09 - 07 - 1945
من معالي مصطفى عبد الرزاق باشا إلى الدكتور عثمان أمين
صديقي الأستاذ الدكتور عثمان أمين
أول من ترجم للشيخ محمد عبده، وعني بنشر آثاره هو السيد محمد رشيد رضا صاحب (المنار). والسيد رشيد رضا هو أول من لقب الشيخ محمد عبده بالأستاذ الإمام. وهذا اللقب نفسه ينبئ بالصورة التي يرسمها السيد رشيد لشيخه فيما كتب عنه، وينبئ بالفكرة السائدة في وجهة نظر التلميذ إلى أستاذه.
الشيخ محمد عبده عند السيد رشيد رضا إمام من أئمة الإسلام، له في الدين مذهب يقوم أصحابه على روايته وتدوينه كما قام أصحاب أبي حنيفة والشافعي وغيرهما على ما لأولئك الأئمة من مذاهب.
وإذا كان الشيخ عبده إماماً في الدين، فالسيد رشيد رضا لا شك صاحبه ومفسر مذهبه ومكمله. وقد بذل منشئ (المنار) - رحمه الله عليه - مجهوداً في هذه الناحية ضخماً حافلا بالمباحث الدينية والمناقشات الفقهية. وكان لهذا المجهود العظيم أثر غير ضئيل في طلاب العلوم الدينية ومن إليهم، وفي توجيه الدراسات الشرعية في الإسلام المختلفة.
ثم نهض بعض الكتاب والباحثين لدراسات تتصل بالشيخ محمد عبده وآثاره من غير الناحية التي كان السيد رشيد يقصر نظره عليها، وشارك في ذلك طائفة من المستشرقين، لكن هذه الدراسات لم تعدُ في جملتها أن تكون محاولات متفرقة وأن يكون حظ الأدب فيها أكبر من حظ التعمق في البحث، والاستقصاء في المراجع الآخذة في الازدياد.
ولقد رأيتك تتخذ من الأستاذ الإمام موضوع دراسة تحفز لها كل همتك، وتقبل عليها بكل قلبك، وشهدت بعض عنائك في تتبع المراجع وتمحيص النصوص، واستقراء الآثار، وحسن الانتفاع بذلك كله في الاستنتاج والحكم.
ثم قرأت رسالتك لما أتمتها، وكنت حاضر مناقشتها حين تقدمت بها لنيل الدكتوراه. فكنت من أشد الناس سروراً بك وإعجاباً بمصنفك الممتاز الذي يبرز صورة للشيخ عبده صادقة ناطقة، ويحيط بكل الجواب من نشاطه الإصلاحي المترامي الأطراف، ويعرض أنظاره الفلسفية في اتساق ووضوح وحسن طريقة. وإن كتابك ليسد ثغرة في الدراسات المتصلة بالشيخ عبده، وفي الدراسات المتصلة بتاريخ نهضتنا الفكرية والاجتماعية الحديثة من ناحية أثر الشيخ عبده فيها.
مضى أربعون عاماً إلا قليلاً على وفاة الأستاذ الإمام فكتابك الطيب تحية الجيل الجديد من العلماء لمعلم الجيل القديم.
وهي تحية كريمة تتأرج بالحب والوفاء. وأي شئ في الدنيا أكرم من الحب والوفاء.
شكر الله لك وحياك.
مصطفى عبد الرزاق
من معالي مصطفى عبد الرزاق باشا إلى الدكتور عثمان أمين
صديقي الأستاذ الدكتور عثمان أمين
أول من ترجم للشيخ محمد عبده، وعني بنشر آثاره هو السيد محمد رشيد رضا صاحب (المنار). والسيد رشيد رضا هو أول من لقب الشيخ محمد عبده بالأستاذ الإمام. وهذا اللقب نفسه ينبئ بالصورة التي يرسمها السيد رشيد لشيخه فيما كتب عنه، وينبئ بالفكرة السائدة في وجهة نظر التلميذ إلى أستاذه.
الشيخ محمد عبده عند السيد رشيد رضا إمام من أئمة الإسلام، له في الدين مذهب يقوم أصحابه على روايته وتدوينه كما قام أصحاب أبي حنيفة والشافعي وغيرهما على ما لأولئك الأئمة من مذاهب.
وإذا كان الشيخ عبده إماماً في الدين، فالسيد رشيد رضا لا شك صاحبه ومفسر مذهبه ومكمله. وقد بذل منشئ (المنار) - رحمه الله عليه - مجهوداً في هذه الناحية ضخماً حافلا بالمباحث الدينية والمناقشات الفقهية. وكان لهذا المجهود العظيم أثر غير ضئيل في طلاب العلوم الدينية ومن إليهم، وفي توجيه الدراسات الشرعية في الإسلام المختلفة.
ثم نهض بعض الكتاب والباحثين لدراسات تتصل بالشيخ محمد عبده وآثاره من غير الناحية التي كان السيد رشيد يقصر نظره عليها، وشارك في ذلك طائفة من المستشرقين، لكن هذه الدراسات لم تعدُ في جملتها أن تكون محاولات متفرقة وأن يكون حظ الأدب فيها أكبر من حظ التعمق في البحث، والاستقصاء في المراجع الآخذة في الازدياد.
ولقد رأيتك تتخذ من الأستاذ الإمام موضوع دراسة تحفز لها كل همتك، وتقبل عليها بكل قلبك، وشهدت بعض عنائك في تتبع المراجع وتمحيص النصوص، واستقراء الآثار، وحسن الانتفاع بذلك كله في الاستنتاج والحكم.
ثم قرأت رسالتك لما أتمتها، وكنت حاضر مناقشتها حين تقدمت بها لنيل الدكتوراه. فكنت من أشد الناس سروراً بك وإعجاباً بمصنفك الممتاز الذي يبرز صورة للشيخ عبده صادقة ناطقة، ويحيط بكل الجواب من نشاطه الإصلاحي المترامي الأطراف، ويعرض أنظاره الفلسفية في اتساق ووضوح وحسن طريقة. وإن كتابك ليسد ثغرة في الدراسات المتصلة بالشيخ عبده، وفي الدراسات المتصلة بتاريخ نهضتنا الفكرية والاجتماعية الحديثة من ناحية أثر الشيخ عبده فيها.
مضى أربعون عاماً إلا قليلاً على وفاة الأستاذ الإمام فكتابك الطيب تحية الجيل الجديد من العلماء لمعلم الجيل القديم.
وهي تحية كريمة تتأرج بالحب والوفاء. وأي شئ في الدنيا أكرم من الحب والوفاء.
شكر الله لك وحياك.
مصطفى عبد الرزاق