة لمناقشة رواية " اللاز " ومقارنة التجربة الفلسطينية بالتجربة الجزائرية اتكاء على الرواية ، بل إنني شخصيا أشرفت على رسالة ماجستير عن تأثير الرواية الجزائرية على الرواية الفلسطينية .
ما الذي ذكرني برواية حبيبي المذكورة ؟
في " الموت في وهران " غالبا ما يذكر السايح أسماء أمكنة ؛ شوارع وأحياء ، في الزمنين ؛ زمن الاستعمار وزمن الاستقلال ، وغالبا ما يضعها بين قوسين ، ويبدو الأمر لافتا للنظر منذ الصفحات الأولى :
- كان هو الذي أوصلني أول مرة إلى مدرستي في حي اللوز ( ليزامندبي ، سابقا ) ...
- قبل عام كنت سحبت ذينك اللباسين وطويتهما ووضعت فوقهما التنيسة في كرتون قدمته لحارس المدرسة في ( سان بيارة، سابقا )
- أقمنا في غرفتين منها مطبخ وحمام في الطابق السفلي ، واقعة في حي سيدي الحسني ( صناناس،سابقا ) .
- وغالبا ما كنت كسرت الشارع إلى الأسفل نحو رصيف سوق ( ميشلي ، سابقا ) . .... الخ
ويبدو الأمر جليا واضحا في رواية حبيبي " اخطية " أيضا منذ الصفحات الأولى :
- انتهجت ، إذا، طريق " حيفا الفوقا" . وذلك بعد أن عبرنا " جسر شل " الذي أصبح " جسر باز " ( والبترول واحد ) ، من تحته . فشارع " هجيبوريم " -يعني الأبطال الذين " طردوا " عرب روشيميا من بيوتهم وأكواخهم ، فجسر روشيميا ( من فوقه ) . ثم شارع " هحالوتس ".
- سموا هذا الشارع باسم " هحالوتس " ومعناه " الطليعي " .فلا يجوز لنا، تاريخيا، ترجمته إلى اللغة العربية كما فعل إخواننا اليهود بالعديد من الأسماء العربية العريقة في هذه المدينة، أو بدلوها تبديلا،حتى أصبح شارع الناصرة شارع " إسرائيل بار يهودا " ، وأصبح منبعه - ميدان الملك فيصل- أمام محطة سكة حديد الحجاز - " شارع خطيبات جولاني " ، وهو خط عربي ركيك يقصدون به الاسم العبري " حتيفات جولاني " ، أي فرقة " الصاعقة " العبرية الشهيرة باسم قائدها الأول جولاني ... . والأمثلة كثيرة .
ثمة إشارة أخيرة يمكن ملاحظتها في أثناء قراءة الروايتين تكمن في أن حبيبي لم يلجأ إلى العامية الفلسطينية والتراث الشعبي الفلسطيني إلا نادرا ، بخلاف الحبيب السايح الذي وظف الموروث الشعبي الجزائري ما كان أحيانا حائلا دون فهم القاريء غير الجزائري بعض مقاطع من الرواية . هل أقول إن السايح عرب الأماكن ولكن " جزأر " بعض أجزاء من الرواية؟
الأمر يستحق التفكير والمساءلة والتعمق .

الجمعة
٢٥ حزيران ٢٠٢١

***

8- اليهود في الرواية العربية

في العام ٢٠١٦ أنجزت الباحثة أمل أبو حنيش رسالة دكتوراه ، في الجامعة الأردنية ، عنوانها " صورة اليهودي وصورة العربي في نماذج من الرواية العربية في مطلع القرن الحادي والعشرين " وفي عدد مجلة " الجديد " ، الصادرة في بداية شهر كانون الأول من العام ٢٠١٩ ، ويشرف عليها الناقد العراقي عواد علي والشاعر السوري نوري الجراح ، ملف كامل عن اليهود في الرواية العربية شارك فيه نقاد عرب منهم الدكتور عبدالله ابراهيم والكاتب ابراهيم عادل والناقد ممدوح فراج النابي والكاتب زياد الأحمد والناقد مصطفى بيومي والدارسة أسماء معيكل وآخرون ، وأدلى فيه قسم من الروائيين ، مثل مايا أبو الحيات وابراهيم الجبين وعلي المقري ، بشهاداتهم .
والتفات الدارسة أمل أبو حنيش ومجلة " الجديد " لهذا الموضوع لم يكن مفاجئا ، فهو استمرار لدراسات عكف عليها دارسون أسسوا للموضوع ورصدوا الالتفات إليه في الأدب العربي والرواية العربية . ومن الدارسين المشاركين في ملف " الجديد " من رصد الأعمال الأدبية ودرسها ومنهم من ركز على علم روائي بعينه .
أتت أمل أبو حنيش في أطروحتها على الدراسات السابقة ، وقد رصدها أيضا ممدوح النابي في إحدى دراستيه في مجلة " الجديد " .
ربما ما يبدو مفاجئا في الموضوع هو هذا الفيضان الروائي في الكتابة عن اليهود في مطلع القرن الحادي والعشرين ، قياسا إلى ما كتب عنهم في القرن العشرين .
في رسالة أبو حنيش وفي دراسة النابي يلحظ المرء توقفهما أمام عدد لا بأس به من الروايات ، وحين يلقي المرء نظرة على مصادر الدارسة يقرأ ما لا يقل عن عشرين عنوانا صدرت في مطلع القرن الحادي والعشرين ، بالإضافة إلى بضعة عناوين صدرت في القرن العشرين ، وهناك روايات أخرى صدرت خلال إنجاز الرسالة وبعده مثل رواية الياس خوري " أولاد الغيتو : اسمي آدم " و " أولاد الغيتو : نجمة البحر " وروايات : الحبيب السائح " أنا وحاييم " وسليم بركات " ماذا عن السيدة اليهودية راحيل ؟ " و د . وليد أسامة خليل " أحببت يهودية " وسهيل كيوان " بلد المنحوس " وربعي المدهون " مصائر " وكميل أبو حنيش " مريم مريام " ، وأحمد أبو سليم " كوانتوم " ، وعبد الجبار ناصر " اليهودي الأخير " .
قسم من الروايات السابقة درسها ممدوح النابي وقسم منها لم يدرسه . هذا إذا غضضنا النظر عن روايات صدرت قبل أن تنجز الدارسة أطروحتها مثل رواية الطاهر وطار " الزلزال " وروايتي واسيني الأعرج " البيت الأندلسي " و" سوناتا لأشباح القدس " ولم يلتفت إليها ممدوح النابي أيضا . وهناك روايات مغاربية مثل رواية الجزائري الذي يكتب بالفرنسية ويثير ضجة وهو أمين زاوي " اليهودي الأخير من تمنطيط " التي درسها عبد الوهاب الشعلان . الرواية المغاربية وصورة اليهود فيها موضع رسالة دكتوراه تنجزها الآن Chahra Blg ، كما عقبت على مقال لي ، وقد أخبرتني أن الرواية المغاربية في الموضوع مهملة من الدارسين ، وكنت شخصيا التفت إلى صورة اليهود في رواية الطاهر وطار " الزلزال " وفي روايتي واسيني الأعرج المذكورتين ، فكتبت عن الروايات الجزائرية في الجريدة .
لقد لاحظ ممدوح النابي أحد المشاركين في ملف " الجديد " تسيد دال " اليهودي " في العناوين ، مثلما طغى حضور اليهود في المنجز الروائي العربي المعاصر ، وتساءل عن أسباب هذا الحضور والتسيد ، وهو حقا محق في تساؤله .
شخصيا وعلى صفحتي في الفيسبوك التفت إلى صورة الفلسطيني في الرواية العربية مقابل صورة اليهودي واقترحت على المجلة أن تخصص ملفا كاملا حتى تكتمل الصورة ، وقد وعد الناقد علي عواد بإنجاز هذا الملف .
اللافت هو تناول بعض الدارسين الروايات العربية التي كتبها روائيون عرب يهود . هنا أشير إلى دراسة العراقي الدكتور عبد الله ابراهيم لروايات اليهود العراقيين ، وقد انشغل ، من قبل ، بهذا الجانب وأنجز غير بحث عارضا لأعمال نعيم قطان وسمير نقاش وشمعون بلاص ومتوقفا أمام سؤال الهوية الذي أرق هؤلاء الكتاب في رواياتهم ، وفي حياتهم أيضا . لقد دفع قسم من الكتاب اليهود العراقيين ثمنا باهظا بعد الخروج من وطنهم الأم العراق . حقا كيف نتعامل مع روايات هؤلاء ونحن نكتب عن صورة اليهود ، إذا ما اعتمدنا منهج المرايا المتقابلة ، وإذا ما توقفنا أمام اللغة أو الدين أو المكان كمعايير لتحديد هوية الأدب ؟
اليهودي هنا يكتب بالعربية ، وهي لغته الأم ، وهو عربي والعراق وطنه ، وحين يكتب مصورا حياته وحياة أبناء الديانة اليهودية لا يكتب عن آخر يهودي وإنما يكتب عن ذاته عربيا وعراقيا ويهوديا ، ولا يكون العربي هو آخره ، فآخره ، حين يهاجر إلى فلسطين ، هو اليهودي الغربي المتعالي ، وهو ما صوره عموما بعض الفلسطينيين مثل سميح القاسم في " الصورة الأخيرة في الألبوم " . ويعد عبدالله ابراهيم رائدا في هذا الجانب ، وتعد دراساته ذات أهمية ، بل وفتحا في الالتفات إلى ما كتبه اليهود العرب الذين ولدوا في العراق واضطر قسم منهم إلى الرحيل إلى فلسطين بسبب أحداث الفرهود وحرب ١٩٤٨ ، وإن اختار قسم منهم بلدانا غربية للإقامة فيها ، لا الهجرة إلى فلسطين . ما التفت إليه د . عبدالله ابراهيم عن معاناة الكتاب اليهود العراقيين سوف يتجسد روائيا في رواية الكاتب اللبناني الياس خوري " أولاد الغيتو : نجمة البحر " ، ففيها نقرأ عن أستاذ جامعي هاجر من العراق في العام ١٩٤٨ وعاش اغترابا في الدولة العبرية.
عدا دراسة عبد الله ابراهيم هناك دراستا ممدوح النابي الذي لم يقتصر فيهما على الأعمال الروائية ، وإنما كان يلجأ إلى مقاربة صورة اليهود في الرواية في ضوء الصورة التي قدمت لهم في السينما المصرية ، ويبدو أنه كان مطلعا اطلاعا جيدا على نماذج منها . صحيح أنه درس صورة اليهود في الرواية في مطلع القرن الحالي ، ولكنه التفت إلى صورتهم في الأدب المصري في القرن العشرين ، فتوقف أمام صورتهم في بعض روايات نجيب محفوظ مثل " زقاق المدق " و " المرايا " وإحسان عبد القدوس في العديد من كتاباته الروائية وبعض قصصه ومقالاته مثل " لا تتركوني هنا وحدي " و" أين ذهبت صديقتي اليهودية؟ " ، وما كتبه عبد القدوس يركز على المصريين من أتباع الديانة اليهودية .
إن ما كتبه الروائيان ؛ محفوظ وعبد القدوس يختلف كثيرا عما كتبه روائيون كثر في القرن الحادي والعشرين ، فهما لم يعودا إلى مصادر ومراجع ليعتمدا عليها في الكتابة ، ولم يتخيلا شخصيات وأزمنة وأمكنة لا يعرفانها . لقد كتبا عن اليهود في مصر قبل العام ١٩٤٨ وبعده ، فقد ظل قسم من اليهود المصريين في بلدهم مصر ولم يهاجروا إلى فلسطين . وفي دراسة ثانية توقف الدارس أمام روايتين حللهما بقدر من التوسع وهما رواية سليم بركات " ماذا عن السيدة راحيل ؟ " ورواية حجي جابر " رغوة سوداء " ، والنابي يقدم لرواية بركات وهو يكتب عنها نقدا فنيا أيضا بالإضافة إلى الكتابة عن صورة اليهود فيها ، ويثير السؤال عن دافع كتابة الرواية في هذه الفترة التاريخية - أي العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ، وهو مثل كتاب ونقاد وسياسيين كثر يضعون إشارات استفهام حول الكتابة عن اليهود بعد اتفاقية أوسلو حتى قبل أن ينجز الفلسطينيون أي حل مقبول .
ما لم يلتفت إليه النابي من روايات في الرواية المصرية تناوله مصطفى بيومي الذي خصص دراسته لرواية رضوى عاشور " قطعة من أوروبة " وكتب عن اليهود في مصر من خلالها ، ويبدو أن رضوى كتبت عن حضور اليهود في مصر متكئة على كتب ودراسات علمية أكثر مما كتبت عن نماذج عرفتها أو احتكت بها - هنا لاحظت شخصيا أن ما ورد في الرواية حضر جزء منه في مسلسل " حارة اليهود " الذي عرض قبل أربع سنوات - وهذا بدوره يثير السؤال عن مصادر كتابة الروائيين العرب عن اليهود . ترفدنا الشهادات التي قدمها الروائيون في العثور على أجوبة تعبر عن وجهات نظر ، ولكن قبل الالتفات إلى شهاداتهم تجدر الإشارة إلى أعمال روائية مصرية تناول كتابها فيها حضور اليهود في مدن أخرى غير القاهرة التي كانت البيئة التي كتب عنها محفوظ وعبد القدوس ورضوى عاشور . ثمة روائيون اختاروا مدينة الاسكندرية وكتبوا عن اليهود فيها قبل هجرتهم " آخر يهود الاسكندرية " .
من أين استمد الروائيون معلوماتهم عن نماذجهم التي كتبوا عنها ؟
وما هي صلتهم باليهود ؟ هل هي صلة ناجمة عن معايشة ومعرفة عن قرب أم أنها تتكيء على الكتب والمراجع ؟
إن شهادتي ابراهيم الجبين وعلي المقري تقولان لنا هذا وذاك ، فالجبين كتب عن يهود دمشق وحارتهم من خلال وجوده في المدينة ، وعلي المقري عاد إلى المصادر والمراجع ليكتب عن يهود اليمن في القرن السابع عشر ، وأما مايا أبو الحيات التي ولدت في بيروت وعادت إثر اتفاقات أوسلو إلى رام الله فقد شاهدتهم على الحواجز وفي المدن التي وجدوا فيها .
يتوقف علي المقري أمام سبب كتابته عن اليهود فيكتب :
" أنا نشأت في مجتمع يتعامل مع اليهود كزائدة وطنية ، لا بد من إخضاعها للجسم الكلي - أي أسلمتها ودمجها في الثقافة السائدة ، وما عدا ذلك فهي غير مرغوب فيها " .
إن المحتمع اليمني ، يكتب المقري ، يشتم كل سيء منه باليهودي . هنا نتذكر ما كتبه سارتر في " المسألة اليهودية " . كانت كلمة يهودي في أوروبا وفرنسا شتيمة . إذا أردت أن تشتم شخصا فقل له : " يا يهودي " ، ويرى المقري أن يهود اليمن كان لهم دور مؤثر في الفنون " . إن كتابته لا تنطلق من موقف إيديولوجي أو سياسي أو أخلاقي ، ولهذا لم يقدم إجابات على أسئلته ولم يحدد في روايته مسارات للحل .
في شهادة السوري ابراهيم الجبين " مشانق لليهود ولغير اليهود على صفحات الرواية العربية " يعترف الروائي أنه كثيرا ما تجنب قراءة أو مشاهدة الأعمال العربية التي تتناول الشخصية اليهودية .. ، لأن النمطية المتشكلة عن خيال الكاتب وعن كيفية تناوله لليهودي ، تكاد لا تخرج عن إطار محدد سلفا " فالنمطية لا تقتصر على اليهودي . " إن الأبطال مسيحيين أو مسلمين أو يهود متشابهون " ويرى الجبين أن المعرفة العربية حتى وقت قريب مريضة بالجهل بالآخر مهما كان عرقه أو دينه ، وحين كتب هو عن اليهودي لم يكن لديه تصور مسبق أو سيناريو مسبق أراد تدوينه ، بل كتب عن نماذج عرفها . وفي شهادته يبدو متفاجئا من هذا الحضور اللافت لليهود في الرواية العربية بعد تحاهل سابق :
" هل كان لدى الكتاب العرب عداء للسامية ثم فجأة استيقظ فيهم وعي بضرورة استحضار يهودية جديدة داخل أعمالهم ؟ " . إنه سؤال مهم جدا لا شك .
ما يلفت النظر في شهادة الجبين هو المفارقة بين ما قاله في بدايتها من أنه كثيرا ما تجنب قراءة أو مشاهدة الأعمال العربية التي تتناول الشخصية اليهودية وبين بقية الشهادة التي تنم عن متابعة جيدة للأعمال الأدبية العربية التي أتت على الشخصية اليهودية ، وإلا كيف أصدر حكما عليها يبدو صائبا ؟
ولعل ما ينقص الملف هو شهادات كتاب عرب آخرين من بيئات عربية أخرى كمصر والمغرب ولبنان والأردن ، بخاصة أن الروائيين من هذه البلدان كتبوا في منجزهم الروائي عن شخصيات يهودية .
وإذا عدنا إلى الدرلسات في الملف ثانية ، فماذا نلحظ ؟
هناك دراسات تناولت بعض روايات كتب فيها عن اليهود السود مثل رواية " رغوة سوداء " للكاتب الارتيري جابر حجي ، وقد التفت إليها دارسان هما أسماء معيكل وابراهيم عادل وقدما تحليلا موسعا لها ، علما بأن بطلها لم يكن من أصول يهودية ولكنه تحول إليها وهاجر إلى إسرائيل وعاش فيها فعانى باعتباره يهوديا أسود .
هل اختلفت الكتابة عن اليهود في القرن الحالي عنها في القرن العشرين ، وما الصورة الجديدة لهم إن اختلفت ، وما سبب ذلك ودوافعه ؟ هذان هما السؤالان اللذان راودا الدارسين .
كنت توقفت أمام رأي ابراهيم الجبين فيما يخص صورة اليهود في الأدبيات العربية ، فهل يتفق معه فيها الدارسون ؟
يتوصل ابراهيم عادل الذي كتب تحت عنوان " اليهودي الانسان هل يمكن أن يدعو إلى التعاطف ؟ " ودرس رواية المقري " اليهودي الحالي " ورواية حجي جابر " رغوة سوداء " ، يتوصل إلى الرأي الآتي :
" من هنا وعلى هذا النحو بدا أن لدى الروائيين العرب قدرة ، ولدى الحكايات التي تزخر بها الثقافة العربية في المنطقة الثراء والتنوع ، مما يسمح بعرض وتبادل حكايات وقصص عن اليهود تختلف تماما عن تلك الصورة النمطية السائدة ، بل وتعلي من قدر الانسان مقابل المادة والنظام العالمي الجديد الذي يفرض سيطرته وهيمنته على العالم " .
هنا يثار السؤال :
هل علينا نحن أن ننجز تلك الصورة ليقال إننا انسانيون ، فيما تمعن إسرائيل وأميركا في إعادة الأمة العربية إلى الوراء وإلى البعيد البعيد ؟
وما يستنتجه المرء بعد قراءة الدراسات والمقالات والروايات التي لم تدرس أيضا كروايات الياس خوري وواسيني الأعرج أن نغمة العداء لإسرائيل بدأت تتراجع وأن التركيز على صهيونية الدولة الإسرائيلية بدأ يخفت وأن فكرة أن الفلسطينيين غدوا ضحية الضحية تظهر في بعض الأعمال وأن هذه الفكرة قادت بعض الكتاب إلى العودة إلى زمن خروج المسلمين من الأندلس ( واسيني الأعرج ) وإلى الهولوكست وعذابات اليهود ( الياس خوري وسهيل كيوان ) ، وأن التعايش مع اليهود ممكن فهو ليس بالبدعة أو المحال .
وربما تذكرنا ونحن نقرأ آراء بعض الروائيين الذين يبرزون صورة إيجابية لليهود في ضوء ما يجري في فلسطين ، ربما تذكرنا قصيدة نزار قباني " المهرولون " ، ربما تذكرناها بخاصة حين نقرأ عن حياة أمين زاوي .

الجمعة 20 كانون الأول 2019 .

***



,===========
============
1- جورج حبش وياسر عرفات و"ما رواه الرئيس "
2- "ما رواه الرئيس " للحبيب السايح
3- أصوات روائية جزائرية وفلسطينية متشابهة في مآل الثورتين؛ الجزائرية والفلسطينية
4- قراءات في روايات عربية: "نزلاء الحراش" : سجون المستعمر ... سجون الوطن
5- "أنا وحاييم": رواية جزائرية عن يهود الجزائر
6- "ما رواه الرئيس": "هل إن عربت خربت؟"
7- قراءات في روايات عربية .. تعريب الجزائر وعبرنة فلسطين "الموت في وهران " و"اخطية"
8- اليهود في الرواية العربية




---

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى