د. علي خليفة - فن الحوار عند توفيق الحكيم

الحوار هو حديث اثنين أو أكثر أو حديث الشخص لنفسه، وهو ما يسمى بالمونولوج. وقد ذكر الحكيم في كتاب فن الأدب أن الحوار موهبة تصقل بالدراسة والقراءة كالشعر، فكما يولد الشاعر شاعرًا كذلك يولد كاتب المسرح موهوبًا بملكة الحوار.
وعشق الحكيم للحوار جعله يحب المسرح، وينتج أكثر إبداعه فيه، وله أيضًا كتب حوارية ككتابه حديث مع الكوكب، وكتابه حماري قال لي، وحين اشترك مع طه حسين في عمل إبداعي – وهو القصر المسحور – كتب نصيبه منه حوارًا في حين كتب طه حسين فصوله فيه سردًا.
وكانت بدايات إبداعه وهو طالب في كلية الحقوق كتابة مسرحيات لفرقة عكاشة باللهجة العامية، وأكثرها ممصر من مسرحيات أجنبية، وشاركه صديق له في كتابتها.
وحين سافر فرنسا كتب حوارية رائعة عن بائعة شباك التذاكر، ثم عاد لمصر، وكتب مع المسرح الرواية، والقصة القصيرة، والمقالة، وظل عشقه للمسرح هو الغالب على إنتاجه، وتخللت إبداعاته الأخرى حواريات كثيرة له.
وكان الحكيم يرى أن تراثنا العربي عرف أديبًا كبيرًا بارعًا في الحوار هو الجاحظ، وتأثر الحكيم بأسلوب الجاحظ في حواره في بعض كتبه الإبداعية المستوحاة من التراث، ككتاب أشعب أمير الطفيليين.
وفي مسرحيات الحكيم الأولى – وقد نشر منها مسرحية علي بابا – نرى موهبته ظاهرة في الحوار الذي يحمل الفكاهة، ويكشف الشخصيات، ويعمل على بث التشويق في أحداث المسرحية، وكذلك نرى هذه الخصائص بشكل أوضح وأرقى في مسرحياته التالية مثل الزمار ورصاصة في القلب.
وقد كتب الحكيم حوار فيلم رصاصة في القلب، وأكثره أخذه من مسرحيته – وهذا هو الفيلم الوحيد الذي كتب له الحكيم حواره وهو أفضل أفلام عبد الوهاب الستة –.
وبعد أن سافر الحكيم لفرنسا، وأدرك أن المسرح فن مقدر من الجمهور والمؤسسات العلمية والثقافية في الدول المتقدمة كتب عند ذلك أكثر مسرحياته باللغة العربية الفصحى سواء أكانت تتناول أحداثًا أسطورية أو تاريخية أو واقعية، وابتعد بهذا عن خشبة المسرح في مصر في الثلاثينات والأربعينات، وكانت بعض مسرحياته المكتوبة بالفصحى تحول للعامية عند إخراجها، كما حدث مع مسرحية الأيدي الناعمة التي حولها يوسف وهبي للعامية.
وكتب مسرحياته الذهنية كأهل الكهف وشهرزاد وبجماليون بلغة عربية فصحى يغلب عليها الأسلوب الشاعري في كثرة الصور والرموز والتكثيف فيها حتى إنه عندما ترجمت مسرحية شهر زاد ومسرحية بجماليون، ومثلتا في دول غربية أطلق النقاد على الحكيم لقب الشاعر.
ومسرحيات الحكيم الذهنية تتحول بعض الشخصيات فيها إلى رموز؛ لتكشف قضايا يريد المؤلف بثها؛ ولهذا تختفي منها الملامح الإنسانية، كما نرى في شخصية عنان في مسرحية الخروج من الجنة؛ ولهذا نرى كثيرًا من الشخصيات في مسرح الحكيم الذهني تتحدث بأسلوب متشابه، فهي تعكس فكر المؤلف لا وجودها الإنساني المتميز.
وفي مسرحية يا طالع الشجرة – التي تأثر الحكيم فيها بكتاب العبث خاصة يونسكو – نراه في الفصل الأول منها خلال حوار يدور بين بهانة وزوجها بهادر يستخدم أسلوب الحوار الذي يدل على أن كل واحد من الزوجين يتكلم عن أمر يخصه،
ولا يركز في كلام الطرف الآخر، وإن بدا مع ذلك تآلفهما الظاهري في ذلك الحوار، فبهانة تتحدث عن بنتها التي أسقطت ولم تولد وحسرتها على ذلك، وبهادر يتحدث عن شجرته التي أسقطت بعض ثمارها.
ونجد شبيهًا لهذا الحوار العبثي في مسرحيات يونسكو، كمسرحية الخرتيت، وهذا الحوار قصد به العبثيون التعبير عن عدم قدرة الإنسان على التواصل مع غيره، فهو أسير وحدته، وأن اللغة قد فقدت قدرتها على بث التواصل بين الناس في العصر الحديث.
وللحكيم تجارب معروفة له في التجريب في الحوار المسرحي، فحين أثيرت قضية الحوار في المسرح المصري في الخمسينات كتب مسرحية الصفقة بألفاظ فصيحة، ولكن يمكن نطقها بالعامية، وهو ما جرى العرف بتسميته باللغة الثالثة، وكرر التجربة في مسرحية الورطة، وفيها تخفف كثيرًا من قواعد الفصحى، وبدت هذه المسرحية أقرب في لغتها من العامية، ولم يكتب الحكيم مسرحياته التالية بهذه اللغة الثالثة، بل عاد للفصحى، وكتب بها مسرحياته.
وأيضًا من تجارب الحكيم مع اللغة في مسرحياته كتابته في كتاب الدنيا رواية هزلية مسرحية جعل كل شخصية في المشهد الأول فيها تتكلم بكلمة واحدة حين كلامها، وفي المشهد الثاني جعل كل شخصية تتكلم بكلمتين فقط حين كلامها في حوارها، وفي المشهد الثالث جعل كل شخصية تتكلم بثلاث كلمات حين كلامها فيه، وبالطبع هذه الطريقة تذكرنا بالصنعة اللغوية التي تفنن فيها الحريري في مقاماته على وجه الخصوص، وهي تدل على تمكن الحريري والحكيم في اللغة والحوار، ولكن الفن الحقيقي لا يؤمن بهذه الزخرفة التي تقيد المعاني والأفكار.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى