1- الدكتور عبدالله إبراهيم وندوته عن السيرة الذاتية
في ٢٧ / ١ / ٢٠٢٥ ألقى الدكتور عبدالله إبراهيم ( العراق ) ندوة في تطوان ( المغرب ) عن فن السيرة الذاتية حكى فيها عن الموضوع متكئا على تأملات انبثقت من خلال تدريسه في الجامعة هذا الفن ، وقراءته عشرات السير الذاتية وآلاف الروايات ، ومن خلال كتابته سيرته الذاتية " أمواج " التي كتبها خلال خمسة عشر عاما وصاغها ست صياغات ، وكان يوم كتبها في الخمسينيات من عمره ؛ السن المناسب ، من وجهة نظره ، لكتابة السير ( بعد الخمسين تتسع شبكة علاقاته الأسرية والاجتماعية . يغدو أبا لأبناء يقدمون على الزواج وجدا لأحفاد وسن لا تسمح له بالكتابة عن مغامراته وعلاقاته قبل الزواج .. ) .
رأى الدكتور ان كتابة السيرة الذاتية تتطلب قدرا كبيرا من الجرأة في الكتابة عن أشياء شخصية سرية ، وهذا ما لا يمكن أن يكتبه المرء بعد سن الخمسين ؛ لأن المرء كلما تقدم به العمر يخجل من البوح بعلاقات سرية حميمية ان خلت منها السيرة فقدت شرطا مهما من شروط كتابتها .
ما ركز عليه الدكتور كشرط لكتابة السيرة الذاتية هو كتابة اليوميات في سن مبكرة ، ووجهة نظره في ذلك أنها تعينه على رؤية الأشياء كما رآها يوم عاشها ، لا رؤيتها كما يراها الآن ، فدون الاعتماد على اليوميات قد يسقط الكاتب رؤيته الحالية على أحداث الماضي وكانت رؤيته لها في حينه مختلفة .
والسؤال هو :
- هل يكون المرء ، وهو في العشرين ، يعرف انه سيصبح ذا شأن ، وبالتالي سيكتب سيرته ؟
من المعروف مثلا أن من يكتب سيرته الذاتية هو شخص ذو شأن ما ، شخص مر بتجارب تستحق أن تكتب لتتعلم منها الأجيال ولتكون لها مصباحا منيرا تستفيد منه .
ما علينا ! فهناك رأي مهم جدا ركز عليه الدكتور وهو أن لا ينظر كاتب السيرة الذاتية إلى الماضي بعين الحاضر ، وهذا من شأنه يفقد السيرة ميزة مهمة تتمثل في تجنب الاعتراف بالأخطاء وتظهر المرء كما لو انه ولد مكتملا .
يأتي الدكتور بمثال على ذلك وهو موقفه من الحرب العراقية -- الإيرانية في العام ١٩٨٠ . لقد كان في بدايتها معها ثم غير رأيه لاحقا وصار ضدها ، ولأن كتابة السيرة تتطلب الصدق بعيدا عن المصلحة الآنية ، فقد وجب عليه أن يكتب بصراحة ، وما أسعفه بذلك هو اعتماده على اليوميات . لقد جنبته مراجعتها الوقوع في إسقاط موقفه الحاضر الآني على الماضي .
هذه نقطة مهمة جدا فيما أرى ، وغالبا ما تجادلت مع روائيين عرب كبار كتبوا عن الماضي القريب ، فأسقطوا عليه رؤيتهم الآنية ، والكتابة تطول .
ندوة الدكتور مدرجة على صفحته .
Abdullah Ibrahim
خربشات عادل الأسطة
١٠ / ٣ / ٢٠٢٥ .
***
2- عبدالله إبراهيم : شيء عن غالب هلسا
" وفي المساء حضرت جلسة المكتب التنفيذي ، وبصفتي مسؤولا للعلاقات العربية عرضت أسماء المرشحين لجائزة " غالب هلسا " في الأردن ، في نوع من رد الاعتبار له إذ كان ممنوعا عليه دخولها مدة ربع قرن . لكن أحد الأعضاء عارض الترشيح ، وبدأ في ذم هلسا ، ودفع النقاش إلى نهاية مسدودة ، حينما خاطبني قائلا :
كيف تروج لجائزة تحمل اسم شخص كان يشتم السيد الرئيس ، ثم الا تعلم أنه صور في روايته " ثلاثة وجوه لبغداد " شذوذ العراقيات اللواتي لا يرتوي شبقهن الا بقناني الخمر ؟
ارتطم الحوار باستعداء الدولة ، وجرح العذرية العراقية ، فبينت له أنه كان مكرما في العراق ، ومحميا في شقة خاصة وفرتها له الدولة في أرقى أحياء بغداد مذ طرد من مصر إلى أن غادر إلى بيروت ، وقد عين محررا في مجلة الأقلام مدة طويلة ، ثم انه توفي وأصبح ذكرى ، وبلاده أعادت له الاعتبار ، وأسست جائزة باسمه . عارض المكتب فكرة ترشيح اي كاتب عراقي إلى الجائزة .
حينما غادرت الاجتماع كانت الأمطار تنهمر غزيرة فغسلت شوارع بغداد وجرت سيولا فيها .
لم أكن على علاقة طيبة بهلسا خلال وجوده في العراق ، فبعد أن التقيته في كركوك شتاء ١٩٧٧ جمعتنا لقاءات متفرقة في بغداد ، ثم حدث بيننا خلاف حينما رفض نشر بحث لي في مجلة " الأقلام " كتبته عن الطيب صالح ، الذي وصفه مع جبرا إبراهيم جبرا بأنهما من كتاب البرجوازية العربية ، لكن موقفه من كتاب النخبة ، كما قال ، لم يترك أثرا في نفسي ، فأنا عارف بميوله الماركسية ، وقرأت رواياته كافة ، ثم كتبت عنه دراسة في منتصف التسعينيات ، حللت فيها آخر رواياته " سلطانة " والقيتها في المركز الثقافي الملكي الأردني في عمان ، وهي مدرجة في " موسوعة السرد العربي "
( عبدالله إبراهيم ، أمواج ، الطبعة العربية الأولى ٢٠١٧ صفحة ٤٦٧ و ٤٦٨ " لست صلبا ولا لينا : التصفيق لصدام حسين )
Abdullah Ibrahim
عادل الأسطة عادل الاسطة
١٠ / ٣ / ٢٠٢٥
***
3- عبدالله إبراهيم واليتم والإبداع
الأستاذ خليل حمد الذي أنجز سيرته الذاتية ، وكان نشرها على حلقات في صفحته ، يصر على ربط الإبداع باليتم ، وعندما جلسنا مرة في مقهى الهموز ، أفاض في الحديث في الموضوع . كل إبداع لديه ، تقريبا ، مرتبط باليتم ، وأنا فضلت استخدام عبارة " يرتبط بالمعاناة " .
ينطلق الأستاذ خليل من مقولات علم النفس التي اعتمد عليها في كتابة رسالة الماجستير في الولايات المتحدة الأمريكية ، وكل من قرأ عن علم النفس والأدب ، ولنذكر هنا كتاب ( ديفيد ديتشس ) مثالا ، قرأ عن تحليل الناقد ( ادموند ولسون ) لشخصية الروائي ( تشارلز ديكنز ) وارجح أن عباس محمود العقاد سار على خطاه في تحليل شخصية الشاعر " أبو نواس " : لكي نتذوقه فنانا علينا أن نعرفه إنسانا " .
أمس تناقشنا معا على صفحات الفيس بوك . كنت أشرت إلى اسمه وأنا أصغي إلى ندوة الدارس والناقد العراقي الدكتور عبدالله إبراهيم ، وكتبت له إنك ستجد ما يعزز رأيك ويدعمه في سيرة الدكتور عبدالله " أمواج "(٢٠١٧) .
في كتابة عبدالله المولود في ١٩٥٧ والمتوفى والده في ١٩٦٥ وأمه في ١٩٧٠ وكتابته عن زواجهما وفقدانهما ، وبخاصة عن مرض الأم ، ثم فقدان الابن الشعور بالحنان من طرف الأب ، وتلبسه دور الأب منذ أصبح مسؤولا - أي رجل العائلة - في كتابته تشعر بالألم والحزن وقد تصاب بالاكتئاب . أية معاناة عاناها الطفل حتى تمكن من الدخول إلى المدرسة في مدينة كركوك ذات التعدد الإثني ؟!
وأنت تقرأ هذه الصفحات ووقوف الشاب المراهق مع أمه في رحلة علاجها قد تتذكر قصة يحيى حقي " قنديل أم هاشم " وقد تتذكر طفولة طه حسين في سيرته " الأيام " ، ولكن ما سيدهشك وأنت تقرأ السيرة هو لغة كاتبها وأسلوبه في العرض .
Abdullah Ibrahim
عادل الأسطة عادل الاسطة
١١ / ٣ / ٢٠٢٥
***
4- عبدالله إبراهيم والسينما "أبي فوق الشجرة"
عندما تقرأ الصفحات التي كتبها عبدالله إبراهيم في سيرته الذاتية " أمواج " عن السينما في حياته " أن تعيش لتتخيل " ، ويبدو لي أنه في اختيار العنوان هذا متأثر يقراءته سيرة الكاتب الكولومبي ( غابرييل غارسيا ماركيز ) " نعيش لنروي " وأمس كتب عبدالله عنه ، عندما تقرأ الصفحات عن السينما تذهب إلى أنه كتب قصة جيله كله مع السينما . كأنه كتب قصتي أنا ، وأنا من جيله تقريبا ، فهو من مواليد ١٩٥٧ وأنا من مواليد ١٩٥٤ .
يكتب عبدالله عن سينما الستينيات ودور السينما ، ثم موجات الأفلام المتلاحقة : العربية فالهندية فأفلام رعاة البقر / الكاوبوي ، ولا يغفل الإشارة إلى الأفلام الرخيصة التي كان جيلنا يسعى إليها . لا ينسى عناوين أفلام لافتة ويذكر أسماء الممثلين وأدوارهم وإعجابه ببعض الأدوار دون غيرها ، وتغبطه على ذاكرته الحديدية في الاسترجاع .
يكتب عبدالله أيضا عن شغفه بالسينما وتلاشي هذا الشغف وذبوله وانقطاعه عن التردد على دور السينما إلا ما ندر ، ويكتب عما ألم بدور السينما في العقود الثلاثة الأخيرة . دور سينما تغلق وتحل محلها دور جديدة في المجمعات التجارية . تغيب طقوس السينما التي نشأنا عليها وتحل محلها طقوس خافتة .
هل نجا كاتب من كتاب جيلنا ، ممن يكتبون يومياتهم أو مقالات يومية أو أسبوعية ، من الكتابة عن السينما ودورها ؟
هل نجا أيضا كاتب من الكتاب الذين كتبوا عن المكان في قصصهم ورواياتهم والتطورات التي حدثت فيه من الكتابة عن دور السينما ومآلاتها ؟
في أدبنا الفلسطيني اقرأ ما كتبه محمود شقير عن القدس وما كتبه أكرم هنية عن رام الله ، في قصته / النوفيلا " شارع فرعي في رام الله " ، ولاحظ ما ورد فيها عن دور السينما .
ما لفت انتباهي في ما كتبه عبدالله إبراهيم أنه لم يكتب عن فيلم عبد الحليم حافظ وميرفت أمين " أبي فوق الشجرة " ، هذا الفيلم الذي وصف بفيلم القبلة ، وقد أحصاها بعض مشاهديه ممن حضروه مرات عديدة .
في بداية سبعينيات القرن العشرين تم عرض الفيلم الذي مدد عرضه كما لم يمدد عرض فيلم سينمائي آخر ، وأظن أنه شكل حالة فريدة ، ويتذكره مراهقو تلك الأيام ، وكنا منهم ،جيدا .
ماذا غاب عن ذهن الكاتب الذي أذهلتني التفاصيل التي أوردها ؟
غاب عن ذهنه الإشارة إلى أفلام الكارتيه التي انتشرت في الأعوام ١٩٧٤ و ١٩٧٥ و ١٩٧٦ ، وشكلت تهديدا أخلاقيا لأبناء جيلنا من ناحيتين ؛ الأولى محاولة تقليد أبطالها ، ونجم عن ذلك حالات قتل ، والثانية مشاهدتها من أجل منظر العلاقة الحميمية بين بطلها والفتاة الجميلة ، وأعرف أصدقاء لي لم يكونوا يشترون تذكرة لمشاهدة الفيلم إلا ان احتوى المشهد .
ما لا ينبغي أن أنساه هو أننا في منتصف سبعينيات القرن العشرين صرنا نركز على مشاهدة الأفلام السينمائية المسونمة عن روايات كتاب الكبار ، بخاصة روايات نجيب محفوظ .
خربشات عادل الأسطة عادل الاسطة
Abdullah Ibrahim
١٢ / ٣ / ٢٠٢٥
***
5- بين سيرة الكاتب عبدالله إبراهيم وسيرة إبراهيم نصرالله الروائية "طفولتي حتى الآن "
أصدر عبدالله إبراهيم سيرته " أمواج " في العام ٢٠١٧ وإبراهيم نصرالله سيرته الروائية " طفولتي حتى الآن " في العام ٢٠٢٢ ، وكلا الكاتبين فاجأني بمعلومات ما خطرت ببالي ولا كنت أتوقعها أهمها الكتابة في سن مبكرة جدا واحتفاظ كليهما بدفاتر كتابتهما . مؤخرا أدرج إبراهيم نصرالله في صفحته صورة دفتر من دفاتر مدارس وكالة غوث اللاجئين كتب على صفحاته روايته الأولى ، وأمس وأنا أقرأ في سيرة عبدالله إبراهيم لفتت الفقرتان الآتيتان انتباهي ، وقد أشار في ندوته إلى فحواهما :
"وحينما قرأت " اعترافات " روسو ادعيت بأن لي حياة سرية أكثر غنى من حياته ، وانني في سبيلي للإدلاء باعترافاتي المذهلة . انطباعاتي كانت جزءا من شعوري بالمبالغة والمباهاة والمحاكاة . كنت اضفي قيمة على الأشياء لأبرز أهميتي " ( ص ٧٢ )
" بسطت الايديولوجية الشمولية نفوذها على المجتمع بالتدريج خلال تلك السنوات ، وبخاصة الشباب المنبهرون بالزهو العام الذي أشاعه الإعلام ، ولم يكونوا على معرفة بالأفكار المخالفة . ولم اشذ أنا عن الجموع في الظاهر ، لكنني كنت منشقا في داخلي . وحينما بدأت في ترتيب أحداث هذه الفترة من سيرتي ، استنادا إلى يومياتي ، وجدت أنني سجلت فيها يوم الجمعة ٢١ / ١ / ١٩٧٧ النص الآتي المعبر عما كنت عليه وأنا في السنة الأخيرة من دراستي الثانوية : " ليس بالمستطاع مطلقا التوفيق بين ثورة هذه الروح الفوضوية ، وجمود الانتماء والالتزام " .( ص ٧٨ و ٧٩ ) .
عندما بدأت أكتب كنت في الثانية والعشرين وكنت أنهيت البكالوريوس في الأدب العربي وأول مقال نشرته كان عن رواية يحيى يخلف " نجران تحت الصفر " ، وقد نشر في مجلة " البيادر " في العام ١٩٧٦ . يومها بدأت أكتب مقالات عادية في جريدة الفجر ، وكان مراسلها في نابلس السيد منذر التيتي ( أبو سليم ) وكان محله على دوار المدينة وأظن أنه كان يببع النظارات أو الساعات .
خربشات عادل الأسطة عادل الاسطة
Abdullah Ibrahim
١٣ / ٣ / ٢٠٢٥
***
6- عبدالله إبراهيم وغابرييل غارسيا ماركيز وتغير الذائقة
عندما أصدر القاص الفلسطيني يحيى يخلف قصته القصيرة " تلك المرأة الوردة " في كتيب خاص بها أصدرها مشفوعة بمقدمة كتبها الناقد الدكتور فيصل دراج الذي أشاد بالقصة إشادة كبيرة .
بعد خمسة عشر عاما تقريبا أصدر الناقد نفسه كتابه ذا العنوان اللافت " بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية "(١٩٩٦) وأتى فيه على نتاج يحيى يخلف وأبدى رأيا مختلفا فيه ليس لصالح القاص ، فقامت قيامة الناقد واتهم بتغيير مواقفه .
بعد سنوات عاد الناقد ومدح نتاج يحيى ، ما دفعني لكتابة دراسة نقدية تحت عنوان " فيصل دراج ويحيى يخلف " اغضبت الاثنين معا ، علما بأنني قرأت تغيرات الناقد في ضوء مقولة تغير الذائقة و " ان قراءة نص واحد في زمنين مختلفين قد تؤدي إلى قراءتين مختلفتين " وعزوت ذلك إلى أن الذائقة تتغير ، وكنت كتبت مطولا عن تغيرات القراءة في زمنين وأنا أدرس أشعار الشاعر العراقي مظفر النواب .
في سيرته الذاتية " أمواج : سيرة عراقية " يكتب الناقد العراقي عبدالله إبراهيم عن قراءاته للكاتب الكولومبي العالمي غابرييل غارسيا ماركيز .
قرأ الناقد " مائة عام من العزلة " أربع مرات وقرأ أيضا أعمال الروائي كلها ، وقال إنه كان معجبا بها أشد الإعجاب ، ولكنه في وقت لاحق ما عاد يرى فيها ما رآه في أثناء قراءته الأولى . ومن المؤكد أن أعمال ماركيز لم تتغير ولم تكتب كتابة جديدة ، ولكن ما تغير هو ذائقة الناقد الأدبية ، وهذا شيء طبيعي ، فكلما امتد العمر بالقاريء اطلع على كتابات جديدة وازدادت ثقافته واتسعت ، وهذا من شأنه أن ينعكس على ذائقته .
ولمن يملك السيرة الذاتية للناقد فيمكن أن يقرأ الصفحات التي كتبها تحت عنوان " وهج ، وأصداف ، و " مائة عام من العزلة " :
" خفت وهج ماركيز في نفسي خلال السنين العشرين الأخيرة من حياته ( توفي في ٢٠١٤ ) ولا أدري أينا الذي ضربه التغيير ، وأينا الذي تسبب في فجوة تعذر ردمها ؟ وأينا قطع حبل الوصال ؟ أرجح أنني الذي تغيرت ؟ فما عدت قادرا على تلقي رواياته بتلك الهمة التي صاحبته فيها قارئا مندهشا في شبابي ، فقد نضبت انفعالات القراءة ، وحل مكانها تذوق بطيء بذلك العالم الساحر المتخيل . كنت أتلقف جمرات الكتب ، وأنفخ فيها ناري ، فتتقد فوق اتقادها ، وانتهيت ، بسبب النظريات النقدية وطرق القراءة التحليلية .... الخ الخ " ( صفحة ١١٦ / ١١٧ ) .
الذائقة تتغير وحتى بعض الكتاب لا تعود أعمالهم المبكرة تعجبهم ، فيتخلون عنها .
الكتابة تطول .
خربشات عادل الأسطة عادل الاسطة
Abdullah Ibrahim
١٤ / ٣ / ٢٠٢٥
***
7- عبدالله إبراهيم والحزن العراقي : "أتعلمين أي حزن يبعث المطر؟"
في ٢ / ٤ / ٢٠١٧ كتبت مقالا عنوانه " روايات تبكي وأخرى تضحك : العلاج بالرواية " توقفت فيه أمام روايات قرأتها أبكتني مثل رواية عبد الرحمن منيف " شرق المتوسط " ورواية جبور الدويهي " شريد المنازل " وأخرى أضحكتني مثل رواية إميل حبيبي " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبو النحس المتشائل " ورواية الكاتب التركي عزيز نيسين " الطريق الوحيد " ، وكثيرة في حياتنا المواقف التي تبعث الحزن وكذلك المواقف التي تبعث على الضحك .
عندما توفيت والدة صديق لي كتبت مقالا في وداعها أتيت فيه على فقدان ولديها الكبيرين المتزوجين في حادث سير ، وكانا متزوجين ولديهما أطفال . كانت الأم صبورة وربت أحفادها وعاشت حياتها حزينة جدا " في وداع أم فايز " .
وأنت تقرأ سيرة عبدالله إبراهيم لا تستطيع أحيانا إلا ان تضحك لكتابته عن شخصيات طريفة ومنها شخصية بعض الأدباء الطريفين وبعض أصدقائه ممن لا تخلو حياتهم من نوادر ، وفي الوقت نفسه لا تتمالك نفسك من الشعور بالحزن ، وأسبابه خاصة بالمؤلف وعامة تمس حياة الشعب العراقي ، وقد تستحضر بعض قصائد مظفر النواب ؛ العامية والفصيحة ، بصوته " يا حزن " وغيرها .
يكتب عبدالله إبراهيم في سيرته عن الحرب العراقية الإيرانية والموت الجماعي بمئات الآلاف ، ويكتب أيضا عن موت خاص وأحزان خاصة ، فلا تتمالك مشاعرك وتكاد تبكي .
تحت عنوان " قعر الحزن : منازعة لا أخلاقية من أجل البقاء "( صفحة ١٤١ ) يكتب صاحب السيرة عن انقلاب الفرح إلى ترح ؛ عن رحلة عائلية قامت بها الأسرة لتحتفل بالحياة وانتهت بفقدان ثلاثة شباب من أولاد أخويه غرقا في مياه دجلة ، ونازع فيها عبدالله إبراهيم نفسه أحدهم من أجل البقاء ، وستكون اللحظات أطول لحظات حياته . لقد كان وهو في النهر ينازع عزيزا على البقاء :
" كنت أنحدر إلى القاع ، تجرفني المياه إلى وضع سديمي من الفوضى ، وهو يشدني إلى يقين الموت . لم أعد قادرا على فك يديه عني ، ولا ساقيه اللتين التفتا حولي ، أحسه متخشب الجسد يطوقني كمارد انقض علي وخطفني إلى الأبدية المعتمة . امتلأ جوفي وحلا ورملا ، وتراخت أطرافي ، وانفصلت عن جسدي ، وفشلت في منازعة التخلص منه ، وفي آخر ومضة تناهى إلي وكأنني أفلت . " .
تخيل نفسك وأنت تسبح في النهر يستنجد بك ابن أخيك ويتشبث برقبتك لتنقذه ، وأنت - إن أنقذته - تكاد تغرق معه ، فلا تعرف ماذا تفعل ؟ أتنقذه أم تنقذ نفسك ؟ إنها منازعة لا أخلاقية من أجل البقاء حقا .
يغرق ثلاثة شبان لأخوين من إخوته فيعثران للتو على جثتين ثم يبحثون عن الثالثة ؛ عن جثة سليمان وتنتهي الرحلة بحفر ثلاثة قبور ليدفن الثلاثة في اليوم نفسه متجاورين كما ماتوا في مكان واحد .
إنه قعر الحزن حقا !
وأنت تقرأ عما مر به الكاتب في حياته ؛ على الجبهة أو في النهر أو بعيدا عن العراق في حله وترحاله تردد المثل الشعبي " عمر الشقي بقي " .
كم عانى الشعب العراقي وكم تحمل أيضا !
" أتعلمين أي حزن يبعث ... العراق ؟"!
" يا حزن " .
خربشات عادل الأسطة عادل الاسطة
Abdullah Ibrahim
١٥ / ٣ / ٢٠٢٥
***
8- عبدالله إبراهيم ومثقفو الظل
في قصيدته " لاعب النرد " يكتب محمود درويش :
" هو الحظ ....
.....
نسميه خادم آلهة في أساطير
نحن الذين كتبنا النصوص لهم
واختبأنا وراء الأولمب
فصدقهم باعة الخزف الجائعون
وكذبنا سادة الذهب المتخمون
ومن سوء حظ المؤلف أن الخيال
هو الواقعي على خشبات المسارح
خلف الكواليس يختلف الأمر "
وقبل يومين أدرج خالد البطراوي ومراد السوداني صورة للمثقف محمد البطراوي الذي أسهم في الحركة الأدبية والثقافية الفلسطينية إسهاما كبيرا دون أن يكون له نتاج أدبي أو ثقافي منشور أو مكتوب يعزز الرأي السابق . كان البطراوي مثقف ظل ، وفي زمن سابق أشيع أنه هو من كتب كتاب أستاذة جامعية عن الأدب الفلسطيني تحت الاحتلال .
وأنا أقرأ ما كتبه عبدالله إبراهيم في سيرته عن جماعة كركوك الثانية ، وبالتحديد عن جان دمو تذكرت أسطر درويش وتذكرت محمد البطراوي .
يصف عبدالله إبراهيم جان دمو الذي عده من مخلفات الجماعة الأولى وزعيم الثانية بأنه " أديب بلا أدب يذكر له إلا شذرات متناثرة ، ومترجم ينقب عن معاني الكلمات في قاموس صغير يحمله معه ، ولكنه مذواق وساخط وكثير التثاؤب وشبه منطفيء ، وقد تشبع بالتخيلات الأدبية مثل " الدون كيخوته " .... "
ويأتي على تأثيره عليه فيكتب :
" أذكى جان دمو جمرة شغفي بالآداب الغربية وهي محط اهتمامه دون سواها ، وعنه نهلت منها ما روى ظمئي إبان الشباب قبل أن انعطف صوب الآداب العربية ، ولطالما وعد بأنه سيكتب رواية أفضل من " موسم الهجرة إلى الشمال "لو أقرضه أحد عشرين دينارا ... "
مرة كتبت عن غسان كنفاني وجورج حبش وتساءلت عن حضور الثاني في نصوص الأول وان كان حبش أثرى أفكار غسان ( جريدة الأيام الفلسطينية " بين كنفاني وجورج حبش ، ٣ / ٢ / ٢٠٠٨ ) .
وأنا أتابع كتابات كتاب غزة منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ توطدت صلتي عبر الفيس بوك بالأستاذ رزق المزعنن ، وسألته إن كان أصدر كتبا أدبية ، فنفى وأعلمني أنه ذواقة للأدب ويشارك في الأمسيات والندوات مشاركة فعالة .
عموما فإن سيرة أمواج سيرة حياتية وأدبية وسياسية . إنها سيرة عراقية لمرحلة من حياة العراق . منذ بداية سبعينياته وحتى تاريخ صدورها .
خربشات عادل الأسطة عادل الاسطة
Abdullah Ibrahim Rezek Muzaanin
١٦ / ٣ / ٢٠٢٥ .
***
9- عبدالله إبراهيم : " أمواج : سيرة عراقية " . أبكي عراقي أم أبكي فلسطيني؟
وأنت تقرأ عن حرب الخليج الثانية في كانون الأول ١٩٩١ وما آلت إليه بغداد فيه وتقرنه بما جرى في غزة منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ تكرر مقولة إميل حبيبي " كأننا لا رحنا ولا جينا " وتستحضر قصيدة سميح القاسم " يا دجلة الخير " التي يقول فيها متسائلا :
" ويوم يزحم وجه الموت ذاكرتي
أبكي عراقي أم أبكي فلسطيني "
وإن استعدت ما جرى في لبنان وفي سوريا فقد يتسع السؤال ليشمل أيضا لبنان وسورية ويغدو :
أبكي عراقي أم أبكي فلسطيني أم ابكي سورية وأبكي لبناني ؟
حوصرت العراق سنوات طويلة ، كما حوصرت غزة أعواما طويلة . ضاقت الحياة وشحت المواد الاستهلاكية وازدادت الأمراض وتفشت الأوبئة وازداد جشع التجار وحسدهم المسؤولون فأعدم النظام تجارا ليحل زلمه محلهم فيثروا .
صار السفر لكثيرين أمنية ومغادرة البلاد حلا ، فما عادت الحياة تطاق ، وازداد القمع وشكل حكم النظام لقسم من العراقيين كابوسا .
في السيرة تقرأ تاريخ العراق وحروبه منذ صعود نجم الرئيس العراقي صدام حسين حتى أفول نجمه . أنت لا تقرأ سيرة أدبية لباحث وأستاذ جامعي منذ تكونه وحسب ، بل تقرأ عن حقبة عاشها العراق وكان الكاتب شاهدا عليها ، والكاتب كما ذكرت ولد في العام ١٩٥٧ ووعى الحياة مبكرا . درس في الجامعة ووجب عليه أن يخدم في الجيش وكان برتبة ضابط فيه ، وستقرأ عن مواقفه مما جرى وهي مواقف متغيرة . دافع عن أفكار ومواقف سياسية ثم اكتشف أشياء وأشياء ومر بتجارب جعلته يعيد النظر في كثير منها ، واسفر هذا عن مغادرته العراق ليقيم في ليبيا وقطر وأخيرا في اسطنبول في تركيا .
من مؤيد لصدام وسلطته إلى هارب منها ومعارض لها رائيا فيه حاكما مستبدا دكتاتوريا شأنه شأن الحكام في الأنظمة الشمولية ، حاكما قاد العراق إلى الخراب والدمار والاحتلال وتفشي الطائفية والمذهبية .
يكتب عبدالله إبراهيم صفحات كثيرة عن الأحداث العامة التي عاشها جيلي / جيله وكان شاهدا عليها . تقرأ وتقلب الصفحات فكثير مما يكتبه تابعناه أولا بأول ، وهذا هو ما جعله يختار عبارة " سيرة عراقية " فأنت لا تقرأ عن كاتب السيرة منعزلا عن الوضع العام لبلاده وإنما تقرأ عنه مهتما بالشأن العام على الرغم من أوقات كثيرة قضاها في القراءة والبحث والكتابة .
هل يجد كتاب غزة في هذه المذكرات كتابة تواسيهم فيما يعانون منه ، إذ ثمة من مر مثلهم بحروب عديدة ؟
أشك !
خربشات عادل الأسطة عادل الاسطة
١٦ / ٣ / ٢٠٢٥
Abdullah Ibrahim
***
10- الضابط الذي فضل أن يكون راعي أغنام على مستشار في جيش تحت الاحتلال:
تحت عنوان " في ممالح الفاو برفقة تيوس شبقة " يكتب عبدالله إبراهيم في سيرته عن زيارته ، بصحبة رجال دين ، مدينة الفاو بعد تحريرها في الحرب من الإيرانيين ، ويأتي فيما يكتبه على دور الضابط ماهر عبد الرشيد من الحرس الجمهوري .
كرم صدام نخبة من قادة الحرس الجمهوري بأوسمة رفيعة وأشاد ببطولاتهم دون أن يقلد عبد الرشيد وساما مما يمنح للأعمال العسكرية البسيطة .
في اجتماع ماهر عبد الرشيد مع الوفد الزائر يدخل غسان أخوه فيعرف به ويقول :
هذا أخي غسان من الزوجة الرابعة لأبي ، وهو أول من دخل الفاو على أول دبابة من أول سرية اقتحمت المدينة ، وكل من يقول ان أحدا حرر الفاو غير الفيلق السابع ، فإنما يغالط نفسه !
يكتب عبدالله إبراهيم :
" كذب الجنرال رئيس الدولة على رؤوس الأشهاد ، وتجرأ عليه ... فبلغ ذلك بغداد " .
سرعان ما يخبو نجم عبد الرشيد إلى أن أشيع أنه تحول إلى راع للأغنام في مزرعته بتكريت في السنين اللاحقة ، لكنه استدعي لقمع المتمردين في الجنوب بعد أحداث الكويت ، ثم اعتقلته القوات الأمريكية اثر احتلال العراق ، وأطلق سراحه ، وعرض عليه منصب استشاري في الجيش الذي شكلته الحكومة المؤقتة برئاسة إياد علاوي في ظل الاحتلال ، لكنه فضل مواصلة الرعي ، وتوارى ذكره إلى أن توفي في نهاية حزيران ٢٠١٤ .
عندنا ما شاء الله حجزنا المنصب ونحن في منصب رئيس وزراء ، وعندما سعى قسم منا لتحييدنا سافرنا إلى دولة مجاورة لنوسط ملكها حتى لا نهمش .
بعين الله !
خربشات عادل الأسطة
١٦ / ٣ / ٢٠٢٥
***
======================
1- الدكتور عبدالله إبراهيم وندوته عن السيرة الذاتية
2- عبدالله إبراهيم : شيء عن غالب هلسا
3- عبدالله إبراهيم واليتم والإبداع :
4- عبدالله إبراهيم والسينما "أبي فوق الشجرة"
5- بين سيرة الكاتب عبدالله إبراهيم وسيرة إبراهيم نصرالله الروائية "طفولتي حتى الآن"
6- عبدالله إبراهيم وغابرييل غارسيا
ماركيز وتغير الذائقة
7- عبدالله إبراهيم والحزن العراقي : "أتعلمين أي حزن يبعث المطر؟"
8- عبدالله إبراهيم ومثقفو الظل
9- عبدالله إبراهيم : "أمواج : سيرة عراقية". أبكي عراقي أم أبكي فلسطيني؟
10- الضابط الذي فضل أن يكون راعي أغنام على مستشار في جيش تحت الاحتلال
في ٢٧ / ١ / ٢٠٢٥ ألقى الدكتور عبدالله إبراهيم ( العراق ) ندوة في تطوان ( المغرب ) عن فن السيرة الذاتية حكى فيها عن الموضوع متكئا على تأملات انبثقت من خلال تدريسه في الجامعة هذا الفن ، وقراءته عشرات السير الذاتية وآلاف الروايات ، ومن خلال كتابته سيرته الذاتية " أمواج " التي كتبها خلال خمسة عشر عاما وصاغها ست صياغات ، وكان يوم كتبها في الخمسينيات من عمره ؛ السن المناسب ، من وجهة نظره ، لكتابة السير ( بعد الخمسين تتسع شبكة علاقاته الأسرية والاجتماعية . يغدو أبا لأبناء يقدمون على الزواج وجدا لأحفاد وسن لا تسمح له بالكتابة عن مغامراته وعلاقاته قبل الزواج .. ) .
رأى الدكتور ان كتابة السيرة الذاتية تتطلب قدرا كبيرا من الجرأة في الكتابة عن أشياء شخصية سرية ، وهذا ما لا يمكن أن يكتبه المرء بعد سن الخمسين ؛ لأن المرء كلما تقدم به العمر يخجل من البوح بعلاقات سرية حميمية ان خلت منها السيرة فقدت شرطا مهما من شروط كتابتها .
ما ركز عليه الدكتور كشرط لكتابة السيرة الذاتية هو كتابة اليوميات في سن مبكرة ، ووجهة نظره في ذلك أنها تعينه على رؤية الأشياء كما رآها يوم عاشها ، لا رؤيتها كما يراها الآن ، فدون الاعتماد على اليوميات قد يسقط الكاتب رؤيته الحالية على أحداث الماضي وكانت رؤيته لها في حينه مختلفة .
والسؤال هو :
- هل يكون المرء ، وهو في العشرين ، يعرف انه سيصبح ذا شأن ، وبالتالي سيكتب سيرته ؟
من المعروف مثلا أن من يكتب سيرته الذاتية هو شخص ذو شأن ما ، شخص مر بتجارب تستحق أن تكتب لتتعلم منها الأجيال ولتكون لها مصباحا منيرا تستفيد منه .
ما علينا ! فهناك رأي مهم جدا ركز عليه الدكتور وهو أن لا ينظر كاتب السيرة الذاتية إلى الماضي بعين الحاضر ، وهذا من شأنه يفقد السيرة ميزة مهمة تتمثل في تجنب الاعتراف بالأخطاء وتظهر المرء كما لو انه ولد مكتملا .
يأتي الدكتور بمثال على ذلك وهو موقفه من الحرب العراقية -- الإيرانية في العام ١٩٨٠ . لقد كان في بدايتها معها ثم غير رأيه لاحقا وصار ضدها ، ولأن كتابة السيرة تتطلب الصدق بعيدا عن المصلحة الآنية ، فقد وجب عليه أن يكتب بصراحة ، وما أسعفه بذلك هو اعتماده على اليوميات . لقد جنبته مراجعتها الوقوع في إسقاط موقفه الحاضر الآني على الماضي .
هذه نقطة مهمة جدا فيما أرى ، وغالبا ما تجادلت مع روائيين عرب كبار كتبوا عن الماضي القريب ، فأسقطوا عليه رؤيتهم الآنية ، والكتابة تطول .
ندوة الدكتور مدرجة على صفحته .
Abdullah Ibrahim
خربشات عادل الأسطة
١٠ / ٣ / ٢٠٢٥ .
***
2- عبدالله إبراهيم : شيء عن غالب هلسا
" وفي المساء حضرت جلسة المكتب التنفيذي ، وبصفتي مسؤولا للعلاقات العربية عرضت أسماء المرشحين لجائزة " غالب هلسا " في الأردن ، في نوع من رد الاعتبار له إذ كان ممنوعا عليه دخولها مدة ربع قرن . لكن أحد الأعضاء عارض الترشيح ، وبدأ في ذم هلسا ، ودفع النقاش إلى نهاية مسدودة ، حينما خاطبني قائلا :
كيف تروج لجائزة تحمل اسم شخص كان يشتم السيد الرئيس ، ثم الا تعلم أنه صور في روايته " ثلاثة وجوه لبغداد " شذوذ العراقيات اللواتي لا يرتوي شبقهن الا بقناني الخمر ؟
ارتطم الحوار باستعداء الدولة ، وجرح العذرية العراقية ، فبينت له أنه كان مكرما في العراق ، ومحميا في شقة خاصة وفرتها له الدولة في أرقى أحياء بغداد مذ طرد من مصر إلى أن غادر إلى بيروت ، وقد عين محررا في مجلة الأقلام مدة طويلة ، ثم انه توفي وأصبح ذكرى ، وبلاده أعادت له الاعتبار ، وأسست جائزة باسمه . عارض المكتب فكرة ترشيح اي كاتب عراقي إلى الجائزة .
حينما غادرت الاجتماع كانت الأمطار تنهمر غزيرة فغسلت شوارع بغداد وجرت سيولا فيها .
لم أكن على علاقة طيبة بهلسا خلال وجوده في العراق ، فبعد أن التقيته في كركوك شتاء ١٩٧٧ جمعتنا لقاءات متفرقة في بغداد ، ثم حدث بيننا خلاف حينما رفض نشر بحث لي في مجلة " الأقلام " كتبته عن الطيب صالح ، الذي وصفه مع جبرا إبراهيم جبرا بأنهما من كتاب البرجوازية العربية ، لكن موقفه من كتاب النخبة ، كما قال ، لم يترك أثرا في نفسي ، فأنا عارف بميوله الماركسية ، وقرأت رواياته كافة ، ثم كتبت عنه دراسة في منتصف التسعينيات ، حللت فيها آخر رواياته " سلطانة " والقيتها في المركز الثقافي الملكي الأردني في عمان ، وهي مدرجة في " موسوعة السرد العربي "
( عبدالله إبراهيم ، أمواج ، الطبعة العربية الأولى ٢٠١٧ صفحة ٤٦٧ و ٤٦٨ " لست صلبا ولا لينا : التصفيق لصدام حسين )
Abdullah Ibrahim
عادل الأسطة عادل الاسطة
١٠ / ٣ / ٢٠٢٥
***
3- عبدالله إبراهيم واليتم والإبداع
الأستاذ خليل حمد الذي أنجز سيرته الذاتية ، وكان نشرها على حلقات في صفحته ، يصر على ربط الإبداع باليتم ، وعندما جلسنا مرة في مقهى الهموز ، أفاض في الحديث في الموضوع . كل إبداع لديه ، تقريبا ، مرتبط باليتم ، وأنا فضلت استخدام عبارة " يرتبط بالمعاناة " .
ينطلق الأستاذ خليل من مقولات علم النفس التي اعتمد عليها في كتابة رسالة الماجستير في الولايات المتحدة الأمريكية ، وكل من قرأ عن علم النفس والأدب ، ولنذكر هنا كتاب ( ديفيد ديتشس ) مثالا ، قرأ عن تحليل الناقد ( ادموند ولسون ) لشخصية الروائي ( تشارلز ديكنز ) وارجح أن عباس محمود العقاد سار على خطاه في تحليل شخصية الشاعر " أبو نواس " : لكي نتذوقه فنانا علينا أن نعرفه إنسانا " .
أمس تناقشنا معا على صفحات الفيس بوك . كنت أشرت إلى اسمه وأنا أصغي إلى ندوة الدارس والناقد العراقي الدكتور عبدالله إبراهيم ، وكتبت له إنك ستجد ما يعزز رأيك ويدعمه في سيرة الدكتور عبدالله " أمواج "(٢٠١٧) .
في كتابة عبدالله المولود في ١٩٥٧ والمتوفى والده في ١٩٦٥ وأمه في ١٩٧٠ وكتابته عن زواجهما وفقدانهما ، وبخاصة عن مرض الأم ، ثم فقدان الابن الشعور بالحنان من طرف الأب ، وتلبسه دور الأب منذ أصبح مسؤولا - أي رجل العائلة - في كتابته تشعر بالألم والحزن وقد تصاب بالاكتئاب . أية معاناة عاناها الطفل حتى تمكن من الدخول إلى المدرسة في مدينة كركوك ذات التعدد الإثني ؟!
وأنت تقرأ هذه الصفحات ووقوف الشاب المراهق مع أمه في رحلة علاجها قد تتذكر قصة يحيى حقي " قنديل أم هاشم " وقد تتذكر طفولة طه حسين في سيرته " الأيام " ، ولكن ما سيدهشك وأنت تقرأ السيرة هو لغة كاتبها وأسلوبه في العرض .
Abdullah Ibrahim
عادل الأسطة عادل الاسطة
١١ / ٣ / ٢٠٢٥
***
4- عبدالله إبراهيم والسينما "أبي فوق الشجرة"
عندما تقرأ الصفحات التي كتبها عبدالله إبراهيم في سيرته الذاتية " أمواج " عن السينما في حياته " أن تعيش لتتخيل " ، ويبدو لي أنه في اختيار العنوان هذا متأثر يقراءته سيرة الكاتب الكولومبي ( غابرييل غارسيا ماركيز ) " نعيش لنروي " وأمس كتب عبدالله عنه ، عندما تقرأ الصفحات عن السينما تذهب إلى أنه كتب قصة جيله كله مع السينما . كأنه كتب قصتي أنا ، وأنا من جيله تقريبا ، فهو من مواليد ١٩٥٧ وأنا من مواليد ١٩٥٤ .
يكتب عبدالله عن سينما الستينيات ودور السينما ، ثم موجات الأفلام المتلاحقة : العربية فالهندية فأفلام رعاة البقر / الكاوبوي ، ولا يغفل الإشارة إلى الأفلام الرخيصة التي كان جيلنا يسعى إليها . لا ينسى عناوين أفلام لافتة ويذكر أسماء الممثلين وأدوارهم وإعجابه ببعض الأدوار دون غيرها ، وتغبطه على ذاكرته الحديدية في الاسترجاع .
يكتب عبدالله أيضا عن شغفه بالسينما وتلاشي هذا الشغف وذبوله وانقطاعه عن التردد على دور السينما إلا ما ندر ، ويكتب عما ألم بدور السينما في العقود الثلاثة الأخيرة . دور سينما تغلق وتحل محلها دور جديدة في المجمعات التجارية . تغيب طقوس السينما التي نشأنا عليها وتحل محلها طقوس خافتة .
هل نجا كاتب من كتاب جيلنا ، ممن يكتبون يومياتهم أو مقالات يومية أو أسبوعية ، من الكتابة عن السينما ودورها ؟
هل نجا أيضا كاتب من الكتاب الذين كتبوا عن المكان في قصصهم ورواياتهم والتطورات التي حدثت فيه من الكتابة عن دور السينما ومآلاتها ؟
في أدبنا الفلسطيني اقرأ ما كتبه محمود شقير عن القدس وما كتبه أكرم هنية عن رام الله ، في قصته / النوفيلا " شارع فرعي في رام الله " ، ولاحظ ما ورد فيها عن دور السينما .
ما لفت انتباهي في ما كتبه عبدالله إبراهيم أنه لم يكتب عن فيلم عبد الحليم حافظ وميرفت أمين " أبي فوق الشجرة " ، هذا الفيلم الذي وصف بفيلم القبلة ، وقد أحصاها بعض مشاهديه ممن حضروه مرات عديدة .
في بداية سبعينيات القرن العشرين تم عرض الفيلم الذي مدد عرضه كما لم يمدد عرض فيلم سينمائي آخر ، وأظن أنه شكل حالة فريدة ، ويتذكره مراهقو تلك الأيام ، وكنا منهم ،جيدا .
ماذا غاب عن ذهن الكاتب الذي أذهلتني التفاصيل التي أوردها ؟
غاب عن ذهنه الإشارة إلى أفلام الكارتيه التي انتشرت في الأعوام ١٩٧٤ و ١٩٧٥ و ١٩٧٦ ، وشكلت تهديدا أخلاقيا لأبناء جيلنا من ناحيتين ؛ الأولى محاولة تقليد أبطالها ، ونجم عن ذلك حالات قتل ، والثانية مشاهدتها من أجل منظر العلاقة الحميمية بين بطلها والفتاة الجميلة ، وأعرف أصدقاء لي لم يكونوا يشترون تذكرة لمشاهدة الفيلم إلا ان احتوى المشهد .
ما لا ينبغي أن أنساه هو أننا في منتصف سبعينيات القرن العشرين صرنا نركز على مشاهدة الأفلام السينمائية المسونمة عن روايات كتاب الكبار ، بخاصة روايات نجيب محفوظ .
خربشات عادل الأسطة عادل الاسطة
Abdullah Ibrahim
١٢ / ٣ / ٢٠٢٥
***
5- بين سيرة الكاتب عبدالله إبراهيم وسيرة إبراهيم نصرالله الروائية "طفولتي حتى الآن "
أصدر عبدالله إبراهيم سيرته " أمواج " في العام ٢٠١٧ وإبراهيم نصرالله سيرته الروائية " طفولتي حتى الآن " في العام ٢٠٢٢ ، وكلا الكاتبين فاجأني بمعلومات ما خطرت ببالي ولا كنت أتوقعها أهمها الكتابة في سن مبكرة جدا واحتفاظ كليهما بدفاتر كتابتهما . مؤخرا أدرج إبراهيم نصرالله في صفحته صورة دفتر من دفاتر مدارس وكالة غوث اللاجئين كتب على صفحاته روايته الأولى ، وأمس وأنا أقرأ في سيرة عبدالله إبراهيم لفتت الفقرتان الآتيتان انتباهي ، وقد أشار في ندوته إلى فحواهما :
"وحينما قرأت " اعترافات " روسو ادعيت بأن لي حياة سرية أكثر غنى من حياته ، وانني في سبيلي للإدلاء باعترافاتي المذهلة . انطباعاتي كانت جزءا من شعوري بالمبالغة والمباهاة والمحاكاة . كنت اضفي قيمة على الأشياء لأبرز أهميتي " ( ص ٧٢ )
" بسطت الايديولوجية الشمولية نفوذها على المجتمع بالتدريج خلال تلك السنوات ، وبخاصة الشباب المنبهرون بالزهو العام الذي أشاعه الإعلام ، ولم يكونوا على معرفة بالأفكار المخالفة . ولم اشذ أنا عن الجموع في الظاهر ، لكنني كنت منشقا في داخلي . وحينما بدأت في ترتيب أحداث هذه الفترة من سيرتي ، استنادا إلى يومياتي ، وجدت أنني سجلت فيها يوم الجمعة ٢١ / ١ / ١٩٧٧ النص الآتي المعبر عما كنت عليه وأنا في السنة الأخيرة من دراستي الثانوية : " ليس بالمستطاع مطلقا التوفيق بين ثورة هذه الروح الفوضوية ، وجمود الانتماء والالتزام " .( ص ٧٨ و ٧٩ ) .
عندما بدأت أكتب كنت في الثانية والعشرين وكنت أنهيت البكالوريوس في الأدب العربي وأول مقال نشرته كان عن رواية يحيى يخلف " نجران تحت الصفر " ، وقد نشر في مجلة " البيادر " في العام ١٩٧٦ . يومها بدأت أكتب مقالات عادية في جريدة الفجر ، وكان مراسلها في نابلس السيد منذر التيتي ( أبو سليم ) وكان محله على دوار المدينة وأظن أنه كان يببع النظارات أو الساعات .
خربشات عادل الأسطة عادل الاسطة
Abdullah Ibrahim
١٣ / ٣ / ٢٠٢٥
***
6- عبدالله إبراهيم وغابرييل غارسيا ماركيز وتغير الذائقة
عندما أصدر القاص الفلسطيني يحيى يخلف قصته القصيرة " تلك المرأة الوردة " في كتيب خاص بها أصدرها مشفوعة بمقدمة كتبها الناقد الدكتور فيصل دراج الذي أشاد بالقصة إشادة كبيرة .
بعد خمسة عشر عاما تقريبا أصدر الناقد نفسه كتابه ذا العنوان اللافت " بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية "(١٩٩٦) وأتى فيه على نتاج يحيى يخلف وأبدى رأيا مختلفا فيه ليس لصالح القاص ، فقامت قيامة الناقد واتهم بتغيير مواقفه .
بعد سنوات عاد الناقد ومدح نتاج يحيى ، ما دفعني لكتابة دراسة نقدية تحت عنوان " فيصل دراج ويحيى يخلف " اغضبت الاثنين معا ، علما بأنني قرأت تغيرات الناقد في ضوء مقولة تغير الذائقة و " ان قراءة نص واحد في زمنين مختلفين قد تؤدي إلى قراءتين مختلفتين " وعزوت ذلك إلى أن الذائقة تتغير ، وكنت كتبت مطولا عن تغيرات القراءة في زمنين وأنا أدرس أشعار الشاعر العراقي مظفر النواب .
في سيرته الذاتية " أمواج : سيرة عراقية " يكتب الناقد العراقي عبدالله إبراهيم عن قراءاته للكاتب الكولومبي العالمي غابرييل غارسيا ماركيز .
قرأ الناقد " مائة عام من العزلة " أربع مرات وقرأ أيضا أعمال الروائي كلها ، وقال إنه كان معجبا بها أشد الإعجاب ، ولكنه في وقت لاحق ما عاد يرى فيها ما رآه في أثناء قراءته الأولى . ومن المؤكد أن أعمال ماركيز لم تتغير ولم تكتب كتابة جديدة ، ولكن ما تغير هو ذائقة الناقد الأدبية ، وهذا شيء طبيعي ، فكلما امتد العمر بالقاريء اطلع على كتابات جديدة وازدادت ثقافته واتسعت ، وهذا من شأنه أن ينعكس على ذائقته .
ولمن يملك السيرة الذاتية للناقد فيمكن أن يقرأ الصفحات التي كتبها تحت عنوان " وهج ، وأصداف ، و " مائة عام من العزلة " :
" خفت وهج ماركيز في نفسي خلال السنين العشرين الأخيرة من حياته ( توفي في ٢٠١٤ ) ولا أدري أينا الذي ضربه التغيير ، وأينا الذي تسبب في فجوة تعذر ردمها ؟ وأينا قطع حبل الوصال ؟ أرجح أنني الذي تغيرت ؟ فما عدت قادرا على تلقي رواياته بتلك الهمة التي صاحبته فيها قارئا مندهشا في شبابي ، فقد نضبت انفعالات القراءة ، وحل مكانها تذوق بطيء بذلك العالم الساحر المتخيل . كنت أتلقف جمرات الكتب ، وأنفخ فيها ناري ، فتتقد فوق اتقادها ، وانتهيت ، بسبب النظريات النقدية وطرق القراءة التحليلية .... الخ الخ " ( صفحة ١١٦ / ١١٧ ) .
الذائقة تتغير وحتى بعض الكتاب لا تعود أعمالهم المبكرة تعجبهم ، فيتخلون عنها .
الكتابة تطول .
خربشات عادل الأسطة عادل الاسطة
Abdullah Ibrahim
١٤ / ٣ / ٢٠٢٥
***
7- عبدالله إبراهيم والحزن العراقي : "أتعلمين أي حزن يبعث المطر؟"
في ٢ / ٤ / ٢٠١٧ كتبت مقالا عنوانه " روايات تبكي وأخرى تضحك : العلاج بالرواية " توقفت فيه أمام روايات قرأتها أبكتني مثل رواية عبد الرحمن منيف " شرق المتوسط " ورواية جبور الدويهي " شريد المنازل " وأخرى أضحكتني مثل رواية إميل حبيبي " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبو النحس المتشائل " ورواية الكاتب التركي عزيز نيسين " الطريق الوحيد " ، وكثيرة في حياتنا المواقف التي تبعث الحزن وكذلك المواقف التي تبعث على الضحك .
عندما توفيت والدة صديق لي كتبت مقالا في وداعها أتيت فيه على فقدان ولديها الكبيرين المتزوجين في حادث سير ، وكانا متزوجين ولديهما أطفال . كانت الأم صبورة وربت أحفادها وعاشت حياتها حزينة جدا " في وداع أم فايز " .
وأنت تقرأ سيرة عبدالله إبراهيم لا تستطيع أحيانا إلا ان تضحك لكتابته عن شخصيات طريفة ومنها شخصية بعض الأدباء الطريفين وبعض أصدقائه ممن لا تخلو حياتهم من نوادر ، وفي الوقت نفسه لا تتمالك نفسك من الشعور بالحزن ، وأسبابه خاصة بالمؤلف وعامة تمس حياة الشعب العراقي ، وقد تستحضر بعض قصائد مظفر النواب ؛ العامية والفصيحة ، بصوته " يا حزن " وغيرها .
يكتب عبدالله إبراهيم في سيرته عن الحرب العراقية الإيرانية والموت الجماعي بمئات الآلاف ، ويكتب أيضا عن موت خاص وأحزان خاصة ، فلا تتمالك مشاعرك وتكاد تبكي .
تحت عنوان " قعر الحزن : منازعة لا أخلاقية من أجل البقاء "( صفحة ١٤١ ) يكتب صاحب السيرة عن انقلاب الفرح إلى ترح ؛ عن رحلة عائلية قامت بها الأسرة لتحتفل بالحياة وانتهت بفقدان ثلاثة شباب من أولاد أخويه غرقا في مياه دجلة ، ونازع فيها عبدالله إبراهيم نفسه أحدهم من أجل البقاء ، وستكون اللحظات أطول لحظات حياته . لقد كان وهو في النهر ينازع عزيزا على البقاء :
" كنت أنحدر إلى القاع ، تجرفني المياه إلى وضع سديمي من الفوضى ، وهو يشدني إلى يقين الموت . لم أعد قادرا على فك يديه عني ، ولا ساقيه اللتين التفتا حولي ، أحسه متخشب الجسد يطوقني كمارد انقض علي وخطفني إلى الأبدية المعتمة . امتلأ جوفي وحلا ورملا ، وتراخت أطرافي ، وانفصلت عن جسدي ، وفشلت في منازعة التخلص منه ، وفي آخر ومضة تناهى إلي وكأنني أفلت . " .
تخيل نفسك وأنت تسبح في النهر يستنجد بك ابن أخيك ويتشبث برقبتك لتنقذه ، وأنت - إن أنقذته - تكاد تغرق معه ، فلا تعرف ماذا تفعل ؟ أتنقذه أم تنقذ نفسك ؟ إنها منازعة لا أخلاقية من أجل البقاء حقا .
يغرق ثلاثة شبان لأخوين من إخوته فيعثران للتو على جثتين ثم يبحثون عن الثالثة ؛ عن جثة سليمان وتنتهي الرحلة بحفر ثلاثة قبور ليدفن الثلاثة في اليوم نفسه متجاورين كما ماتوا في مكان واحد .
إنه قعر الحزن حقا !
وأنت تقرأ عما مر به الكاتب في حياته ؛ على الجبهة أو في النهر أو بعيدا عن العراق في حله وترحاله تردد المثل الشعبي " عمر الشقي بقي " .
كم عانى الشعب العراقي وكم تحمل أيضا !
" أتعلمين أي حزن يبعث ... العراق ؟"!
" يا حزن " .
خربشات عادل الأسطة عادل الاسطة
Abdullah Ibrahim
١٥ / ٣ / ٢٠٢٥
***
8- عبدالله إبراهيم ومثقفو الظل
في قصيدته " لاعب النرد " يكتب محمود درويش :
" هو الحظ ....
.....
نسميه خادم آلهة في أساطير
نحن الذين كتبنا النصوص لهم
واختبأنا وراء الأولمب
فصدقهم باعة الخزف الجائعون
وكذبنا سادة الذهب المتخمون
ومن سوء حظ المؤلف أن الخيال
هو الواقعي على خشبات المسارح
خلف الكواليس يختلف الأمر "
وقبل يومين أدرج خالد البطراوي ومراد السوداني صورة للمثقف محمد البطراوي الذي أسهم في الحركة الأدبية والثقافية الفلسطينية إسهاما كبيرا دون أن يكون له نتاج أدبي أو ثقافي منشور أو مكتوب يعزز الرأي السابق . كان البطراوي مثقف ظل ، وفي زمن سابق أشيع أنه هو من كتب كتاب أستاذة جامعية عن الأدب الفلسطيني تحت الاحتلال .
وأنا أقرأ ما كتبه عبدالله إبراهيم في سيرته عن جماعة كركوك الثانية ، وبالتحديد عن جان دمو تذكرت أسطر درويش وتذكرت محمد البطراوي .
يصف عبدالله إبراهيم جان دمو الذي عده من مخلفات الجماعة الأولى وزعيم الثانية بأنه " أديب بلا أدب يذكر له إلا شذرات متناثرة ، ومترجم ينقب عن معاني الكلمات في قاموس صغير يحمله معه ، ولكنه مذواق وساخط وكثير التثاؤب وشبه منطفيء ، وقد تشبع بالتخيلات الأدبية مثل " الدون كيخوته " .... "
ويأتي على تأثيره عليه فيكتب :
" أذكى جان دمو جمرة شغفي بالآداب الغربية وهي محط اهتمامه دون سواها ، وعنه نهلت منها ما روى ظمئي إبان الشباب قبل أن انعطف صوب الآداب العربية ، ولطالما وعد بأنه سيكتب رواية أفضل من " موسم الهجرة إلى الشمال "لو أقرضه أحد عشرين دينارا ... "
مرة كتبت عن غسان كنفاني وجورج حبش وتساءلت عن حضور الثاني في نصوص الأول وان كان حبش أثرى أفكار غسان ( جريدة الأيام الفلسطينية " بين كنفاني وجورج حبش ، ٣ / ٢ / ٢٠٠٨ ) .
وأنا أتابع كتابات كتاب غزة منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ توطدت صلتي عبر الفيس بوك بالأستاذ رزق المزعنن ، وسألته إن كان أصدر كتبا أدبية ، فنفى وأعلمني أنه ذواقة للأدب ويشارك في الأمسيات والندوات مشاركة فعالة .
عموما فإن سيرة أمواج سيرة حياتية وأدبية وسياسية . إنها سيرة عراقية لمرحلة من حياة العراق . منذ بداية سبعينياته وحتى تاريخ صدورها .
خربشات عادل الأسطة عادل الاسطة
Abdullah Ibrahim Rezek Muzaanin
١٦ / ٣ / ٢٠٢٥ .
***
9- عبدالله إبراهيم : " أمواج : سيرة عراقية " . أبكي عراقي أم أبكي فلسطيني؟
وأنت تقرأ عن حرب الخليج الثانية في كانون الأول ١٩٩١ وما آلت إليه بغداد فيه وتقرنه بما جرى في غزة منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ تكرر مقولة إميل حبيبي " كأننا لا رحنا ولا جينا " وتستحضر قصيدة سميح القاسم " يا دجلة الخير " التي يقول فيها متسائلا :
" ويوم يزحم وجه الموت ذاكرتي
أبكي عراقي أم أبكي فلسطيني "
وإن استعدت ما جرى في لبنان وفي سوريا فقد يتسع السؤال ليشمل أيضا لبنان وسورية ويغدو :
أبكي عراقي أم أبكي فلسطيني أم ابكي سورية وأبكي لبناني ؟
حوصرت العراق سنوات طويلة ، كما حوصرت غزة أعواما طويلة . ضاقت الحياة وشحت المواد الاستهلاكية وازدادت الأمراض وتفشت الأوبئة وازداد جشع التجار وحسدهم المسؤولون فأعدم النظام تجارا ليحل زلمه محلهم فيثروا .
صار السفر لكثيرين أمنية ومغادرة البلاد حلا ، فما عادت الحياة تطاق ، وازداد القمع وشكل حكم النظام لقسم من العراقيين كابوسا .
في السيرة تقرأ تاريخ العراق وحروبه منذ صعود نجم الرئيس العراقي صدام حسين حتى أفول نجمه . أنت لا تقرأ سيرة أدبية لباحث وأستاذ جامعي منذ تكونه وحسب ، بل تقرأ عن حقبة عاشها العراق وكان الكاتب شاهدا عليها ، والكاتب كما ذكرت ولد في العام ١٩٥٧ ووعى الحياة مبكرا . درس في الجامعة ووجب عليه أن يخدم في الجيش وكان برتبة ضابط فيه ، وستقرأ عن مواقفه مما جرى وهي مواقف متغيرة . دافع عن أفكار ومواقف سياسية ثم اكتشف أشياء وأشياء ومر بتجارب جعلته يعيد النظر في كثير منها ، واسفر هذا عن مغادرته العراق ليقيم في ليبيا وقطر وأخيرا في اسطنبول في تركيا .
من مؤيد لصدام وسلطته إلى هارب منها ومعارض لها رائيا فيه حاكما مستبدا دكتاتوريا شأنه شأن الحكام في الأنظمة الشمولية ، حاكما قاد العراق إلى الخراب والدمار والاحتلال وتفشي الطائفية والمذهبية .
يكتب عبدالله إبراهيم صفحات كثيرة عن الأحداث العامة التي عاشها جيلي / جيله وكان شاهدا عليها . تقرأ وتقلب الصفحات فكثير مما يكتبه تابعناه أولا بأول ، وهذا هو ما جعله يختار عبارة " سيرة عراقية " فأنت لا تقرأ عن كاتب السيرة منعزلا عن الوضع العام لبلاده وإنما تقرأ عنه مهتما بالشأن العام على الرغم من أوقات كثيرة قضاها في القراءة والبحث والكتابة .
هل يجد كتاب غزة في هذه المذكرات كتابة تواسيهم فيما يعانون منه ، إذ ثمة من مر مثلهم بحروب عديدة ؟
أشك !
خربشات عادل الأسطة عادل الاسطة
١٦ / ٣ / ٢٠٢٥
Abdullah Ibrahim
***
10- الضابط الذي فضل أن يكون راعي أغنام على مستشار في جيش تحت الاحتلال:
تحت عنوان " في ممالح الفاو برفقة تيوس شبقة " يكتب عبدالله إبراهيم في سيرته عن زيارته ، بصحبة رجال دين ، مدينة الفاو بعد تحريرها في الحرب من الإيرانيين ، ويأتي فيما يكتبه على دور الضابط ماهر عبد الرشيد من الحرس الجمهوري .
كرم صدام نخبة من قادة الحرس الجمهوري بأوسمة رفيعة وأشاد ببطولاتهم دون أن يقلد عبد الرشيد وساما مما يمنح للأعمال العسكرية البسيطة .
في اجتماع ماهر عبد الرشيد مع الوفد الزائر يدخل غسان أخوه فيعرف به ويقول :
هذا أخي غسان من الزوجة الرابعة لأبي ، وهو أول من دخل الفاو على أول دبابة من أول سرية اقتحمت المدينة ، وكل من يقول ان أحدا حرر الفاو غير الفيلق السابع ، فإنما يغالط نفسه !
يكتب عبدالله إبراهيم :
" كذب الجنرال رئيس الدولة على رؤوس الأشهاد ، وتجرأ عليه ... فبلغ ذلك بغداد " .
سرعان ما يخبو نجم عبد الرشيد إلى أن أشيع أنه تحول إلى راع للأغنام في مزرعته بتكريت في السنين اللاحقة ، لكنه استدعي لقمع المتمردين في الجنوب بعد أحداث الكويت ، ثم اعتقلته القوات الأمريكية اثر احتلال العراق ، وأطلق سراحه ، وعرض عليه منصب استشاري في الجيش الذي شكلته الحكومة المؤقتة برئاسة إياد علاوي في ظل الاحتلال ، لكنه فضل مواصلة الرعي ، وتوارى ذكره إلى أن توفي في نهاية حزيران ٢٠١٤ .
عندنا ما شاء الله حجزنا المنصب ونحن في منصب رئيس وزراء ، وعندما سعى قسم منا لتحييدنا سافرنا إلى دولة مجاورة لنوسط ملكها حتى لا نهمش .
بعين الله !
خربشات عادل الأسطة
١٦ / ٣ / ٢٠٢٥
***
======================
1- الدكتور عبدالله إبراهيم وندوته عن السيرة الذاتية
2- عبدالله إبراهيم : شيء عن غالب هلسا
3- عبدالله إبراهيم واليتم والإبداع :
4- عبدالله إبراهيم والسينما "أبي فوق الشجرة"
5- بين سيرة الكاتب عبدالله إبراهيم وسيرة إبراهيم نصرالله الروائية "طفولتي حتى الآن"
6- عبدالله إبراهيم وغابرييل غارسيا
ماركيز وتغير الذائقة
7- عبدالله إبراهيم والحزن العراقي : "أتعلمين أي حزن يبعث المطر؟"
8- عبدالله إبراهيم ومثقفو الظل
9- عبدالله إبراهيم : "أمواج : سيرة عراقية". أبكي عراقي أم أبكي فلسطيني؟
10- الضابط الذي فضل أن يكون راعي أغنام على مستشار في جيش تحت الاحتلال