يرتدي قميصا برتقاليا مائلا الى اللون الاصفر وبنطلون بني كبنطلون الجيش وان لم يكن مبرقعا ، وحذاء جيش طويل العنق ، ملابسه نظيفة جدا ومكوية بعناية ، مع ذلك فكان هزال جسده واضحا ، وشعره الخفيف يوحي بالاصابة بأنيميا ، كان يقف منتصبا يمد رجله اليمني الى الامام قليلا ثم يعود فيمد اليسرى ، يوكئ ذقنه على كفه ثم يبعدها ، لكنه لم يتزحزح من مكانه ، في بداية العشرينات ، اسمر البشرة ، هادئ الملامح. حانت منه التفاتة الى يساره فرفع يده وقال بصوت مهذب: من الباب الآخر يا حاج .. هذا باب الخروج من الهايبر ... الرجل الاخر او الذي ناداه بالحاج كان متوسط الطول او ان كبر السن قد جعل سلسلته الفقرية تنكمش قليلا فيبين قصيرا ، يرتدي جلبابا سودانيا ابيضا وطاقية بيضاء صغيرة ، كان يعقد يديه خلف ظهره ، لوى شفتيه ونظر الى الشاب نظرة ناعسة ثم هز رأسه ببطء وقال: حسنا سأنتظر ابنتي هنا ...
وقف قرب الشاب ، وهو لا يزال يعقد يديه خلف ظهره ، وتبدو عيناه ناعستان وفوق شفتيه المزمومتين شارب ابيض خفيف ، عروق رقبته بارزة ، سأل الشاب: هل انت حارس هنا؟ هز الشاب رأسه ايجابا. صمت الرجل العجوز ، وأخذ يراقب الداخلين والخارجين من الهايبر ، قال للشاب بصوت خفيض: ما هو عملك بالتحديد؟ لم يلتفت اليه الشاب وهو يجيبه: احرس المكان وانظم الدخول والخروج. هز العجوز رأسه ببطء ، القى نظرة بلا معنى إلى الافق ، كان الصباح في بداية طهارته ، الساعة التاسعة تقريبا اوالتاسعة والنصف صباحا ، قال للشاب: وتقف هنا طول اليوم؟ اجابه الشاب: نعم. - أعاد سؤاله: طول اليوم أم ان هناك ساعات محددة للعمل؟ اجابه الشاب: من التاسعة حتى الخامسة . هز العجوز رأسه ببطء ، صمت قليلا ثم اضاف: وتظل واقفا هنا منذ التاسعة وحتى الخامسة؟ . -نعم يا حاج .. قال العجوز: هذا شيء شاق جدا او في الحقيقة ممل جدا... ولابد انك خريج هندسة او طب او حاسوب ولم تجد غير هذه المهنة؟ هز الشاب رأسه نافيا: لا لست كذلك. قال العجوز : يا ابني هذا ليس عملا .. اخلع ملابس المهرج هذه واذهب وابحث عن عمل حقيقي. بدأ الشاب يتوتر ، فقد تلفت يمينا وشمالا بسرعة . قال العجوز: تبدو ابن ناس... قال الشاب وهو يتماسك: شكرا يا حاج ...
دار العجوز بجسده مراقبا الخارجين من الهايبر ؛ ثم عاد الى وقفته المتأملة للأفق ويديه خلف ظهره : صحيح قد تكون مشكلتك انك لا تملك حرفة وبالتالي ليس لديك مهنة حقيقية... هل الراتب مجز؟ مضت برهة من الزمن ، غكغم الشاب: ارحمني يا عمك... فسأله العجوز: ماذا تقول لم اسمعك بماذا تبرطم؟ مسح الشاب وجهه باصابع يده المفرودة وقال بصوت خفيض: لا شيء يا حاج.
قال العجوز: لم تجبني.. هل الراتب مجز... هل يستحق هذه الوقفة الطويلة المملة؟
لم يعرف الشاب ماذا يقول: لا اعرف اذا ما كان مجزيا ام لا ، لكنه افضل من لا شيء. قال العجوز: صحيح.
مر من امامهما شاب سمين يرتدي سترة رياضية قطنية خفيفة ولكنها تبدو اصلية ، نفخ سجارته وهو يرفع رأسه الى اعلى ثم اطفأها وهو يدوس عليها بحذائه ، قبل ان يتجه الى باب دخول الهايبر. تابعه العجوز بنظرات دقيقة ومتمعنة ، ثم قال للشاب: الا تلاحظ ان اغلب من يدخلون الى الهايبر ماركت سمان الجثة... ابتسم الشاب وهز رأسه ايجابا ، اضاف العجوز: هم طبعا ابناء النظام ، لاحظ كيف يخرجون وهم معبئون بالاكياس والحاجيات ، انهم ينفقون آلاف الجنيهات دون ان يطرف لهم جفن . صمت الشاب فاستطرد العجوز: من غير ابناء الاخوان المسلمين يستطيع دخول هايبر ماركت في السودان وينفق عشرات الآلاف لمجرد التبضع؟ ها.. قل لي من؟ اجابه الشاب: لا اعرف ياحاج.. - اكيد ابناء النظام وحدهم ... لاحظ لتلك الفتاة العشرينية . القى الشاب نظرة الى فتاة عشرينية سمينة تسير بصعوبة وهي ترفع منخريها عاليا الى السماء وتطوح باصابع يدها مفاتيح سيارتها الفخمة الى الامام والخلف . قال العجوز: انظر اليها اليست هي ايضا سمينة؟ من يأكل كل هذا الأكل سوى ابناء النظام في نظرك؟ صمت الشاب ولم يجب ، قال العجوز: لا أحد غيرهم بالطبع . هذه الاحجام الضخمة ليست لدى باقي الشعب. انظر الى تلك المرأة التي تبيع الشاي .. انظر اليها كم هي نحيلة ومصابة بفقر الدم ، ان ساعدها يرتجف حين تحمل ابريق الشاي لتصبه على الكوب... اكتفى الشاب بالقول: هذا صحيح... كان العجوز يتحدث وهو لا يزال يعقد يديه خلف ظهره ، تابع بنظراته رجلا ستينيا ينزل من سيارته ، فقال: انظر الى عمامته ... انظر اليها كيف هي ضخمة ، هناك قلة ممن يرتدون مثل هذه العمامات الضخمة ، واهمهم التجار طبعا ، هذا تاجر كبير جدا وبالتأكيد نافذ او له صلة بأحد الاسلاميين في السلطة ... اما التجار الكبار الذين كان لهم تاريخ وشأن فقد تم تدميرهم تماما من قبل النظام الإسلامي ... لم يبق منهم الا قلة قليلة لا زالت تحاول الحفاظ على مستواها المعيشي .. ولكنهم بالتأكيد لن يدخلوا الى هايبر ماركت .. هذا محسوم صدقني... صمت الشاب ثم قال مخاطبا الرجل ذو العمامة الضخمة: من الباب الآخر يا سيدي ... هذا باب الخروج ... نظر اليهالرجل باشمئزاز ولم يعقب بل دار على عقبيه واتجه الى الباب الآخر . قال العجوز: هل قلت لك انه تاجر... اظنني قد اخطأت ... هذا من اتباع النظام .. انه اسلامي حتى النخاع ... الم تر نظرته المحتقرة التي صوبها لك ... هذه هي اخلاقهم صدقني انا اعرفهم جيدا ...
مضت برهة من الزمن وبدأ الناس يتواردون على الهايبر ، قال العجوز: انهم جميعا يرغبون في التبضع قبل صلاة الجمعة لأن الهايبر يغلق ابوابه ... ابنتي ايضا قالت ذلك ... قالت لي يجب ان نذهب قبل صلاة الجمعة حتى نكسب الوقت ، على ماذا يدل هذا في نظرك.. ها على ماذا يدل؟ تثاءب الشاب وقال وهو يخفي فمه براحته: لا اعرف يا حاج. قال العجوز: يدل على انهم جميعا لا يذهبون الى الصلاة .. كاد الشاب ان يقول له: ليس بالضرورة.. لكنه فضل الصمت. فاستطرد العجوز: حكومة الولاية اصدرت قانونا يمنع المحلات من فتح ابوابها منذ صلاة الجمعة وحتى نهاية الصلاة ... لم اعرف الحكمة من ذلك حقيقة .. من اراد ان يصلي فسيصلي ومن لم يرد فهذا شأنه ... هل الذهاب الى الصلاة اجباري؟ وهل غلق المحلات سيجعل الناس يذهبون الى الصلاة.. لا اعتقد ذلك... يبدو لي اجراءا فيه كثير من الرياء.. وهو الرياء والمظاهر التي يتسم بها الاخوان عموما ... لكن لم نحصر الرياء في الاخوان ... الجميع يراءون ... نعم ... ان الموظف يطلق لحيته ويطلب الرشوة ثم يهرول لأداء الصلاة ... ربما كان هذا سذاجة او رياء.. حقيقة لا اعرف.. ما رأيك انت؟ ها ... ما رأيك؟ قظم الشاب اظافر يده اليمني بأسنانه البيضاء ، وطوال هذا الحوار لم ينظر احد الرجلين للآخر ، أصر العجوز: ليس لديك رأي؟ قال الشاب بتوتر: حقا لا اعرف يا حاج ... قال العجوز بدهشة: يا إلهي .. وماذا تفعل هنا وانت تقف طوال اليوم دون ان تتأمل الداخلين والخارجين ... الا تفكر وتحلل هذه الشخصيات. قال الشاب بامتعاض: لا اجد ذلك ممتعا بالنسبة لي . سأله العجوز: حسنا .. اذا لم اكن اضايقك... ففي أي شيء تفكر وانت تقف هنا اثناء نهارك كله؟ حار الشاب جوابا ثم قال بخجل: لا شيء ... لا افكر في شيء يا حاج... اتسعت عينا العجوز وفغر فمه وهو يقول: لا شيء .. لا تفكر في اي شيء... بعدها عادت ملامحه الى سابق عهدها حيث عيناه ناعستان ونظراته الى الافق بلا معنى ، الى ان سمع الرجلان صوتا انثويا ينادي على العجوز ، فتنفس الشاب الصعداء....قال العجوز: هذه ابنتي .. استميحك عذرا سأذهب الآن ... سعدت بالحديث معك... قال الشاب مبتسما: وانا كذلك يا حاج... صحبتك السلامة.... راقب الشاب العجوز والفتاة الذان اوقفا ركشة وركباها مغادرين ...ظل صامتا .. محاولا استجماع ما انقضى من صبره ... رأى شابا سمينا ينزل من سيارته فتذكر حديث العجوز... وبالفعل بدأ يلاحظ ان اغلب مرتادي الهايبر سمان جدا ... نظر الى ساعة يده البلاستيكية المصنوعة في الصين ووجدها الحادية عشر الا الثلث ... تبقى له اكثر من ست ساعات حتى يغادر.... رأى سيدة عجوز تههبط من سيارتها اوتوماتيكية القير .... كانت تتحرك بصعوبة ... تميل الى اليمين بجسدها كله ثم تميل الى اليسار بجسدها كله ايضا ... كانت تتجه الى باب الخروج ... هم بأن يوقفها ويطلب منها الدخول من الباب الآخر الا ان شيئا ما منعه من فعل ذلك... ست ساعات او ربما اكثر سيظل واقفا هكذا ...سيأتون اليه بعد قليل بسندوتش لأكله وهو جائع حقا ... التفت حين جاءه صوت رجل آخر مناديا اسمه: حيدر.... اجاب الشاب مدير الهايبر: نعم سيدي ... سأله المدير بحدة: لماذا لا تمنع الناس من الدخول من باب الخروج... هل هذه مهمة صعبة عليك.... حدجه المدير بنظرة غاضبة ... الا ان الشاب لم يجب فاردف المدير: لماذا لا تجاوب .. الم تسمع سؤالي... لا تكرر هذا الأمر مرة أخرى.. سيأتونك بطعام الافطار بعد قليل ... لم يكن الشاب قادرا على الاجابة ... لم يستطع ان يخبره بأن شيئا ما منعه ... شيء لا يعرفه هو نفسه... نظر الى الأفق وحاول الوقوف بثبات .. لكنه لم يعد قادرا على الوقوف ... هناك شيء ما غير مزاجه تماما ... شيء لم يحدث له منذ الاشهر الستة التي قضاها في هذا العمل واقفا دون اي مشكلة.... وهنا تذكر حديث الرجل ...فتحرك بسرعة ودخل الى الهايبر ، متجها الى غرفة العاملين ، وهناك خلع ملابس العمل وارتدى ملابسه ... وحين هم بالخروج قابله المدير الذي قال مندهشا: ماذا تفعل يا حيدر.... قال الشاب: لن استطيع مواصلة هذا العمل يا سيدي... سأله المدير: ماذا تقصد .. هل تستقيل.. اذا استقلت فلن يكون لك اي مخصصات مالية سوى راتبك لهذا الشهر ... قال الشاب: لا اريد راتبا ولا مخصصات يا سيدي .. انني مغادر ... سأبحث عن عمل حقيقي...
ثم خرج من الهايبر....
وقف قرب الشاب ، وهو لا يزال يعقد يديه خلف ظهره ، وتبدو عيناه ناعستان وفوق شفتيه المزمومتين شارب ابيض خفيف ، عروق رقبته بارزة ، سأل الشاب: هل انت حارس هنا؟ هز الشاب رأسه ايجابا. صمت الرجل العجوز ، وأخذ يراقب الداخلين والخارجين من الهايبر ، قال للشاب بصوت خفيض: ما هو عملك بالتحديد؟ لم يلتفت اليه الشاب وهو يجيبه: احرس المكان وانظم الدخول والخروج. هز العجوز رأسه ببطء ، القى نظرة بلا معنى إلى الافق ، كان الصباح في بداية طهارته ، الساعة التاسعة تقريبا اوالتاسعة والنصف صباحا ، قال للشاب: وتقف هنا طول اليوم؟ اجابه الشاب: نعم. - أعاد سؤاله: طول اليوم أم ان هناك ساعات محددة للعمل؟ اجابه الشاب: من التاسعة حتى الخامسة . هز العجوز رأسه ببطء ، صمت قليلا ثم اضاف: وتظل واقفا هنا منذ التاسعة وحتى الخامسة؟ . -نعم يا حاج .. قال العجوز: هذا شيء شاق جدا او في الحقيقة ممل جدا... ولابد انك خريج هندسة او طب او حاسوب ولم تجد غير هذه المهنة؟ هز الشاب رأسه نافيا: لا لست كذلك. قال العجوز : يا ابني هذا ليس عملا .. اخلع ملابس المهرج هذه واذهب وابحث عن عمل حقيقي. بدأ الشاب يتوتر ، فقد تلفت يمينا وشمالا بسرعة . قال العجوز: تبدو ابن ناس... قال الشاب وهو يتماسك: شكرا يا حاج ...
دار العجوز بجسده مراقبا الخارجين من الهايبر ؛ ثم عاد الى وقفته المتأملة للأفق ويديه خلف ظهره : صحيح قد تكون مشكلتك انك لا تملك حرفة وبالتالي ليس لديك مهنة حقيقية... هل الراتب مجز؟ مضت برهة من الزمن ، غكغم الشاب: ارحمني يا عمك... فسأله العجوز: ماذا تقول لم اسمعك بماذا تبرطم؟ مسح الشاب وجهه باصابع يده المفرودة وقال بصوت خفيض: لا شيء يا حاج.
قال العجوز: لم تجبني.. هل الراتب مجز... هل يستحق هذه الوقفة الطويلة المملة؟
لم يعرف الشاب ماذا يقول: لا اعرف اذا ما كان مجزيا ام لا ، لكنه افضل من لا شيء. قال العجوز: صحيح.
مر من امامهما شاب سمين يرتدي سترة رياضية قطنية خفيفة ولكنها تبدو اصلية ، نفخ سجارته وهو يرفع رأسه الى اعلى ثم اطفأها وهو يدوس عليها بحذائه ، قبل ان يتجه الى باب دخول الهايبر. تابعه العجوز بنظرات دقيقة ومتمعنة ، ثم قال للشاب: الا تلاحظ ان اغلب من يدخلون الى الهايبر ماركت سمان الجثة... ابتسم الشاب وهز رأسه ايجابا ، اضاف العجوز: هم طبعا ابناء النظام ، لاحظ كيف يخرجون وهم معبئون بالاكياس والحاجيات ، انهم ينفقون آلاف الجنيهات دون ان يطرف لهم جفن . صمت الشاب فاستطرد العجوز: من غير ابناء الاخوان المسلمين يستطيع دخول هايبر ماركت في السودان وينفق عشرات الآلاف لمجرد التبضع؟ ها.. قل لي من؟ اجابه الشاب: لا اعرف ياحاج.. - اكيد ابناء النظام وحدهم ... لاحظ لتلك الفتاة العشرينية . القى الشاب نظرة الى فتاة عشرينية سمينة تسير بصعوبة وهي ترفع منخريها عاليا الى السماء وتطوح باصابع يدها مفاتيح سيارتها الفخمة الى الامام والخلف . قال العجوز: انظر اليها اليست هي ايضا سمينة؟ من يأكل كل هذا الأكل سوى ابناء النظام في نظرك؟ صمت الشاب ولم يجب ، قال العجوز: لا أحد غيرهم بالطبع . هذه الاحجام الضخمة ليست لدى باقي الشعب. انظر الى تلك المرأة التي تبيع الشاي .. انظر اليها كم هي نحيلة ومصابة بفقر الدم ، ان ساعدها يرتجف حين تحمل ابريق الشاي لتصبه على الكوب... اكتفى الشاب بالقول: هذا صحيح... كان العجوز يتحدث وهو لا يزال يعقد يديه خلف ظهره ، تابع بنظراته رجلا ستينيا ينزل من سيارته ، فقال: انظر الى عمامته ... انظر اليها كيف هي ضخمة ، هناك قلة ممن يرتدون مثل هذه العمامات الضخمة ، واهمهم التجار طبعا ، هذا تاجر كبير جدا وبالتأكيد نافذ او له صلة بأحد الاسلاميين في السلطة ... اما التجار الكبار الذين كان لهم تاريخ وشأن فقد تم تدميرهم تماما من قبل النظام الإسلامي ... لم يبق منهم الا قلة قليلة لا زالت تحاول الحفاظ على مستواها المعيشي .. ولكنهم بالتأكيد لن يدخلوا الى هايبر ماركت .. هذا محسوم صدقني... صمت الشاب ثم قال مخاطبا الرجل ذو العمامة الضخمة: من الباب الآخر يا سيدي ... هذا باب الخروج ... نظر اليهالرجل باشمئزاز ولم يعقب بل دار على عقبيه واتجه الى الباب الآخر . قال العجوز: هل قلت لك انه تاجر... اظنني قد اخطأت ... هذا من اتباع النظام .. انه اسلامي حتى النخاع ... الم تر نظرته المحتقرة التي صوبها لك ... هذه هي اخلاقهم صدقني انا اعرفهم جيدا ...
مضت برهة من الزمن وبدأ الناس يتواردون على الهايبر ، قال العجوز: انهم جميعا يرغبون في التبضع قبل صلاة الجمعة لأن الهايبر يغلق ابوابه ... ابنتي ايضا قالت ذلك ... قالت لي يجب ان نذهب قبل صلاة الجمعة حتى نكسب الوقت ، على ماذا يدل هذا في نظرك.. ها على ماذا يدل؟ تثاءب الشاب وقال وهو يخفي فمه براحته: لا اعرف يا حاج. قال العجوز: يدل على انهم جميعا لا يذهبون الى الصلاة .. كاد الشاب ان يقول له: ليس بالضرورة.. لكنه فضل الصمت. فاستطرد العجوز: حكومة الولاية اصدرت قانونا يمنع المحلات من فتح ابوابها منذ صلاة الجمعة وحتى نهاية الصلاة ... لم اعرف الحكمة من ذلك حقيقة .. من اراد ان يصلي فسيصلي ومن لم يرد فهذا شأنه ... هل الذهاب الى الصلاة اجباري؟ وهل غلق المحلات سيجعل الناس يذهبون الى الصلاة.. لا اعتقد ذلك... يبدو لي اجراءا فيه كثير من الرياء.. وهو الرياء والمظاهر التي يتسم بها الاخوان عموما ... لكن لم نحصر الرياء في الاخوان ... الجميع يراءون ... نعم ... ان الموظف يطلق لحيته ويطلب الرشوة ثم يهرول لأداء الصلاة ... ربما كان هذا سذاجة او رياء.. حقيقة لا اعرف.. ما رأيك انت؟ ها ... ما رأيك؟ قظم الشاب اظافر يده اليمني بأسنانه البيضاء ، وطوال هذا الحوار لم ينظر احد الرجلين للآخر ، أصر العجوز: ليس لديك رأي؟ قال الشاب بتوتر: حقا لا اعرف يا حاج ... قال العجوز بدهشة: يا إلهي .. وماذا تفعل هنا وانت تقف طوال اليوم دون ان تتأمل الداخلين والخارجين ... الا تفكر وتحلل هذه الشخصيات. قال الشاب بامتعاض: لا اجد ذلك ممتعا بالنسبة لي . سأله العجوز: حسنا .. اذا لم اكن اضايقك... ففي أي شيء تفكر وانت تقف هنا اثناء نهارك كله؟ حار الشاب جوابا ثم قال بخجل: لا شيء ... لا افكر في شيء يا حاج... اتسعت عينا العجوز وفغر فمه وهو يقول: لا شيء .. لا تفكر في اي شيء... بعدها عادت ملامحه الى سابق عهدها حيث عيناه ناعستان ونظراته الى الافق بلا معنى ، الى ان سمع الرجلان صوتا انثويا ينادي على العجوز ، فتنفس الشاب الصعداء....قال العجوز: هذه ابنتي .. استميحك عذرا سأذهب الآن ... سعدت بالحديث معك... قال الشاب مبتسما: وانا كذلك يا حاج... صحبتك السلامة.... راقب الشاب العجوز والفتاة الذان اوقفا ركشة وركباها مغادرين ...ظل صامتا .. محاولا استجماع ما انقضى من صبره ... رأى شابا سمينا ينزل من سيارته فتذكر حديث العجوز... وبالفعل بدأ يلاحظ ان اغلب مرتادي الهايبر سمان جدا ... نظر الى ساعة يده البلاستيكية المصنوعة في الصين ووجدها الحادية عشر الا الثلث ... تبقى له اكثر من ست ساعات حتى يغادر.... رأى سيدة عجوز تههبط من سيارتها اوتوماتيكية القير .... كانت تتحرك بصعوبة ... تميل الى اليمين بجسدها كله ثم تميل الى اليسار بجسدها كله ايضا ... كانت تتجه الى باب الخروج ... هم بأن يوقفها ويطلب منها الدخول من الباب الآخر الا ان شيئا ما منعه من فعل ذلك... ست ساعات او ربما اكثر سيظل واقفا هكذا ...سيأتون اليه بعد قليل بسندوتش لأكله وهو جائع حقا ... التفت حين جاءه صوت رجل آخر مناديا اسمه: حيدر.... اجاب الشاب مدير الهايبر: نعم سيدي ... سأله المدير بحدة: لماذا لا تمنع الناس من الدخول من باب الخروج... هل هذه مهمة صعبة عليك.... حدجه المدير بنظرة غاضبة ... الا ان الشاب لم يجب فاردف المدير: لماذا لا تجاوب .. الم تسمع سؤالي... لا تكرر هذا الأمر مرة أخرى.. سيأتونك بطعام الافطار بعد قليل ... لم يكن الشاب قادرا على الاجابة ... لم يستطع ان يخبره بأن شيئا ما منعه ... شيء لا يعرفه هو نفسه... نظر الى الأفق وحاول الوقوف بثبات .. لكنه لم يعد قادرا على الوقوف ... هناك شيء ما غير مزاجه تماما ... شيء لم يحدث له منذ الاشهر الستة التي قضاها في هذا العمل واقفا دون اي مشكلة.... وهنا تذكر حديث الرجل ...فتحرك بسرعة ودخل الى الهايبر ، متجها الى غرفة العاملين ، وهناك خلع ملابس العمل وارتدى ملابسه ... وحين هم بالخروج قابله المدير الذي قال مندهشا: ماذا تفعل يا حيدر.... قال الشاب: لن استطيع مواصلة هذا العمل يا سيدي... سأله المدير: ماذا تقصد .. هل تستقيل.. اذا استقلت فلن يكون لك اي مخصصات مالية سوى راتبك لهذا الشهر ... قال الشاب: لا اريد راتبا ولا مخصصات يا سيدي .. انني مغادر ... سأبحث عن عمل حقيقي...
ثم خرج من الهايبر....