( نص المداخلة ليوم ١٢ أيلول ٢٠٢٢ في متحف محمود درويش لمناقشة كتب الدكتور نبيل طنوس الثلاثة)
صدر كتاب الدكتور نبيل طنوس " سميح القاسم : شاعر الغضب النبوئي ، دراسات وقصائد مختارة " عن دار الرعاة في رام الله وجسور في الأردن .
يقع الكتاب في ١٩٨ صفحة المائة صفحة الأولى للمقدمة القصيرة / توطئة وللدراسات الأربعة والثمانية والتسعون صفحة الباقية للقصائد المختارة ولقائمة المراجع .
وإذا ما توقفنا أمام العنوان فإن ما يلفت نظرنا فيه هو " شاعر الغضب النبوئي " وهي عبارة أوضحها الدارس في توطئته من خلال قوله عن سميح " شاعر يجمع بين ضدين كإرداف خلفي ( Oxymoron ) وهو تعبير بين لفظين متناقضين ظاهريا مما يمنحهما معنى جديدا... " ، والوصفان " غضب " و " نبوءة " كان الشاعر نعت بهما منفردين في دراسات سابقة تعود إلى سبعينيات القرن العشرين ، ومن ينظر مثلا في مجلد ٧ من الأعمال الكاملة " في دائرة النقد" يقرأ العناوين الآتية :
-" الفلسطيني هو نبي العصر الحاضر " نبيه القاسم .
- الصحراء مرثية مطولة ونبوءة جديدة " نعيم عرايدي
- " مراثي سميح القاسم : نموذج لنبي جديد " حاتم الصكر .
- حماسة سميح القاسم والقصيدة العربية : مرحلة النبوءة في الحماسة " عادل الأسطة .
وفي نظرة على قائمة المراجع يلحظ الناظر أن الدكتور نبيل لم يعتمد أيا من الدراسات والمقالات المذكورة ، وعدم الاعتماد هذا وعدم الإشارة يمكن عزوه إلى عدم تنبهه لها أو عدم جديتها أو أنه قرر منذ البدء أن يقدم قراءته الخاصة به دون الاعتماد على قراءات الآخرين ، علما بأن دراساته كانت تتكيء على بعض الدراسات السابقة عن سميح القاسم . وعندما نتم قراءة توطئة الكتاب نعرف أن الدارس اعتمد على قائمة " دراسات ومقالات وأطروحات أكاديمية تناولت إنتاجه - أي سميح - " لا على الدراسات والمقالات والأطروحات كلها .
يعرض الدارس في التوطئة لفصول كتابه الأربعة بإيجاز ، ففي الفصل الأول درس الانتماء في شعر الشاعر " لأن الانتماء هو الأساس الذي يشكل باعثا لكل شاعر في إنتاجه " ، وفي الفصل الثاني يدرس سيرورة الإبداع في شعر الشاعر بعد النكسة ، ويستخدم دال النكسة مع أن الشاعر استخدم كلمة الهزيمة ، ويحلل الدارس في الفصل الثالث قصيدة " تعالي لنرسم معا قوس قزح " نموذجا لدراسة " الألم والأمل وما بينهما عند سميح " ، ويخصص الدراسة الرابعة لدراسة " الأساليب الفنية في قصيدة الانتفاضة :" تفدموا " " ، وأنا هنا أستخدم دال " دراسة " ، ويبدو أنني وقعت أسير ما ورد في العنوان " دراسات وقصائد مختارة " لا أسير ما ورد في التوطئة ، ففيها استخدم الدارس دال " المقال " وهنا أشير إلى أن الدارس نفسه في المتن استخدم تارة دال " الدراسة " ص ١٩ " ، ص ٤٨ " دراسة " وطورا دال المقالة ص ٢١ .
ويرى الدارس أن المقالات الثلاثة الأولى تكون " في دوائر متوازية من الخارج إلى الداخل " فالمقال الأول " يعالج الدائرة الخارجية ، وفي داخلها الدائرة الوسطى التي يعالجها المقال الثاني ، وفي داخلها الدائرة الصغرى التي يعالجها المقال الثالث " أما المقال الرابع فيكون بمثابة وتر يقطع الدوائر الثلاثة " لأنه في رأي الدارس " يمثل أسلوبا فنيا لشعر سميح القاسم " .
لا يأتي الدكتور على المنهج النقدي الذي سارت عليه كل دراسة من الدراسات ، ويبدو أنه ترك هذا ليستنجه الدارسون المهتمون .
ولا أعرف إن كان كتاب غسان كنفاني " الأدب الفلسطيني المقاوم " حضر في ذهن الدارس أو لا .
لماذا أذكر كتاب غسان كنفاني ؟
إن الدوائر الثلاثة التي رأى الدارس أن كل دراسة من دراساته تشكل حلقة من ثلاث تقع ضمن بعضها يذكرني بالفصل الخاص في كتاب غسان " أدب المقاومة ، أبعاد ومواقف " ففيه يدرس شعر المقاومة الفلسطينية في الأرض المحتلة ويرى أنه يركز على أبعاد ثلاثة ؛ البعد الوطني والاجتماعي ، والبعد القومي ، والبعد الإنساني .
إن شعراء المقاومة ومنهم سميح كتبوا أدبا وطنيا ذا توجه قومي وتوجه إنساني ، وأتى غسان على كل بعد منها بأمثلة .
وأعود إلى المنهج الذي لم يحدد في التوطئة ، وجل ما يقوله القاريء بهذا الخصوص فهو ما يستنتجه من الدراسات نفسها والمصطلحات النقدية التي وظفها الدارس وهي :
- الانتماء
- الثنائيات الضدية
- الألم والأمل ، في علم النفس .
- الأسلوب الفني " الأساليب الفنية في قصيدة الانتفاضة "/ التكرار والجناس .
وهي مصطلحات لم يوظفها الدارس في كل دراسة على حدة ، ففي دراسة يستخدم مصطلح " الانتماء " وفي ثانية " الثنائيات الضدية " وفي ثالثة " الثنائيات والجناس " وفي رابعة الأساليب الفنية والتكرار .
والمصطلحات السابقة تستخدم في مناهج مختلفة ؛ الاجتماعي والبنيوي الشكلاني والأسلوبية ، فهل انطلق الدارس من مقولة يؤمن بها جورج طرابيشي " إن أسوأ أنواع النقاد هم أولئك النقاد الذين يملكون منهجا واحدا يطبقونه على جميع النصوص " وبالتالي انطلق في دراسة قصيدة اعتمادا على مقولة نقدية تقتضيها القصيدة وفي أخرى على مقولة نقدية أخرى تناسبها أكثر ؟
وهنا أود أن أقف أمام الدراسة الرابعة التي تناول فيها قصيدة الانتفاضة " تقدموا " وأشير إلى جانبين :
- الأول توزيع القصيدة
- والثاني إغفال الدراسات السابقة التي تناولتها .
يجتهد الدارس فيكتب القصيدة بتوزيع جديد مختلف عنها في مكان نشرها كما ظهرت أول مرة وفي طبعات دواوين الشاعر . يرى الدارس أن هناك أصواتا متعددة في القصيدة هي :
- صوت القائد " دور الشاعر المتكلم "
- صوت جنود القائد " دور الجوقة " وهم جنود القائد .
- صوت الشعب " دور الحضور " .وهم شعب القائد .
وبخصوص الدراسات السابقة التي تناولت القصيدة ، وهي كثيرة " يتكيء الدارس فقط على ما نشر حولها في جريدة " البناء " ٢٠٢١ " قراءة في قصيدة الانتفاضة للقاسم " ، علما بأن هناك دراسات أخرى منها دراسة المثنى الشيخ عطية التي صدرت عن دار الأسوار " قصيدتان لمحمود درويش ولسميح القاسم " عابرون " و " تقدموا " ودراسة الدكتور اليمني عبد العزيز المقالح في كتابه " صدمة الحجارة " ، واللافت هو أن المثنى والمقالح حللا القصيدة فنيا ، ولو اطلع عليهما الدارس لربما أفاد منهما وأبان لنا اختلاف دراسته عنهما وأتمنى أن ينجز الدارس أو دارس آخر هذا فيكتب لنا دراسة أو مقالة عنوانها " تلقي قصيدة سميح القاسم " تقدموا : رسالة إلى غزاة لا يقرأون " نقديا " وأن يدرس الدراسات والمقالات دراسة تعاقبية .
هنا أشير إلى قصيدة كان سميح القاسم كتبها ونشرها في ديوان الحماسة يبدو فيها الشاعر ذا حس تحريضي نبوئي متأثرا بالفلسفة الماركسية التي نعت أصحابها بأنهم أنبياء العصر . عنوان القصيدة " ضوء جديد لقصر عتيق " وفيها حث الشاعر الفقراء على الثورة والتمرد وتشابه صوته فيها مع صوت بعض الأنبياء الذين حرضوا الفقراء على تغيير واقعهم . هل كان سميح يوم كتبها ينطلق مما ذهب إليه صلاح عبد الصبور في كتابه " حياتي في الشعر " حيث ربط بين الشاعر والنبي والفيلسوف . يرى عبد الصبور أن هناك صلة بين الدين والشعر والفلسفة " إن شهوة " إصلاح العالم " هي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر ، لأن كلا منهم يرى النقص ، فلا يحاول أن يخدع نفسه . بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه ... وكثيرا ما أدرك الأنبياء والفلاسفة ذلك ( التعبير بالصورة الذي يلجأ إليه الشعراء ) فاصطنعوا منهج الشعراء ، ففي آثار كل نبي عظيم أو فيلسوف كبير قبس من الشعر "
ويتابع :
" إن الفلاسفة والأنبياء والشعراء ينظرون إلى الحياة في وجهها ، لا في قفاها ... وكثيرا ما تثقل وطأة هذه النظرة الكاشفة الثاقبة على نفوسهم ، وينتابهم الشك في إمكان الإصلاح ، ولذلك فإن في حياة كل شاعر أو نبي أو فيلسوف لحظات من اليأس المرير أو الاستيشاع للواقع والطبيعة ." .
وهنا يمكن العودة إلى توطئة الكتاب وقراءة ما كتبه الدارس عن لفظتي " الغضب " و " النبوئي " . يبدو سميح في قصيدة الانتفاضة غاضبا فيخاطب الجنود :
" تقدموا
تقدموا
كل سماء فوقكم جهنم
وكل أرض تحتكم جهنم
تقدموا
تقدموا "
ولكنه في قصيدة ثانية يقول :
" في الكون متسع لأهل الكون من صفر إلى بيض ومن حمر
إلى سمر وسود "
وقوله الثاني يحتوي على النظرة الإيجابية للبشرية أجمع ، المحبة هي المحبة ، والعطاء هو العطاء .
سميح في سيرته الذاتية :
" ولك أن تعترف ، ولا تثريب عليك ، دار في خلدك أنه ليس من الاعتباطية إمكانية المؤاخاة ، وفي صيغة عليا ، بين جوهر الماركسية وخلاصة الدين . واصطخبت في عمقك تفاعلات نووية هائلة تجمح نحو حالة ينخرط فيها النبي المسكون بالحلم ، بالثائر المطوق بمعطيات الواقع الصلبة ، ولطالما رفضت القطيعة الشائعة بين ما هو موضوعي وما هو ذاتي . بهرتك الأعمدة الشعرية الكلاسيكية لكنها لم تحجب عن ناظري هاجسك الإبداعي آفاق الحداثة حتى أقصى أقاصيها .. وحين دونت وصيتك للأسرتين الصغيرة والكبيرة، في كتاب " الإدراك "، فقد كنت محموما بمحبة غامرة لكل ما خلق الله ، وكنت مفعما بإحساس غير غامض على الإطلاق ، بأنك مكلف من لدن الله سبحانه وتعالى ، بالبحث عن رسالة جديدة تجمع ولا تفرق توحد ولا تبدد... "( صفحة ١٨٤) .
.
السبت ٣ / ٩ / ٢٠٢٢
صدر كتاب الدكتور نبيل طنوس " سميح القاسم : شاعر الغضب النبوئي ، دراسات وقصائد مختارة " عن دار الرعاة في رام الله وجسور في الأردن .
يقع الكتاب في ١٩٨ صفحة المائة صفحة الأولى للمقدمة القصيرة / توطئة وللدراسات الأربعة والثمانية والتسعون صفحة الباقية للقصائد المختارة ولقائمة المراجع .
وإذا ما توقفنا أمام العنوان فإن ما يلفت نظرنا فيه هو " شاعر الغضب النبوئي " وهي عبارة أوضحها الدارس في توطئته من خلال قوله عن سميح " شاعر يجمع بين ضدين كإرداف خلفي ( Oxymoron ) وهو تعبير بين لفظين متناقضين ظاهريا مما يمنحهما معنى جديدا... " ، والوصفان " غضب " و " نبوءة " كان الشاعر نعت بهما منفردين في دراسات سابقة تعود إلى سبعينيات القرن العشرين ، ومن ينظر مثلا في مجلد ٧ من الأعمال الكاملة " في دائرة النقد" يقرأ العناوين الآتية :
-" الفلسطيني هو نبي العصر الحاضر " نبيه القاسم .
- الصحراء مرثية مطولة ونبوءة جديدة " نعيم عرايدي
- " مراثي سميح القاسم : نموذج لنبي جديد " حاتم الصكر .
- حماسة سميح القاسم والقصيدة العربية : مرحلة النبوءة في الحماسة " عادل الأسطة .
وفي نظرة على قائمة المراجع يلحظ الناظر أن الدكتور نبيل لم يعتمد أيا من الدراسات والمقالات المذكورة ، وعدم الاعتماد هذا وعدم الإشارة يمكن عزوه إلى عدم تنبهه لها أو عدم جديتها أو أنه قرر منذ البدء أن يقدم قراءته الخاصة به دون الاعتماد على قراءات الآخرين ، علما بأن دراساته كانت تتكيء على بعض الدراسات السابقة عن سميح القاسم . وعندما نتم قراءة توطئة الكتاب نعرف أن الدارس اعتمد على قائمة " دراسات ومقالات وأطروحات أكاديمية تناولت إنتاجه - أي سميح - " لا على الدراسات والمقالات والأطروحات كلها .
يعرض الدارس في التوطئة لفصول كتابه الأربعة بإيجاز ، ففي الفصل الأول درس الانتماء في شعر الشاعر " لأن الانتماء هو الأساس الذي يشكل باعثا لكل شاعر في إنتاجه " ، وفي الفصل الثاني يدرس سيرورة الإبداع في شعر الشاعر بعد النكسة ، ويستخدم دال النكسة مع أن الشاعر استخدم كلمة الهزيمة ، ويحلل الدارس في الفصل الثالث قصيدة " تعالي لنرسم معا قوس قزح " نموذجا لدراسة " الألم والأمل وما بينهما عند سميح " ، ويخصص الدراسة الرابعة لدراسة " الأساليب الفنية في قصيدة الانتفاضة :" تفدموا " " ، وأنا هنا أستخدم دال " دراسة " ، ويبدو أنني وقعت أسير ما ورد في العنوان " دراسات وقصائد مختارة " لا أسير ما ورد في التوطئة ، ففيها استخدم الدارس دال " المقال " وهنا أشير إلى أن الدارس نفسه في المتن استخدم تارة دال " الدراسة " ص ١٩ " ، ص ٤٨ " دراسة " وطورا دال المقالة ص ٢١ .
ويرى الدارس أن المقالات الثلاثة الأولى تكون " في دوائر متوازية من الخارج إلى الداخل " فالمقال الأول " يعالج الدائرة الخارجية ، وفي داخلها الدائرة الوسطى التي يعالجها المقال الثاني ، وفي داخلها الدائرة الصغرى التي يعالجها المقال الثالث " أما المقال الرابع فيكون بمثابة وتر يقطع الدوائر الثلاثة " لأنه في رأي الدارس " يمثل أسلوبا فنيا لشعر سميح القاسم " .
لا يأتي الدكتور على المنهج النقدي الذي سارت عليه كل دراسة من الدراسات ، ويبدو أنه ترك هذا ليستنجه الدارسون المهتمون .
ولا أعرف إن كان كتاب غسان كنفاني " الأدب الفلسطيني المقاوم " حضر في ذهن الدارس أو لا .
لماذا أذكر كتاب غسان كنفاني ؟
إن الدوائر الثلاثة التي رأى الدارس أن كل دراسة من دراساته تشكل حلقة من ثلاث تقع ضمن بعضها يذكرني بالفصل الخاص في كتاب غسان " أدب المقاومة ، أبعاد ومواقف " ففيه يدرس شعر المقاومة الفلسطينية في الأرض المحتلة ويرى أنه يركز على أبعاد ثلاثة ؛ البعد الوطني والاجتماعي ، والبعد القومي ، والبعد الإنساني .
إن شعراء المقاومة ومنهم سميح كتبوا أدبا وطنيا ذا توجه قومي وتوجه إنساني ، وأتى غسان على كل بعد منها بأمثلة .
وأعود إلى المنهج الذي لم يحدد في التوطئة ، وجل ما يقوله القاريء بهذا الخصوص فهو ما يستنتجه من الدراسات نفسها والمصطلحات النقدية التي وظفها الدارس وهي :
- الانتماء
- الثنائيات الضدية
- الألم والأمل ، في علم النفس .
- الأسلوب الفني " الأساليب الفنية في قصيدة الانتفاضة "/ التكرار والجناس .
وهي مصطلحات لم يوظفها الدارس في كل دراسة على حدة ، ففي دراسة يستخدم مصطلح " الانتماء " وفي ثانية " الثنائيات الضدية " وفي ثالثة " الثنائيات والجناس " وفي رابعة الأساليب الفنية والتكرار .
والمصطلحات السابقة تستخدم في مناهج مختلفة ؛ الاجتماعي والبنيوي الشكلاني والأسلوبية ، فهل انطلق الدارس من مقولة يؤمن بها جورج طرابيشي " إن أسوأ أنواع النقاد هم أولئك النقاد الذين يملكون منهجا واحدا يطبقونه على جميع النصوص " وبالتالي انطلق في دراسة قصيدة اعتمادا على مقولة نقدية تقتضيها القصيدة وفي أخرى على مقولة نقدية أخرى تناسبها أكثر ؟
وهنا أود أن أقف أمام الدراسة الرابعة التي تناول فيها قصيدة الانتفاضة " تقدموا " وأشير إلى جانبين :
- الأول توزيع القصيدة
- والثاني إغفال الدراسات السابقة التي تناولتها .
يجتهد الدارس فيكتب القصيدة بتوزيع جديد مختلف عنها في مكان نشرها كما ظهرت أول مرة وفي طبعات دواوين الشاعر . يرى الدارس أن هناك أصواتا متعددة في القصيدة هي :
- صوت القائد " دور الشاعر المتكلم "
- صوت جنود القائد " دور الجوقة " وهم جنود القائد .
- صوت الشعب " دور الحضور " .وهم شعب القائد .
وبخصوص الدراسات السابقة التي تناولت القصيدة ، وهي كثيرة " يتكيء الدارس فقط على ما نشر حولها في جريدة " البناء " ٢٠٢١ " قراءة في قصيدة الانتفاضة للقاسم " ، علما بأن هناك دراسات أخرى منها دراسة المثنى الشيخ عطية التي صدرت عن دار الأسوار " قصيدتان لمحمود درويش ولسميح القاسم " عابرون " و " تقدموا " ودراسة الدكتور اليمني عبد العزيز المقالح في كتابه " صدمة الحجارة " ، واللافت هو أن المثنى والمقالح حللا القصيدة فنيا ، ولو اطلع عليهما الدارس لربما أفاد منهما وأبان لنا اختلاف دراسته عنهما وأتمنى أن ينجز الدارس أو دارس آخر هذا فيكتب لنا دراسة أو مقالة عنوانها " تلقي قصيدة سميح القاسم " تقدموا : رسالة إلى غزاة لا يقرأون " نقديا " وأن يدرس الدراسات والمقالات دراسة تعاقبية .
هنا أشير إلى قصيدة كان سميح القاسم كتبها ونشرها في ديوان الحماسة يبدو فيها الشاعر ذا حس تحريضي نبوئي متأثرا بالفلسفة الماركسية التي نعت أصحابها بأنهم أنبياء العصر . عنوان القصيدة " ضوء جديد لقصر عتيق " وفيها حث الشاعر الفقراء على الثورة والتمرد وتشابه صوته فيها مع صوت بعض الأنبياء الذين حرضوا الفقراء على تغيير واقعهم . هل كان سميح يوم كتبها ينطلق مما ذهب إليه صلاح عبد الصبور في كتابه " حياتي في الشعر " حيث ربط بين الشاعر والنبي والفيلسوف . يرى عبد الصبور أن هناك صلة بين الدين والشعر والفلسفة " إن شهوة " إصلاح العالم " هي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر ، لأن كلا منهم يرى النقص ، فلا يحاول أن يخدع نفسه . بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه ... وكثيرا ما أدرك الأنبياء والفلاسفة ذلك ( التعبير بالصورة الذي يلجأ إليه الشعراء ) فاصطنعوا منهج الشعراء ، ففي آثار كل نبي عظيم أو فيلسوف كبير قبس من الشعر "
ويتابع :
" إن الفلاسفة والأنبياء والشعراء ينظرون إلى الحياة في وجهها ، لا في قفاها ... وكثيرا ما تثقل وطأة هذه النظرة الكاشفة الثاقبة على نفوسهم ، وينتابهم الشك في إمكان الإصلاح ، ولذلك فإن في حياة كل شاعر أو نبي أو فيلسوف لحظات من اليأس المرير أو الاستيشاع للواقع والطبيعة ." .
وهنا يمكن العودة إلى توطئة الكتاب وقراءة ما كتبه الدارس عن لفظتي " الغضب " و " النبوئي " . يبدو سميح في قصيدة الانتفاضة غاضبا فيخاطب الجنود :
" تقدموا
تقدموا
كل سماء فوقكم جهنم
وكل أرض تحتكم جهنم
تقدموا
تقدموا "
ولكنه في قصيدة ثانية يقول :
" في الكون متسع لأهل الكون من صفر إلى بيض ومن حمر
إلى سمر وسود "
وقوله الثاني يحتوي على النظرة الإيجابية للبشرية أجمع ، المحبة هي المحبة ، والعطاء هو العطاء .
سميح في سيرته الذاتية :
" ولك أن تعترف ، ولا تثريب عليك ، دار في خلدك أنه ليس من الاعتباطية إمكانية المؤاخاة ، وفي صيغة عليا ، بين جوهر الماركسية وخلاصة الدين . واصطخبت في عمقك تفاعلات نووية هائلة تجمح نحو حالة ينخرط فيها النبي المسكون بالحلم ، بالثائر المطوق بمعطيات الواقع الصلبة ، ولطالما رفضت القطيعة الشائعة بين ما هو موضوعي وما هو ذاتي . بهرتك الأعمدة الشعرية الكلاسيكية لكنها لم تحجب عن ناظري هاجسك الإبداعي آفاق الحداثة حتى أقصى أقاصيها .. وحين دونت وصيتك للأسرتين الصغيرة والكبيرة، في كتاب " الإدراك "، فقد كنت محموما بمحبة غامرة لكل ما خلق الله ، وكنت مفعما بإحساس غير غامض على الإطلاق ، بأنك مكلف من لدن الله سبحانه وتعالى ، بالبحث عن رسالة جديدة تجمع ولا تفرق توحد ولا تبدد... "( صفحة ١٨٤) .
.
السبت ٣ / ٩ / ٢٠٢٢