أ. د. عادل الأسطة - سميرة عزام وغسان كنفاني (1--2)

(1)

لا أعرف إن كان قارئو قصة غسان كنفاني " أبعد من الحدود " ودارسوها ربطوا بينها وبين قصة سميرة عزام " فلسطيني " من مجموعتها " الساعة والإنسان " الصادرة تقريبا في الفترة نفسها التي صدرت فيها مجموعة كنفاني " أرض البرتقال الحزين " ، وكلتا المجموعتين صدرتا في العام ١٩٦٣ .
لا أعرف ما سبق ولكني أعرف أن الكاتب تأثر بالكاتبة وأن النقاد تنبهوا إلى هذا وأتوا بأدلة . هل كان منها - أي الأدلة - الربط بين القصتين المذكورتين ؟
اقرأوا الفقرة الآتية من قصة كنفاني :
" لقد حاولتم تذويبي يا سيدي ! حاولتم ذلك بجهد متواصل لا يكل ولا يمل يا سيدي . هل أكون مغرورا فأقول بأنكم لم تفلحوا ؟ بلى ! افلحتم إلى حد بعيد وخارق ، الست ترى أنكم استطعتم نقلي ، بقدرة قادرة ، من إنسان إلى حالة ؟ أنا إذن حالة .. لست أعلى من ذلك قط ، وقد أكون أدنى .. ولأنني حالة ، لأننا حالة ، فنحن نستوي بشكل مذهل ! إنه عمل رائع جدا رغم انه احتاج الى فترة طويلة ، ولكن يا سيدي ، إن تذويب مليون إنسان معا ، ثم جعلهم شيئا واحدا متوحدا ليس عملا سهلا ، ولذلك أعتقد أنك تسمح له إن احتاج ذلك الوقت الطويل .. لقد أفقدتم أولئك المليون صفاتهم الفردية المميزة .. ولستم في حاجة ، الآن ، إلى تمييز وتصنيف ، أنتم الآن أمام حالة .. فإذا خطر لكم أن تسموها لصوصية ، فإنهم لصوص .. خيانة ؟ كلهم ، إذن ، خونة ! فلماذا الإرهاق والتعب والنظريات البشرية المعقدة ؟"
أهالي المخيمات في فلسطين = لاجيء / اللاجئون
الفلسطينيون في المنافي = الفلسطيني / قل للفلسطيني
أهالي المخيمات في فلسطين وخارجها = مخيمجية .
يستطع قاريء قصة سميرة عزام أن يعثر بسهولة على الفقرة التي تصور تعامل الآخرين مع الفلسطيني على أنه واحد من قطيع لا اسم له ولا خصوصية . شخص لا ملامح فردية له .

٩ / ٢ / ٢٠٢٥

***

(2)

أتيت من قبل على التأثر والتأثير في قصص سميرة عزام وغسان كنفاني واقتبست فقرة من قصص الثاني ( ٩ / ٢ / ٢٠٢٥ ) . أدرج اليوم مقطعا من قصة الأولى " فلسطيني " من مجموعتها " الساعة والإنسان " ، ففيها كتبت عن فقدان الفلسطيني في المنفى ملامحه الفردية الخاصة وتحوله إلى حالة كما لو أنه فرد من قطيع لا خصوصية له ، فلا اسم ولا خصوصية .
أعتقد أن القصة تحكي عن الفلسطينيين في خارج فلسطين ، ففي داخلها حيث الكل فلسطينيون استخدمت كلمة " اللاجيء / لاجيء " وصار اللاجئون كلهم قطيعا لا ملامح فردية لهم ولا خصوصية " وجهك وجه لاجيء " وفي فترات لاحقة صار التمييز بين فلسطينيي الأرض المحتلة في العام ١٩٤٨ وفلسطينيي الضفة الغربية وفلسطينيي غزة " الغزازوة " ، و ... و ... والكتابة تطول .
في أثناء قراءة الفقرات المقتبسة أرجو الالتفات إلى زمنها الكتابي ( خمسينيات وبداية ستينيات القرن العشرين ) فالزمن تغير والأحوال اختلفت ، وفي بلدان عربية عديدة اختلط الفلسطيني بغيره وضعفت حدة التمييز ، وفي داخل الوطن حدث الشيء نفسه . خذوا مدينة نابلس مثالا ، فهي الآن مدينة اختلط سكانها بلاجئيها ، بل وبقروييها ، ومنذ نشوء حركة حماس وازدياد أنصارها صار التمييز يقوم غالبا على أساس ثنائية فتحاوي / حمساوي .
كان قصدي من وراء إدراج الفقرات هو التشابه بين قصتي عزام و كنفاني المذكورتين .
من قصة " فلسطيني "
" فهو في هذا الركن الذي تقوم فيه دكان لا تختلف في شيء عن أكثر الدكاكين ليس أكثر من " فلسطيني " ... بهذا ينادونه ، ويعرفونه ، ويشتمونه إذا ما اقتضى الأمر ، شأنه شأن ذلك الأرمني الإسكافي الذي عرفه في صباه ، الذي سلخ من عمره ثلاثين عاما متداركا نعال الحي بالرفع فلم يبال به أحد .. "
" وقبل سنوات لم يهضم أن يدفع ربعه ليبحث عن جد له في قرية لبنانية طيبة ، وليبتعث تاريخا جديدا لجده أبي صالح الذي ولد فيما يعلم أيضا ، في " الرامة " وبهذا لا يكون قد أنكره قبل صياح الديك ثلاثا ، ولكنه يستأذنه في أن يعدل من صدفة جغرافية تعفيه من كلمة " فلسطيني " تشده إلى قطيع امحت فيه معالم الفردية ، يتلفظون بها مشفقين حين يرفض أن يكون موضع شفقة ، أو ساخطين دون مبرر لسخط ، أو متوعدين كلما نفث منافسوه من أصحاب الدكاكين الصغيرة حقدهم ونسجوه إشاعات يفسرون بها الأحداث على هواهم تلتف حوله خيوطا واهية ولكنها متكاثفة ضبابة قلق تحسسه أنه وحانوته هذا وأولاده الأربعة وزوجه ليسوا أكثر من ألهية يتعابث بها مفسرو الحوادث ، وأن ضمانته الوحيدة من الترحيل إلى مجهول من اللجوء المركب هي أن يكون متجنسا "
" وتمد المرأة صوتها الأرعن جسرا عبر الشارع تبلغ به صبي الكراج المواجه وتقول له بلهجتها الممطوطة الخلية " وينك يا ولد : قل للفلسطيني " أن يضع في السلة زجاجة كوكا كولا " ...
عادل الاسطة
٢٠ / ٢ / ٢٠٢٥ .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى