الطاهر بوصبع - قراءة في رواية "تينهنان" للكاتبة والروائية الجزائرية ليلى تباني

رواية"تينهنان" للكاتبة ليلى تباني، ورحلة البحث عن المدينة الفاضلة
كان لي شرف قراءة رواية تينهينان للكاتبة والناقدة ليلى تباني، الصادرة عن دار خيال، هذه الرواية الجميلة المشوقة المستلهمة من قصة حياة الملكة البربرية " تنهينان" التي حكمت صحراء مترامية الأطراف تبدأ من موريتانيا شرقا وصولاً إلى تشاد غربا، ومن الجزائر شمالاً إلى مالي و النيجر جنوباً.
وعلى مدار 360 صفحة موزعة على 17 فصلا،تأخذنا الكاتبة إلى عوالم خفية من حياة هذه المرأة الحكيمة،يتمازج فيها الواقعي التاريخي بالمتخيل، في رحلة سرد روائي ممتع يرتكز على رؤية فلسفية عميقة تعبر عن مفاهيم وقيم عديدة كالحرية والعبودية،القوة والحكمة،العقل والقلب، العدالة والطغيان، الحب والخديعة،الموت والحياة، الثقافة والهوية.. من خلال شخصية الأميرة تينرت التي قررت أن تخرج من قوقعة سجنها الكبير الذي تحكمه قوانين تجعل من الأنثى مجرد دمية منزوعة الفكر والإرادة، إلى رحاب الحرية والانعتاق بحثا عن معنى الحياة،عن المدينة الفاضلة كما تتخيلها أو كما حدثها عنها معلمها وكبير العرافين والعارفين"مانيلاس"، هربا من زواج كان والدها الملك "أمادوس" سيرغمها عليه، هذه الرحلة الشاقة التي رافقها فيها ثلة من المقربين الذين آمنوا بفكرها على رأسهم خادمتها "تاكامات"،وخادمها "أخنوس" اللذان يمثلان الحيوية والشباب والمستقبل،والحكيمة العرافة"يثريت" التي تمثل صوت الحكمة والتجربة ،وعلى امتداد صحراء شاسعة و موحشة مرت ومرافقيها بتجارب صعبة و أحداث جسام بين ألم وأمل،بين طموح وتحد،بين موت وحياة،استحضرت فيها الكاتبة في سردها المشوق،فلسفة أفلاطون، وحكمة المتصوفة،ورمزية الأساطير، وعراقة التراث،وغرابة عالم الجن والماورائيات.
ومن خلال هذه الرواية نستكشف رحلة تينرت ذات الحكمة و الجمال والدهاء، واستقرارها في أباليسا بين جبال الهقار على ضفة تارقة غنية بالمياه ونابضة بالحياة، لتصبح "تينهينان" الملكة، أو "ناصبة الخيام" ،"أم التوارق" وأم الأهقار والتاسيلي،ونستكشف بعضا من تراث المنطقة وتاريخها العريق وبعضا من سر الصحراء الكبرى وبلاد التوارق، ونستكشف أسلوبا سرديا جميلا، و لغة أنيقة رصينة استطاعت الكاتبة من خلالها توصيل مضامين الرواية،من أفكار ورؤى وأحاسيس،ومشاعر على لسان أبطالها بكل اقتدار،مستعملة سحر البيان ،وروعة البديع، وجزالة الألفاظ،وعذوبة الشعر،بحقل معجمي و دلالي ثري يصف حياة الصحراء طبيعة وتراثا وأساطيرا، في زمن غابر، ويوغل في استكناه النفس البشرية الباحثة عن لذة المعنى.
رواية تينهينان ذات النزعة التأملية الوجودية نجحت الكاتبة من خلالها في سكب رؤيتها الفلسفية وتذويبها في قالب روائي دون الوقوع في فخ التلقين،جاعلة شخصياتها تعيش هذه الأفكار ،بحبكة متقونة،ودقة وصف وتصوير يجعلنا نحس بأننا نشاهد فيلما متقن السيناريو و الإخراج، ومن خلال قراءتي البسيطة للرواية،لاحظت اشتغالا كبيرا للكاتبة على كثير من جوانب الرواية سواء من حيث البحث التاريخي والتراثي حول شخصية تينهينان،وحول البيئة الصحراوية ،أو من خلال لغة الرواية، وأسلوبها وحبكتها،والرسالة التي تتضمنها،مما يجعل القارئ يخرج منها منتش بمتعة السرد،ومزودا بمعارف جديدة وقيم نبيلة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى