لماذا الألم المتوحش المسنون ينقر قلوب الصبايا الملاح.. لماذالايهاتف مستأذنا.. معلنا قدومه المحتوم.. هل يمكن غلق الباب دونه وهو الذي لايهتم بباب أو شباك..
يأتي وقتما يشاء ويختار من يشاء.. تنتحب صمت.. جدران الحجرة حولها باردة.. سنوات عمرها تتساقط كأوراق خريف ذابل.. وهي التي كانت في نضارة الربيع.. واسعة العينين.. غزيرة الشعر والحلاوة, كل ملمح في وجهها مشرق فاتن.. تغادرها الحكايات الجميلة التي صاحبتها في ملاعب الصبا.. كما غادرها الفرح.. كيف لروح نابضة ان تمارس الموت.. بردت أطرافها وارتعشت حين ابصرت الممرضات في ثيابهن الثلجية يخذلها الموت لا يأتيها سريعا كما توقعت.. استسلمت لوخزات الابر الموجعة في أوردتها الواهنة.. كل شيء من حولها باهت.. تحيط به هالة من ضباب مصفر غير صاف.. ليست وحدها من تتجرع الألم.. هناك الألم الذي ينهش روحها.. مئات الحشرات الصغيرة تفترس روحها اللينة.. تحلم لابنتها بالقادم البعيد والفارس النبيل الذي لا يأتي.. حاملا سلال الورد والياسمين وثوب الفرح.. ولتحقق المسرة وخضرة الروح وطراوتها.. مضمدا جراحات الأيام.. يحمل لها حبا بحجم الكون.. يمنحها قوة تعينها علي التحليق وسط اجواء فردوسية.. وسحب وردية.. إنها تحمل قلبا دافئا دافقا.. لم يصبه عطب الحب.. البيض ينضج فوق وجنتيها المشرقتين. آلاف النجمات تناثرت من فوق قبة سمائها جثثا آفلة..
هل يمكن للعصافير تسلق لبلابتها التي جفت.. وهل تقدر علي إطعامها كما كانت تفعل..؟
إنها حطام سفينة.. قذفتها موجة عاتية نحو رمال شاطئ مجهول..
لابد من نثر بذور التفاؤل.. لتنمو فوق ريش الليل البغيض.. أنابيب بلاستيكية شفيفة موصولة بالأوردة وجهاز غسل الكلي.. موصولة بنصل سكين حاد لايري يشطر قلب الألم نصفين. تشارك ابنتها الوجع والدموع التي تترقرق في العيون التي انطفأت بفعل المرض.. عصافير صغيرة رمادية اللون.. تقف خلف زجاج نافذة الحجرة.. تتقافز برشاقة حسناوات الباليه.. تنقر الصبح بحثا عن حياة تمنحها حبة قمح شاردة أو أقل.. لا تستطيع ان تفتح النافذة لإطعام العصافير من طعامها الذي لم تتناولة وادخرته من أجلها.. فالغرفة مكيفة ومحظور فتح النوافذ.. فوارغ الأدوية والأنابيب ووجوه المرضي والأجهزة تلتقيهم ثلاثة أيام في الأسبوع تنتظر ان يفرغ الجهاز ويعقم ساعة كاملة لتبدأ دورتها التي تستمر أربع ساعات كاملة أزال المطر غبار الشوارع فبدت لامعة.. واصطبغت السماء بألوان وردية.. تبعث في النفس ارتياحا لاسبيل الي مقاومته.. هل مبعث ذلك الارتياح ماقاله الطبيب: انه في الغد ستنتهي كل آلامها بعد جراحة دقيقة ومهمة.. بعدها لن تحتاج لماكينات الغسيل أبدا.. كانت ترغب في وجود أمها عند إجراء الجراحة.. والتي إعتذرت لمرض شقيقها الصغير المفاجئ.. تأكد طبيب البنج من غيابها طوال عملية زرع الكلي الدقيقة والتي انتهت بها الي غرفة العناية المركزة.. وهي لاتدري ان امها تشاركها حجرة العناية.. بعد ان اخفت عنها نقل كليتها اليها.. لتسكت الألم وتعيد اليها نضارتها.. يبكي الابنة حين تعرف ان امها لم تتأخر يوما واحدا عنها.. وغيابها المفاجئ.. كان لاجراء الفحوصات والتحاليل والتجهيز لعملية الزرع الدقيقة.. هي بمثابة الدنيا.. وحزمة الضوء.. قوية.. لديها القدرة علي خرق المسافات.. والقفز من فوق الحواجز والمستحيلات.. هي الفردوس رغم اشتداد الظلمة.. تلقي بردتها فوق الابنة فتنام.. بعد ان هدأت الآلام.. وتعود للاحلام الملونة تقص الحكايات للعصافير والناس.. اي عطاء هذا يكسر الزمن اليابس.. ويعيد للاشجار والأزهار نضارتها.. عطاء لايماثله عطاء. يسافر في الدم.. ويسقي جفاف الروح.. امي وريح المسك يسبقها.. عقيق الماس.. وأحن الناس خلدتك في الحكايات.. لانك اصدق واعظم من كل الكلمات.
محمد محمود غدية/ المحلة الكبري
يأتي وقتما يشاء ويختار من يشاء.. تنتحب صمت.. جدران الحجرة حولها باردة.. سنوات عمرها تتساقط كأوراق خريف ذابل.. وهي التي كانت في نضارة الربيع.. واسعة العينين.. غزيرة الشعر والحلاوة, كل ملمح في وجهها مشرق فاتن.. تغادرها الحكايات الجميلة التي صاحبتها في ملاعب الصبا.. كما غادرها الفرح.. كيف لروح نابضة ان تمارس الموت.. بردت أطرافها وارتعشت حين ابصرت الممرضات في ثيابهن الثلجية يخذلها الموت لا يأتيها سريعا كما توقعت.. استسلمت لوخزات الابر الموجعة في أوردتها الواهنة.. كل شيء من حولها باهت.. تحيط به هالة من ضباب مصفر غير صاف.. ليست وحدها من تتجرع الألم.. هناك الألم الذي ينهش روحها.. مئات الحشرات الصغيرة تفترس روحها اللينة.. تحلم لابنتها بالقادم البعيد والفارس النبيل الذي لا يأتي.. حاملا سلال الورد والياسمين وثوب الفرح.. ولتحقق المسرة وخضرة الروح وطراوتها.. مضمدا جراحات الأيام.. يحمل لها حبا بحجم الكون.. يمنحها قوة تعينها علي التحليق وسط اجواء فردوسية.. وسحب وردية.. إنها تحمل قلبا دافئا دافقا.. لم يصبه عطب الحب.. البيض ينضج فوق وجنتيها المشرقتين. آلاف النجمات تناثرت من فوق قبة سمائها جثثا آفلة..
هل يمكن للعصافير تسلق لبلابتها التي جفت.. وهل تقدر علي إطعامها كما كانت تفعل..؟
إنها حطام سفينة.. قذفتها موجة عاتية نحو رمال شاطئ مجهول..
لابد من نثر بذور التفاؤل.. لتنمو فوق ريش الليل البغيض.. أنابيب بلاستيكية شفيفة موصولة بالأوردة وجهاز غسل الكلي.. موصولة بنصل سكين حاد لايري يشطر قلب الألم نصفين. تشارك ابنتها الوجع والدموع التي تترقرق في العيون التي انطفأت بفعل المرض.. عصافير صغيرة رمادية اللون.. تقف خلف زجاج نافذة الحجرة.. تتقافز برشاقة حسناوات الباليه.. تنقر الصبح بحثا عن حياة تمنحها حبة قمح شاردة أو أقل.. لا تستطيع ان تفتح النافذة لإطعام العصافير من طعامها الذي لم تتناولة وادخرته من أجلها.. فالغرفة مكيفة ومحظور فتح النوافذ.. فوارغ الأدوية والأنابيب ووجوه المرضي والأجهزة تلتقيهم ثلاثة أيام في الأسبوع تنتظر ان يفرغ الجهاز ويعقم ساعة كاملة لتبدأ دورتها التي تستمر أربع ساعات كاملة أزال المطر غبار الشوارع فبدت لامعة.. واصطبغت السماء بألوان وردية.. تبعث في النفس ارتياحا لاسبيل الي مقاومته.. هل مبعث ذلك الارتياح ماقاله الطبيب: انه في الغد ستنتهي كل آلامها بعد جراحة دقيقة ومهمة.. بعدها لن تحتاج لماكينات الغسيل أبدا.. كانت ترغب في وجود أمها عند إجراء الجراحة.. والتي إعتذرت لمرض شقيقها الصغير المفاجئ.. تأكد طبيب البنج من غيابها طوال عملية زرع الكلي الدقيقة والتي انتهت بها الي غرفة العناية المركزة.. وهي لاتدري ان امها تشاركها حجرة العناية.. بعد ان اخفت عنها نقل كليتها اليها.. لتسكت الألم وتعيد اليها نضارتها.. يبكي الابنة حين تعرف ان امها لم تتأخر يوما واحدا عنها.. وغيابها المفاجئ.. كان لاجراء الفحوصات والتحاليل والتجهيز لعملية الزرع الدقيقة.. هي بمثابة الدنيا.. وحزمة الضوء.. قوية.. لديها القدرة علي خرق المسافات.. والقفز من فوق الحواجز والمستحيلات.. هي الفردوس رغم اشتداد الظلمة.. تلقي بردتها فوق الابنة فتنام.. بعد ان هدأت الآلام.. وتعود للاحلام الملونة تقص الحكايات للعصافير والناس.. اي عطاء هذا يكسر الزمن اليابس.. ويعيد للاشجار والأزهار نضارتها.. عطاء لايماثله عطاء. يسافر في الدم.. ويسقي جفاف الروح.. امي وريح المسك يسبقها.. عقيق الماس.. وأحن الناس خلدتك في الحكايات.. لانك اصدق واعظم من كل الكلمات.
محمد محمود غدية/ المحلة الكبري